ماذا يعني فوز ترمب للنظام المصري ومعارضيه؟

blogs - trump

العالم بعد فوز ترمب
ترمب والربيع العربي
ترمب والحركات الإسلامية
ترمب والسيسي

احتفت وسائل الإعلام الرسمية والمقربة من النظام المصري بنتائج الانتخابات الأميركية، وأعربت عن سعادتها ليس فقط بفوز دونالد ترمب الذي يبدو كحليف محتمل للسيسي، وإنما أيضا بهزيمة هيلاري كلينتون التي يتهمها مؤيدو النظام بمساندة جماعة الإخوان المسلمين عندما كانت وزيرة للخارجية هي والرئيس أوباما.

في هذا المقال نحاول أن نقترب أكثر من دونالد ترمب لنعرف ما يمكن أن يحدثه فوزه من تأثير على المشهد المصري، من خلال مناقشة ما يعنيه فوزه للعالم ثم موقفه من الربيع العربي ونشر الديمقراطية وعلاقته بالسيسي ونظرته للحركات الإسلامية والإخوان المسلمين بشكل خاص.

وغني عن البيان أن حسابات ترمب المرشح سوف تختلف بالضرورة عن ترمب الرئيس، لكن هذا لا يعني انقطاعا بين هذا وذلك، فالسياسة الأميركية وإن كانت تقوم على مؤسسات إلا أن هذه المؤسسات يقودها أفراد، وترمب سيمثل القائد الأعلى لهذه المؤسسات في دولة رئاسية يتمتع فيها الرئيس بسلطة كبيرة.

العالم بعد فوز ترمب
على المستوى الدولي يبدو أن أحد أكثر المحتفين بترمب هو الرئيس الروسي فلاديمير بوتين الذي أعرب ترمب سابقا عن "إعجابه" به ورغبته في التعاون معه، وهو ما لم يتوافر لمنافسته كلينتون. وفي المقابل فإن فوز ترمب أثار مخاوف حلفاء أميركا التقليدين خشية تخلي واشنطن عن دورها العالمي أو الضغط على حلفائها لتكبيدهم مزيدا من الأعباء المالية أو العسكرية أو السياسية.

حسابات ترمب المرشح ستختلف بالضرورة عن ترمب الرئيس، لكن هذا لا يعني انقطاعا، فالسياسة الأميركية وإن كانت تقوم على مؤسسات إلا أن هذه المؤسسات يقودها أفراد، وترمب سيمثل القائد الأعلى لهذه المؤسسات في دولة رئاسية يتمتع فيها الرئيس بسلطة كبيرة

هذه المخاوف عبرت عن نفسها بقوة لدى الدول التي اعتمدت على مدى عقود على المظلة الأميركية في حماية أمنها الدولي والإقليمي لاسيما اليابان وكوريا الجنوبية ودول البلطيق التي باتت في هلع من غدر الدب الروسي في لحظة صداقته مع ساكن البيت الأبيض الجديد.

ذات الشعور بالقلق يسود لدى دول الخليج العربية التي بنت منظومتها الدفاعية منذ الاحتلال العراقي للكويت عام 1990 على الاعتماد على الحليف الأميركي القوي. لقد عبرت كلمات ترمب ولغة جسده عن نظرة سلبية للغاية لهذه الدول التي يرى أنها لا تقوم بأي شيء ولا تملك إلا الأموال وأنها لم تكن موجودة لولا الحماية الأميركية.

ترمب لا يرى قدسية للمواثيق والمعاهدات الدولية ولا حتى المؤسسات الدولية وهو كرجل أعمال ربما سيقيس مدى التزام بلاده بهذه المعاهدات والمؤسسات بما تقدمه من نفع عاجل وبنظرة ضيقة في حسابات المكسب والخسارة.

ترمب والربيع العربي
خلال الحملة الانتخابية تركزت انتقادات حملة ترمب لمنافسته كلينتون باعتبارها أفسدت الشرق الأوسط وغذت التطرف فيه عندما كانت وزيرة للخارجية من خلال تشجيع الولايات المتحدة أو على الاقل صمتها تجاه ثورات الربيع العربي التي يعتبرها ترمب شيئا سلبيا.

يعتمد ترمب في نظرته للمنطقة وطريقة التعامل معها على الرؤية التقليدية الأميركية التي فضلت على مدى عقود التعامل مع حكام مستبدين ودعمهم، على حساب شعوبهم على التعامل مع مؤسسات ديمقراطية وساسة منتخبين تختلف رؤاهم أو تتفق مع الإدارة الأميركية.

وتظهر تغريدات كتبها ترمب في السنوات التالية لثورات الربيع العربي أنه كان معارضا للإطاحة بحسني مبارك ورافضا تولي الإسلاميين للسلطة عن طريق الانتخابات الديمقراطية.

حول العالم لم يثلج نجاح ترمب إلا صدورا قليلة، منها إلى جانب بوتين والسيسي بشار الأسد في سوريا. وفي أوروبا على سبيل المثال لم يحتف أحد بفوزه إلا اليمين المعادي للأجانب والمهاجرين، منهم رئيس الوزراء المجري فيكتور أوربان وفون ستورش نائبة رئيسة حزب البديل من أجل ألمانيا وجان ماري لوبان مؤسس حزب الجبهة الوطنية اليميني في فرنسا ووالد مارين زعيمته الحالية الذي قال "اليوم الولايات المتحدة وغدا فرنسا."

ترمب والحركات الإسلامية
بدأت معرفة المواطنين العاديين في العالمين العربي والإسلامي لدونالد ترمب على نطاق واسع من خلال تصريحه الشهير والمستفز بضرورة فرض حظر مؤقت على دخول المسلمين للولايات المتحدة الأميركية، وهو ما دعا صديق خان عمدة لندن المسلم على سبيل المثال للقول إن "ترمب ومن هم حوله يظنون أن القيم الليبرالية الغربية لا تتماشى مع الإسلام المعتدل."

يبدو أن تقاربا ما يسود كيمياء العلاقة بين ترمب والسيسي؛ فقد جاءا معا للسلطة  في ظل انتشار موجة من الشعبوية والانقسام المجتمعي الحاد، ناهيك عن رفضهما لقبول الآخر المختلف معهما سياسيا، فضلا عن بغضهما الواضح للحركات الإسلامية ونزعتهما التبسيطية للظواهر السياسية

يتبنى ترمب نظرة سطحية للحركات الإسلامية تضعها جميعا في سلة واحدة دون تفرقة بين متطرف منها ومعتدل، ومن هنا فإنه ينظر لجماعة مثل الإخوان المسلمين والأحزاب الإسلامية الأخرى التي تقبل بالمشاركة السياسية السلمية باعتبارها وجها آخر لتنظيم الدولة الإسلامية، ومن غير الواضح من خلال خطاب ترمب أنه مستعد لتقبل أي نوع من التعاون مع الحركات الإسلامية، باستثناء حزب العدالة والتنمية التركي نظرا لكونه يمثل دولة لا حركة.

وتكشف تغريدات ترمب أنه كان يضيق ذرعا بالسياسة الأميركية التي تخلت عن مبارك الذي يعتبره حليفا للولايات المتحدة وتركت مصر "مرتعا للإسلاميين الراديكاليين" على حد قوله كما يبدي ضيقا شديدا بالخط الذي اتخذه مرسي والإخوان في معاداة إسرائيل والتواصل مع حماس وإيران.

ويقول في تغريدة له في 31 يناير/كانون الثاني 2012 أي قبل تولي مرسي مقاليد الحكم إن الإخوان المسلمين حلفاء باراك أوباما سوف يلغون اتفاقية كامب ديفيد.. يا للكارثة. وهو يستند في هذا الرأي لطبعة إنجليزية من جريدة المصري اليوم التي يملكها رجل أعمال مصري مؤيد للسيسي حاليا.
ويقول في تغريدة أخرى "نحن ألقينا بحليفنا مبارك في البحر ومصر الآن أصبحت عدونا.. عمل عظيم يا أوباما.. إن إسرائيل في مأزق."

ترمب والسيسي
يبدو أن تقاربا ما يسود كيمياء العلاقة بين الرجلين، فكلاهما جاء إلى السلطة في ظل انتشار موجة من الشعبوية الاستثنائية والانقسام المجتمعي الحاد، ناهيك عن رفضهما المطلق لقبول الآخر المختلف معهما والمنافس لهما سياسيا، فضلا عن بغضهما الواضح للحركات الإسلامية ونزعتهما التبسيطية للظواهر السياسية الأكثر تعقيدا.

هذا التقارب النفسي افتقده السيسي مع باراك أوباما الذي يبدو أنه قبل به قبول المكره، بعد خيبة الأمل الأميركية في منتجات الربيع العربي وأولها في مصر. في عهد أوباما تعاطت مؤسسات الدولة الأميركية مع مؤسسات الدولة المصرية دون أن تشهد العلاقة بين الرئيسين أي نوع من الانسجام أو حتى القبول.

وفي ضوء كل هذه الاعتبارات يمكن القول إن ترمب سوف يعمل بشكل وثيق مع النظام المصري ورئيسه في مجالات الأمن بشكل خاص وفي إدارة الملفات الإقليمية.

في المقابل سوف تتزايد الضغوط على السعودية والدول الخليجية الأخرى، لاسيما إذا بدأ تطبيق قانون جاستا وما سيعنيه من تهديد واضح للاستثمارات الخليجية في الولايات المتحدة، وهو ما قد يدفع هذه الدول للتقارب بشكل أكبر مع تركيا/أردوغان، الذي يبدو كحليف وحيد يمكن الوثوق به، في ظل عالم يتغير كل يوم ويضيق أفقه في وجه هذه الدول.

مساعدة ترمب للنظام المصري سوف تأخذ شكلا سياسيا وأمنيا وعسكريا، وتأييدا للنظام في خطواته القمعية تجاه معارضيه، وهذا عكس ما يحتاجه نظام السيسي الذي يفقد في كل يوم جزءا من شرعيته بسبب الفشل الاقتصادي والقمع الأمني

بالتأكيد سوف يساهم هذا التقارب السعودي التركي المرتقب في مزيد من الافتراق بين الحليفين السابقين، القاهرة والرياض، وقد يستقوي النظام المصري بحليفه الجديد في مواجهة المملكة، التي ستجد نفسها يوما بعد يوم في مواجهة استحقاقات الاعتماد على النفس بعيدا عن حسابات واشنطن المتغيرة.

إن أي ابتعاد عن السعودية سيعني لنظام السيسي متاعب اقتصادية لاسيما أنه من غير المتوقع أن يساهم ترمب في دعم مصر ماليا، حيث تظهر بعض تغريداته ضيقا بالأموال التي تدفعها أميركا لمصر، إذ يقول في 18 أغسطس/آب 2013 أي بعد عزل الجيش للرئيس محمد مرسي "دعوا الدول العربية تعتني بمصر، فإن لديهم الكثير ليكسبوه ولديهم وفرة من المال.. لقد حان الوقت للولايات المتحدة أن تتوقف عن التصرف بغباء.. لا دولارات (بعد اليوم)."

قد يلجأ ترمب إلى تصنيف جماعة الإخوان كجماعة إرهابية، وهو ما سيعد انتصارا معنويا لحلف السلطة في مصر على غريمها التقليدي، لكن على أرض الواقع فإن هذا قد لن يعني الكثير بالنسبة للجماعة التي لا توجد لها مقرات رسمية ولا مؤسسات تعمل باسمها ولا أموال في البنوك. إن الأثر الأساسي لمثل قرار كهذا سيتمثل في تضييق حركة التنقل لبعض القيادات البارزة للحركة والمقيمة في الغرب.

مساعدة ترمب للنظام المصري سوف تأخذ شكلا سياسيا وأمنيا وعسكريا، وتأييدا للنظام في خطواته القمعية تجاه معارضيه، وهذا عكس ما يحتاجه نظام السيسي الذي يفقد في كل يوم جزءا من شرعيته بسبب الفشل الاقتصادي والقمع الأمني.

الآراء الواردة في هذا المقال هي آراء الكاتب ولا تعكس بالضرورة الموقف التحريري لقناة الجزيرة.