هل تنجح الدبلوماسية بإعادة فلسطينيي سوريا إلى بلادهم؟

مخيم اليرموك - ذكرى النكبة- فعاليات على وقع الخراب
مخيم اليرموك - ذكرى النكبة- فعاليات على وقع الخراب

السلطة والحرب الدبلوماسية
المعركة الدبلوماسية بين فلسطين والاحتلال
بين تحقيق العودة ونزع الشرعية

طالبت السلطة الفلسطينية الأمم المتحدة مؤخرا بالعمل على إعادة اللاجئين الفلسطينيين في سوريا إلى الضفة الغربية وقطاع غزة، في محاولة عاجلة لحل الأزمة الإنسانية التي يعاني منها فلسطينيو سوريا كغيرهم من فئات الشعب السوري، في ظل الحرب الدائرة بين النظام والمعارضة، وخصوصا بعد سيطرة تنظيم الدولة على أجزاء من مخيم اليرموك واستمرار الحصار المفروض على المخيم منذ أشهر طويلة.

وقد جاءت تحركات السلطة بهذا الاتجاه في البداية إعلامية، من خلال تصريحات أدلى بها الرئيس محمود عباس، قبل أن تتخذ السلطة خطوة عملية بتقديم خطاب من مندوبها في الأمم المتحدة رياض منصور إلى الأمين العام للمنظمة الدولية، وأعضاء مجلس الأمن، يطالب فيها بالمساعدة في إعادة توطين اللاجئين الفلسطينيين في غزة والضفة الغربية "كأمر إنساني وأخلاقي وسياسي ملح"، حسب قوله.

فما هي الخطوات القادمة التي يمكن أن تقوم بها السلطة؟ وهل يمكن أن يحقق الضغط نتائج حقيقية على أرض الواقع؟

السلطة والحرب الدبلوماسية
لم تكن هذه هي المعركة الدبلوماسية الأولى التي خاضتها منظمة التحرير الفلسطينية/السلطة أو أعلنت عن خوضها خلال السنوات الماضية، والتي كان آخرها معركة الحصول على قرار يعتبر فلسطين "دولة غير عضو" في الأمم المتحدة، ما يكسبها وضعا قانونيا أكثر تقدما من وضعها السابق كـ"مراقب" لا يمتلك الكثير من المزايا التي تمتلكها الدول ذات العضوية الكاملة أو التي تحمل صفة "دولة غير عضو".

تحويل المطالبات بإعادة توطين فلسطينيي سوريا في الأراضي الفلسطينية يحتاج إلى جدية السلطة في خوض هذه المعركة, ودراسة الجوانب القانونية بعد اتخاذ القرار السياسي

ولكن التجربة التاريخية للحراك الدبلوماسي الفلسطيني بعد تأسيس السلطة تحمل جوانب أخرى مختلفة غير ذلك الجانب "المضيء" الذي قاد للحصول على صفة "دولة غير عضو"، إذ أن السلطة تراجعت في مراحل عديدة أو تلكأت عن خوض معارك دبلوماسية أخرى، لاعتبارات تتعلق بالخضوع للضغوط الأميركية والإسرائيلية أحيانا، أو لعدم رغبتها بالتأثير على "المسار السلمي" أحيانا أخرى، كما حصل في تراجع الرئيس الراحل عام 1999 عن إعلان دولة فلسطينية من جانب واحد، وامتناع السلطة عن متابعة قرار محكمة لاهاي الذي اعتبر في العام 2004 جدار الفصل العنصري عملا غير قانوني، والتلكؤ في طرح تقرير غولدستون للنقاش في مجلس الأمم المتحدة لحقوق الإنسان بعد العدوان الإسرائيلي على قطاع غزة عام 2009، وغيرها من المحطات.

وبناء على هذه التجربة التاريخية، فإن المرحلة الأولى لتحويل المطالبات بإعادة توطين فلسطينيي سوريا في الأراضي الفلسطينية إلى ضغط دبلوماسي حقيقي تتطلب أمرين:

الأول: أن تمتلك السلطة ومنظمة التحرير الجدية في خوض هذه المعركة إلى آخرها، وألا تتعامل معها كمجرد تصريحات إعلامية للاستهلاك المحلي أو لإحراج دولة الاحتلال إعلاميا. وحتى يتم ذلك فإن البداية هي وجود قرار سياسي في هذا الاتجاه من قيادة المنظمة بغض النظر عن الضغوط التي ستتعرض لها من الولايات المتحدة و"إسرائيل". وإذا لم يتخذ هذا القرار السياسي فإن الأمر لن يتعدى كونه تصريحا معزولا انتهى بمجرد نشره في وكالات الأنباء.

الثاني: أن تتم دراسة القضية من جوانبها القانونية بعد اتخاذ القرار السياسي، لمعرفة أفضل الطرق القانونية وأفضل الصيغ التي يمكن النفاد من خلالها إلى مؤسسات الأمم المتحدة للحصول على أكبر زخم دبلوماسي ممكن، وللبدء في مشروع القرار الذي سيقدم لتلك المؤسسات بالتنسيق مع مجموعات العمل العربية والإسلامية والدول المؤيدة للحقوق الفلسطينية.

وإذا اتخذت قيادة السلطة والمنظمة هاتين الخطوتين بشكل جدي، فإن هذا يعني أن المعركة الدبلوماسية مع دولة الاحتلال بخصوص إعادة توطين لاجئي سوريا قد بدأت، وإلا فإن السلطة ستكون غير جادة بالخطاب الذي أرسله مندوبها في الأمم المتحدة للأمين العام.

المعركة الدبلوماسية بين فلسطين والاحتلال
أسس النظام الدولي بعد الحرب العالمية الثانية على قواعد ثابتة، تتيح للدول المنتصرة في تلك الحرب التحكم بالمؤسسات الدولية وعلى رأسها مجلس الأمن من خلال حق الفيتو. وقد كان هذا النظام منذ تأسيسه لا يسمح بأي بقرار ملزم "وفق البند السبع" إلا إذا توافق مع سياسات الدول الخمس دائمة العضوية في مجلس الأمن، وخصوصا الولايات المتحدة والاتحاد السوفياتي سابقا/ روسيا حاليا.

ولكن هذا النظام منح هامشا أكبر لدول العالم الثالث للتحرك من خلال مؤسسات الأمم المتحدة الأخرى باستثناء مجلس الأمن، باعتبار أنه لا وجود لحق "الفيتو" في هذه المؤسسات، إضافة إلى أن المواثيق الدولية تتيح لجميع الدول الأعضاء في هذه المؤسسات المشاركة بالتصويت على القرارات، في حين يقتصر مجلس الأمن على 15 صوتا، بينها الدول الخمس دائمة العضوية التي تتحكم عمليا بهذا المجلس.
نجاح الفلسطينيين في الحصول على قرار أممي بخصوص عودة لاجئي سوريا ممكن، ولكنه يحتاج إلى حملة ضغط وإعداد كبيرين حتى يتمكن من مواجهة الحملة الإسرائيلية المناهضة

وقد حقق العرب والفلسطينيون "إنجازات" دبلوماسية كثيرة في هذه المؤسسات، وخصوصا "الجمعية العامة للأمم المتحدة"، و"مجلس الأمم المتحدة لحقوق الإنسان"، و"اليونسكو" وغيرها، وذلك بالاستفادة من التأييد العالمي الكبير لحقوق الشعب الفلسطيني ومن آليات التصويت في هذه المؤسسات التي تتساوى فيها قيمة أصوات الدول الأعضاء، خلافا للآليات المتبعة في مجلس الأمن.

وبالنظر إلى تاريخ القرارات الأممية المتعلقة بالقضية الفلسطينية، فإن من المتوقع أن حملة دبلوماسية تقوم بها منظمة التحرير الفلسطينية لإعادة توطين فلسطينيي سوريا في أراضي السلطة قد تحصل على دعم عربي وعالمي كاف لإصدار قرار في الجمعية العامة والمؤسسات التخصصية التابعة للأمم المتحدة، ولكن هذا يحتاج إلى عمل دبلوماسي دؤوب تحركه المنظمة وتدعمه المجموعة العربية والإسلامية، كما يحتاج أيضا إلى آليات نشطة للاستفادة من الزخم العالمي الذي تحظى به الآن قضية اللاجئين من سوريا ومناطق الصراع الأخرى في المنطقة.

وبرغم الدعم الكبير من غالبية دول العالم للحقوق الفلسطينية، إلا أن أي معركة تتعلق بعودة لاجئين فلسطينيين إلى بلادهم ستواجه بحملة "إسرائيلية" دبلوماسية ضخمة في مؤسسات الأمم المتحدة، ربما تفوق حملتها التي حاولت مواجهة سعي منظمة التحرير للحصول على صفة "دولة غير عضو"، ولذلك فإن نجاح الفلسطينيين في الحصول على قرار أممي بخصوص عودة لاجئي سوريا ممكن، ولكنه يحتاج إلى حملة ضغط وإعداد كبيرين حتى يتمكن من مواجهة الحملة الإسرائيلية المناهضة له.

وبالمقابل، ليست هناك آمال أو إمكانية للحصول على إنجاز بهذا الخصوص في مجلس الأمن، وهو ما يعني أن النجاحات الدبلوماسية الفلسطينية والداعمة لها ستبقى تحت سقف الفيتو الأميركي، وخارج أروقة مجلس الأمن.

بين تحقيق العودة ونزع الشرعية
إذا كان التحليل السياسي لمواقف الدول الكبرى، وخصوصا الولايات المتحدة، يقود إلى عدم إمكانية نجاح أي حملة ضغط دبلوماسي بإصدار قرار في مجلس الأمن لصالح إعادة توطين فلسطينيي سوريا في الضفة الغربية وقطاع غزة، فما هي النتائج المتوقعة إذن لمعركة تخوضها منظمة التحرير على هذا الصعيد؟ وماذا سيحقق اللاجئون من هذه المعركة إذا كان من المستحيل "إيصالهم  إلى بر الأمان في أرضهم"، كما طالب خطاب رياض منصور؟

إن الإجابة عن هذه التساؤلات يجب أن تنطلق من فهم طبيعة الصراع العربي الإسرائيلي، فهو صراع طويل، ولا يمكن لأي خطوة دبلوماسية أن تنهيه "بالضربة القاضية"، بل هو صراع من النوع الذي يحتاج العرب والفلسطينيون فيه إلى تسجيل أية "نقاط" لصالحهم في كل مرحلة من المراحل.

بالطبع لن تنجح الحملات الدبلوماسية في إعادة اللاجئين الفلسطينيين من سوريا إلى بلادهم، ولكنها ستساهم في تسجيل عدة نقاط في مرمى دولة الاحتلال، فهي ستعيد قضية اللاجئين و"حق العودة" إلى صدارة المشهد العالمي، بعد أن أصبح هذا الملف مغيبا وثانويا بفعل أوسلو، وبسبب فشل منظمة التحرير ومفاوضيها بإعطاء قضية اللاجئين أهميتها ومركزيتها في عملية "إدارة الصراع" مع الاحتلال.

الحملات الدبلوماسية لن تنجح بإعادة اللاجئين الفلسطينيين في سوريا إلى بلادهم بسبب الواقع الدولي والإقليمي، ولكنها على الأقل ستعمل على إحياء قضية العودة

وإضافة لذلك، فإن القيام بمثل هذه الحملات الدبلوماسية سيعمل على إبراز المعاناة "المركبة" للاجئين الفلسطينيين في سوريا، فبينما يعاني هؤلاء اللاجئون كغيرهم من أبناء الشعب السوري بسبب الصراع المستمر منذ سنوات، فإنهم يعانون بشكل إضافي لأن من يستطيع الهرب منهم خارج سوريا كثيرا ما يواجه مشكلة بسبب "الوثيقة" الفلسطينية التي يحملها، ولأن دول الجوار التي تستقبل لاجئي سوريا إما ترفض استقبال اللاجئين الفلسطينيين، أو تعاملهم معاملة سيئة خوفا من توطينهم بشكل دائم في أراضيها. وإذا لم تستطع الدبلوماسية إعادة الفلسطينيين إلى أوطانهم، فإنها على الأقل ستساهم بمنحهم وضعا يشبه وضع اللاجئين السوريين بضمانات دولية.

وعلى صعيد آخر، فإن إعادة طرح المأساة الإنسانية المتمثلة باللجوء الفلسطيني منذ العام 1948 من خلال جهود دبلوماسية فلسطينية وعربية، ستشكل إضافة وزخما للحملات الدولية التي تقودها منظمات غير حكومية لتعرية جرائم دولة الاحتلال، وهي حملات تعتبرها تل أبيب محاولات لـ"نزع الشرعية" عنها، وترى فيها بشكل رسمي خطرا يوازي "التهديد النووي الإيراني وتهديد صواريخ حزب الله وحماس"، بحسب وزارة الخارجية الإسرائيلية.

الحملات الدبلوماسية لن تنجح إذن بإعادة اللاجئين الفلسطينيين في سوريا إلى بلادهم بسبب الواقع الدولي والإقليمي، ولكنها على الأقل ستعمل على إحياء قضية العودة، وستساهم في تحسين ظروف أولئك اللاجئين، وستشكل جهدا دبلوماسيا يمثل إضافة مهمة في جهود تعرية جرائم الاحتلال أمام الرأي العام العالمي.

الآراء الواردة في هذا المقال هي آراء الكاتب ولا تعكس بالضرورة الموقف التحريري لقناة الجزيرة.