اليونان وإدمان المعونة

A protester holds a European Union flag with the Euro logo during a Pro-Euro rally in front of the parliament building in Athens, Greece, July 9, 2015. Greek Prime Minister Alexis Tsipras raced on Thursday to shore up political support for a tough package of tax hikes and pension reforms due within hours if Athens is to win a new aid lifeline from creditors and avoid crashing out of the euro. REUTERS/Yannis Behrakis TPX IMAGES OF THE DAY
رويترز

إن أزمة الديون اليونانية الجارية مأساوية لأسباب عديدة، وليس أقل هذه الأسباب أهمية حقيقة مفادها أن علاقة اليونان مع دائنيها تذكرنا بالعلاقة بين العالم النامي وصناعة المعونة.

الواقع أن سلسلة عمليات إنقاذ اليونان تجسد العديد من نفس الأمراض التي انتشرت لعقود طويلة عبر أجندة التنمية بما في ذلك العواقب السياسية الطويلة الأمد التي فشلت الأسواق المالية بقدر ما فشل الشعب اليوناني في فهمها.

وكما هو الحال مع برامج المساعدات الأخرى فإن ما يعادل مئات المليارات من الدولارات تم تحويلها من الاقتصادات الأكثر ثراء إلى اقتصادات أخرى أكثر فقرا، وكانت العواقب سلبية وإن لم تكن مقصودة.

لا يتوقع أي شخص عاقل أن تتمكن اليونان على الإطلاق من سداد ديونها، لكنها أصبحت عالقة في حلقة مفرغة تبدو بلا نهاية من المدفوعات وعمليات الإنقاذ، الأمر الذي يجعلها معتمدة على المانحين لمجرد البقاء على قيد الحياة

فقد تسبب برنامج الإنقاذ المصمم لمنع اليونان من الانهيار والخروج من منطقة اليورو في ارتفاع نسبة الدين إلى الناتج المحلي الإجمالي في البلاد من 130% في بداية الأزمة عام 2009 إلى أكثر من 170% اليوم، في حين يتوقع صندوق النقد الدولي أن تصل أعباء الديون إلى 200% من الناتج المحلي الإجمالي في غضون العامين المقبلين.

وتهدد دوامة الديون هذه التي خرجت عن نطاق السيطرة بسحق مسار النمو في البلاد وزيادة توقعات تشغيل العمالة.

ومثلها مثل البلدان الأخرى المتلقية للمعونات أصبحت اليونان حبيسة علاقة اعتماد متبادل مع دائنيها الذين يقدمون المساعدة في هيئة تخفيف من أعباء الديون بحكم الأمر الواقع من خلال القروض المدعومة وأقساط الفائدة المؤجلة.

ولا يتوقع أي شخص عاقل أن تتمكن اليونان على الإطلاق من سداد ديونها، ولكنها أصبحت عالقة في حلقة مفرغة تبدو بلا نهاية من المدفوعات وعمليات الإنقاذ، الأمر الذي يجعلها معتمدة على المانحين لمجرد البقاء على قيد الحياة.

من جانبهم، يجد الدائنون الحافز لحماية اليورو والحد من المخاطر الجيوسياسية المترتبة على خروج اليونان من منطقة اليورو، ونتيجة لهذا فحتى عندما تفشل اليونان في الوفاء بمطالبات دائنيها -ولنقل زيادة الضرائب أو إصلاح نظام التقاعد- فإنها تستمر في تلقي المساعدة مع القليل من
العقوبات، والعجيب أنه كلما تراجع أداؤها الاقتصادي حصلت على المزيد من المساعدات.

الواقع أن العواقب الطويلة الأمد المترتبة على هذه الدورة من الاعتماد قد تكون خطيرة، وما دام الموقف المالي مدعوما من قبل دائنين دوليين فإن صناع السياسات في البلاد سوف يتمكنون من التخلي عن مسؤوليتهم المتمثلة في إدارة توفير المنافع العامة مثل التعليم، والرعاية الصحية، والأمن الوطني، والبنية الأساسية، وسوف يواجهون أيضا بضعة حوافز لتوظيف نظام عامل على النحو اللائق لتحصيل الضرائب.

إن الاعتماد على المساعدات يقوض العقد الضمني بين المواطنين وحكومتهم، والذي بموجبه يتعين على الساسة أن يحافظوا على رضا دافعي الضرائب حتى يتسنى لهم أن يستمروا في مناصبهم، ومع مساهمة تدفقات النقد الأجنبي في تخفيف الحاجة إلى العائدات الضريبية فإن من المرجح أن ينفق الساسة المزيد من الوقت في مغازلة المانحين ورعاية ناخبيهم.

ما دام اليونانيون ينظرون للمساعدات باعتبارها شيئا مضمونا فلن يجدوا في أنفسهم أي حافز حقيقي لوضع بلادهم على مسار الاكتفاء الذاتي، وأيا كان الطريق إلى الأمام بالنسبة لليونان فلا بد أن ينظر إلى المساعدات باعتبارها مؤقتة

الواقع أن ضعف الصلة بين الخدمات العامة والضرائب لا يعمل على تيسير تمسك المسؤولين بالسلطة فحسب، بل إنه يزيد من نطاق الفساد وانعدام الكفاءة، واستنادا إلى تجربة الاقتصادات المتلقية للمساعدات في العالم الناشئ ربما يجد الشعب اليوناني صعوبة متزايدة في مساءلة حكومته أو معاقبة المسؤولين عن سوء السلوك أو الفساد.

حتى الآن كان التعامل مع الأزمة اليونانية كما لو أنها ظرف طارئ متكرر وليست مشكلة بنيوية، ولكن ما دامت البلاد حبيسة هذه الحلقة المفرغة من الاعتماد المتبادل مع دائنيها فإن حالة الأزمة الدائمة من المرجح أن تستمر.

كانت برامج المساعدات الفعالة ذات طبيعة مؤقتة دائما تقريبا، فهي تعمل -كما كان الحال مع خطة مارشال– من خلال تدخلات قصيرة وحادة ومحدودة، ولم تحقق الالتزامات المفتوحة -مثل تدفقات المساعدات إلى البلدان النامية الفقيرة- غير قدر محدود من النجاح في أفضل تقدير.

وما دام اليونانيون ينظرون إلى المساعدات باعتبارها شيئا مضمونا فلن يجدوا في أنفسهم أي حافز حقيقي لوضع بلادهم على المسار نحو الاكتفاء الذاتي، وأيا كان الطريق إلى الأمام بالنسبة لليونان -إذا كان هناك أي أمل في التقدم- فلا بد أن ينظر إلى المساعدات التي يقدمها الاتحاد الأوروبي وصندوق النقد الدولي إلى البلاد باعتبارها مؤقتة.

إن قطع الحبل السري في علاقة تقوم على الاعتماد على المساعدات ليس بالأمر السهل أبدا، ولا يوجد سبب يجعلنا نتوقع أن يكون الأمر مختلفا مع اليونان، والواقع أن وقف التحويلات تدريجيا -حتى بطريقة متروية ومنهجية- لن يفلح إلا عندما يكون المتلقي عازما على اتخاذ التدابير اللازمة للبقاء بدون المساعدات.

وهناك قلة من الدلائل التي قد تشير إلى أن اليونان جاهزة للسير بمفردها، وطالما استمرت المساعدات في التدفق فمن غير المرجح أن يتبدل هذا الحال، وبهذا المعنى فإن الأسواق لا بد أن تنظر إلى الحالة اليونانية باعتبارها حالة توازن وليست حالة انتقالية.

الآراء الواردة في هذا المقال هي آراء الكاتب ولا تعكس بالضرورة الموقف التحريري لقناة الجزيرة.