لماذا فشلت عملية إنقاذ اليونان؟

Pro-European Union protester demonstrate in front of the parliament in Athens on June 30, 2015. 2015. Thousands of people rallied in Athens in support of a bailout deal with international creditors which has been rejected by Prime Minister Alexis Tsipras, leaving Greece on the brink of default.AFP PHOTO / ARIS MESSINIS
غيتي إيميجز

مع تطور الأزمة اليونانية، من المهم أن نفهم أن برنامج التكيف البنيوي الناجح يتطلب حقوق ملكية قوية في البلاد. فحتى إذا تغلب المفاوضون على نقاط الخلاف الأخيرة، فسوف يكون من الصعب أن نثق في تنفيذها إذا ظل الشعب اليوناني غير مقتنع.

ومن المؤكد أن هذه كانت هي التجربة حتى الآن. وفي غياب الإصلاح البنيوي، فلن تسنح أي فرصة تُذكَر بأن يشهد الاقتصاد اليوناني الاستقرار المستدام والنمو، خاصة وأن المقرضين الرسميين غير راغبين في مواصلة إمداد اليونان التي تفتقر إلى الإصلاح بقدر إضافي من المال أكبر كثيرا من المطلوب منها أن تسدده. (كانت هذه هي الحال طيلة القسم الأعظم من الأزمة، حتى وإن لم يكن بوسع المرء أن يدرك هذا قط من تغطية الصحافة العالمية).

إن عضوية اليونان في الاتحاد الأوروبي تعطي دائنيها قدرا كبيرا من النفوذ، ولكن من الواضح أنه لم يكن كافيا لتغيير الحسابات الأساسية. وتظل اليونان دولة ذات سيادة إلى حد كبير، وليست دولة ذات سيادة منقوصة.

في غياب الإصلاح البنيوي، لن تسنح أي فرصة تُذكَر بأن يشهد الاقتصاد اليوناني الاستقرار المستدام والنمو، خاصة وأن المقرضين الرسميين غير راغبين في مواصلة إمداد اليونان التي تفتقر إلى الإصلاح بقدر إضافي من المال أكبر كثيرا من المطلوب تسديده

ذلك أن "ترويكا" الدائنين –صندوق النقد الدولي، والبنك المركزي الأوروبي، والمفوضية الأوروبية- لا تتمتع ببساطة بذلك النوع من النفوذ على اليونان، كذلك الذي مارسته مؤسسة المساعدات البلدية على مدينة نيويورك، على سبيل المثال، عندما ترنحت على حافة الإفلاس في منتصف سبعينيات القرن الماضي.

إن أفضل برامج التكيف البنيوي هي تلك التي تقترح فيها حكومة البلد المدين التغييرات الواجب إدخالها على السياسات، ويساعد صندوق النقد الدولي في تصميم برنامج مفصل وتوفير الغطاء السياسي لتنفيذه. أما فرض التغييرات من الخارج فهو ببساطة ليس خيارا فعالا. لذا، لا بد أن تؤمن الحكومة اليونانية وناخبوها بالإصلاحات حتى تصبح راسخة.

الواقع أن ضرورة ملكية أي بلد لبرنامجه الإصلاحي ليست بالدرس الجديد. فقد بدأت العلاقة الشائكة بين صندوق النقد الدولي وأوكرانيا قبل فترة طويلة من الجولة الأخيرة من المفاوضات. ففي عام 2013، أعد صندوق النقد الدولي تقريرا صادما عن تجربة المنظمة في أوكرانيا. وكانت خلاصة التقرير في جوهره أن فشل الحكومة في تبني عملية الإصلاح بشكل كامل ضمن عدم نجاح برنامجها.

وقد أفاد التقرير بأنه إذا كانت أي حكومة عاجزة عن إجراء التعديلات اللازمة، أو غير مهتمة بإجرائها، فإن الخيار الأفضل في هذه الحالة يتمثل في تقديم الأموال بالتدريج وفقا لتقدم تنفيذ الإصلاحات، كما يحدث الآن في اليونان. ولكن من المؤسف أن هذا النهج لم يكن كافيا للتغلب على التحديات هناك. ذلك أن شروط الإصلاح البنيوي تؤدي غالبا إلى إمالة التوازن بين الفصائل المحلية المتنافسة، في السراء أو الضراء. وإذا لم تكن الإرادة متوفرة داخل البلاد للحفاظ على الإصلاحات، فإنها سرعان ما تتقوض.

كان المنظرون اليساريون ينظرون منذ فترة طويلة لبرامج الإصلاح البنيوي بقدر عميق من التشكك، ويتهمون جهات الإقراض الدولية مثل صندوق النقد الدولي والبنك الدولي بالوقوع في أسر الأصوليين من أنصار الليبرالية الجديدة في السوق. ولعل هذا النقد يحمل بعض الحقيقة، ولكنه يتسم بالمبالغة.

لا شك أن الإصلاحات البنيوية تفضل غالبا سياسات مثل مرونة سوق العمل. ولكن لا ينبغي لنا أن نقع في خطأ النظر إلى هذه التدخلات من منظور الأبيض والأسود. ذلك أن تعطيل أسواق العمل المزدوجة التي تقصي العمال الشباب (كما يحدث في قسم كبير من جنوب أوروبا، بما في ذلك إيطاليا وفرنسا إلى حد ما) يختلف تماما عن تيسير فصل كل العمال، وجعل أنظمة التقاعد مستدامة لا يعني جعلها أكثر تقتيرا. وجعل أنظمة الضرائب أكثر بساطة وعدلا لا يعني زيادة كل الضرائب.

إذا كان برنامج إنقاذ الديون يتطلب إدخال تغيير شامل على النموذج الاقتصادي والاجتماعي والسياسي الذي تتبناه أي دولة، فإن المسار الأفضل للعمل ربما يكون شطب خسائر القطاع الخاص، بدلا من صب المزيد من الأموال العامة لتغطية هذه الخسائر

في الآونة الأخيرة، طرح معارضو الإصلاح البنيوي اعتراضات أكثر غرابة، أبرزها المشكلة التي تنجم عن الانكماش عندما تكون أسعار الفائدة عند مستوى الصِفر. فإذا خفضت الإصلاحات البنيوية ببساطة كل الأجور والأسعار، فقد يصبح من الصعب حقا في الأمد القريب مواجهة هبوط الطلب الكلي. ولكن بوسعنا أن نطرح انتقادا مماثلا لأي تغيير آخر في السياسات: فإذا كان ذلك التغيير رديء التصميم فسوف يكون هداما فيخلف أثرا عكسيا. والحقيقة هي أن الطريق إلى الأمام في أوروبا يتطلب تحقيق قدر أعظم من الإنتاجية.

إن الدروس المستفادة من برامج الإنقاذ غير الناجحة في اليونان وغيرها صادمة. فإذا كان برنامج إنقاذ الديون يتطلب إدخال تغيير شامل على النموذج الاقتصادي والاجتماعي والسياسي الذي تتبناه أي دولة، فإن المسار الأفضل للعمل ربما يكون شطب خسائر القطاع الخاص، بدلا من صب المزيد من الأموال العامة لتغطية هذه الخسائر. وفي حالات مثل اليونان، ربما يكون من الأفضل توجيه حماس الدائنين للإصلاح البنيوي إلى الداخل، وخاصة نحو تحسين التنظيم المالي.

الواقع أن الغالبية العظمى من اليونانيين ترغب في البقاء في الاتحاد الأوروبي، في عالم مثالي وتقديم المساعدات المالية في مقابل الإصلاحات ليساعد أولئك الذين يريدون تشكيل البلاد في هيئة دولة أوروبية حديثة. ولكن نظرا للصعوبات التي واجهتها اليونان حتى الآن في إجراء التغييرات اللازمة لتحقيق هذه الغاية، فربما حان الوقت الآن لإعادة النظر بالكامل في هذا النهج في التعامل مع الأزمة.

وبدلا من برنامج يزود اليونان بالمزيد من القروض، فربما كان التصرف الأكثر منطقية تقديم المساعدات الإنسانية المباشرة، بصرف النظر عن ما إذا كانت اليونان قد تظل داخل منطقة اليورو بشكل كامل أم لا.

الآراء الواردة في هذا المقال هي آراء الكاتب ولا تعكس بالضرورة الموقف التحريري لقناة الجزيرة.