الأكراد يسيطرون

Supporters wave Kurdish flags as they celebrate outside the pro-Kurdish Peoples' Democratic Party (HDP) headquarters in Diyarbakir, Turkey, June 7, 2015. Thousands of jubilant Kurds flooded the streets of Turkey's southeastern city of Diyarbakir on Sunday, setting off fireworks and waving flags as the pro-Kurdish opposition looked likely to enter parliament as a party for the first time. REUTERS/Osman Orsal
رويترز


في تحول غير عادي للأقدار، تستعد الأقلية الكردية في تركيا -والتي طال تهميشها- للاضطلاع بدور بالغ الأهمية في سياسة البلاد. ففي الانتخابات البرلمانية التي جرت في السابع من يونيو/حزيران، حصل حزب الشعوب الديمقراطي المؤيد للأكراد على نحو 13% من أصوات الناخبين، وهذا يعني حصوله على ثمانين مقعدا من أصل 550 مقعدا في الجمعية الوطنية.

وتمثل هذه النتيجة بحرا من التغيير في السياسة التركية، لأنها المرة الأولى التي يتمكن فيها حزب كردي في الأساس من اجتياز عتبة العشرة في المئة الانتخابية لدخول البرلمان.

إن نجاح حزب الشعوب الديمقراطي من شأنه أن يعطي الحزب دورا كبيرا في المناورات السياسية، بينما يكافح حزب العدالة لتشكيل حكومة جديدة. ومن المحتمل أن يحاول حزب العدالة والتنمية إغراء حزب الشعوب الديمقراطي للدخول معه في ائتلاف حاكم

والواقع أن النجاح الانتخابي الذي حققه حزب الشعوب الديمقراطي هو السبب الرئيسي وراء عجز حزب العدالة والتنمية الحاكم عن الحفاظ على الأغلبية البرلمانية. فقد حصل حزب العدالة والتنمية على أقل بقليل من 41% من الأصوات، مقارنة بنحو 50% في عام 2011، وسوف ينخفض عدد مقاعده في الجمعية الوطنية من 327 إلى 258 مقعدا. ولم يحدث منذ عام 2002 -عندما وصل إلى السلطة لأول مرة- أن فشل حزب العدالة والتنمية في الحصول على أغلبية مطلقة.

الواقع أن النكسة الانتخابية التي مُني بها حزب العدالة والتنمية وضعت حدا لطموح الرئيس رجب طيب أردوغان إلى تحويل نظام الحكم البرلماني في تركيا إلى نظام رئاسي، والذي كان سيعزز من قوته وسلطاته بشكل كبير. وقد اعتبر العديد من الناخبين والمراقبين من الخارج الانتخابات استفتاء على الدور الذي يلعبه أردوغان في السياسة. فخلال الحملة الانتخابية، لم يحاول إخفاء تفضيله للرئاسة التنفيذية القوية ودعمه الصريح لحزب العدالة والتنمية، وهو ما يمثل انتهاكا للموقف الحيادي الذي يلزم الدستور التركي رئيس البلاد بالالتزام به.

ونتيجة لهذا فإن خسارة حزب التنمية والعدالة لأغلبيته من المرجح أن تفسر باعتبارها هزيمة لأردوغان شخصيا، بل ربما تؤدي هذه الخسارة إلى ثورة ضده داخل الحزب. فلبعض الوقت، كان الرئيس السابق عبد الله غل ونائب رئيس الوزراء بولنت أرينج -اللذان اشتركا مع أردوغان في تأسيس حزب العدالة والتنمية- حريصين على الإشارة إلى انزعاجهما، ليس فقط من أسلوبه الاستبدادي، بل أيضا إزاء رغبته في تحويل النظام السياسي. وإذا حدث تمرد داخل الحزب فسوف يقوده أحدهما أو كلاهما.

 
إن نجاح حزب الشعوب الديمقراطي من شأنه أن يعطي الحزب -ودائرته الانتخابية من الأكراد- دورا كبيرا في المناورات السياسية، بينما يكافح حزب العدالة والتنمية لتشكيل حكومة جديدة. ومن المحتمل أن يحاول حزب العدالة والتنمية إغراء حزب الشعوب الديمقراطي للدخول معه في ائتلاف حاكم. بيد أن مثل هذا التحالف سوف يكون بعيدا كل البعد عن الاستقرار.
 
الأقل ترجيحا هو  تشكيل تحالف بين الشعوب الديمقراطي والحركة القومية المحافظ وحزب الشعب، ورغم كون هذا ممكنا عدديا فإن الاختلافات الأيديولوجية كثيرة بين حزب الشعوب الديمقراطي وسعيه لتحقيق الحكم الذاتي للأكراد، وإصرار الحزبين الآخرين على المركزية

أحد الأسباب وراء ذلك هو أن المرارة التي تراكمت خلال الحملة الانتخابية -حيث قُتِل العديد من أنصار حزب الشعوب الديمقراطي- من المرجح أن تظل باقية. والأمر الأكثر أهمية أن حزب العدالة والتنمية، رغم أنه ربما يكون أكثر استعدادا من الأحزاب التركية الأخرى لاستيعاب المخاوف الكردية، من غير المرجح أن يقبل المطالب بتفويض الصلاحيات للحكومات الإقليمية أو أي برنامج آخر لإزالة المركزية يعمل على تعزيز الاستقلال الإقليمي للمناطق الكردية.

والأمر الأقل ترجيحا هو أن يتم تشكيل تحالف بين حزب الشعوب الديمقراطي، وحزب الحركة القومية المحافظ، وحزب الشعب الجمهوري من يسار الوسط. ورغم كون هذا ممكنا من الناحية العددية، فإن الاختلافات الأيديولوجية كثيرة بين حزب الشعوب الديمقراطي وسعيه إلى تحقيق الحكم الذاتي للأكراد، وإصرار الحزبين الآخرين على المركزية. وكل منهما غير راغب في الاعتراف بأن الأكراد يشكلون مجموعة عرقية متميزة، ناهيك عن كونهم أمة.

ربما يكون قَدَر تركيا أن تشهد فترة طويلة نسبيا من عدم اليقين السياسي وعدم الاستقرار قبل أن يتم إيجاد توازن جديد. ولعلنا لا نستطيع أن نستبعد حكومة ائتلافية تضم حزب العدالة والتنمية وحزب الحركة القومية، ولكن مثل هذا التحالف من شأنه أن ينتقص من الأجندة الشاملة التي حصل بفضلها حزب العدالة والتنمية على قدر كبير من الدعم خلال العقد الماضي.

ومثل هذا الائتلاف من شأنه أيضا أن يدفع الأكراد إلى اتخاذ موقف أكثر صدامية، لأن حزب الحركة القومية سوف يكون حريصا على منع التنازلات التي كان حزب العدالة والتنمية يناقشها مع القيادات التركية قبل الانتخابات. وانهيار المحادثات من شأنه أن يفيد المتطرفين على الجانبين وأن يدفع الأكراد المعتدلين إلى أحضان حزب العمال الكردستاني المتشدد وتجدد التمرد الكردي.

الواقع أن التنبؤ بمسار السياسة التركية في الأمد القريب أمر مستحيل، ولكن من الواضح بشكل متزايد أن الأكراد لديهم الفرصة لإحداث أثر أكبر كثيرا من أي وقت مضى، وأن أردوغان أصيب بنكسة من غير المرجح أن يتعافى منها. وأيا كانت الأحداث المترتبة على هذين التطورين، فإن الديمقراطية في تركيا لن تعود إلى سابق عهدها أبدا.

الآراء الواردة في هذا المقال هي آراء الكاتب ولا تعكس بالضرورة الموقف التحريري لقناة الجزيرة.