النكبة.. ماضينا الحاضر بأقلام غيرنا

فلسطين 67 عاما على النكبة


نغتنم حلول ذكرى اغتصاب الحركة الصهيونية أرض فلسطين في عام 1948 وطرد أهلنا من بيوتهم وقراهم ومدنهم عبر عملية تطهير عرقي ممنهج لنؤكد أن المؤلفات الجديدة الموثقة عن المادة تثبت أنه حصل فعلا، وهو ما يتفق على نحو كامل مع الرواية الشفهية التي شدد عليها أهلنا المطرودون من ديارهم.

لكن في ظننا أنه ثمة مشكلة، وتكمن في أن القسم الأكبر من المؤلفات عن الجريمة التي ارتكبها الغرب وأعوانه في أنظمة سايكس-بيكو، والتي تعتمد وثائق القوى ذات العلاقة، كتبتها أقلام مؤلفين غير عرب، بل إن الجزء الأعظم من تلك المؤلفات الموثقة وبالتالي المهمة، كتبها بحاثة إسرائيليون.

بطبيعة الحال لم تنطلق هذه المؤلفات من منظور إنصاف الشعب الفلسطيني وضرورة الاعتراف بحقوقنا الوطنية/القومية في وطننا، وإنما من متطلبات مشروعهم الخاص بهم، وهو مراجعة التاريخ في مرحلة إسرائيل ما بعد الصهيونية، بعدما توهموا أن مسلسل استسلام القيادة السياسية للحركة الوطنية الفلسطينية الذي توجته اتفاقيات أوسلو، عكس استسلام الشعب الفلسطيني على نحو عام، ويأسه من إمكانية استعادة حقوقه في بلاده، في أراضيه وقراه ومدنه، في وطنه.

القسم الأكبر من المؤلفات عن الجريمة التي ارتكبها الغرب وأعوانه في أنظمة سايكس بيكو، والتي تعتمد وثائق القوى ذات العلاقة، كتبتها أقلام مؤلفين غير عرب، بل إن الجزء الأعظم من تلك المؤلفات الموثقة والمهمة كتبها بحاثة إسرائيليون

لكن عندما تبين لهم أن الشعب الفلسطيني لم يستسلم ولم يقبل التخلي عن وطنه، وأن جماعات سلطة رام الله لا تمثله، انقلبوا وأعربوا عن سرورهم لما ارتكبته العصابات الصهيونية بحقنا.

في ظل ذلك يبرز سؤال كبير أين المؤرخون العرب، والفلسطينيون منهم على نحو خاص، من هذه الأبحاث؟ لماذا لم نسمع عن أي إصدارات ذات قيمة، سواء كتبت بالعربية أو بغيرها؟

نحن نعلم بوجود عشرات آلاف الطلاب العرب الذين يتابعون تحصيلهم العلمي في جامعات الغرب، والشرق أيضا، ومن ضمن ذلك دولة العدو، لكنني وبحكم عملي واهتمامي الشخصي، المتابع للإصدارات التي تهم شعوب أمتنا، تاريخا وحاضرا، وبالتالي مستقبلا، أكاد لا أعثر على أي كتاب يعتمد وثائق الحكومات المعنية، الرسمية التي رفعت عنها درجة السرية، بينما توجد عشرات المؤلفات بأقلام بحاثة أوربيين، على جانب كبير من الأهمية لتبيان الحقيقة التاريخية وخلفية الجريمة التي ارتكبت في فلسطين بحقنا وحق أمتنا.

من المعيب حقا أننا نحن أبناء هذه الأمة المعذبة، أصحاب ماضيها وحاضرها ومستقبلها، لا نعرف إلى الآن كيف تمكنت قوات العصابات الصهيونية من احتلال الجزء الأكبر من بلادنا. لماذا هزمت جيوش أنظمة سايكس بيكو العربية؟ أم إنها لم تهزم لأنها لم تدخل فلسطين في 14 مايو/أيار عام 1948 من أجل منع قيام الدولة اليهودية على أجزاء من فلسطين، وإنما لتسهيل تقاسم فلسطين ولمنع المقاتلين الفلسطينيين ورفاقهم العرب من غير جيوش الأنظمة من منع اغتصاب بلادنا.

كل المؤلفات الموثقة التي صدرت عن تلك المرحلة لا تشير، لا من قريب ولا من بعيد، إلى أي من الأعذار التي سوغتها أنظمة سايكس بيكو العربية، ومنها الاتهام الظالم بأن شعب فلسطين باع بلاده، في الوقت الذي يؤكد فيه مؤرخ إسرائيلي أن مقدار ممتلكات الفلسطينيين في أراضيهم عشية اغتصاب وطنهم زادت عن 93%.

الوثائق الرسمية العربية ذات العلاقة بالنكبة مهمة، لكننا نعلم أن الأنظمة العربية لن تسمح برفع السرية عن وثائق تدينها وتفضح تواطؤها. ونحن على يقين من أن كثيرا من اتفاقات أنظمة سايكس بيكو وتعهداتها للحركة الصهيونية تمت شفهيا

هذا التضليل وحده كاف لمعرفة حجم التضليل الذي مارسته أنظمة سايكس بيكو العربية للتغطية على جريمتها بحق فلسطين، شعبا وأرضا، ماضيا وحاضرا ومستقبلا.

في ظل ذلك، ما المطلوب؟ قلنا: ثمة عشرات الآلاف من الطلاب العرب الذين يواصلون تحصيلهم العلمي في جامعات الغرب والشرق ومعاهده، عليهم وهم أبناؤنا، تقع مسؤولية كشف الغطاء عن التضليل الذي مورس بحق تاريخنا.

إلى الآن، يبدو أن الهم الرئيسي للأجيال الفتية من أبنائنا هو تحسين ظروف معيشتهم ودراسة مواد العلوم الطبيعية التي يرون أنها تساعدهم في صعود السلم الاجتماعي وتقيهم شر البطالة الجلية أو المقنعة، وهو أمر لا شك أنه مشروع تماما، لكن قيل: ليس بالخبز وحده يحيا الإنسان.

نتيجة هذا التوجه، في الداخل العربي وفي الخارج، تراكمت لدينا أعداد كبيرة من الأطباء والمهندسين والمحاسبين والأدباء والشعراء الأميين أو العاطلين عن العمل، أو كليهما، وصفر بحاثة في العلوم الاجتماعية التي لا تقل أهميتها وخطورة غيابها عن أي مواد أخرى في مجالات العلوم الطبيعية.

المسؤولية الرئيسة لإنجاز المطلوب في هذا المضمار تقع على الأجيال الفلسطينية الفتية، في داخل الوطن المحتل وفي كل بقاع العالم. على الشباب العربي -على نحو خاص، والفلسطيني خصوصا- تقع مسؤولية التنقيب في وثائق كل الدول التي ساهمت، بدرجة أو بأخرى، في مأساتنا في فلسطين وإخبارنا، والعالم معنا، بما حصل، ولم حصل؟

الوثائق الرسمية العربية ذات العلاقة مهمة، لكننا نعلم أن الأنظمة العربية لن تسمح برفع السرية عن وثائق تدينها وتفضح تواطؤها. ربما يأتي اليوم الذي نكتشف فيه هذا الأمر، ونحن على يقين من أن كثيرا من اتفاقات أنظمة سايكس بيكو وتعهداتها للحركة الصهيونية تمت شفهيا. فالأنظمة المتواطئة تخشى من أن تكشف يوما ما.

الآراء الواردة في هذا المقال هي آراء الكاتب ولا تعكس بالضرورة الموقف التحريري لقناة الجزيرة.