إسرائيل وسوريا.. غارات تتواصل ونظام يترنح

Israeli soldiers on duty near Quneitra at the Israeli –Syrian border, on 28 April 2015. Sirens were heard in Israeli towns north of the Golan Heights, after shells landed on the Israeli side of the border as result of fighting on the Syrian side of the border, between rebels and the Syrian Army.
وكالة الأنباء الأوروبية

قواعد الاشتباك
أهداف الغارات
حرب تلوح في الأفق
أقوال لا أفعال

شن الطيران الإسرائيلي أخيرا مجموعة من الغارات على منطقة القلمون في سوريا استهدفت مخازن للسلاح في اللواءين 55 و65، وكذلك عناصر سورية درزية تعمل باسم مجموعة شهداء القنيطرة تابعة لحزب الله في منطقة الجولان المحتل.

وكعادتها امتنعت إسرائيل عن تأكيد مسؤوليتها عن غارات القلمون، مكتفية بما تنقله وسائل إعلام غربية عن مصادر عسكرية من تأكيد لمسؤولية إسرائيل عن مثل هذه الغارات، لكنها تكون أكثر وضوحا في سياستها إزاء عمليات استهداف المجموعات التي تقترب من الحدود مع الجولان من خلال تصريحات رئيس الحكومة نتنياهو ووزير دفاعه يعالون، اللذين تبنيا الاستهداف.

قواعد الاشتباك
لقد رسمت إسرائيل لنفسها خطوطا عريضة منذ بداية الثورة السورية، تمثلت في مخاوفها من نقل السلاح الكيميائي والإستراتيجي لحزب الله في لبنان مع ضعف سيطرة النظام السوري وتراجعه، وعلى الرغم من إزالة خطر السلاح الكيميائي عبر الاتفاقية الدولية، فإن الخطوط الحمراء لإسرائيل ظلت ثابتة فيما يتعلق بالسلاح الكاسر للتوازن بين حزب الله وإسرائيل.

رسمت إسرائيل لنفسها خطوطا عريضة منذ بداية الثورة السورية، تمثلت في منع نقل السلاح الكيميائي والإستراتيجي لحزب الله، ورغم إزالة خطر الكيميائي، فإن الخطوط الحمر لإسرائيل ظلت ثابتة فيما يتعلق بالسلاح الكاسر للتوازن بين حزب الله وبينها

فقد شن الطيران الإسرائيلي ما بين 5 و10 غارات استهدفت قوافل نقل السلاح من سوريا إلى الحزب، ولم تكتف بذلك بل قصفت مخازن قرب مطار دمشق والعديد من المناطق كان آخرها استهداف مخازن الصواريخ في اللواءين 55 و66، وهما مسؤولان عن السلاح كصواريخ سكود والفاتح 110 وأنواع أخرى من الصواريخ البعيدة المدى.

كما حافظت إسرائيل على قواعد الاشتباك مع حزب الله والمجموعات العاملة في الجولان المحتل، فهي تسعى للحفاظ على الهدوء الذي استمر نحو أربعة عقود، عبر مواصلة استهداف أي من المجموعات التي تسعى لتنفيذ نشاطات أو هجمات من الجولان تجاه إسرائيل.

وهي بذلك ترسل رسائلها الميدانية والسياسية عبر القدرات المعلوماتية والاستخبارية التي تحبط الهجوم قبل حدوثه، وإظهار قوة الردع الإسرائيلية وخلق كوابح للحد من سهولة حركة نقل السلاح عبر الاستهداف وسرعة التبني الإسرائيلية من ناحية، والثانية عبر تأكيدها بأن الهدوء في الجولان هو من الخطوط الحمراء الثابتة، وأن الفراغ السياسي لا يكبل إسرائيل في الإقدام على اغتيال كوادر حزب الله، فإسرائيل رسمت لنفسها خطوطا إستراتيجية لا تسمح بتجاوزها، على غرار غارات يناير/كانون الثاني من العام الحالي التي استهدفت مجموعة عناصر إيرانية ولبنانية.

قد تختلف الحسابات بين حزب الله وإسرائيل على الحدود مع لبنان، فكلاهما يحافظ على قواعد اللعبة ولا يسعى أي منهما إلى كسرها في المرحلة الراهنة، ورغم عدم رغبة الطرفين خوض مواجهة عسكرية قد تكون نتائجها قاسية، فإن الجبهة الشمالية ما زالت هي الأكثر سخونة بالنسبة لإسرائيل مع قابليتها للاشتعال، لذا تكرس معظم جهودها التدريبية والتسليحية لاحتمال اندلاع حرب مع حزب الله في لبنان.

أهداف الغارات
لا تتوقف الأهداف الإسرائيلية عند حدود تسرب الأسلحة التي تخرق ميزان القوى الحالي لحزب الله بالتنسيق مع النظام السوري، أو سيطرة الحزب على مخازن السلاح إثر تراجع قبضة الحكم في سوريا.

فالخشية الإسرائيلية تكمن في سيطرة مجموعات إسلامية معارضة على مخزون النظام من السلاح في ظل توسع رقعة سيطرتها، وهي تكن عداء أيديولوجيا عميقا لإسرائيل، ولعل معارك القلمون وتقدم قوات المعارضة هناك عجل في اتخاذ القرار الإسرائيلي باستهداف مخازن السلاح.

فلا يغيب مشهد سيطرة عناصر من تنظيم الدولة الإسلامية على بعض الطائرات العسكرية بعد اقتحام مطار منغ العسكري بحلب، وحصولها على العديد من الصواريخ البعيدة المدى؛ عن صناع القرار الإسرائيلي، وحتى لا تتكرر التجربة الليبية بعد سقوط القذافي وانتشار السلاح بين المجموعات المقاتلة، مما يسهل عملية الحصول عليه كما فعلت المقاومة الفلسطينية في قطاع غزة.

تدرك إسرائيل بأن فترة الهدوء على جبهة الجولان قد انتهت، لذلك سعت لبناء سياج أمني على طول الحدود السورية مشابها للسياج الأمني مع الحدود المصرية، كما قامت بالتنسيق مع الأردن بصورة مكثفة بعد قيامه بتدريب بعض مجموعات المعارضة لتأمين الحدود

تدرك إسرائيل أن فترة الهدوء على جبهة الجولان قد انتهت، لذلك سعت لبناء سياج أمني على طول الحدود السورية مشابها للسياج الأمني مع الحدود المصرية، كما قامت بالتنسيق مع الأردن بصورة مكثفة بعد قيام الأخير بتدريب بعض مجموعات المعارضة لتأمين الحدود.

التقديرات الإسرائيلية منذ بداية الأزمة السورية ترجح سيناريو سقوط الأسد، وعلى الرغم من تكرار التقديرات السابقة بقرب ذلك، فإن التغيرات الإقليمية وتعزيز التعاون السعودي التركي القطري في سوريا دفع إسرائيل إلى أن تثق الآن بذلك أكثر من أي وقت مضى، خاصة مع إحراز المعارضة السورية تقدما ملحوظا في العديد من المناطق مع اندفاع الثوار ووحدة جهودهم، كما بات واضحا غياب قدرة النظام على تفادي خسارة المزيد من المواقع المهمة.

انهيار نظام الأسد هو السيناريو الأكثر إيلاما لإسرائيل، فالخشية من فقدان تدفق المعلومات الاستخبارية يعزز المخاطر الإسرائيلية على جبهة الجولان، لكن ظهور سوريا مجزأة ولا مركزية، وعاجزة عن أداء وظائفها بعد الأسد يخفف حدة التوتر الإسرائيلي، ومع تعذر قيام عملية سلام بين القوى الجديدة في سوريا، إلا أنها ستسعى لإحداث مواءمة مع الأقليات السورية على غرار العلاقات الكردية الإسرائيلية في العراق.

حرب تلوح في الأفق
لن تتوقف الغارات الإسرائيلية على سوريا بل ستتواصل وقد ترتفع وتيرتها كلما أحرزت المعارضة تقدما ملموسا على الأرض، فإسرائيل تسعى لأن تكون سوريا خالية من السلاح الإستراتيجي استعدادا لمرحلة ما بعد الأسد، ولن تنتظر حتى تشاهد أسلحة متطورة في أيدي قوات المعارضة.

على الجانب الآخر في لبنان، تستعد إسرائيل لتوجيه ضربات لحزب الله في اللحظة التي سينهار فيها النظام في سوريا، فلن تضيع إسرائيل فرصة الانقضاض عليه، فخسارة العامل الحيوي والشريان الرئيس لحزب الله سيمثل صفعة قوية للمحور الإيراني ويضعف بشكل كبير المحور الثلاثي.

ثمة عوامل أخرى تساعد إسرائيل على النيل من حزب الله، فعلى الصعيد الداخلي ستتعالى الأصوات المطالبة بالانتقام منه لمواقفه الداخلية وارتباطه بالصراع الدائر في سوريا، كما سيتعرض لمواجهة المجموعات الإسلامية المقربة من القاعدة التي تعلو النبرة الطائفية في صراعاتها.

ومن شأن ذلك -إن حدث- أن يكبل حزب الله في الرد على أي اعتداء، على الرغم من تكثيف إيران عمليات تسليحه، حيث سيكون مكشوفا بعد خروجه من هزيمة ثقيلة، وربما تكون هذه هي الضربات التي ستنهي فاعلية الحزب في الصراع العربي الإسرائيلي، بعدما حيدته حرب 2006 كقوة هجومية وأبقت عليه كقوة دفاعية، لكن أي عدوان شامل ستكون نتائجه أكثر تأثيرا وأعمق في حرف بوصلته، والتي قد تدفعه لإعادة حساباته وتموضعه كطائفة شيعية في لبنان، وقد يلجأ للبحث عن عقد صفقات مع الولايات المتحدة عبر إيران لتجنبه التهديديات الإسرائيلية.

أقوال لا أفعال

لن تتوقف الغارات الإسرائيلية على سوريا بل ستتواصل وقد ترتفع وتيرتها كلما أحرزت المعارضة تقدما على الأرض، فإسرائيل تسعى لأن تكون سوريا خالية من السلاح الإستراتيجي استعدادا لمرحلة ما بعد الأسد، ولن تنتظر حتى تشاهد أسلحة متطورة بيد قوات المعارضة
من المفارقة اللافتة في الصراع الدائر في سوريا أن إيران وحلفاءها ربطوا بين بقاء النظام وبين أمن إسرائيل، في تعارض واضح مع السياسة الإيرانية الداعية لإزالة إسرائيل من الوجود. في السابق كانت تصريحات نصر الله تلقى آذانا صاغية في دوائر صنع القرار الإسرائيلي، لكن انغماس الحزب وحلفائه في تدمير الشعب السوري وسحقه، قدم هدية من ذهب لإسرائيل التي باتت تدرك أن التهديدات ما هي إلا مجرد لغة خطابية.
 
ولم يتوقف عجز إيران وحلفائها عند حدود سوريا، بل إنهم أوقفوا دعم المقاومة الفلسطينية في قطاع غزة إثر خروج حماس من سوريا، كما اعتقل حزب الله بعض العناصر التي حاولت إطلاق صواريخ لتخفيف الضربات الإسرائيلية خلال العدوان الأخير على قطاع غزة، وعلى الرغم من تجدد الاتصالات بين حماس وإيران فإنها لم تقدم دعما ماليا أو عسكريا يخفف أزمة الحصار الخانق في غزة، كما أن العقلية الإيرانية ما زالت تبحث عن الأثمان السياسية لدعم المقاومة الفلسطينية بقيادة حركة حماس.
 
لقد أضاع النظام السوري وحزب الله فرصة تفعيل جبهة الجولان، وما المحاولات الحالية إلا لعب في الوقت الضائع، فإعادة إنتاج المقاومة الشعبية في سوريا وتحويلها إلى مجموعات عسكرية يدربها الحزب أو إنتاج حزب الله السوري على غرار اللبناني لن يغير من قواعد الاشتباك، لقد عرّت الثورة زيف النظام المدافع عن فلسطين، وأصبح جل تفكير الحلفاء هو المحافظة على النظام وتقديم السلاح والمال له من أجل البقاء.

قد يصمد النظام أكثر في حين قُدم له المقاتلون والدعم اللوجستي إلا أنه -وكذلك حلفاؤه- لن يرد على التغول الإسرائيلي، ولن يبادر بالهجوم والانتقام، وسيكتفي ببعض المحاولات الخجولة للحفاظ على ما تبقى من ماء الوجه، إن كانت ما زالت هناك بقية ماء.

الآراء الواردة في هذا المقال هي آراء الكاتب ولا تعكس بالضرورة الموقف التحريري لقناة الجزيرة.