الحرس الوطني العراقي.. الآمال والعقبات

البرلمان يصوت على الحكومة الجديدة
الجزيرة


منذ أن سيطر مقاتلو تنظيم الدولة الإسلامية (داعش) على الموصل في يوليو/تموز الماضي وحتى الساعة، بدأ العالم يتكالب على بلاد الرافدين، وخلال أيام قليلة رأينا تحالفا دوليا كبيرا تقوده أميركا لقتال التنظيم، وكأن العراق قبل هذا التاريخ كان آمنا مستقرا!

وبالتزامن مع هذا التحشيد الدولي، رأينا تسارعا كبيرا في الأحداث على مستوى الداخل العراقي، وشاهدنا أن عسكرة المجتمع -المدعومة دينيا وحكوميا- بصورة عشوائية، صارت هي الصورة السائدة، بحجة حماية مكتسبات العملية السياسية ومراقد الأئمة من هجمات مفترضة لمقاتلي تنظيم الدولة.

والمتابع الدقيق للمنظومة العسكرية في العراق يجد أنها مرت بعدة مراحل منذ بداية الاحتلال الأميركي للبلاد وحتى الآن. وهذه المراحل يمكن ترتيبها على النحو الآتي:

بالتزامن مع التحشيد الدولي، رأينا تسارعا كبيرا في الأحداث على مستوى الداخل العراقي، وشاهدنا أن عسكرة المجتمع بصورة عشوائية صارت هي الصورة السائدة بحجة حماية مكتسبات العملية السياسية

– مرحلة تسريح الجيش العراقي السابق (تأسس يوم 6 يناير/كانون الثاني 1921) بقرار جائر من الحاكم المدني الأميركي للعراق بول بريمر الذي تسبب في تدمير المنظومة العسكرية العراقية بكافة صنوفها البرية والجوية والبحرية. وهذا القرار اتخذ بعد احتلال العراق مباشرة.

– مرحلة التأسيس لجيش جديد، وهذا القرار اتخذه بريمر بعد شهر من قراره القاضي بحل الجيش السابق. وكانت آلية التطوع فيه -بحسب أوامر بريمر- وفقا للنسب السكانية، وهنا كانت البذرة القاتلة التي أراد الأميركيون من خلالها زرع الطائفية بين العراقيين.

– مرحلة الحشد الشعبي التي انطلقت بعد 10 يوليو/تموز الماضي إثر انهيار الجيش الحكومي في الموصل، وصدور فتوى الجهاد الكفائي من المرجع الشيعي علي السيستاني. وتشير الإحصائيات غير الرسمية إلى أن أعداد المتطوعين بلغت قرابة ربع مليون مقاتل.

– المرحلة الأخيرة، وفيها فكرة تشكيل قوات الحرس الوطني التي يراد منها مقاتلة مسلحي تنظيم الدولة في محافظات الموصل والأنبار وصلاح الدين وديالى. وهذه الفكرة ما زالت حتى الساعة في طور الإعداد والترتيب والتنسيق بين بغداد وواشنطن وسياسيي الأنبار والموصل وصلاح الدين.

الربكة الظاهرة على الساحة العراقية، وخصوصا في مجريات العمليات العسكرية في مناطق المواجهات الساخنة بين القوات الحكومية ومسلحي تنظيم الدولة -والتي تميل في غالبها لصالح التنظيم- جعل الجميع في داخل العراق وخارجه يعملون من أجل البحث عن مخرج للأزمة العاصفة ببلاد الرافدين، فالسياسيون يريدون الحفاظ على مكاسبهم السياسية والحزبية والشخصية، والمواطنون يريدون الحفاظ على حياتهم وأموالهم بعد أن وجدوا الحكومة عاجزة عن حمايتهم وتحقيق أبسط حقوقهم، وغالبية دول التحالف تريد إما الحفاظ على مكاسبها في العراق، أو إضعاف تنظيم الدولة خوفا من تمدده في عموم المنطقة.

ماراثون البحث عن حلول سريعة وناجعة للأزمات المتسارعة في العراق جعل من واشنطن وغيرها من عواصم دول التحالف قبلة للسياسيين وبعض شيوخ العشائر العراقية، وجميع هؤلاء يدعون أنهم يريدون الحفاظ على أرواح المواطنين الذين صاروا بين نارين: نار التهجير واستمرار القصف الحكومي على مناطقهم بحجة استهداف داعش، ونار القوات الحكومية المدعومة من قبل قوات الحشد الشعبي -التي لا تعرف الرحمة- وقانونها القاضي بأن كل من يكون على أرض الأنبار والموصل وغالبية مدن صلاح الدين وديالى فهو من الإرهابيين المستهدفين. وهذا القانون الظالم جعل الناس في حيرة من أمرهم، وفي حالة من التشرذم الفكري.

وفد محافظة الموصل الشمالية بزعامة المحافظ أثيل النجيفي كان أول المتوجهين إلى واشنطن بداية ديسمبر/كانون الأول الماضي، وبعد اللقاء أكد زعماء الوفد أن الإدارة الأميركية وعدتهم بتنظيم جيش خاص بالموصل، بغض النظر عن موقف حكومة بغداد. وحتى الآن لم يفِ الأميركيون بوعدهم.

واليوم، وبعد أن سيطر تنظيم الدولة على أكثر من 90% من أراضي محافظة الأنبار الغربية، زار وفد سياسي وعشائري من المحافظة العاصمة الأميركية لبحث موضوع التسليح، والتدريب، والدعم المالي لأبناء المحافظة للتخلص من مقاتلي تنظيم الدولة.

والسؤال المُلح هنا: هل ستسلّح واشنطن العشائر العراقية، سواء تحت مسمى الحرس الوطني أم غيره، أم أن لديها خطة جديدة تريد تنفيذها في العراق؟

أميركا تسعى لضمان ولاء العشائر التي سيتم تسليحها، وبالتالي عدم مشاركتها في أي هجوم محتمل ضد القوات الأميركية، أو على الأقل عدم معارضتها لتواجدها في بعض القواعد العسكرية في الأنبار وتحديدا في قاعدتي عين الأسد والحبانية

الجواب على هذا السؤال لا يمكن أن يكون بكلمة واحدة: نعم أو لا، ولكن المتابع لتطورات الأحداث في العراق يمكنه أن يتوقع موافقة واشنطن على تسليح العشائر، أو ترتيب فكرة الحرس الوطني ضمن الشروط الآتية:

– ضمان ولاء العشائر التي سيتم تسليحها، وبالتالي عدم مشاركتها في أي هجوم محتمل ضد القوات الأميركية، أو على الأقل عدم معارضتها لتواجدها في بعض القواعد العسكرية في المحافظة التي يتوقع بعض المراقبين أن بعض القطع الأميركية ستستقر فيها (الأنبار) بعد التخلص من داعش، وبالتحديد في قاعدتي عين الأسد والحبانية.

– آلية التسليح يجب أن تتم بالتنسيق مع حكومة حيدر العبادي، وعليه ستكون هذه القوات تابعة -بطريقة أو بأخرى- لحكومة العبادي عسكريا وإداريا، وهذا ما أكده قبل يومين السفير الأميركي في العراق ستيوارت جونز.

غير أن موضوع تسليح العشائر أو مشروع الحرس الوطني سيواجه بجملة من العقبات المحتملة على أرض الواقع، ومنها:

– عقبة إقرار قانون الحرس الوطني ومتى سيتم إقراره من قبل حكومة العبادي التي شكلت لجنة وزارية بداية سبتمبر/أيلول الماضي لصياغة مسودة القانون المتعلقة بالتشكيل الجديد لعرضها على مجلس النواب. وهذه اللجنة -حتى اليوم- لم تكمل مهمتها، وهو ما يؤكد وجود خلافات عميقة داخل البيت الحكومي، وإلا فإن مثل هذا القانون لا يمكن أن يستغرق مثل هذه الفترة الزمنية الطويلة.

ومن أبرز هذه الخلافات ما ذكره بهاء الأعرجي نائب رئيس الوزراء حين أكد أن فكرة الحرس الوطني يجب أن تطبق في عموم العراق وفقا للنسب السكانية، على أن يكون لكل محافظة نسبة 3% من مجموع السكان. وهذا المقترح لا يمكن أن يجد قبولا داخل البرلمان على اعتبار أن المحافظات الجنوبية ليست بحاجة إلى الحرس الوطني، كما تعد هذه الفكرة إرهاقا للميزانية الحكومية التي تعاني من عجز كبير نتيجة انخفاض أسعار النفط الذي تشكل عائداته 90% من موارد العراق اليوم.

– العقبة الأخرى ستكون داخل مجلس النواب، حيث إن هناك العديد من النواب -خاصة من التحالف الوطني الشيعي- أكدوا معارضتهم لتسليح العشائر، ومنهم عضو ائتلاف دولة القانون النائب إسكندر وتوت الذي اعتبر تسليح عشائر المنطقة الغربية من قبل الولايات المتحدة أمرا غير قانوني.

– وتبقى قيادة هذه القوات من أهم المطبات والعراقيل الكثيرة التي تقف في وجه تشكيلها، فمن سيكون المسؤول المباشر عن هذه القوات؟ ومن سيقودها: أهو العبادي باعتباره القائد العام للقوات المسلحة، أم رئيس مجلس المحافظة، أم المحافظ، أم رئيس العشيرة؟! وتلك إشكالية ستقود إلى مشاكل ميدانية معقدة.

– وهنا يُطرح سؤال في غاية الأهمية: هل الذين سيتم تسليحهم يمثلون غالبية عشائر الأنبار، وبالتالي يتمتعون بالقبول على الأرض؟

الواقع أن غالبية هؤلاء ليس لهم قبول لدى غالبية أبناء الأنبار، وهذه الحقيقة أكدها الشيخ رافع الفهداوي شيخ عشيرة البوفهد في الأنبار حين قال "إن هذا الوفد لا يمثلنا، ولم نعرف أية تفاصيل عنه، ولم تتم مشاورتنا نحن عشائر المحافظة".

– وعلى فرض أنه سيتم إقرار القانون من قبل مجلس النواب فمنْ سيُعطي رواتب هؤلاء المقاتلين: الولايات المتحدة، أم حكومة العبادي التي تعاني اليوم من أزمة مالية خانقة؟!

وقبل أيام أكدت النائبة ناهدة الدايني أن ميزانية العام 2015 لا تتضمن أية تخصيصات للحرس الوطني.

– الجانب الآخر المخيف في الموضوع هو: من سيحكم المناطق التي ستحرر من تنظيم الدولة: السياسيون السابقون الذين لم يصمدوا أمام التنظيم والمنصّبون من قبل حكومة بغداد، أم زعماء العشائر التي ستقاتل داعش، أم ضباط الحرس الوطني؟!

سيفتح هذا الباب على مصراعيه، وسيكون -لا قدر الله- شرارة حرب بين أهل السنة لا يمكن إخمادها بسهولة.

حل المعضلة العراقية في ظل ضعف الدولة وخور القوى الأمنية وتغوّل المليشيات الطائفية وانتشار الفساد المالي والإداري، يكون  بالتأسيس الصحيح للدولة عبر نشر العدالة والإنصاف بين المواطنين، ثم التوجه إلى بناء جيش وطني خالٍ من المليشيات

– ومن أبرز مخاطر التسليح الأميركي لأبناء العشائر فيما يتعلق بالنقطة السابقة، أن هذا السلاح سيكون أرضية خصبة للحرب الأهلية بين العراقيين، سواء بين السنة فيما بينهم في الأنبار والموصل، أم بين السنة والشيعة في مناطق صلاح الدين وديالى ومناطق حزام بغداد.

– وأخطر المخاطر المتوقعة أن هناك من يعتبر أن هذا التسليح بداية لقوة تكون خاصة بأبناء السنة في العراق، وبالتالي ستمثل هذه القوة الجناح المسلح للإقليم السني الذي تطالب به بعض القوى المشاركة في العملية السياسية، وبذلك تكون أميركا قد حققت أهدافها في تفتيت العراق وتقسيمه!

وأخيرا فإن أعضاء وفد الأنبار -كسابقه وفد الموصل- سيعودون إلى شمال العراق وبعض دول الجوار حيث مقرات إقامتهم، وسيحتفظون بالصور التذكارية التي التقطوها في حدائق البيت الأبيض، دون أن نلمس أو نجد حلا منطقيا على الأرض!

الحل للقضية العراقية الشائكة الآن في ظل ضعف الدولة وخور القوى الأمنية وتغوّل المليشيات الطائفية وانتشار الفساد المالي والإداري، يكون بالتأسيس الصحيح للدولة عبر نشر العدالة والإنصاف بين المواطنين، ثم التوجه إلى بناء جيش وطني خال من المليشيات يكون ممثلا لعموم العراقيين، ولاؤه الأول والأخير للعراق، ويكون خادما لكل العراقيين بغض النظر عن دينهم ومذهبهم وطائفتهم.

حينها فقط يمكن أن نكون قد وقفنا على أرضية صالحة -شيئا ما- لبناء دولة المؤسسات، التي تضم جميع العراقيين، ولا تستثني إلا القتلة والمجرمين.

الآراء الواردة في هذا المقال هي آراء الكاتب ولا تعكس بالضرورة الموقف التحريري لقناة الجزيرة.