التدريب الأميركي للمعارضة السورية بين الفشل والتباطؤ

معارك المعارضة السورية مع قوات النظام في الجب الأحمر بريف اللاذقية
الجزيرة

منذ انطلاق الثورة السورية تباينت مواقف الدول الإقليمية والدولية منها، تبعا لمصالح كل طرف، وهذا متوقع في السياسة الدولية، ولكن مما عمق وزاد من ذلك التباين جملة من العوامل، منها:

– كانت سوريا هي المحطة الخامسة لقطار الربيع العربي الذي انطلق من تونس، فاعتبر البعض أن نجاح الثورة السورية سيشجع ويحفز شعوب المنطقة مما سيطيح بأنظمة حكم عدة، فناصبها العداء ولو بطريقة غير مباشرة.

– الموقع الجيواستراتيجي لسوريا حيث يتقاطع الهلال الشيعي مع المحور السني، وانتصار الثورة يعني تهديدا للمصالح الإيرانية والروسية، فيقطع طرق إمداد حزب الله، فيما يحقق في المقابل التواصل الإسلامي السني من الحجاز إلى غروزني.

كانت النظرة الأميركية متفائلة في بداية الأمر، حيث ذكرت التقارير أن الولايات المتحدة ستعمل على تدريب خمسة عشر ألف مقاتل من المعارضة السورية المعتدلة على مدار ثلاث سنوات، ورصد مبلغ خمسمائة مليون دولار لتحقيق ذلك الهدف

يضاف إلى ذلك أن إيران اعتبرت سوريا المحافظة الإيرانية الخامسة والثلاثين، وجاء ذلك على لسان العديد من المسؤولين السياسيين والعسكريين ورجال الدين الإيراني، كما أن سوريا هي آخر موطئ قدم لروسيا في المياه الدافئة بعد أن فقدت روسيا (الاتحاد السوفياتي سابقا) نفوذها في سبع دول عربية سابقا، كما لا يمكن إغفال التأثيرات الاستراتيجية لموقع سوريا على الأمن الإسرائيلي وأمن دول الإقليم.

اتخذت العديد من الدول موقفا داعما للثورة السورية، وهي التي أطلق عليها اسم أصدقاء الشعب السوري، كان من أهمها الولايات المتحدة الأميركية التي بدت سياستها غامضة أحيانا ومتناقضة في كثير من الأحيان.

فرغم تصريحات المسؤولين الأميركيين بدءا من الرئيس أوباما أن الرئيس السوري فقد شرعيته، ورغم العديد من الخطوط الحمراء التي حددها الرئيس الأميركي وأكد أنه لن يسمح للنظام السوري بتجاوزها، فإن الدعم الأميركي تحدد في بعدين؛ هما الدعم الاقتصادي الموجه للاجئين والنازحين السوريين الذي تجاوز مئات الملايين من الدولارات حسب التقارير الأميركية، والبعد التدريبي حيث تولى الخبراء والمستشارون الأميركيون تدريب قوات المعارضة السورية المعتدلة في كل من الأردن وتركيا والسعودية وقطر.

رغم ذلك لم تزود الإدارة الأميركية قوات المعارضة المعتدلة بأسلحة نوعية (صواريخ مضادة للطائرات أو صواريخ مضادة للدروع)، واكتفت بإرسال دفعات محدودة من الأسلحة الخفيفة والمتوسطة وذخائرها، وأجهزة اتصال وملابس عسكرية، كما أنها فرضت قيودا على الدول الداعمة بعدم إرسال صواريخ مضادة للطائرات، رغم أن سلاح الجو السوري ومن خلال استخدامه البراميل المتفجرة كان السبب الرئيسي وراء قتل مئات الآلاف وتهجير ونزوح الملايين من الشعب السوري في السنوات الخمس الماضية.

شكل يوم 10 يونيو/حزيران من العام الماضي نقطة تحول رئيسية في السياسة والاستراتيجية الأميركية، حيث شن تنظيم الدولة الإسلامية هجوما واسع النطاق على القوات العراقية المتواجدة في مدينة الموصل، تمكن إثره من السيطرة على أربع محافظات عراقية، وأصبح على بعد أربعين كيلومترا من مدينة أربيل عاصمة إقليم كردستان، وكان قد سبق ذلك سيطرته على محافظة الرقة السورية وأجزاء واسعة من محافظات دير الزور والحسكة وريف حلب الشمالي والشرقي.

أدى كل ذلك إلى تشكيل التحالف الدولي الستيني بقيادة أميركية، كما وضعت الاستراتيجية العسكرية الأميركية التي ركزت في أحد بنودها الأربعة على تدريب قوات الجيش العراقي، وقوات معتدلة من المعارضة السورية.

كانت النظرة الأميركية متفائلة في بداية الأمر، حيث ذكرت التقارير أن الولايات المتحدة ستعمل على تدريب خمسة عشر ألف مقاتل من المعارضة السورية المعتدلة على مدار ثلاث سنوات، ورصد مبلغ خمسمائة مليون دولار لتحقيق ذلك الهدف.

بدأت الصعوبات تعترض البرنامج التدريبي الأميركي منذ الأسبوع الأول، حيث اعتبرت تشكيلات مقاتلة على الأرض السورية الشرط الأميركي، الذي يعتبر أن الهدف من إعداد وتدريب المقاتلين هو محاربة قوات تنظيم الدولة الإسلامية فقط، غير مقبول. وهو ما أكد عليه الجيش السوري الحر، والائتلاف السوري لقوى المعارضة.

بدأت الصعوبات تعترض البرنامج التدريبي الأميركي منذ الأسبوع الأول، حيث اعتبرت تشكيلات مقاتلة على الأرض السورية الشرط الأميركي الذي يعتبر أن الهدف من إعداد وتدريب المقاتلين هو محاربة قوات الدولة الإسلامية فقط، غير مقبول

كما أدت الشروط الأميركية الإضافية المتمثلة في اللياقة الصحية والنفسية وتحديد عمر المنتسب فوق 18 عاما، بينما أعداد كبيرة من مقاتلي المعارضة المسلحة دون الثامنة عشرة، والتدقيق الأمني الذي يخضع له المتقدم للتأكد من أنه ليس على علاقة بالتنظيمات الإسلامية.

يضاف لذلك التردد الذي أبدته الدول التي سيكون التدريب على أراضيها الذي احتاج لعدة أشهر لإقناعها، وكان آخرها الحصول على موافقة الحكومة التركية.

أفادت بعض التقارير التي أكد محتواها بعض العاملين في مكتب التنسيق المعني أنه تقدم بطلب التدريب 7000 سوري تمت الموافقة على عدد يتراوح بين 140 و200 فرد منهم وأخضعوا على دفعتين لبرامج تدريب مبسطة، اشتملت على المهارات الأساسية والتدريب على الأسلحة الخفيفة والمتوسطة، فيما تدرب بعضهم على الصواريخ المضادة للدروع والمضادة للطائرات.

تخرجت الدفعة الأولى وعددها 54 فردا، وأرسلوا إلى الداخل السوري، وبعد يومين من دخول قائد المجموعة ومساعده اختطفتهما جبهة النصرة، وواجهت المجموعة المصير نفسه فأسر 13 فردا وقتل عدد آخر واختفت البقية، ولم يتبق منهم إلا أربعة أو خمسة أفراد يقاتلون.

كذلك تخرجت الدفعة الثانية وأرسلت إلى الداخل السوري، فسلموا جبهة النصرة رُبع ما كان لديهم من أسلحة وذخائر وسيارات دفع رباعي زودوا بها مقابل سلامتهم.

حدث كل ذلك رغم تأكيد الرئيس أوباما في اجتماعه مع فريق الأمن القومي بوزارة الدفاع/البنتاغون على ضرورة القيام بمزيد من الخطوات في موضوع تدريب وتجهيز المعارضة السورية المعتدلة.

أدى ذلك إلى سيل من الانتقادات الأميركية لبرنامج التدريب الأميركي، ومن أهمها:

– قال السيناتور جون ماكين الذي يشغل منصب رئيس لجنة الشؤون العسكرية التابعة للكونغرس "إن هناك خللا واضحا في برنامج تدريب المعارضة السورية المعتدلة".
– أشار وزير الدفاع أشتون كارتر إلى أن أعداد الخريجين أقل بكثير من التوقعات.
– قال الجنرال لويد أوستن قائد القيادة المركزية أمام الكونغرس إن 4 أو 5 فقط من المعارضين السوريين الذي تدربوا يقاتلون في سوريا، كما أقر بأن البرنامج تأخر كثيرا عن المواعيد المقررة.

هذا الفشل دفع بإدارة الرئيس أوباما إلى أن تضع اللمسات الأخيرة من أجل أن تتولى الاستخبارات المركزية الأميركية عمليات تسليح وتدريب المعارضة السورية المعتدلة، ومرد ذلك القلق من بطء وزارة الدفاع في دعم وتدريب المقاتلين المعتدلين.

السؤال المطروح لماذا كانت نتائج التدريب الأميركي هزيلة رغم إنفاق 42 مليون دولار على تدريب مجموعتين لا يتجاوز عددهم 124 ضابطا وفردا؟

تقف مجموعة من الأسباب وراء ذلك، منها:
– التشوهات التي اعترت الاستراتيجية العسكرية الأميركية، ونص البند الثاني منها على هزيمة تنظيم الدولة الإسلامية في العراق وتحجيم قدراته القتالية في سوريا، دون الإشارة إلى قوات النظام السوري.

– اعتبار قوات البشمركة في العراق وقوات حماية الشعب الكردي في سوريا هي القوات الموثوقة والقادرة على قتال قوات تنظيم الدولة، مما يعني تهميش وإقصاء بقية العناصر القتالية الأخرى.

تخرجت الدفعة الأولى وعددها 54 وأرسلوا إلى الداخل السوري، وبعد يومين من دخول قائد المجموعة ومساعده اختطفتهما جبهة النصرة، ثم واجهت المجموعة المصير نفسه حيث أسر 13 فردا وقتل عدد آخر واختفت البقية، ولم يتبق منهم إلا أربعة أو خمسة أفراد يقاتلون

– اقتصار المهمة القتالية للقوات المتدربة على قتال تنظيم الدولة فقط، وعدم السماح لهم مستقبلا بقتال قوات النظام السوري، مما منع العديد من التشكيلات المعتدلة من الاشتراك في البرنامج التدريبي.

– تنفيذ غارات على مواقع جبهة النصرة وأحرار الشام وتنظيم خراسان في ريفي إدلب وحلب، وهي تنظيمات إسلامية لها بيئة اجتماعية حاضنة في المجتمع السوري مما عزز الشكوك حول المصداقية الأميركية في إسقاط النظام السوري.

– اقتصار البرامج التدريبية على التدريب الفردي الأساسي، وعدم الوصول بهم إلى التدريب الجماعي الذي يمكنهم من خوض معارك ناجحة وصد هجوم العدو.

– إدخال المقاتلين إلى سوريا بأعداد قليلة ضمن بيئة معادية وفي أفضل الحالات لن تحظى تلك الجماعات بدعم السكان المحليين.

– نقص المعلومات الاستخبارية المتوفرة لتلك الجماعات، خاصة ما يتعلق منها بالعدو والأرض.

تبدو الأسباب أعلاه هي المسؤولة عن فشل برنامج التدريب الأميركي، ولكن وراء الأكمة ما وراءها، بمعنى هل الإدارة الأميركية هي التي سعت لإفشال البرنامج التدريبي، لأنها أقدمت عليه تحت ضغط من أعضاء الكونغرس الجمهوريين، وتريد أن تقول لهم ها هي نتائج البرنامج الذين طالبتم بتنفيذه؟

الآراء الواردة في هذا المقال هي آراء الكاتب ولا تعكس بالضرورة الموقف التحريري لقناة الجزيرة.