الانتخابات الأفغانية.. هل سيحسم الأمر في الجولة الأولى؟

الانتخابات الأفغانية.. الجدوى والنتائج المتوقعة:مصباح الله عبد الباقي

جدوى الانتخابات
الظروف الأمنية
المرشحون الرئاسيون
النتائج المتوقعة
الخوف من التزوير

تشهد أفغانستان للمرة الثالثة انتخابات لملء الفراغ الرئاسي بعد انتهاء فترة رئاسة حامد كرزاي الذي شغل هذا المنصب في المرتين السابقتين، ويمنعه الدستور من الترشح للمرة الثالثة.

ويدور في أذهان القراء بشأن هذه الانتخابات العديد من الأسئلة، فيتساءل البعض عن جدواها، والآخرون يسألون عن إمكانية إجرائها في كل المناطق، وإذا أجريت هل سيحسم الأمر في الجولة الأولى، ومن هم أبرز المرشحين للرئاسة هذه المرة؟ نريد في السطور التالية مناقشة هذه الأسئلة وأشباهها باختصار.

جدوى الانتخابات
يرى كثير من الأفغان أن المشكلة الأساسية للشعب الأفغاني هي الحرب الدائرة في أفغانستان منذ أربعة عقود، وأن أولى أولويات هذا الشعب هي الخروج من هذه الأزمة، وإيقاف نزيف الدم، لأن الحرب تدمر كل شيء، ولا يمكن لشعب أن يطور نفسه أو يتقدم ما دامت نار الحرب مستعرة.

جرب الشعب الأفغاني الانتخابات الرئاسية مرتين قبل هذه المرة، قد أجريت في مثل ظروف الانقسام الحالية فلم تؤد إلى إيقاف الحرب أو توقف نزيف الدم

وقد جرب الشعب الأفغاني الانتخابات الرئاسية مرتين قبل ذلك قد أجريت في مثل ظروف الانقسام الحالية فلم تؤد إلى إيقاف الحرب أو توقف نزيف الدم، فإذا أجريت الانتخابات للمرة الثالثة ولم تؤد إلى النتيجة المطلوبة فما جدواها؟ وما الفائدة التي سيجنيها الشعب منها؟ وما هي المكاسب التي سيكسبها الشعب من وراء تغيير الوجوه والأشخاص؟

ومن هنا يرى هؤلاء أن الانتخابات التي يتوقع منها النتائج المطلوبة هي الانتخابات التي ستجرى بعد قبول أغلب الأطراف الأفغانية المشاركة فيها، وظروفها لم تحن بعد.

الظروف الأمنية
الظروف الأمنية تلقي بظلالها على الانتخابات الحالية، فالأوضاع في أكثر المناطق ليست تحت سيطرة الحكومة، وقد أعلنت اللجنة المستقلة للانتخابات أن (748) مركزا من مراكز التصويت ستبقى مغلقة بسبب الظروف الأمنية، وأن المراكز المفتوحة ستكون 6423 مركزا.

هذه هي الإحصائيات الرسمية، أما ما نشاهده فإن أغلب المناطق النائية عن المدن الكبيرة غير مستقرة وغير آمنة للموظفين وللمجموعات المراقبة للانتخابات، وحركة طالبان تصدر منشورا تلو منشور تهدد فيه من يشارك في العملية الانتخابية مصوتا أو مراقبا أو موظفا.

ومن هنا يرى كثير من المحللين أن الانتخابات الحالية لن تكون معبرة عن رأي الشعب بالقدر الكافي لعدم إمكانية المشاركة الشعبية فيها بسبب الظروف الأمنية، ولمقاطعة مجموعة كبيرة من الشعب الأفغاني بسبب نظرتهم لظروف الانقسام الحالية في المجتمع ورأيهم بأنها ليست صالحة لإجراء انتخابات نزيهة.

المرشحون الرئاسيون
لقد ترشح لمنصب الرئاسة في بداية الأمر عدد كبير من المرشحين، وكان رأي حامد كرزاي أن هذا العدد يجب أن يقلل لئلا تتوزع الأصوات بين عدد كبير من المرشحين، ومن هنا وضعت للترشح شروط حالت دون ترشح عدد منهم، فبقي أحد عشر شخصا في الحلبة، ثم تنازل ثلاثة منهم بعد إعلان الترشيح وقبوله من قبل اللجنة المستقلة للانتخابات، ويتنافس حاليا على منصب الرئاسة ثمانية أشخاص أبرزهم أربعة مرشحين:

1- الدكتور عبد الله عبد الله بن غلام محي الدين (كان والده عضوا معينا من قبل الملك في مجلس الشيوخ الأفغاني) من مواليد عام 1959، وهو طبيب العيون تخرج في كلية الطب بجامعة كابل عام 1983، ثم التحق بجبهة بنشير وعمل مساعدا خاصا للقائد أحمد شاه مسعود، وعمل وزيرا للخارجية في الإدارة المؤقتة، وفي الفترة الانتقالية مع حامد كرزاي بعد سقوط نظام طالبان.

لن تعبرالانتخابات الحالية عن الأفغانيين بالقدر الكافي لعدم إمكانية مشاركة الجميع فيها بسبب الظروف الأمنية، ولمقاطعة الكثيرين لها، ورفضهم إجراءها في واقع كهذا

2- محمد أشرف غني أحمد زاي من مواليد عام 1949، حصل على الليسانس والماجستير في العلوم السياسية من الجامعة الأميركية ببيروت، لبنان، ثم حصل على الماجستير في العلاقات الدولية من جامعة كولومبيا، كما حصل على الدكتوراه من نفس الجامعة في انتروبولوجيا، عمل أستاذا في جامعة داروس بالدانمارك، وجامعة بكلي وجامعة هوبكنز بأميركا، ثم عمل رئيسا لقسم التخطيط والإستراتيجية في البنك الدولي ووزيرا للمالية في الفترة الانتقالية في أفغانستان.

3- دكتور زلمي رسول بن الأستاذ عبد القيوم رسول من مواليد 1953 في كابل، درس الطب في فرنسا وحصل على شهادة الماجستير في العلوم الطبية، عمل طبيبا في مستشفى القوات المسلحة السعودية، وكان رئيس مكتب الملك السابق محمد ظاهر شاه في روما، وفي عهد كرزاي عمل مستشارا لرئيس الجمهورية ثم وزيرا للخارجية.

4- الأستاذ عبد رب الرسول سياف بن فقير محمد من مواليد عام 1944بمديرية بغمان بكابل، بعد التخرج من كلية الشريعة بجامعة كابل عمل مدرسا بنفس الكلية، ثم سافر إلى مصر ودرس الماجستير في الأزهر في تخصص الحديث، وكان أحد قادة المجاهدين المعروفين ضد قوات الاتحاد السوفياتي، وكان أحد مؤيدي حامد كرزاي في الفترة الماضية، وكان عضوا في البرلمان الأفغاني طوال الفترة الماضية منذ تشكيل البرلمان بعد سقوط نظام طالبان.

النتائج المتوقعة
ينص الدستور الأفغاني أن انتخاب الرئيس يكون بأكثر من 50% من أصوات الناخبين، ولا يكون بالأغلبية فقط، فإذا تنافس عدد من المرشحين على منصب الرئاسة ولم يتمكن أحد منهم من الحصول على أكثر من 50% من أصوات الناخبين، يعاد التصويت بين مرشحين اثنين حصلا على أعلى أصوات الناخبين.

وتنص المادة الحادية والستون من الدستور الأفغاني على أن التصويت سيعاد خلال أسبوعين من إعلان النتيجة الأولى إذا لم يحسم الأمر في الجولة الأولى، وتكون نتيجة الانتخاب في هذه الجولة بالأغلبية فقط ولا تشترط فيها نسبة معينة من الأصوات.

بناء على المادة المذكورة من الدستور الأفغاني يرى أكثر المحللين الأفغان أن المرشحين الأربعة الذين تم التعريف بهم في الفقرة الماضية هم الأبرز في الانتخابات الحالية، ويظهر من الحملات الانتخابية خلال الفترة الماضية أن أكثر المرشحين حظا هو الدكتور محمد أشرف غني أحمد زاي، ثم منافسه الأقرب الدكتور عبد الله عبد الله.

لكن النتيجة لن تحسم في الجولة الأولى، وستنتقل الانتخابات إلى الجولة الثانية، وفي غالب الظن أن حامد كرزاي وكثير من المرشحين سينضمون إلى معسكر محمد أشرف غني أحمد زاي في الجولة الثانية، وهو الذي سيحظى بتأييد الولايات المتحدة الأميركية حيث أنه معروف لديها، وقد عمل في العديد من مؤسساتها، كما استطاع أن يقدم نفسه في الحملات الانتخابية أنه الأحق بهذا المنصب من حيث الخطط والإستراتيجيات.

الخوف من التزوير

بعض المرشحين يظهرون قلقا شديدا من التزوير، ويرون أن أصوات الناخبين لن تحسم الانتخابات، بل يزعمون أن أمورا أخرى ستحدد مصيرها ونتائجها، ومن أهمها الخلاف بين أميركا وحكومة كرزاي، ومستقبل العلاقات بين أفغانستان والولايات المتحدة الأميركية، ويعتقدون أن أمرين اثنين سيكون لهما التأثير الأبرز على نتائج هذه الانتخابات:

يظهر البعض قلقا من التزوير، ويزعمون أن مصير ونتائج الانتخابات ستتحدد بناء على معطيات منها الخلاف بين أميركا وكرزاي، ومستقبل العلاقات بين أفغانستان والولايات المتحدة الأميركية

1- تدخل القصر الرئاسي في النتائج: يرى كثير من المحللين أن حامد كرزاي يؤيد الدكتور زلمي رسول، وهو الأقرب إليه، ومن هنا طلب من شقيقه عبد القيوم كرزاي -المرشح لرئاسة الجمهورية- أن يتنازل عن الترشيح ويؤيد زلمي رسول.

2- التدخل الأجنبي: ويرى المحللون أن الدول الأجنبية، وخاصة الولايات المتحدة الأميركية وإيران وبعض الدول المجاورة الأخرى يهمها أمر الرئيس الأفغاني القادم، ومن هنا ستتدخل هذه الجهات الأجنبية لحسم النتيجة في حق المرشح الذي يحظى بتأييدها.

الانتخابات الأفغانية -وإن لم تؤد إلى إخراج الشعب الأفغاني من أزمته، وإيقاف نزيف الدم، وتوقف الحرب التي تدمر الأخضر واليابس في أفغانستان- في حالة النجاح وقبول نتائجها، لكنها -لا سمح الله- إن فشلت وصارت نتائجها متنازع فيها يمكن أن تؤدي إلى مزيد من الانقسام والتشتت في المجتمع الأفغاني.

كثير من الشخصيات والجهات الأفغانية -وإن لم يكونوا مقتنعين بجدوى إجراء الانتخابات في ظروف الانقسام الحالي- يتوقعون أن تقبل الجهات المتنافسة النتائج لئلا تتسبب الانتخابات الحالية في مزيد من التشتت والانقسام للمجتمع الأفغاني.

الآراء الواردة في هذا المقال هي آراء الكاتب ولا تعكس بالضرورة الموقف التحريري لقناة الجزيرة.