ازدواجية المعايير الغربية بين أوكرانيا وسوريا

تصميم - ازدواجية المعايير الغربية بين أوكرانيا وسوريا - صادق الموصللي - رضا الغرب عن معارضة أوكرانيا ومخاوفه تجاه معارضة سوريا يمثل أحد أهم أسباب ازدواجية معاييره في التعامل مع الحراكين السوري والأوكراني

undefined

حراك سلمي
معارضة مشتتة
تحرك لأوكرانيا
العامل الديني

تدخل الثورة السورية عامها الرابع وقد حصل فيها كل ما يمكن أن يتصوره عقل وما يفوق التصور من انتهاكات لحقوق الإنسان وتدمير للبلاد وتشريد للناس من بيوتهم وحرق لمزارعهم وحرمانهم من مصادر رزقهم وتجويعهم عبر ضرب حصار مطبق على مناطق بأكملها، لإجبار سكانها على الخضوع أو النزوح منها.

حراك سلمي
ومنذ بداية الثورة تلكأ المجتمع الدولي في اتخاذ قرار حاسم بشأن نصرة الشعب السوري وإمداده بوسائل البقاء والمقاومة، ودأب الإعلام الغربي منذ الأشهر الأولى للثورة، وقبل أن يكون السلاح عاملا فاعلا في المعادلة الميدانية على الأرض على الدندنة على وتر الحرب الأهلية التي يمكن أن تحصل.

دأب الإعلام الغربي منذ الأشهر الأولى للثورة، وقبل أن يكون السلاح عاملا فاعلا في المعادلة الميدانية على الأرض على الدندنة على وتر الحرب الأهلية التي يمكن أن تحصل

ثم تطور الأمر إلى الحديث في بدايات العمل المسلح عن الجماعات المتطرفة التي قد تأتي إلى سوريا لتنفيذ مشروعها، ويجب أن نعلم أنه في ذلك الحين لم يكن أحد من السوريين باستثناء النظام ومؤيديه يتحدث عن صراع أهلي سوري سوري، وكان كل الناشطين يدفعون بهذه الشبهة دائما ويؤكدون أن الشعب خرج بكل أطيافه يرفض الظلم.

ومن أجمل الأمثلة على ذلك خروج كثير من الناشطين المسيحيين مع نظرائهم من المسلمين من المساجد في أيام الجمعة للتظاهر ضد النظام وسياساته، وبعد أن تطور العمل الثوري إلى عمل مسلح عمدت كل الكتائب للتأكيد على أن هدفها هو تحرير سوريا من نظام القتل والوحشية وتأسيس دولة الحرية واحترام حقوق الإنسان.

معارضة مشتتة
وبغض النظر هنا عما طرأ من مراحل تطور على الثورة السورية واختلاف ثقل الداعمين لها دوليا والداعمين للشعب السوري على قلتهم، فإنه يجب القول هنا إننا لا نستطيع أن نعفي المعارضة والسياسيين السوريين من المسؤولية عن خروج قرار الثورة من يد السوريين ليكون بيد غيرهم، لأسباب محصورة في صراعات حزبية ضيقة أو إقليمية دولية لها رؤى تناقض رؤية السوريين.

ورغم هذا فبوصلة كل قوى الثورة وناشطيها لم تنحرف عن هدفها المتمثل بإسقاط النظام، ولهذا فالتصريحات الدولية المستمرة التي كانت تتحدث بين حين وآخر عن عدم وحدة المعارضة وتشتتها لم تكن إلا خلطا بين الأسباب والنتائج بهذا السياق.

فهل أن المجتمع الدولي لم يقتنع بأن إقامة دولة سورية متماسكة بعد إسقاط النظام أمر ممكن؟ أم إنه ربما يبحث عن بديل يضمن هدوء المنطقة بعد تدمير ما يمكن تدميره من سوريا الجار المباشر لإسرائيل، خاصة إذا وضعنا بالاعتبار ما تردد خلال مؤتمر جنيف عن حديث وزير الخارجية الأميركي جون كيري وبعض الشخصيات السورية عن ارتباط حل القضية السورية إلى حد ما بموقف المعارضة وسوريا الجديدة من السلام مع إسرائيل، أضف إلى ذلك عامل تأمين مصالح الروس والإيرانيين في سوريا.

تحرك لأوكرانيا
عندما نتحدث إلى أفراد بل وجمعيات في الغرب عن المحنة السورية فإننا نلمس تعاطفا كبيرا، وغالبا ما يُبرر عدم التدخل الدولي في سوريا بعدم وجود ثروات طبيعية فيها، وبدا الأمر في الأيام الماضية واضحا عندما ظهر كيف تعامل المجتمع الدولي مع الحراك الشعبي في "الميدان" الأوكراني في كييف، وكيف سارعت أوروبا إلى التدخل على مستوى وزراء الخارجية.

الأسباب الاقتصادية والسياسية لعبت دورا أساسيا بسرعة تحرك الأوربيين من البداية لتهدئة الوضع المتأزم في أوكرانيا، قبل أن تتطور الأمور هناك لما نشاهده الآن

وليست هذه المرة الأولى التي يحصل فيها هذا التدخل لصالح المعارضة الأوكرانية خاصة أن روسيا تدعم الطرف الآخر وبقوة وتعمل على زيادة نفوذها باستمرار في الأقاليم الشرقية للبلاد.

وتعتبر أوروبا من أهم المستوردين للغاز الروسي، ويتم تصدير هذا الغاز ونقله عبر الأنابيب على الأراضي الأوكرانية، لذلك فإن عدم الاستقرار فيها سيؤثر بشكل كبير على كميات الغاز التي تمر إلى أوروبا التي تحتاج باستمرار إلى مصادر الطاقة.

وقد حصل هذا فعلا قبل فترة قريبة عندما قطعت روسيا الغاز وسببت أزمة حادة في أوكرانيا أدت بدورها إلى فوز المرشح الموالي لروسيا برئاسة البلاد، بالإضافة إلى اعتبار أوكرانيا منطقة يلتقي فيها نفوذ الشرق والغرب بشكل مباشر، وهو ما يجعل من هيمنة الغرب على أي نظام أوكراني محتمل او تبعيته له سيهدد الروس، خاصة إذا ما طرحت عضوية أوكرانيا في الناتو وهو ما يعتبر خطا أحمر بالنسبة للروس.

أضف إلى ذلك أن أوكرانيا هي الضفة التي تطل من خلالها روسيا على البحر الأسود، وتزايد النفوذ الغربي فيها قد يعزل روسيا ويؤثر مباشرة على حرية حركتها في البحر.

وفي خضم هذه الأحداث لا يمكن أن ننسى أعداد اللاجئين الذين يمكن أن يصلوا إلى أوروبا هربا من سوء الأوضاع في أوكرانيا إذا تطور الأمر فعلا إلى حرب أهلية، خاصة في ظل الانقسام الحاصل بين شرق وغرب البلاد والذي يمكن أن يترجم إلى تقسيم تبعا للنفوذ.

مما سبق، نجد أن الأسباب الاقتصادية والسياسية لعبت دورا أساسيا بسرعة تحرك الأوربيين من البداية لتهدئة الوضع المتأزم في أوكرانيا، قبل أن تتطور الأمور هناك لما نشاهده الآن.

وقد ظهر بجلاء أن أوروبا تحركت بسرعة قياسية في أوكرانيا لحيوية موقع هذا البلد ومكانته الإستراتيجية، والأهم من ذلك هو رضا الغرب عن المعارضة الأوكرانية التي يأمل الغربيون منها التعاون التام في المستقبل.

ومقابل ذلك فإن النظرة الغربية تأخذ منحى متشككا تجاه المعارضة السورية والكتائب المسلحة على الأرض والتي يلعب التوجه الديني فيها دورا هاما، مما يثير مخاوف حقيقية عند الغربيين، وهي مخاوف يتم توظيفها من الروس بمهارة لتبرير عدم التدخل الدولي لصالح المعارضة، إلا أن الأمر لا يخلو كذلك من مصالح غربية لم ترغب بحل سريع للقضية السورية.

 

لعب الروس بمهارة على المخاوف الغربية من المعارضة السورية، ووظفوا تلك المخاوف لتبرير عدم التدخل الدولي في سوريا، وعدم دعم المعارضة المسلحة

العامل الديني
والسؤال الذي يطرح نفسه الآن هل يلعب العامل الديني دورا في إرادة الدعم من عدمها، أم إن الأمر سياسي محض؟

وهنا لا نستطيع أن نصم آذاننا عن تلك الأصوات التي كانت وما زالت تنادي بالحذر مما يسمى بالربيع العربي لأنه مكّن الإسلاميين من الوصول إلى الحكم، بدلالة مسارعة الكثير من الإعلاميين ومراكز الأبحاث الغربية للحديث مباشرة عن الدولة الدينية عندما بدأت مظاهرات ميدان التحرير في مصر بداية عام 2011.

وهذا التقييم الغربي للموقف لم يكن حكرا على الساحة المصرية بل يمكن تعميمه على كل الدول التي حصل فيها حراك شعبي.

ولا يمكننا كذلك غض النظر عن كيفية تعامل بعض الأطراف الغربية مع هيئات ومجالس المعارضة السورية تدقيقا وتحليلا لمعرفة انتماءاتها ومكوناتها، لذلك يضاف عامل الدين إلى جملة تلك العوامل التي أدت إلى ازدواجية المعايير التي يتم بموجبها التعامل مع الحراكين السوري والأوكراني.

الآراء الواردة في هذا المقال هي آراء الكاتب ولا تعكس بالضرورة الموقف التحريري لقناة الجزيرة.