توتر العلاقات بين أميركا وكرزاي.. حقيقة أم مناورة؟

توتر العلاقات بين أميركا وكرزاي.. حقيقة أم مناورة؟

undefined

حقيقة الخلاف
الموقف الأميركي
موقف كرزاي

لقد وصلت العلاقات بين حكومة أوباما وكرزاي إلى أوج التوتر في الآونة الأخيرة، وتبادل الطرفان أنواعا من التهم، وبينما ينظر البعض إلى هذا التوتر في العلاقات بأنه مجرد مناورة من كرزاي لتحسين صورته لدى الشعب الأفغاني بوقوفه ضد أميركا، يرى آخرون أن كرزاي صادق فيما يقوله أو يفعله.

ويتطلب الأمر أن نستوضح الحقيقة في هذا الشأن، فما حقيقة هذه الاتهامات؟ وما أسباب هذا التوتر في العلاقات؟ وما نتائجه؟

حقيقة الخلاف
يعرف المطلعون على الشأن الأفغاني أن السنوات الأولى من حكم كرزاي كانت هادئة من ناحية علاقته بأميركا، فلما اختير رئيسا للإدارة المؤقتة عام 2001 في مؤتمر بون، ثم رئيسا للإدارة الانتقالية، ثم رئيسا للدولة، كان في كل هذه المراحل من حياته السياسية يتمتع بتأييد كل الصقور في الإدارة الأميركية حينذاك.

كانت السنوات الأولى من حكم كرزاي هادئة من ناحية علاقته بأميركا، حيث كان يتمتع بتأييد كل الصقور في الإدارة الأميركية خلال جميع المراحل التي مر بها (سياسيا) قبل اعتماده رئيسا للبلاد

ولما انتخب أوباما رئيسا لأميركا بدأت العلاقة بين إدارته وكرزاي تسوء لفقده من كان يسانده في إدارة بوش الابن، ومن هنا ازداد النقد لإدارة كرزاي، واتهم بالضعف والفساد، ونشرت الصحف العالمية مقالات في تلك الفترة عن الفساد الإداري، واتهم شقيق كرزاي بالمتاجرة في المخدرات، كما اتهم المقربون منه ومن الشخصيات الكبيرة في إدارته وأقارب نائبيه بالفساد والاختلاس، وخاصة في قضية "بانك كابل" أحد البنوك الأفغانية التي أفلست.

ولما حانت الانتخابات الرئاسية في أفغانستان قررت إدارة أوباما التدخل في نتائجها لصالح مرشح منافس لكرزاي، وتحدث كرزاي عن هذه القضية بالتفصيل، وقال إن الأميركيين عرضوا عليه بعد إجراء الانتخابات وقبل إعلان النتيجة القبول بمنصب رئيس شرفي ونقل صلاحياته لمنصب سيستحدث على غرار رئيس الوزراء وإلا فسيكون المصير إلى الإعادة بين المرشحين الأوفر حظا.

يقول كرزاي: قلت لهم أنا مستعد للإعادة حسب ما ينص عليه الدستور الأفغاني، وكان رد مسؤول مكتب الأمم المتحدة السابق في أفغانستان: "مالكم وللقانون؟ أنتم ناس فقراء، راعوا مصالحكم الشخصية". وبهذه الصورة أهان ذلك الدبلوماسي النرويجي الذي كان يمثل الأمم المتحدة في أفغانستان الشعب الأفغاني بكامله.

وقد اعترف سكرتير الدفاع الأميركي السابق روبرت غيتس في مذكراته بالتدخل في الانتخابات الأفغانية الرئاسية السابقة، واستمرت الجهات الأميركية في التشكيك في نتائج الانتخابات الرئاسية مع الضغط على أعضاء لجنة الانتخابات المستقلة لعدم إعلان فوز كرزاي في الانتخابات، وتم تهديد بعضهم بالموت كما صرح بذلك النجفي أحد أعضاء تلك اللجنة لوسائل الإعلام في كابل.

ولأجل إهانة كرزاي والتشكيك في كونه رئيسا لأفغانستان تم تأخير إعلان النتيجة أكثر من ثلاثة أشهر، فقد كان عقد الانتخابات يوم 20 أغسطس/آب عام 2009 وكان الإعلان بفوز كرزاي يوم 2 نوفمبر/تشرين الثاني من نفس العام، وهذا ما أثر في نفسية كرزاي كثيرا، وتغيرت لهجته كثيرا بعد ذلك تجاه الأميركيين.

لكن الأمر بقي في سراديب السياسة، وكان يطفو إلى السطح في بعض الأوقات ويبدو أن السبب في ذلك أن كرزاي كان ينتظر فرصة مناسبة، فلو بدأ هذه المعركة مبكرا لأدى ذلك إلى نتائج غير مرضية، ولما اضطر الأميركيون إلى تحمله إلى الحد الذي تحملوه الآن، فالتوقيت الذي اختاره كرزاي هو التوقيت المناسب في نظره لإحراج أميركا ولإظهار نواياها.

ولما طرحت أميركا قضية عقد اتفاقية إستراتيجية قبل أكثر من سنة، وكانت تلك الاتفاقية تتضمن بنود الاتفاقية الأمنية والدفاعية، وإنشاء القواعد العسكرية الأميركية الدائمة في أفغانستان، استطاع كرزاي في ذاك الوقت التملص من توقيع الاتفاقية الأمنية والدفاعية بحجة ضرورة إنضاجها وتفاهم أكثر حولها، فاكتفى بتوقيع الاتفاقية الإستراتيجية، مع الإشارة إلى استمرار المحادثات حول الاتفاقية الأمنية لمدة سنة ليتم توقيعها بعدها.

وكان غرض كرزاي من تأخير توقيع تلك الاتفاقية تحديد الوقت المناسب للمناورة، ولما أصرت أميركا على توقيع الاتفاقية الأمنية بعد محادثات دامت سنة (لم تتنازل أميركا عن موقفها فيها قيد أنملة) أصر كرزاي على تحقيق المصالح الأفغانية من تحقيق الأمن والاستقرار في أفغانستان، وهنا برز كل ما كان في الخفاء إلى العلن.

الموقف الأميركي
أميركا مستمرة في عنجهيتها الاستعمارية، وتعاملها الاستبدادي، وتريد تحقيق جميع مصالحها من غير أن تعير أي اهتمام للمصالح الأفغانية، لكن الشيء الوحيد الذي تغير أنها تجد أمامها الآن معارضة الرئيس الأفغاني كرزاي التي لم تكن تتوقعها قبل ذلك أصلا.

لإهانة كرزاي والتشكيك في شرعيته الرئاسية، تم تأخير إعلان فوزه بالانتخابات أكثر من ثلاثة أشهر، وهذا ما أثر في نفسيته كثيرا، وأدى لتغير كبير في لهجته بعد ذلك تجاه الأميركيين

فهي تريد توقيع الاتفاقية الأمنية والدفاعية وأن تنشئ على أساسها القواعد العسكرية الدائمة في أفغانستان، وأن تكون هي المتحكمة بها في مقدرات أفغانستان، وأن تشكل دولة داخل دولة، وأن تضرب بالدستور الأفغاني وبالقوانين الأخرى، وبالسيادة الوطنية الأفغانية وبالمصالح الاقتصادية الأفغانية عرض الحائط، وهي تحارب الشعب الأفغاني نفسيا، وتمارس جميع أنواع الضغط لإجبار الحكومة الأفغانية على توقيع تلك الاتفاقية من غير أن تحقق أفغانستان شيئا من مصالحها.

وأحيانا تهدد بقطع رواتب الجيش والشرطة، وأحيانا تقطع وقود السيارات عن الجيش والشرطة، كما أنها تشجع فرار رأس المال والثروة من أفغانستان وتهديدها بالإفلاس في حالة عدم توقيع الاتفاقية المذكورة، كما أنها تهدد بعودة أفغانستان إلى الفوضى والاقتتال الداخلي كما كانت في العقد التاسع من القرن الماضي في حالة رفض كرزاي توقيع الاتفاقية، مع التهديد بوقف المساعدات الدولية، مما يعني عدم قدرة الحكومة الأفغانية على الاستمرار والتماسك.

كل هذه التهديدات والحرب النفسية تمارسها الجهات الأميركية والموالون لها من الأفغان عن طريق وسائل الإعلام المحلية والعالمية من غير رادع باسم حرية الرأي والتعبير.

موقف كرزاي
بينما يقول كرزاي: إنه لا يعارض تواجد القوات الأميركية في أفغانستان ولا توقيع الاتفاقية الأمنية والدفاعية مع أميركا، وإنه لا يعارض أن تحقق أميركا مصالحها في أفغانستان سواء كانت تلك المصالح إستراتيجية أو كانت مصالح اقتصادية كبرى، لكن بشرط أن يتحقق إلى جانبها الحد الأدنى من المصالح الأفغانية كذلك، ومن تلك المصالح الأفغانية التي يطلب كرزاي تحققها إلى جانب المصالح الأميركية:

1- بدء محادثات المصالحة بين الحكومة الأفغانية وحركة طالبان، ويعتقد كرزاي أن مفتاح الصلح في أفغانستان بيد أميركا وباكستان.

2- توقف العمليات العسكرية للقوات الأميركية في أفغانستان. يقول كرزاي: إن أميركا صرحت أكثر من مرة أنه لم يبق من أفراد تنظيم القاعدة في أفغانستان إلا عدد يسير جدا، وأنها ليست بينها وبين حركة طالبان مشكلة، وأن أميركا كانت تتحدث معه نيابة عن حركة طالبان، وأنا أرحب بذلك، فإذا لم تكن لدى أميركا مشكلة وعداء مع حركة طالبان فضد من تقوم بالعمليات العسكرية داخل أفغانستان؟

ويقول كرزاي: إن أميركا لا تتعامل مع أفغانستان كدولة صديقة بل تتعامل معنا كدولة استعمارية، وإن الشعب الأفغاني واجه الاستعمار في الماضي ودحره، وأنه لن يستسلم له اليوم كذلك.

ولما سئل عن قصده بالتعامل الاستعماري، قال: أميركا تضغط علينا لتوقيع الاتفاقية الأمنية، وتهددنا بعودة الفوضى إن لم نوقعها، كما تهددنا بقطع المساعدات عنا، وتقطع إمدادات الوقود عن الجيش والشرطة، وتحاربنا نفسيا، وبسبب تلك الدعاية والحرب النفسية أضرت باقتصاد أفغانستان، وتسببت بهروب الاستثمارات ورؤوس الأموال من أفغانستان، هل هذا تعامل دولة صديقة؟ لن نوقع الاتفاقية الأمنية تحت أية ظروف وبسبب أية ضغوط تمارس ضدنا ما لم تحقق مصالحنا إلى جانب مصالح أميركا.

لا يعارض كرزاي وجود قوات أميركية في أفغانستان ولا توقيع اتفاقية أمنية ودفاعية مع أميركا، ولا ما يحقق مصالح أميركا، ولكنه يشترط -إلى جانب ذلك- تحقق الحد الأدنى من المصالح الأفغانية

يرى كرزاي: أن أميركا يجب أن تتفاهم مع حركة طالبان للمشاركة في النظام وهي تستطيع ذلك، لأن أميركا لديها علاقات بحركة طالبان، كما أن أميركا تستطيع أن تجبر باكستان على إعادة الاستقرار إلى أفغانستان، لأن باكستان لديها أوراق كثيرة للضغط على حركة طالبان، ولكن أميركا لا تفعل ذلك، ويريدها أن تسعى سعيا حقيقيا للمصالحة بين الفئات الأفغانية والاستقرار في أفغانستان، لكن أميركا بدل أن تسعى لإعادة الصلح والاستقرار إلى أفغانستان تسعى لاستمرار الحرب، وإضعاف حكومة كرزاي لتبرر بذلك تواجد قواتها في أفغانستان.

فقد كتبت واشنطن بوست نقلا عن مصدر في القصر الرئاسي الأفغاني أن كرزاي يظن أن بعض حوادث التفجير الأخيرة التي قامت بها الجماعات المسلحة في كابل حدثت بالتنسيق من جهات أميركية لزعزعة الاستقرار في أفغانستان وإضعاف حكومته، وخاصة التفجير الذي وقع في المطعم اللبناني في "وزير أكبرخان" أرقى أحياء العاصمة الأفغانية كابل، الذي راح ضحيته أكثر من عشرين شخصا.

يبدو أن كرزاي كان في بداية تعامله مع أميركا يعتقد أنها جاءت إلى أفغانستان للحفاظ على مصالحها، لكنه مع ذلك كان يعتقد أن أفغانستان يمكن أن تحقق مصالحها التي تتمثل في الاستقرار الأمني والاقتصادي إلى جانب ذلك.

ولكن يبدو -بعد تجربة عقد كامل في الحكم والتعامل مع أميركا- أنه قد توصل إلى أن مصالح الدول المستعمرَة تتعارض في كثير من الأحيان مع مصالح الدول الاستعمارية، وهي ليست مستعدة أن تضحي بشيء بسيط من مصالحها لأجل المصالح المصيرية لتلك الدول الضعيفة، وهذا درس جدير بأن يتعلمه جميع حكام دول العالم الثالث وخاصة حكام العالم الإسلامي حين التعامل مع الدول الكبيرة.

الآراء الواردة في هذا المقال هي آراء الكاتب ولا تعكس بالضرورة الموقف التحريري لقناة الجزيرة.