ساسة الصومال والصراعات المفتوحة

الرئيس الصومالي حسن الشيخ محمود ورئيس الوزراء عبد الولي الشيخ أحمد في مناسبة تعيين عبد الولي رئيسا للوزراء ، مقديشو 12 ديسمبر 2013 (الجزيرة نت).
الجزيرة

لب الخلاف
السباق مع الزمن
السيناريوهات المحتملة

يبدو أن الرئيس الصومالي حسن شيخ محمود المنتخب في سبتمبر/أيلول 2012 قد وجد فرصة أفضل للنجاح ممن سبقوه، وذلك أن حكومته كانت أول حكومة غير انتقالية في البلاد منذ سقوط الحكومة المركزية عام 1991، وكان أيضا انتخابه في العاصمة مقديشو الحدث الأول من نوعه خلال عشرين عاما.

هذا إضافة إلى الدعم المالي غير المسبوق الذي وجدته حكومته، إلى جانب المظاهرات المؤيدة له في جميع أنحاء البلاد بسبب الانتخابات التي عقدت في مقديشو لأول مرة، وظهور بوادر التعافي التي كانت واضحة في البلد للمرة الأولى منذ بداية الحرب الأهلية، وأهم من ذلك، إعادة بناء المؤسسات الوطنية الحيوية وأجهزة الدولة الرئيسية.

رغم كل تلك الفرص وغيرها التي لم تجدها الحكومات السابقة لم ينتهزها الرئيس حسن شيخ حيث ذهبت أدراج الرياح كمن لم يضرب الحديد وهو ساخن، بل ظل الخلاف والنزاع سيد الموقف.

الصدام بين رموز السلطة الصومالية سمة بارزة في أروقة الحكومة، ففي عهد حكومة شيخ شريف وقع الخلاف بينه وبين رئيس وزرائه آنذاك شارمارك وانتهي بعزل الأخير مما أدى إلى اندلاع أزمة سياسية وقانونية جديدة داخل السلطة الانتقالية في البلاد

لب الخلاف
يعتبر الخلاف والاصطدام بين رموز السلطة في الصومال سمة بارزة في أروقة الحكومة، ففي عهد حكومة شيخ شريف شيخ أحمد وقع الخلاف بينه وبين رئيس وزرائه آنذاك السيد عمر شارمارك وانتهي بعزل الأخير مما أدى إلى اندلاع أزمة سياسية وقانونية جديدة داخل السلطة الانتقالية في البلاد.
وكان شارمارك قد وصف قرار الرئيس بحل الحكومة بالخطوة غير الشرعية، وأنه ليس للرئيس صلاحية دستورية لإقالته أو حل حكومته من دون موافقة البرلمان. وتمت أيضا إزاحة رئيس الوزراء السابق عبد فارح شيردون في نوفمبر/تشرين الثاني 2013 ، بعد أن طرح الرئيس حسن شيخ محمود مشروعا لسحب الثقة عنه، وها هو الخلاف يتجدد مرة أخرى.

سبب الصراع السياسي في الصومال الذي لم يزل يدب في أروقة الحكومة هي المعضلة الشائكة التي تقف أمام إيجاد حل جذري للأزمة، وسط ذلك البلد الذي تحيط به التدخلات الخارجية إحاطة السوار بالمعصم، الأمر الذي يجعل الحل بعيد المنال، ولعل القرار السياسي الصومالي يبدو وكأنه يدار من قبل جهات خارجية لها مصالحها الخاصة في البلد.

فمعظم المهتمين بل والمشاركين في الشأن السياسي من خارج مؤسسات الحكم الانتقالي مقتنعون بأن العملية السياسية برمتها مطبوخة في الخارج وتفتقر إلى مشاركة شعبية فاعلة، ويعود ذلك إلى موقع البلد الإستراتيجي الذي يجعله محط أطماع الدول، فالحروب الأهلية، والصراعات العنيفة على السلطة، وانهيار مشروع الدولة الوطنية، والكوارث الطبيعية، والتنافس الدولي على الثروة والنفوذ، كلها عوامل أسهمت في صياغة وتشكيل معالم المشهد في هذا البلد المضطرب.

فالخلاف بين رموز السلطة الذي رافق مسيرة الحكومة حتى الآن هو الأمر الذي فسره المراقبون عقبة كأداء تتجسد في كل حين أمام رؤساء الصومال، وعلى الرغم من أن جوهر الخلاف يكمن في النظام الدستوري حسب ما تشير إليه تغريدة نشرها رئيس الوزراء السيد عبدولي عبر صفحته على أحد مواقع التواصل الاجتماعي مفادها "أن حماية الدستور واجب شرعي على كل فرد صومالي" غير أن نشوب الخلاف بين الرئيس ورئيس الوزراء يأتي في وقت يسعى فيه الصومال لبناء الثقة في الحكومة وطمأنة المانحين.

وقال الرئيس الصومالي حسن شيخ محمود -في بيان صدر من مكتبه- إن رئيس الوزراء عبد الولي شيخ أحمد لم يتشاور معه في شأن التعديلات وقال "على الوزراء البقاء في مناصبهم السابقة وعلى قوات الأمن مضاعفة الجهد للحفاظ على الأمن".

ويبدو في شأن هذا الخلاف المتفاقم أن الرئيس حسن شيخ لم تعجبه الخطوات التي اتخذها رئيس الوزراء سيد عبدولي حول التعديل الوزاري، وتحويل بعض المقربين من الرئيس إلى مناصب أخرى.

وبناء على هذا يعتقد سياسيون كثيرون أن سبب الخلاف يبدو مصلحيا أكثر من كونه سياسيا، وإن صحت تلك المقولة فإن مفهوم الدولة في الصومال يحتاج إلى كثير من التوضيح وما إذا كانت المصالح الفردية هي التي تقود البلد أم لا؟ وهذا النوع من الخلاف له آثاره السلبية التي تضر بالمصالح العامة للبلد طالما المصالح الفردية سيدة الموقف في ظل انعدام محكمة دستورية فاعلة.

مع ملاحظة أن مثل هذا الخلاف بين رموز السلطة ينتهي في الغالب بإزاحة أحد الطرفين المتخاصمين كحل وحيد، وهذه من المفارقات العجيبة التي تشهدها الساحة الصومالية، فهناك اعتقاد أنه لا يوجد حل آخر ينهي الخلاف الذي أصبح حديث الساعة في مقاهي الإنترنت وبين الأوساط السياسية كثافة.

وقد نجح الرئيس الصومالي حسن شيخ محمود سابقا في إزاحة رئيس الوزراء السابق عبد فارح شيرون بعد سحب الثقة عنه بأغلبية ساحقة من البرلمان إثر تجاذبات سياسية، ويبدو أن الخلاف الحالي يسير في نفس الطريق الذي انتهي به الأول، طالما أن الرئيس لا يقتنع بالخطوات التي قام بها رئيس الوزراء عبدولي حول التعديل الوزاري، ما يؤشر على أن الصومال يدور في حلقة مفرغة.

الأزمة الصومالية باتت بمثابة شطرنج تتلاعب بها قوى إقليمية وأخرى دولية بأجندات مختلفة ومتباينة منذ سقوط الحكومة المركزية عام 1991 ما جعل الصوماليين في حيرة من أمرهم حيث تفرقوا في أنحاء العالم نتيجة الصراعات السياسية والحروب المدمرة

وأثارت اتهامات مبعوث الأمم المتحدة للصومال نيكلوس كاي لنواب في البرلمان الصومالي بتلقي رشاوى لحجب الثقة عن رئيس الوزراء عبد الولي شيخ أحمد، جدلا واسعا بين نواب البرلمان، حيث انقسموا بين مؤيد ورافض لها، ووصفها بعضهم بـ"غير لائقة" فيما اعتبرها نواب آخرون "اتهامات صحيحة".

ويمكن القول إن هناك أكثر من سبب يستدعي التصعيد والتوتر بين رموز السلطة في الصومال، منها الفساد المالي الذي لا يزال ينهش في جسد الحكومة الأمر الذي يضعف القضية الأمنية والإدارية فيها، وبالتالي يؤدي إلى شلل يعيق النهوض والتقدم نحو الأمام، وغموض في الدستور الذي لم يوضع في صورته النهائية الدقيقة التي تحدد صلاحيات كل من الرئيس ورئيس الوزراء.

إن الأزمة الصومالية باتت بمثابة شطرنج تتلاعب بها قوى إقليمية وأخرى دولية بأجندات مختلفة ومتباينة منذ سقوط الحكومة المركزية عام 1991 الأمر الذي جعل الصوماليين في حيرة من أمرهم حيث تفرقوا في أنحاء العالم نتيجة الصراعات السياسية والحروب المدمرة التي حاقت بالعباد والبلاد في الصومال.

وعلى غرار الوضع المأساوي في الصومال فالقوى الخارجية هي اللاعب الأساسي في توجيه المشهد الصومالي نحو الفوضى وعدم الأمن والاستقرار، ما يعني أننا نسير على طريق الفوضى وتعداد الضحايا، ولعل إحدى المعضلات الأساسية في الصومال هي التدخلات الخارجية من دول ومنظمات.

السباق مع الزمن
يعتبر عامل الزمن واحدا من أهم التحديات والمعضلات التي تواجه الرئيس الصومالي في ظل انتهاء مدة حكمه التي لم يبق منها إلا سنة واحدة، خصوصا وأن فترة رئاسته كانت مليئة بتجاذبات سياسية بين قيادات الحكومة، إلى جانب قلة الإنجازات الحكومية، الأمر الذي فسره البعض بأن الرئيس في سباق مع الزمن ومصارعة ضد عقارب الساعة لتصحيح الوضع وتسوية الخلافات الحكومية قبل أن يؤثر الأمر على الاعتراف الدولي والتأييد المستمر من قبل المانحين.

يسعى الرجل لتحقيق ذلك قبل انتهاء المدة اليسيرة المتبقية له وبدء مرحلة جديدة تتسم بالهدوء تصاغ من خلالها أسس جديدة بما فيها مسألة الدستور وتوضيح صلاحيات كل من الرئيس ورئيس الوزراء التي باتت الآن بؤرة الصراع السياسي الدائم والذي يندلع بين رموز السلطة في الصومال بين الحين والآخر، وحل القضية يبقى رهنا بتعامل المسؤولين المتنازعين في توجيه مسار السياسة الصومالية نحو الأفضل، وتجميد جميع الخلافات التي تدب في أروقة الحكومة.

ويعتقد السياسي الصومالي محمد جامع فارح أن الحكومة الصومالية فشلت في دفع عجلة الوئام الاجتماعي إلى الأمام ذلك أن القوى المهيمنة على القرار الصومالي تبذل قصارى جهدها للبقاء في المناصب دون بذل أي جهد في سبيل العمل، إضافة إلى الانفلات الأمني في العاصمة الذي عزاه المراقبون إلى غياب الإستراتيجية الأمنية والسياسات الحكيمة التي انتهجتها الحكومة حيال قضية الأمن والتي أدت إلى استقالة كبار المسؤولين في الأجهزة الأمنية وانشغالهم بالخلافات الجانبية، مما أثر سلبا على الحالة الأمنية المتدهورة في العاصمة مقديشو، علما بأن استمرار هذا الخلاف ستكون له انعكاساته السلبية ليس على الحكومة فقط وإنما على حالة البلد بصفة عامة.

ضبابية المشهد السياسي الحالي وقتامة الصورة والاختلاف بين الرئيس ورئيس الوزراء يجعل الوضع أكثر تعقيدا والمشهد السياسي الصومالي أكثر ضبابية، وما زلنا نتفرج وننتظر. والحقيقة أننا نسير في نفق مظلم لا يعلم ما يخفيه لنا إلا الملك العلام.

فذهاب بلد كالصومال نحو التشظي والفوضى له انعكاساته وتداعياته الخطيرة على دول الجوار وعلى المنطقة ككل، والأوضاع الراهنة والمعقدة والخلاف المستمر في أروقة الحكومة تشير إلى أن المشهد الصومالي قد يتجه نحو أحد السيناريوهات المحتملة.

السيناريوهات المحتملة

يرى بعض المحللين أن استمرار هذا الخلاف سيجمد جميع الجهود والأنشطة الحكومية، ومن الأفضل إيجاد حل ينهي الأزمة السياسة، بتنازل كل طرف عن بعض مطالبه خدمة للمصلحة العامة ليعود الاستقرار المنشود في هذا البلد الذي أنهكته الصراعات السياسية

– يبدو أن الخيارات أمام الرئيس صعبة، وأي قرار يتخذه ضد خصمه لا يخلو من تداعيات خطيرة على المستقبل السياسي للبلد الذي بدأ يندمل جرحه لتحسن الوضع نسبيا في الصومال، كما أن هذا الخلاف سيؤثر سلبا على التقدم الذي تم خلال السنوات القليلة الماضية على الصعيد الأمني.

ووفقا للمعلومات التي بحوزتنا أن معظم الوزراء مؤيدون لرئيس الوزراء لكونهم ضمن الشخصيات التي اختارها بنفسه، ولكن يعتقد الكثيرون أن الرئيس سوف يفضل الخيار الحاسم الذي ينهي المشكلة بشكل مباشر، وهو طرح مشروع اقتراح لسحب الثقة من رئيس الوزراء على البرلمان الذي يعتقد أن الكثير من أعضائه موالون للرئيس، ولكن هذا الخيار سيكون صعبا بالنسبة لأعضاء البرلمان القبليين الذين تدهورت علاقتهم مع الرئيس بسبب الخطوات التي قامت بها الحكومة مؤخرا في نزع السلاح من زعماء المليشيات القبلية.

– توقيف الدول المانحة المساعدات المالية المستمرة عن الصومال، وسيؤدي ذلك إلى شل جميع الأنشطة والجهود التي تبذلها دول كثيرة لأجل إعادة البنية التحية في الصومال.

– استغلال حركة الشباب في تصعيد هجماتها على مواقع الحكومة والثكنات العسكرية لقوات الاتحاد الأفريقي (أميصوم) كفرصة ذهبية وهو الأخطر، خصوصا وأن الحركة توعدت عبر حسابها في تويتر بتنفيذ مزيد من العمليات النوعية ثأرا لمقتل زعيمها.

كل الاحتمالات واردة ويمكن أن تحدث، ومن الصعب التكهن أو الجزم بشأن السيناريوهات التي قد تتجه نحوها البلاد في ظل حالة الاستقطاب، لكننا نستطيع الجزم بقدرة الرئيس ورئيس الوزراء على تجاوز هذه المرحلة من النزاع إذا استجابا لصوت العقل، ونبذا كل الخلافات وطويا صفحة الماضي وجلسا إلى طاولة واحدة لإيجاد حل ينهي الأزمة والصراع السياسي بينهما.

وعلى العموم يرى بعض المحللين أن استمرار هذا الخلاف سيجمد جميع الجهود والأنشطة الحكومية، ومن الأفضل إيجاد حل ينهي الأزمة السياسة، بتنازل كل طرف عن بعض مطالبه خدمة للمصلحة العامة ليعود الاستقرار المنشود في هذا البلد الذي أنهكته الصراعات السياسية والمصالح الشخصية.

الآراء الواردة في هذا المقال هي آراء الكاتب ولا تعكس بالضرورة الموقف التحريري لقناة الجزيرة.