في مواجهة إستراتيجيات حكومة نتنياهو

في مواجهة إستراتيجيات حكومة نتنياهو

 undefined

الحكومة الأشد تطرفا وعنصرية
تعميق الاحتلال والاستيطان
الأفق السياسي المغلق
خيارات الفلسطينيين والعرب

كنا نقول دائما إن "هناك إجماعا سياسيا إسرائيليا -يمتد من أقصى اليمين الفاشي إلى أقصى اليسار المعتدل- على الأهداف والثوابت الإستراتيجية الصهيونية"، مع أننا كنا نستثني أحيانا بعض قوى ورموز اليسار الحقيقي، وهم قلة قليلة اليوم في "إسرائيل". أما اليوم وبعد الانتخابات الإسرائيلية التاسعة عشرة، فقد أطل علينا المشهد السياسي الإسرائيلي بحلة يمينية فاشية صافية سافرة، وبحكومة نتنياهو الثالثة -التي نعتها مبكرا جدا حتى قبل الانتخابات بشهور بأنها ستكون حكومة المستوطنين- ما ينبئ بإستراتيجيات حربية عدوانية مفتوحة، سوف يحتل الاستعمار الاستيطاني في القدس والضفة فيها الأولوية والأفضلية، بينما ستتلبد السماء بالغيوم السوداء في عهدها.

فالمؤشرات الحربية العدوانية  لديهم متراكمة منذ ما قبل الانتخابات، في حين كانت آفاق المفاوضات والتسوية السياسية قد تبددت واختفت منذ بدايات ولاية نتنياهو الثانية، وليس من المحتمل أن تتجدد الفرصة والآفاق على نحو جدي في ولايته الثالثة.

حكومة نتنياهو الثالثة، هي الأشد تطرفا وعنصرية، بقيادة رؤوس ورموز حرب واستيطان، من نتنياهو وبينيت ويعلون إلى آرئيل، وليفني وموفاز

الحكومة الأشد تطرفا وعنصرية
فهذه الحكومة هي -بالإجماع تقريبا- حكومة "المليون مستوطن"، ذلك أن هدفها -كما يوثق المحلل الإسرائيلي ألوف بن في "هآرتس"- هو "توسيع  الاستيطان وتحقيق حلم المليون يهودي في يهودا والسامرة"، وهي حكومة "ييشع"، أي حكومة مجلس المستوطنات اليهودية في الضفة الغربية، نظرا لأنها تضم نحو خمسة عشر وزيرا (من الليكود وإسرائيل بيتنا والبيت اليهودي) من مجموع عدد أعضاء الحكومة البالغ إحدى وعشرين وزيرا، هم من المستوطنين والمؤيدين لهم على نحو واضح وصريح.

وفي مقدمتهم نفتالي بينيت، وأوري آرئيل، وموشيه يعلون وزير الحرب الجديد، الذي يحظى بتأييد منقطع النظير من قبل المستوطنين، الذين أصدروا بياناً رحبوا فيه بتعيينه وزيراً للحرب، وقالوا فيه: "يعلون هو صديق الاستيطان والمستوطنين في الضفة الغربية، ونحن نؤيد تعيينه وزيراً للحرب، ونأمل منه أن يلغي عناصر الظلم الصعبة ضدنا"، وهي "حكومة البيت اليهودي" إلى حد كبير كما كتب دوف فايسغلاس -مستشار شارون سابقا- في يديعوت 24/12/2012″، مما دعا السفير الأميركي "دان شابيرو" لكتابة برقية مطولة إلى البيت الأبيض قبيل زيارة الرئيس الأميركي أوباما، ليقدم من خلالها تقريراً عن الحكومة الإسرائيلية الجديدة، مشيرا إلى "أن هناك حقيقة واضحة تشير إلى أن بنيامين نتنياهو أصبح أضعف، وأصبح رهينة سياسية لجميع شركائه في الائتلاف"، لافتاً إلى "أن هناك ارتفاعا كبيرا في قوة المستوطنين في حكومة نتنياهو الثالثة".

لذلك يمكننا أن نثبت أن حكومة نتنياهو الثالثة، هي الأشد تطرفا وعنصرية، بقيادة رؤوس ورموز حرب واستيطان، من نتنياهو وبينيت ويعلون إلى آرئيل، وليفني وموفاز لا يقلان بدورهما عنهم تطرفا وعنصرية، إلى جانب كونها حكومة  تتشكل من ممثلي كافة الأطياف الصهيونية، ففيها الجنرال يعلون عن المؤسسة العسكرية الأمنية، وفيها نتنياهو وبينيت عن الأيديولوجيا الصهيونية العنصرية الاستيطانية، وفيها يائير لبيد عن الجيل الصهيوني الصاعد، إذن نحن عمليا أمام حكومة صهيونية شاملة لكافة الأطياف السياسية باستثناء -طبعا- أقصى اليسار والأحزاب العربية، لذلك لن نرى في ظل هذه الحكومة عمليا، سوى  لغة القوة والغطرسة والإخضاع والتهديد والوعيد…!

تعميق الاحتلال والاستيطان 
إلى كل ذلك، وفي مقدمة كل ذلك، فإن هذه الحكومة ستكون حكومة تعميق الاحتلال والاستيطان وتزييف التاريخ، سواء على صعيد فلسطين المحتلة 48، أو على صعيد القدس والضفة الغربية، فها هو نتنياهو يعلن قبيل تشكيل حكومته الثالثة: "أن أي حكومة إسرائيلية برئاسته لن تخلي مستوطنات في الضفة الغربية خلال ولايتها المقبلة"، موضحاً "أن عهد تقديم التنازلات من هذا القبيل قد ولَّى إلى غير رجعة"، وها هو أوري آرييل -وزير الإسكان الإسرائيلي الجديد- يعلن فور تشكيل الوزارة: "أن حكومة نتنياهو ستواصل توسيع المستوطنات بنفس المدى الذي كانت عليه حكومته السابقة"، مضيفا -للقناة العاشرة في التلفزيون الإسرائيلي، مستخدما الاسم الذي ورد في التوراة للأراضي التي احتلتها إسرائيل عام 1967- "أن الحكومة ستبني في يهودا والسامرة تقريبا مثلما فعلت سابقا، ولا أرى سببا لتغيير ذلك."

وحسب ما فعلوه سابقا، فإن المعطيات الماثلة تفيد أن عملية الاستيطان الجارية بلا توقف، هي الأشد والأشرس والأقسى تاريخيا، فـ"إسرائيل" تقيم في الضفة نظاما كولونياليا استعماريا عسكريا إسبارطيا، يحول المستوطنين إلى دويلة، أو إلى "إسرائيل-2″، يجعل من المستوطنين أسياد الأرض الحقيقيين. وتشير المعطيات إلى "أن موجة التمدد الاستيطاني جزء من إستراتيجية شاملة لسلخ أكثر من 60% من أراضي الضفة عن الفلسطينيين، وأن موجة التمدد -التي هي جزء من إستراتيجية إسرائيلية شاملة تجاه الضفة- هدفها حشر الفلسطينيين في حدود مدنهم وقراهم في منطقتيْ "أ" و "ب" وفق اتفاقية أوسلو، وسلخ أكثر من 60% من أراضي الضفة عنهم (وهي المشمولة في المنطقة "ج") وأن إسرائيل -وبمحاكمها- تتصرف كأنها تقوم بعملية ضمّ للمناطق "ج" دون سكانها.

ما يجري على أرض القدس والضفة الغربية، ليس مصادرات واستيطانا وتهويدا وسطوا مسلحا على الأرض والتاريخ في وضح النهار، فقط، وإنما هو عملية كولونيالية أعمق بكثير

وتتعامل دولة الاحتلال في الضفة الغربية، وكأن هذه الأرض جزء لا يتجزأ من "أرض إسرائيل"، وعلى أنها تخضع للسيادة الإسرائيلية، لذلك ترخي العنان لمستعمريها و"بلدوزراتها" ليعيثوا فسادا وتخريبا وهدما وتدميرا واستيطانا في كل بقعة على امتداد مساحة الضفة، فهناك حرب حقيقية تستعر على الأرض في الضفة، كان وصفها أوري أفنيري -رئيس تحرير مجلة"هعولام هزيه" سابقا، رئيس كتلة "السلام الآن"- قائلاً: "إن الحرب الحقيقية تدور رحاها على الأرض في أنحاء الضفة الغربية والقدس، وأسلحتها تتكون من: الخرائط والقرارات، والأوامر العسكرية، وهي حرب مصيرية يتعلق بها مصير ومستقبل ملايين الفلسطينيين، فإما الحياة أو الموت".

لذلك، -ووفق معطيات المشهد المتحركة في كل ساعة ولحظة- فإن ما يجري على أرض القدس والضفة الغربية، ليس فقط مصادرات واستيطانا وتهويدا وسطوا مسلحا في وضح النهار على الأرض والتاريخ، وإنما هو -وفق تحليل لأورن يفتاحئيل أستاذ الجغرافيا السياسية والقانونية في جامعة "بن غوريون" في بئر السبع- "عملية كولونيالية أعمق بكثير، تشمل سيطرة وسلباً واستيطاناً وأسرلة دائمة للمنطقة ومواردها، وكل ذلك وسط إبقاء السكان الفلسطينيين في مكانة دونية، فالاحتلال هو احتلال عسكري ومؤقت، على غرار الاحتلال في جنوب لبنان، دون طرد أو سلب أو استيطان مدني دائم".

الافق السياسي المغلق
واستتباعا، واستنادا إلى كل ذلك، فإن هذه الحكومة ستكون بالتأكيد حكومة الحروب والأفق السياسي المغلق، بمعنى أنه لن تكون هناك أي فرصة حقيقية لأي تسوية سياسية، مؤقتة أو دائمة، بين الفلسطينيين وهذه الحكومة، برغم احتمالية استئناف المفاوضات أو عقد جولات منها هنا أو هناك.

فالواضح في ضوء الكثير من المؤشرات، أن هناك مساع من أجل استئناف المفاوضات السياسية قريبا، فالرئيس أوباما تحدث في زيارته لفلسطين قبل أيام عن استئناف المفاوضات بوصفها مهمة للطرفين من أجل دفع عجلة السلام، رغم أنه أعلن في نفس الوقت أن "أرض فلسطين هي أرض اليهود منذ ثلاثة آلاف سنة"، وهذا تصريح خطير يطوب فلسطين لهم إلى الأبد، وقد يعود وزير الخارجية الأميركي جون كيري قريبا لهذه المهمة.

فما الذي جد يا ترى حتى تتجدد المفاوضات؟ هل تعهدت "إسرائيل" مثلا بأن تتزحزح عن ثوابتها ولاءاتها؟ هل تعهد نتنياهو مثلا -الذي يعود رئيسا للحكومة الإسرائيلية لمرة ثالثة- بالاعتراف بالحقوق الفلسطينية، أو بعدم اجتياح مناطق السلطة الفلسطينية؟ هل سيقبل نتنياهو أصلا بالانسحاب الكامل كي تقام الدولة الفلسطينية؟ هل سينسحب من القدس؟ هل سيفكك المستعمرات في نهاية الأمر؟ هل سيوقف الاستيطان؟ جملة من الأسئلة الكبيرة التي -في الحقيقة- لا نحتاج إلى إجابات عليها، فكل الأمور واضحة، والأدبيات والسياسات والبرامج والمواقف واللاءات والنوايا والاستعدادات الإسرائيلية واضحة تماما.

فليس هناك من أفق سياسي إسرائيلي أبدا من شأنه أن يبعث شيئا من التفاؤل الفلسطيني بتسوية محتملة، وليس هناك من أفق أبدا في أن تفكك "إسرائيل" مستعمرة واحدة، أو أن تحرك جنديا واحدا عن نهر الأردن، فلماذا إذن استئناف المفاوضات من أجل المفاوضات…؟، فكل العملية هدر للوقت والزمن والجهد، وتكريس للاستيطان والاحتلال، بل إن الخطوط العريضة للحكومة الإسرائيلية الجديدة همشت الملف الفلسطيني تماما.

فالعودة الفلسطينية للمفاوضات مع "إسرائيل" محكومة مسبقا بالفشل الذريع، والجميع يعلمون ذلك، الفلسطينيون والإسرائيليون والعرب، ورغم ذلك سيمضون إلى عقد سلسلة لقاءات تفاوضية، هي في الخلاصة تعقد في الوقت الضائع تماما، وهي مضيعة للوقت، فـ"إسرائيل" لن توقف الاستيطان، ولن توافق على تفكيكه، وهي لن توافق على الانسحاب من القدس، وكذلك لن تتخلى عن لاءاتها المتفرخة كل يوم، وكل هذا تعلمه الأطراف.

ما يقودنا هنا إلى استخلاص كبير يتعلق باستحالة السلام مع تلك الدولة، والأدبيات السياسية الإسرائيلية التي تؤكد استحالة التسوية والسلام لا حصر لها، بل هي متفرخة يوما عن يوم، ومن أبرزها ما أكده وزير حربهم الجديد يعلون قائلا "إن هناك توافقا إسرائيليا على استحالة التوصل إلى تسوية دائمة مع الفلسطينيين".
   
خيارات الفلسطينيين والعرب
إلى كل ذلك، وبينما زعم نتنياهو في خطابه أمام أعضاء حكومته الجديدة: "أن الحكومة الإسرائيلية الجديدة تمد يدها نحو الفلسطينيين، وإسرائيل ستكون مستعدة لتسوية تاريخية تنهي النزاع مع الفلسطينيين مرة وإلى الأبد"، فإنه اشترط في تصريح آخر قائلا: "إن اعتراف الفلسطينيين بإسرائيل كدولة يهودية لا يكفي للموافقة على إقامة دولة فلسطينية"، مؤكدا "أن عليهم تغيير طريقة تربية أطفالهم ووقف الدعاية ضد إسرائيل والشعب اليهودي".

المطلوب عاجلا وقف كل أشكال التنسيق الأمني الفلسطيني الإسرائيلي، الذي لم يخدم عمليا سوى الاحتلال، والمطلوب كذلك إطلاق العنان للحراكات الشعبية، بل للانتفاضات الشعبية الفلسطينية

ونعتقد في ضوء كل ذلك، أنه حتى لو لبى الفلسطينيون شروط حكومة نتنياهو الثالثة، وحتى لو اعترفوا بـ"إسرائيل دولة الشعب اليهودي"، و"غيروا طريقة تربية أطفالهم، بل حتى لو أخذ أطفال فلسطين ينشدون نشيد "هتكفا" الصهيوني، وحتى لو لبى العرب من جهتهم شروط إسرائيل ومطالبها المتعلقة بالتطبيع الشامل، فإن "إسرائيل" لن تلتزم  بالمطالب الفلسطينية العربية الدولية، ليس بتفكيك الاستيطان فقط، بل حتى بوقفه أو تجميده، ذلك أن الاستيطان هو العمود الفقري للمشروع الصهيوني،  فإذا انكسر الاستيطان-من وجهة نظرهم- ينكسر المشروع الصهيوني برمته!

وبالتالي فإن الخيارات والأوراق الفلسطينية العربية البديلة في ظل هذا المشهد، وفي مواجهة إستراتيجيات حكومة نتنياهو الثالثة الاستعمارية الحربية العدوانية، كثيرة ومتنوعة، ولكنها للأسف مع وقف التفعيل، والمطلوب العاجل فلسطينيا على أقل تقدير، العمل على لملمة الأوراق الفلسطينية باتجاه المزيد من القواسم المشتركة الموحدة بين القوى والفصائل الفلسطينية، من حماس مرورا بالقوى القومية واليسارية، وصولا إلى فتح.

والمطلوب العاجل أيضا وقف كل أشكال التنسيق الأمني الفلسطيني الإسرائيلي، الذي لم يخدم عمليا سوى الاحتلال، والمطلوب -كذلك- إطلاق العنان للحراكات الشعبية، بل للانتفاضات الشعبية الفلسطينية على امتداد مساحة الضفة الغربية.

والمطلوب العاجل أيضا، فتح الجبهات الإعلامية والقانونية الدولية، ليس فقط في مسعى حقيقي ومسؤول لنزع الشرعية الدولية عن دولة الاحتلال، بل ولجلب "إسرائيل" وجنرالات الحرب والإجرام فيها إلى الجنايات الدولية، وعلى القيادات الفلسطينية والعربية أن تتبع القول الصادق في هذا السياق: "لا يلدغ المؤمن من جحر مرتين"، وقد لدغنا عشرات المرات، وآن الأوان لعودة اليقظة الفلسطينية العربية، ولأن تتحمل القيادات مسؤولياتها التاريخية، وإلا فلتتحمل هذه المسؤولية التاريخية عن الإخفاق والفشل والهدر للوقت والأرض والحقوق!

الآراء الواردة في هذا المقال هي آراء الكاتب ولا تعكس بالضرورة الموقف التحريري لقناة الجزيرة.