الأمم المتحدة والحرب على المرأة

الأمم المتحدة والحرب على المرأة . الكاتب: إبراهيم الديب

undefined

يحتفل العالم في اليوم الثامن من مارس/آذار من كل عام باليوم العالمي للمرأة، وما تحقق ويتحقق لها سنويا من إنجازات، بيد أن الأمر يختلف كثيرا هذا العام، ففي سياق حالة الشيخوخة والترهل والارتباك والضعف التي تعيشها الأمم المتحدة بلجانها المختلفة، وما اعتراها من استحواذ وسيطرة من قبل الدول الكبرى التي تسعى لاستخدام وتوظيف الأمم المتحدة لتحقيق أجنداتها الخاصة على المستويين التكتيكي والإستراتيجي، نراها تعيق وتفشل محاولات وقف نزيف الدم السوري لصالح تحقيق المصالح الروسية والأميركية، وتارة أخرى نراها تنفذ الأهداف الإستراتيجية لسياسة العولمة الثقافية، وخلق التبعية العالمية للقطب الغربي عبر تفكيك قيم وتقاليد وثقافات المجتمعات المحلية لصالحها وتمهيد الأرض لاستقبال القيم والثقافة الغربية الوافدة.

نقطة نظام عربية إسلامية عالمية
إزاء هذا كان لا بد من نقطة نظام عربية إسلامية عالمية للأمم المتحدة، وهذا ما دعا الكثير من مراكز البحوث والدراسات المحايدة والعديد من الساسة والمفكرين العالميين إلى النظر في إعادة هيكلة وإصلاح الأمم المتحدة.

الدعوة إلى إعادة تكييف الهياكل والثقافة الداخلية للأمم المتحدة بما يتوافق مع توقعات وتحديات الألفية الجديدة، تأتي

فعلى رأس المطالبات من داخل الأمم المتحدة -والتي بدأت في العام 1997 وما زالت حتى الآن- تأتي الدعوة إلى إعادة تكييف الهياكل والثقافة الداخلية للأمم المتحدة بما يتوافق مع توقعات وتحديات الألفية الجديدة.

بالإضافة إلى النداءات الغربية التي جاءت من قلب أوروبا والاتحاد الأوروبي لإصلاح الأمم المتحدة والشرعية الدولية كرد فعل على سياسات الولايات المتحدة الأميركية للهيمنة على مؤسسات الأمم المتحدة لتحقيق مصالحها الإستراتيجية إبان حرب الخليج.

وفي 2011 شددت البرازيل وألمانيا والهند واليابان على أنها تنوي القيام بتحركات "ملموسة" هذه السنة في الأمم المتحدة من أجل توسيع الدائرة المغلقة للأعضاء الدائمين لمجلس الأمن. بالإضافة إلى مطالبات أطلقتها العديد من مراكز البحوث والدراسات، ومن أهمها مركز السلام للثقافة الدبلوماسية لإصلاح الأمم المتحدة لماذا وكيف، والمؤسسة على دراسة معمقة تؤكد انحراف الأمم المتحدة عن مسارها الحقيقي الذي تأسست من أجله، وخلصت إلى أنها ربما تمارس أدوارا مخالفة لميثاقها الذي أسست عليه.

في بداية العام 2006 كلف الأمين العام للأمم المتحدة فريقا رفيع المستوى باستكشاف إمكانية تشغيل منظومة الأمم المتحدة بمزيد من الاتساق والفعالية في ميادين التنمية والمساعدة الإنسانية والبيئة في جميع أنحاء العالم، وقدّم الفريق تقريره في هذا الشأن في نوفمبر/تشرين الثاني 2006، وفي أواسط العام 2006 أصدر الأمين العام تقريرا يقترح فيه مجموعة من النهوج والممارسات الجديدة الواجب القيام بها، بيد أن الأمر لم يخرج عن كونه تصريحات لتسكين حالة الغضب والمطالبات العالمية المتنوعة والمتكررة.

وأخيرا في فبراير/شباط 2013 وليس آخرا تأتي المطالبة الجادة من رئيس الوزراء التركي رجب طيب أردوغان بضرورة اشتراك دول العالم في تنفيذ عملية إصلاح موسعة للأمم المتحدة.

مما لا شك فيه أن الأمم المتحدة خرجت عن ميثاقها الذي أسست عليه لخدمة مصالح دول العالم والعمل على تحقيق الأمن والاستقرار العالمي، بل وتجاوزته بكثير إلى عكسه تماما حيث تستخدم لخدمة أجندات إستراتيجية أمريكية وغربية، بل وصهيونية تحديدا.

ويأتي هذا العام، ليس بتجاوز جديد للأمم المتحدة بل بكارثة إنسانية، تزداد خطورة عما أصاب البشرية من كوارث عالمية كبرى أهلكت الحرث والنسل كالحربين العالميتين وحادث إسقاط القنبلة النووية على هيروشيما وناغازاكي، كارثة إنسانية بكل المقاييس، خطط وأعدّ لها مسبقا، ويراد لها أن تمرر عبر لجنة المرأة بالأمم المتحدة تحت عنوان وثيقة العنف ضد المرأة التي طرحت خلال الفترة من 4 إلى 15 مارس/آذار 2013 بعدها تصبح واجبة التنفيذ على جميع الدول الأعضاء في الأمم المتحدة.

وللأسف الشديد يصل مستوى الكذب والخداع والتضليل في الأمم المتحدة إلى هذا الحد من الإسفاف والتجاوز وعدم احترام شعوب الأرض، بتصميم وثيقة لانتهاك حقوق وكرامة المرأة، وتجاوز كل الأديان السماوية والقيم الإنسانية المتعارف والمتفق عليها في عالم الإنسان، والإسفاف والهبوط إلى أقل من عالم الحيوان، بما تحتويه هذه الوثيقة وعنونتها كذبا وخداعا وتضليلا بوثيقة العنف ضد المرأة.

لن أطيل على حضراتكم سأوجز لكم أهم بنود الوثيقة الكارثية التي تعلن الحرب على الله تعالى، وعلى القيم، وعلى حقوق وكرامة المرأة، وعلى كل إنسان يريد أن يظل كما كرمه الله إنسانا صاحب قيمة وكرامة إنسانية تميزه عن غيره من الكائنات، وسأكشف عن الأسباب الحقيقية لهذه الوثيقة التي يجب أن تتبرأ منها الإنسانية جميعا وليس الأمم المتحدة فقط.

مفاهيم جديدة
من أهم المفاهيم الجديدة التي تضمنتها الوثيقة لتحل محل المفاهيم السماوية:

وثيقة وقف العنف ضد المرأة جزء صغير من مخطط إستراتيجي كبير بعنوان القوة الناعمة في تفكيك هوية دول الأطراف خاصة دول منطقة الشرق الأوسط، واستبدال قيم وهوية غربية منها

– استبدال مفهوم الشراكة بين الزوجين من قوامة الرجل على المرأة.
– التساوي التام بين المرأة والرجل بمعنى جواز التعدد للمرأة كما للرجل وهكذا في الكثير من التفاصيل الأخرى.
– سحب سلطة التطليق من الزوج إلى القضاء فقط.
– منح الفتاة كل الحريات الجنسية مع الرجل ومع الأنثى وتقنينها قانونيا.
– مساواة الزانية بالزوجة، والأبناء غير الشرعيين بالشرعيين.
– السماح بالإجهاض.
– منع الزواج تحت سن 18 عاما واعتباره جريمة يعاقب عليها القانون.

بالإضافة إلى العديد من المقترحات التي تدور في نفس الفلك والمقدمة من الولايات المتحدة واليابان وبعض دول أميركا اللاتينية، ولمزيد من التفاصيل المرعبة في هذه الوثيقة يمكنكم مراجعة موقع الاتحاد العالمي لعلماء المسلمين، وما أصدره من بيان في شأن هذه الوثيقة.

بالتأكيد، الجميع يتعجب من هذه الوثيقة وما تضمنته من بنود، بيد أنها جزء صغير في مخطط إستراتيجي كبير بعنوان القوة الناعمة في تفكيك هوية دول الأطراف وخاصة دول منطقة الشرق الأوسط، لتفكيك وتقويض قدراتها الذاتية على التنمية والنهوض، واستبدال بقيم وهوية غربية منها تضمن ضعف وانكسار وتبعية شعوب هذه الدول لأطول فترة ممكنة، بما يحفظ ويضمن ويعظم  مصالح الغرب في المنطقة.

بالتأكيد، تعد هذه الوثيقة امتدادا لوثيقة كرومر الخبير التعليمي ودانلوب مؤسس التعليم في مصر والمنطقة العربية، حين كلفه كرومر بتصميم نظام تعليمي خاص يجمد عقول شعوب هذه البلاد ويصنع منهم عمالا في أيدي الموظفين البريطانيين، ووثيقة كامبل وزير خارجية بريطانيا 1907 التي أجابت على سؤال كيف تحافظ بريطانيا على سيادتها ومصالحها في منطقة الشرق الأوسط بحرمان هذه المجتمعات من كل أسباب وأدوات التقدم، وقطع الطريق أمامها لامتلاك أي أدوات للقوة.

ومما هو معلوم أن أهم أسباب قوة ونهوض المجتمع إنما ترتكز بداية على قوة الهوية واعتزاز المجتمع بقيمه وأعرافه وتقاليده ولغته، وتراثه الذي يمثل ذاته الدافعة والمحفزة لكل فعل وإنجاز يمكن أن يتحقق، وما تبعها من محاولات ووثائق جرى الإعداد لها في مؤتمر السكان بالقاهرة 1994، وما تلاه من محاولات متجددة في مؤتمر بكين للمرأة 1995.

حقيقة الأمر بلغ التجاوز مداه، والتآمر على الشعوب الضعيفة أقصاه، وبلغ الاستخفاف بالشعوب ذروته، وبالتأكيد فإن القائمين على لجان الأمم المتحدة لم ينتبهوا بعد لما جرى ويجري في العالم العربي من ربيع ويقظة وتحول ديمقراطي وعودة إلى الذات، وعليه يجب أن تصل إليهم رسائل من نوع جديد لم يعهدوه من قبل، حتى ينتبهوا ويعيدوا النظر في طرق تفكيرهم وسياسات تعاملهم تجاه دول العالم الثالث خاصة الشعوب العربية والإسلامية.

إذاً هي نقطة نظام قوية وحادة وبكل ألوان الطيف العربي الإسلامي موجهة للمؤسسات الدولية وعلى رأسها الأمم المتحدة. نحن أمام تحد تاريخي جديد، كيف نعيد رسم علاقتنا بالمؤسسات الدولية، وهذا يتوقف على قدراتنا الابتكارية في إنجاز خيارات متعددة من الردود والرسائل القوية الواضحة.

الجميع مسؤول عن الإجابة على هذا السؤال، ولكي أكون واقعيا وعمليا، سأبدأ بالمؤسسات غير الحكومية وأنتهي بالحكومية. بدايةً بدبلوماسية الشعوب، وما يمكن أن تنظمه من ضغوط شعبية ومنظمة لإرسال رسالة الشعوب الحرة ليس إلى أنظمتها فقط لتتحرك وتعترض، وإنما إلى الأمم المتحدة وقادة وحكام العالم، مرورا بمؤسسات المجتمع المدني والمؤسسات غير الحكوميه وشبه الحكومية، لتحررها من الضغوط الحكومية التي يمكن أن تتعرض لضغط المؤسسات الدولية بأي شكل من الأشكال، كتلك التي تتعرض لضغوط وشروط صندوق النقد الدولي لتمرير مثل هذه الوثائق والقرارات الفاجرة الظالمة للشعوب.

التجاوز والتعدي والانتهاك في وثيقة وقف العنف ضد المرأة، شمل الأديان السماوية الثلاثة الإسلام والمسيحية واليهودية، مما يمكن أن يشكل إطارا موحدا للاعتراض عليها

بالإضافة إلى المؤسسات الخيرية الإسلامية، وعددها بالآلاف، والمستفيدون منها بالملايين حول العالم، وفي كل بلدان العالم الإسلامية وغير الإسلامية، وعلى رأسها مؤسسة راف ورابطة العالم الإسلامي والندوة العالمية للشباب، وصولا إلى منظمة المؤتمر الإسلامي وجامعة الدول العربية ومجلس التعاون الخليجي واتحاد المغرب العربي، لو أصدر كل من هؤلاء بيانا في ربع صفحة لرفض الوثيقة لارتعدت الأمم المتحدة ولردت هذه الوثيقة من حيث أتت. وصولا إلى الأزهر الشريف، والاتحاد العالمي لعلماء المسلمين.

المهم والغريب في هذه الوثيقة، أن التجاوز والتعدي والانتهاك فيها، شمل الأديان السماوية الثلاثة الإسلام والمسيحية واليهودية، مما يمكن أن يشكل إطاراً موحداً للاعتراض على هذه الوثيقة وعلى منهجية وطريقة عمل الأمم المتحدة  بالكلية، على المستويات الثلاث محلياً وإقليميا وعالمياً.

إستراتيجيتان متكاملتان
حيث يمكن أن يجتمع المسلمون والمسيحيون وكل الأحزاب السياسية في أي بلد عربي ضد هذه الوثيقة. كما يمكن أن يجتمع الشيعة والسنة على رفض هذه الوثيقة، كما يمكن أيضا أن يجتمع العالم الحر ضد هذه الوثيقة.

لا بد من رسم إستراتيجيتين متكاملتين، الأولى قصيرة الأجل لوقف الوثيقة، والأخرى طويلة الأجل لإعادة الأمم المتحدة إلى رشدها في تعاملها مع شعوب العالم خاصة الدول العربية والإسلامية.

لعل الأمم المتحدة بتبنيها لهذه الوثيقة الكارثية قد أكدت للعالم أجمع أن إعادة هيكلة وإصلاح الأمم المتحدة فكريا وقانونيا وتنظيميا، أصبحت ضرورة ملحة للمساهمة الحقيقية في تحقيق الأمن والاستقرار العالمي، وليس العمل أداة في يد الدول الكبرى ضد بقية دول العالم.

الآراء الواردة في هذا المقال هي آراء الكاتب ولا تعكس بالضرورة الموقف التحريري لقناة الجزيرة.