اللاجئون السوريون وحق العودة

اللاجئون السوريون وحق العودة . الكاتب :مرح البقاعي

undefined

الضربة الأميركية
حماية المدنيين
مبدأ مسؤولية الحماية
بعيدا عن الفيتو

وصل عدد اللاجئين السوريين إلى ما يقارب مليونيْ لاجئ حسب آخر تقارير الأمم المتحدة، هذا فضلا عن مئات العالقين على الحدود مع الأردن وتركيا والعراق نتيجةَ منعهم من الدخول إلى دول الجوار بحجج مختلفة، وعدم قدرتهم على العودة من حيث أتوا نظرا لتفاقم العمليات العسكرية في مناطقهم.

فمنذ بداية عام 2013، كان الأردن يستقبل ما بين ألف وثلاثة آلاف لاجئ سوري يوميا، غير أن الفترة الأخيرة شهدت انخفاضا كبيرا في عدد اللاجئين نتيجة لصعوبات إدارية وقانونية في اجتياز الحدود، والوضع مشابه على الحدود التركية والعراقية في صعوبة مغادرة الهاربين من نيران مليشيا الأسد وبراميله المتفجرة وطيرانه الحربي.

فما هو مستقبل هؤلاء اللاجئين في الخارج، والنازحين في الداخل السوري، في ظل هذا الاستعصاء السياسي والعطالة الدولية التي كانت أضعف من أن تخترق الحاجز الدبلوماسي الروسي، والأمني الإيراني، والمليشياتي السوري، لإيجاد مخرج عادل لمحنة الشعب السوري الذي يعاني منذ عامين ونيف من عسف الاعتقال والقتل الممنهج والإبادة الجماعية واللجوء هائماً على وجهه في الأرض؟

إن تدخلا دوليا في سوريا ربما يكون الأمل الأمثل للمجتمع الدولي لتجنب مزيد من الكوارث الإنسانية، وهذا التدخّل الإنساني في سوريا سيكون متناغما مع القانون الدولي وميثاق الأمم المتّحدة

وما هو دور السوريين في الخارج (بعيدا عن المعارضة وقواها ومنظوماتها) في تأمين سبل إنهاء معاناة هؤلاء اللاجئين؟ وما هي أفضل الطرق لاستعادة هؤلاء المنتشرين في الأرض قسرا لحقهم في حياة كريمة وآمنة وطبيعية على أرضهم إثر كل هذا العناء وتقطيع السبل؟ وما طبيعة الآليات التي ستساعد في تحقيق هذه العودة؟

في حوار متصل ومسؤول وناضج مع عدد من القوى الداعمة للثورة، والهيئات السياسية الفاعلة، والكتائب المقاتلة على الأرض في المنطقة الجنوبية، توصل الجميع إلى ضرورة عودة اللاجئين إلى الوطن.

وقد انحصرت الآليات مبدئيا في إعادة اللاجئين السوريين في مخيمات الأردن، والعالقين على الحدود، وتأمين الحياة اللائقة والكريمة لهم من أهلهم في سوريا ومن أرض الخير حوران، مع البحث عن كيفية إعلان سهل حوران منطقة عازلة يحظر الطيران في أجوائها تحت قانون مسؤولية حماية المدنيين في الجمعية العامة للأمم المتحدة.

الضربة الأميركية
إن المناورات العسكرية التي جرت في الأردن في عاميْ 2012 و2013، والتي أطلق عليها اسم "الأسد المتأهب 1 و2″، كانت بناءً لوجستياً أولياً لتنفيذ مهمات عسكرية في سوريا، حيث تعتبر السيطرة على مخازن الأسلحة الكيميائية جزءا أساسيا من تلك المهمات المتشابكة والمتعددة الأذرع والأهداف.

والضربة الأميركية الأوروبية -التي تأجلت ولم يتم استبعادها رغم وقوع الاتفاق الروسي الأميركي، والتي كان من المقرّر أن تنفذ على نطاق محدود من الطرف الأميركي الأوروبي يكون قابلا للتوسع في حال صدور أي رد فعل سوري، أو بقرار أميركي أحادي حتى لو لم يكن هناك أي رد فعل من الجانب الأسدي- تعتبر إحدى الآليات للوصول إلى منطقة عازلة في الجنوب السوري المجاور للحدود الأردنية.

وليست طائرات "أف 16" التي تركها الأميركيون في الأردن بعد انتهاء مناورات الأسد المتأهب إلا إحدى أدوات تطبيق الحظر الجوي من أجل حماية المدنيين في المنطقة العازلة المرجوة، وحماية هذه المنطقة بواسطة القوات المقاتلة التي ستنتشر في هذه المنطقة، بينما تقوم قوات كوماندوس بالسيطرة على مواقع السلاح الكيميائي.

وليس سرا أن القوات الأميركية التي شاركت في "الأسد المتأهب 2″، والتي بلغ عددها ما يقارب 15 ألف جندي من النخب العالية الكفاءة لم تغادر الأردن أيضا وليس فقط مقاتلاتها الحربية.

وبالطبع، فإن هذه المنطقة العازلة لن تقام "كرما لسواد عيون السوريين" فحسب رغم ندرة الجمال الذي في عيون السوريين السوداء، إلا أن هذه المنطقة ستساعد في الدفع باتجاه توسيع مساحة الأرض المنزوعة السلاح الحكومي السوري، وإقامة منطقة نظيفة من قوات الأسد على خط وقف إطلاق النار على الحدود السورية الإسرائيلية.

ومن شأن هذا أن يطمئن الولايات المتحدة وإسرائيل إلى أن أذرع النظام السوري المليشياوية -كحزب الله ومجموعات الشبيحة التي تنتظم تحت أسماء وهمية من أجل الدفاع عن نظام الأسد، أو الهجوم على منشآت حيوية في إسرائيل أو الأردن، أو تحريك خلاياها النائمة في الولايات المتحدة وفي المدن الأوروبية الكبرى أيضا- لن تتمكّن من تحقيق مهماتها الإرهابية الانتقامية.

حماية المدنيين
ظهر مبدأ "مسؤولية الحماية" كرد فعل على فشل المجتمع الدولي في تفادي التراجيديا الإنسانية في كل من رواندا والبلقان خلال التسعينيات.

وينصّ المبدأ على أن "الدول مسؤولة عن تأمين الأمن لشعوبها وحمايتهم من الجرائم ضد الإنسانية، وحين تفشل الدولة في تحمل هذه المسؤولية فإنه باستطاعة المجتمع الدولي التدخل لحماية المدنيين بطرق سلمية أو عسكرية".

وتقدم المسألة السورية نموذجا مطابقا للتدخّل الإنساني تحت مبدأ "مسؤولية الحماية"، فالحكومة السورية هاجمت المدنيين بشكل ممنهج وعشوائي واسع النطاق مما يؤسس لواقعة جرائم ضد الإنسانية.

وعلى الرغم من جهود المجتمع الدولي لوضع حد لإنهاء العنف في سوريا من خلال إجراءات سلمية كالدبلوماسية المكثّفة، والعقوبات الاقتصادية، وحتى التلويح بعصا القانون الدولي، فإنها فشلت في إيقاف القتل.

على الرغم من جهود المجتمع الدولي لوضع حد لإنهاء العنف في سوريا من خلال إجراءات سلمية كالدبلوماسية المكثّفة، والعقوبات الاقتصادية، وحتى التلويح بعصا القانون الدولي، فإنها فشلت في إيقاف القتل

وأكثر من ذلك فقد قام النظام السوري بتجاهل الاتفاقية المشتركة العربية الأممية لوقف إطلاق النار، وهاجم المدنيين في حضور المراقبين الدوليين في عام 2012، أما في أغسطس/آب 2013 فقد شنّ هجوم القرن باستخدام أحد أسلحة الدمار الشامل (غاز السارين المحرم دوليا) على المدنيين في غوطتيْ دمشق الشرقية والغربية، مما أسفر عن مقتل 1500 شخص أغلبهم نساء وأطفال ماتوا اختناقا أثناء نومهم في منازلهم.

وحسب مبدأ "مسؤولية الحماية" فإن تحالفا من الدول أو المنظمات الإقليمية يمكن أن يتدخّل بشكل مشروع في سوريا مع أو بدون تفويض من مجلس الأمن.

إن تدخلا في سوريا ربما يكون الأمل الأمثل للمجتمع الدولي لتجنب مزيد من الكوارث الإنسانية، وهذا التدخّل الإنساني في سوريا سيكون بذلك متناغما مع القانون الدولي وميثاق الأمم المتحدة.

مبدأ مسؤولية الحماية
في تقرير يعود لعام 2009 قام الأمين العام للأمم المتحدة بان كي مون بتوصيف مبدأ "مسؤولية الحماية" من خلال ثلاث قواعد مبدئية:

الأولى: أنه على كل دولة أن تتحمل المسؤولية الدائمة في حماية شعبها من الإبادة، وجرائم الحرب، والتطهير العرقي، والجرائم ضد الإنسانية، أو من التحريض على ما سبق.

ثانيا: تقع على عاتق المجتمع الدولي مسؤولية مساعدة الدول في تأدية واجباتها الواردة في القاعدة الأولى.

ثالثا: إذا فشلت الدولة بشكل واضح في حماية شعبها فإن على المجتمع الدولي تحمل مسؤولية التعامل الفوري والحاسم، وفقا للفصل السادس والسابع والثامن من ميثاق الأمم المتحدة، مستخدما بذلك إجراءات تتراوح بين استخدام الطرق السلمية والعسكرية.

إضافةً إلى ذلك وفي الحالات الطارئة فإنه يُسمح للتحالفات الدولية بأن تتدخّل بشكل مشروع لإيقاف الانتهاكات الخطيرة للقانون الدولي، وذلك بدون موافقة مسبقة من مجلس الأمن.

ولكون الخيارات السلمية لحماية المدنيين قد استُنفدت، فإنّه من واجب المجتمع الدولي أن ينظر في إجراءات أكثر صرامة في الوقت الذي يبدو فيه الحصول على إذن من مجلس الأمن لعمل ذلك مستحيلا من الناحية السياسية، ونظرا للظروف الملحّة فإنه من حق المجتمع الدولي أن يتخذ الإجراءات اللازمة تحت مبدأ "مسؤولية الحماية" لحماية الشعب السوري.

بعيدا عن الفيتو
بإمكان مجلس الأمن السماح بالتدخل تحت الفصل السابع من اتفاقية الأمم المتحدة لكون الصراع في سوريا بدأ يشكّل تهديدا للأمن والسلام العالميين.

وعندما تفشل الإجراءات السلمية في إنهاء أزمة تشكل تهديدا للسلام والأمن العالميين، فبإمكان مجلس الأمن أن يفوض دولا أعضاء فيه باستخدام القوة لحماية المدنيين تحت الفصل السابع والمادة 42 من ميثاق الأمم المتحدة.

وبشكل نمطي، تستخدم قرارات مجلس الأمن عبارة "كل الإجراءات الضرورية" للسماح للمجتمع الدولي باستخدام القوة، وهذه الإجراءات يمكن أن تتضمن الحصار وعمليات أخرى عبر البر أو البحر أو الجو، بما في ذلك إقامة مناطق آمنة أو مناطق حظر طيران، وذلك لحماية حق الإنسان في الحياة الآمنة لهؤلاء المعرضين للخطر، والسماح باستخدام "كل الإجراءات الضرورية" أو "كل الأساليب الضرورية" لحماية المدنيين.

إن تهديد السلام الدولي لا ينطوي بالضرورة على المسائل الأمنية العابرة للحدود، ففي عام 1992 أقرّت الأمم المتحدة بأن فظاعة المأساة الإنسانية في الصومال شكّلت تهديدا للسلم والأمن العالميين

إن تهديد السلام الدولي لا ينطوي بالضرورة على المسائل الأمنية العابرة للحدود، ففي عام 1992 أقرّت الأمم المتحدة بأن فظاعة المأساة الإنسانية في الصومال شكّلت تهديدا للسلم والأمن العالميين.

ونتيجة لذلك مرر مجلس الأمن القرار 733 الذي سمح بإقامة حظر عسكري تحت الفصل السابع لإعادة الأمن والاستقرار، والقرار 794 الذي سمح باستعمال كل الوسائل الضرورية وبالسرعة القصوى لإنشاء بيئة آمنة تتم خلالها عمليات الإغاثة الإنسانية تحت الفصل السابع.

إن الأزمة في سوريا تشكل تهديدا خطيرا للسلام والأمن معا لكونها مأساة إنسانية داخل حدودها، وخطرا قد يتسبب في انتشار العنف خارج الحدود، فعشرات الألوف من اللاجئين هربوا من سوريا إلى الأردن ولبنان وتركيا والعراق.

وفي حادثين منفصلين في التاسع من أبريل/نيسان 2012، قامت قوات الأمن النظامية بإطلاق النار عبر الحدود التركية مما تسبب في مقتل شخصين تركيين على الحدود وجرح ثلاثة في مخيم للاجئين.

ونتيجة لهذه الأحداث، صرّح آنذاك رئيس الوزراء التركي رجب طيب أردوغان بأنه ينوي الاحتجاج استنادا إلى وثيقة الأمن المشترك لحلف شمال الأطلسي إذا استمر العنف بسوريا في تهديد الأمن الوطني التركي.

بلا تفويض من مجلس الأمن، يمتلك المجتمع الدولي حق التدخل في سوريا وإقامة منطقة عازلة تؤمن عودة اللاجئين والنازحين في المنطقة الجنوبية، وهذا أضعف الإيمان في زمن العطالة الدولية، والتلكؤ الاستثنائي للولايات المتحدة، واستعصاء استصدار قرار دولي بتوجيه الضربة القاضية لبشار الأسد.

الآراء الواردة في هذا المقال هي آراء الكاتب ولا تعكس بالضرورة الموقف التحريري لقناة الجزيرة.