حول تأسيس حزب سياسي لإخوان سوريا

حول تأسيس حزب سياسي لإخوان سوريا . الكاتب: إبراهيم الديب

undefined

 
في سياق ما أعلنته جماعة الإخوان المسلمين السورية مؤخرا على لسان الناطق باسم الجماعة ملحم الدروبي من أنها بصدد تأسيس حزب سياسي له مرجعية إسلامية يدافع عن دولة مدنية وديمقراطية ترقبا لرحيل بات مؤكدا لنظام الرئيس بشار الأسد، وأن الجماعة مستعدة لمرحلة ما بعد الأسد، ولديها خطط للسياسة والاقتصاد والقضاء. وأن الإجراءات الفنية لتأسيس الحزب المرتقب شارفت على الانتهاء.

وكذلك ما أكده المراقب العام السابق للجماعة علي صدر الدين البيانوني في مؤتمر صحفي بإسطنبول من أن الحزب المرتقب مفتوح لكل السوريين، وسيعمل بالتعاون مع كل القوى الوطنية.

بالإضافة إلى ما أكده المراقب الحالي للجماعة رياض الشقفة من أن الإخوان المسلمين موجودون بكل أنحاء سوريا. وما أضافه في سياق رده على سؤال عن قوة الجماعة بأنها قادرة على حصد ما لا يقل عن 25% من الأصوات في حال جرت انتخابات حرة.

أسئلة هامة
وهنا أطرح مجموعة من التساؤلات الهامة للبحث في جدوى وتوقيت هذا الإعلان وما يمكن أن يسببه من تداعيات على الساحة السياسية السورية، والخيارات والحلول البديلة.

هل من اللازم أو من المناسب الآن على الأقل تأسيس حزب سياسي للإخوان في سوريا؟ وما آثار هذا الإعلان على بقية الفصائل السياسية السورية؟ وما الخسائر التي يمكن أن تتعرض لها جماعة ودعوة الإخوان المسلمين حال نزولها إلى ساحة الصراع السياسي في هذا التوقيت؟ وما فرص توحيد الصف السوري في حال نزول الإخوان إلى ساحة الصراع السياسي وغياب مرجعية عليا يمكن أن تحتكم إليها كل طوائف المجتمع السوري؟ خاصة مع تعدد وتنوع الولاءات للخارج.

هل الشعب السوري في حاجة إلى حزب سياسي جديد أيا كانت أهدافه وقوته، أم أنه بحاجة إلى استعادة هويته الإسلامية الصافية أولا وتأسيس وبناء مرجعيات عليا

وهل السؤال الأهم داخليا للإخوان هو: كيف يتمكن الإخوان من ترتيب البيت الداخلي واستعادة وحدتهم وقوتهم وثقة الشعب فيهم؟ وعلى مستوى الأولويات الإستراتيجية للشعب السوري: هل هو في حاجة إلى حزب سياسي جديد أيا كانت أهدافه وقوته، أم أن الشعب السوري بحاجة إلى استعادة هويته الإسلامية الصافية أولا وتأسيس وبناء مرجعيات عليا يمكن أن تحتكم إليها النخب والطوائف السياسية أمام الشعب.

بالتأكيد القوى السياسية السورية وعلى رأسها وفى مقدمتها الإخوان المسلمون أمام اختبار غاية في الصعوبة بين المفاضلة وتقديم الهم والمصلحة العامة والهم والمصالح والمكاسب الحزبية الجزئية الخاصة، بين أولويات ومصالح الشعب السوري وأولويات ومصالح الأحزاب والتنظيمات.
أحسب أن نقطة البدء والارتكاز في أي قرار يجب أن تتخذه النخب السياسية السورية في هذه المحطة المفصلية من تاريخ سوريا هي المصالح العليا للشعب السوري.

وما الدور الذي يمكن يؤديه الإخوان المسلمون أو غيرهم لخدمة وتحقيق هذه المصالح؟ وهل تجمدت خيارات العمل الإصلاحي والتنموي على تأسيس حزب سياسي يمثل فكرة ودعوة الإخوان الإصلاحية العالمية؟ أم توجد خيارات أخرى بديلة يمكن الاستناد إليها تستطيع تحقيق الأهداف المنشودة بأسرع الطرق وفى أقل الأوقات وبأقل تكلفة؟

أسئلة كثيرة من الواجب الوطني أن تطرح قبل التفكير والتخطيط لإنشاء حزب سياسي للإخوان في سوريا، والأهم من ذلك البحث لهذه الأسئلة عن إجابات متعددة ومتنوعة لها يعاد تجميعها وتبويبها وتحليلها لضمان إمكانية الوصول إلى قرارات أكثر فاعلية تضمن ضبط وترشيد المرحلة الانتقالية إلى الدولة الديمقراطية الحديثة.

معطيات أساسية
في ضوء عدد من المعطيات الأساسية التي يجب الانتباه لها والأخذ بها والتعاطي معها، التي تبدأ من حالة الضعف والتخلف والتردي الكبير في كل مجالات الحياة، وتعد ميراثا ثقيلا لسنوات طويلة من الاستبداد والقهر، كل ذلك مع الغياب والغربة الطويلة للقيادات الوطنية خاصة الإسلامية عن البلاد، واتساع الفجوة النفسية والفكرية بين الذين قاموا بالثورة وبذلوا وضحوا من دمائهم وأعراضهم والقيادات العائدة من الخارج، وعليها الكثير من الملاحظات من أجيال نشأت وتربت على إعلام نظام الأسد على مدار ما يقارب نصف قرن من الزمان تعرضت خلالها لعمليات غسل المخ وتزييف للحقائق، هذا بالإضافة إلى التشويه المتعمد والقديم للحركة الإسلامية فكرة ورموزا وأحداثا وتاريخا.

هذا بالإضافة إلى إدراكنا التام لأن الساحة السورية مفتوحة على مصراعيها لأنشطة وخطط أجهزة الاستخبارات العالمية المختلفة بحكم مصالحها الإستراتيجية في سوريا التي تسعى إلى المحافظة عليها بل تعظيمها في المرحلة المقبلة، وبالتأكيد مشروع تقسيم سوريا على رأس أولوياتها. كل ذلك يؤكد أن الساحة السورية مؤهلة لمشروع التفكيك والدخول في أتون حرب أهلية أكثر من أي شيء آخر، إلا إذا توافرت القيادات الوطنية المخلصة والعقول الإستراتيجية الحكيمة التي تدرك طبيعة الواقع المحلي والإقليمي الضعيف المعقد.

مما يؤكد عدم ملاءمة الواقع السوري الآني للدخول في صراعات طائفية وحالة فوضى سياسية بتوجيه ودعم خارجي ساعدت الظروف الداخلية على حدوثه، هذا بالإضافة إلى ضعف جاهزية الإسلاميين لاستلام السلطة أو المشاركة فيها خاصة في ظل هذا الواقع المتردي.

فشلت كل تجارب مشاركة الإسلاميين مع غيرهم لأسباب تتعلق ببقية الفصائل السياسية رغم ما يقدمه الإسلاميون من مبادرات ومرونة كبيرة لتحقيق هذا الهدف

فقد فشلت كل تجارب مشاركة الإسلاميين مع غيرهم لأسباب تتعلق ببقية الفصائل السياسية رغم ما يقدمه الإسلاميون من مبادرات ومرونة كبيرة لتحقيق هذا الهدف.

إخوان سوريا -بالتأكيد- بحاجة ماسة إلى فترة زمنية غير قليلة لتجميع الذات وترتيب البيت الداخلي وإعادة تأسيس بنية مفاهيمية ونفسية وعاطفية صلبة تجمع شتات الأفكار والتوجهات المتنوعة والإرث التاريخي المشوه للحالة الإسلامية مع النظام والمجتمع السوري، مع ما يعانيه المشهد السوري من تحرش والتدخل بل والتغلغل الخارجي الكبير والممتد في أعماق وجذور المجتمع السوري، والذي يعمل بكل قوة على تعزيز حالة الفرقة والتشتت داخل المجتمع السوري حتى يتمكن من المحافظة على مكاسبه القديمة بل وتعزيزها بأكبر قدر ممكن.

استشراف المستقبل
في هذا السياق يمكن أن نفهم ونحاول استشراف المستقبل ورسم خياراته وحلوله، خاصة حين نستند إلى أربع أدوات منهجية لتقييم الأمر والحكم عليه، تبدأ بالتحليل المنطقي لمعطيات الحالة السورية التي تعاني من ضعف وتشتت وارتباك هويته، بالإضافة إلى تعدد مكوناته الطائفية والسياسية، وحاجته لفترة نقاهة وترتيب داخلي لهويته وشخصيته الوطنية.

ودراسة التجارب المماثلة المحيطة خاصة مصر التي تختلف كثيرا في معطياتها، خاصة أن إخوان مصر يمارسون عملهم منذ ثمانين عاما ولم يضطروا لمغادرة الوطن كما الحالة السورية بالإضافة إلى ما تتميز به مصر من وحدة نسيجها الوطني من مسلمين ونصارى، ورغم ذلك طالت فترتها الانتقالية وتعاني من ثورة داخلية مضادة مدعومة خارجيا تحاول تقويض فرصة مصر في الاستقرار والتحول الديمقراطي والاستقرار المؤسس للبناء والتنمية.

وفى سياق من العمل على جمع الناس على كلمة سواء، وأن هذه الدعوة متعددة الإستراتيجيات والوسائل والأدوات حسب جهد وابتكار وتجديد أصحابها، وبالتأكيد العمل السياسي من أدواتها المتعددة المتنوعة المبتكرة، وبالتأكيد لكل أداه وقتها وأسلوبها المناسب وفق قواعد الحكمة والمنطق، ومما هو مؤكد في أصول الفقه والفكر الإسلامي أن درء المفاسد مقدم على جلب المصالح.

في هذا السياق يجب أن نطرح سؤالا إستراتيجيا: ما الميدان الحقيقي لعمل الجماعة الوطنية والإسلامية الحقيقية؟ هل هو الدعوة وإعادة بناء مفاهيم المواطنة وفقا لأسس وقواعد الدين الإسلامي أم هو ميدان المنافسية السياسة الشرسة مع بقية القوى السياسية؟

وسؤال آخر: هل يقتصر العمل لتغيير الشعوب وبناء الدولة العادلة الراشدة على العمل السياسي فقط؟ أم أن هناك مجالات وميادين أخرى حاجتها أولى من دخول حلبة الصراع السياسي؟

وسؤال ثالث: أليس الشعب السوري بحاجة ماسة إلى دولة حرة ديمقراطية تؤمن للناس فرص استعادة هويتهم واختيار طريقهم بكل حرية، وتحمل مسؤولية بناء دولتهم مجتمعين متشاركين على هذا الهدف الوطني الكبير؟

بإسقاط أعتى النظم الاستبدادية التي عرفتها البشرية على يد الشعب السوري العظيم، هل سيقبل هذا الشعب أن يحكم مرة ثانية بالحديد والنار

وسؤال رابع: بإسقاط أعتى النظم الاستبدادية التي عرفتها البشرية على يد هذا الشعب العظيم، هل سيقبل هذا الشعب أن يحكم مرة ثانية بالحديد والنار؟ أليست لدينا ضمانات شعبية بأن سوريا كسرت حاجز الخوف والاستبداد ولن ترضى إلا بالحياة الحرة الكريمة، وإن تعاقبت عليها الحكومات والقيادات فلن تسمح إلا بما تقتنع وترضى به، فمم الخوف والاستعجال إذن؟

فهل من وسيلة جديدة مبتكرة تستخدم لمغالبة أعداء سوريا في بناء دولتها الحرة الحديثة؟

هذا هو السؤال الذي يجب أن نتوقف عنده، حتى نفوت على أعداء سوريا فرصة تعزيز تفكيك الحالة السورية وإدخالها إلى نفق الصراع والحرب الأهلية مستغلة واقعها المتردي المأزوم في كل مجالات حياته، وأوله هويته وشخصيته الخاصة التي يبحث عنها كالتائه في صحراء الغربة والتيه وليتها خالية من ثعابين وعقارب وامتدادات الخارج الطامعة في سوريا.

الحلول والخيارات البديلة
– الاكتفاء بالعمل التربوي والإصلاح لإعادة بناء وتمكين الهوية الوطنية السورية ذات المرجعية الإسلامية العربية الخاصة عبر كل مؤسسات العمل المدني الممكنة.

– توجيه أفراد الإخوان إلى المشاركة في كل التكوينات والأحزاب السياسية السورية بهدف نشر وبناء تعزيز وتمكين مبادئ الإصلاح والمواطنة، وتمكين هذه المبادئ داخل هذه التكوينات السياسية بهدف تقويتها وتعزيز قدرتها على بناء وتحقيق التنمية والنهضة وليس بهدف المنافسة للوصول إلى السلطة.

عندئذ يحتفظ الإخوان بمكانتهم السامية الرفيعة عن كل مطمع، التي تؤهلهم لتحمل مسؤولية التربية والدعوة والإصلاح والأخذ بيد المجتمع السوري بكل طوائفه نحو الصلاح والإصلاح.

وأخيرا أؤكد أن المهمة الكبرى هي مهمة الإصلاح والتنمية والنهضة، التي يجب أن تبدأ بإصلاح وبناء الإنسان لا المؤسسة السياسية، وأن الإخوان دعاة ومصلحون ومسؤولون عن دعوة كل أبناء الشعب الشورى، ومن الطبيعي أن يحتفظوا مع الجميع بعلاقات الحب لا المنافسة والصراع.

وبالتأكيد الشعب السوري بحاجة إلى سنوات نقاهة وتوجيه وتدريب وتنمية، وبعدها يختار لنفسه ويبنى بنفسه بمنطق التفكير والتخطيط الإستراتيجي الحل الذي هو في إستراتيجية الزهد في السلطة ودعم صلاحها وقوتها بكل السبل.

وأخيرا تبقى للدعوة مكانتها وسموها … وتبقى علاقتها بالجميع متساوية .. تخفف من غلواء الجميع ويلجأ إليها الجميع .. فتكون حرما آمنا يستظل به أبناء الوطن من حمى الحزبية والشتات.

الآراء الواردة في هذا المقال هي آراء الكاتب ولا تعكس بالضرورة الموقف التحريري لقناة الجزيرة.