هل تشهد أزمة الملف النووي تسوية في اجتماع بغداد؟

هل تشهد أزمة الملف النووي تسوية في اجتماع بغداد؟ - الكاتب: محمد عباس ناجي

undefined 

تجنب شبح الحرب ودعم أوباما
دعم دور العراق إقليميا
طريق شائك

ربما يمكن القول إن النتيجة الإيجابية الوحيدة التي خرج بها اجتماع إسطنبول الذي عقد بين إيران ومجموعة "5+1" في 14 أبريل/نيسان, هي الاتفاق على جولة مباحثات جديدة ببغداد في 23 مايو/أيار القادم، وهو تطور جدير بالاهتمام، خصوصا أن الاجتماعات التي عقدت في السابق بين الطرفين، وكان آخرها بإسطنبول أيضا في يناير/كانون الثاني 2011، فشلت قبل أن تبدأ بسبب انعدام الثقة والشروط المسبقة.

لكن الاجتماع الأخير شهد أجواءً إيجابية، على ضوء المرونة الملحوظة التي بدا عليها الموقف الإيراني تحديدا والتي انعكست في إسقاط إيران -للمرة الأولى- شرطيها اللذين نسفا كل الاجتماعات السابقة، وهما ضرورة رفع العقوبات الدولية المفروضة عليها بسبب أزمة ملفها النووي، والاعتراف بحقها في تخصيب اليورانيوم.

إذ كان لافتا أن أمين المجلس الأعلى للأمن القومي ورئيس الوفد الإيراني في المحادثات سعيد جليلي تحدث عن حق إيران في الطاقة النووية السلمية وليس عن مواصلة عمليات التخصيب، كما بدا أن ثمة حرصا من جانب الوفد الإيراني على الدخول في جوهر المحادثات مباشرة، على عكس الجولات السابقة التي عمدت فيها إيران إلى الاستفاضة في الحديث عن قضايا بعيدة عن الجوهر الأساسي للتفاوض مثل "الديمقراطية الإيرانية" و"ولاية الفقيه" و"التشيع" وغيرها.

فضلا عن أن إيران تناولت مسألة رفع العقوبات باعتبارها خطوة تتزامن مع التقدم في المفاوضات وليس شرطا مسبقا. وقد حرصت إيران علي تأكيد هذا المعني عندما ألمحت إلي إمكانية إبداء تنازلات مهمة في حالة رفع العقوبات عليها، وهو ما بدا جليا في تصريحات وزير الخارجية علي أكبر صالحي التي قال فيها أن "إيران مستعدة لحل كل المشكلات النووية في الجولة المقبلة من المحادثات مع القوى العالمية في بغداد إذا رفعت العقوبات".

هذا التصريح تحديدا يطرح دلالة مهمة مفادها أن العقوبات تؤثر فعلا على إيران، خصوصا بعد أن وصلت إلى مستوى فرض حظر على التعاملات المصرفية والصادرات النفطية، على عكس كل المزاعم الإيرانية السابقة التي استخفت بتأثيراتها، بدليل مسارعة إيران إلى إبداء استعدادها لتقديم تنازلات في ملفها النووي في حالة رفع هذه العقوبات.

الرسائل الإيجابية التي خرجت من طهران بعد اجتماع إسطنبول، توحي بأن طهران مقدمة على تقديم تنازلات في ملفها النووي ربما تؤدي إلى تسوية، وتحاول تمرير ذلك داخليا باعتباره "إنجازا جديدا" للجمهورية الإسلامية

بل إنها زادت على ذلك بالتلميح إلى إمكانية تخليها عن تخصيب اليورانيوم لمستويات عالية (20%)، في حالة رفع العقوبات المفروضة عليها، حيث قال صالحي في هذا الصدد أن "التخصيب هو من حق إيران لكننا يمكن أن نتفاوض حول كيفية حصولنا على اليورانيوم الذي له مستويات تخصيب مختلفة".
 
لكن الأهم من ذلك هو الرسائل الإيجابية التي خرجت من طهران بعد الاجتماع، والتي توحي بأنها مقدمة على تقديم تنازلات في ملفها النووي ربما تؤدي إلى تسوية، وتحاول تمرير ذلك داخليا باعتباره "إنجازا جديدا" للجمهورية الإسلامية. فقد أشادت بعض أركان النظام بما انتهى إليه الاجتماع، بل إن الحرس الثوري أشار إلى ما أسماه "نتيجتين باهرتين" للاجتماع وهما امتثال الغرب لموقف المرشد علي خامنئي الذي أكد أن إيران لا تسعى لامتلاك سلاح نووي، وقبوله حق إيران في امتلاك تكنولوجيا نووية للأغراض السلمية.

تجنب شبح الحرب ودعم أوباما
وفي الواقع، فإن ثمة أسبابا أساسية ثلاثة تفسر التغير اللافت في السياسة الإيرانية المتشددة في الملف النووي: الأول، هو محاولة إيران استباق قرار الاتحاد الأوروبي بفرض حظر على صادراتها النفطية في أول يوليو/تموز المقبل. ورغم أن إيران استخفت في البداية بهذا التهديد، بل إنها بدأت تتخذ إجراءات بوقف إمداد بعض الدول الأوروبية بالنفط، إلا أنها تخشى على الأرجح، من التداعيات المباشرة لهذا القرار، خصوصا لجهة تشجيع العديد من المستوردين الرئيسيين الآخرين على انتهاج السياسة نفسها تجنبا لحدوث توتر في علاقاتهم مع الولايات المتحدة، في ظل المحاولات الحثيثة التي تبذلها الأخيرة لإقناعهم بتطبيق هذا الحظر والبحث عن بدائل أخرى للنفط الإيراني.

والثاني، تجنب احتمال تعرضها لضربة عسكرية، وذلك على خلفية التهديدات المتكررة من جانب الولايات المتحدة وإسرائيل بإمكانية اللجوء للخيار العسكري لتسوية الأزمة النووية مع إيران. فإلى جانب تأكيد وزير الدفاع الأميركي ليون بانيتا على أن "واشنطن تعد في الوقت الراهن الخيارات العسكرية المحتملة لتوجيه ضربة لإيران"، فإن إسرائيل وجهت إشارات عديدة إلى الأطراف المعنية تفيد رفضها منح الأداة الدبلوماسية مزيدا من الوقت لتسوية الأزمة، خصوصا أنها ترى في التفاوض فرصة لإيران لتحقيق أكبر قدر من التقدم في برنامجها النووي.

وقد تعمدت إسرائيل، قبل إجراء المفاوضات الأخيرة في إسطنبول، تسريب معلومات عن رفض رئيس الوزراء بنيامين نتنياهو منح الرئيس الأميركي باراك أوباما تعهدا بعدم مهاجمة إيران حتى إجراء الانتخابات الرئاسية الأميركية المقبلة، مكتفيا بالانتظار حتى الخريف القادم.

ورغم أن إيران -التي أعلنت استعدادها للرد على أية هجمات يمكن أن تشن ضدها سواء من جانب إسرائيل أو الولايات المتحدة، أو كليهما- تدرك أن هذه التهديدات تدخل في إطار "الحرب النفسية ضدها" وأن هناك شكوكا قوية في قدرة إسرائيل على توجيه ضربة عسكرية ناجحة للمنشآت النووية الإيرانية بمفردها، إلا أنها ليست في وارد السماح بمواجهة مثل هذا الاحتمال، أي التعرض لضربة عسكرية، التي تمثل "خطا أحمر" بالنسبة لها، بما يعني أن إيران، التي تبدو مرتاحة لعزوف واشنطن عن تكثيف ضغوطها على النظام السوري نزولا عند رغبة إسرائيل، ربما تكون حرصت على إبداء تجاوب ملحوظ في اجتماع إسطنبول، لتفويت الفرصة على الأخيرة لتوجيه ضربة عسكرية لمنشآتها النووية.

بل إن بعض الاتجاهات ترى في التغير الملحوظ في موقف إيران خلال المفاوضات محاولة من جانبها لدعم موقف الرئيس الأميركي وتقوية فرصه في الفوز بفترة رئاسية جديدة من خلال توجيه رسائل إلى الداخل الأميركي بأن مقاربته القائمة على ضرورة الانتظار ومنح الفرصة الكاملة للأداة الدبلوماسية لتسوية الأزمة هي المدخل الصحيح لتحقيق هذا الهدف.

من هنا يمكن تفسير الانتقادات الإسرائيلية الحادة للنتائج التي توصل إليها اجتماع إسطنبول، ولا سيما ما يتعلق بالاتفاق على عقد اجتماع جديد في بغداد في 23 مايو/أيار المقبل، حيث ردت تل أبيب على لسان نتنياهو بالقول إن "إيران تلقت هدية وبات لديها خمسة أسابيع لمواصلة تخصيب اليورانيوم"، وهي رسالة لها مغزى خاص حرصت تل أبيب على توجيهها إلى الأطراف المعنية وعلى رأسها إيران ومفادها أن "صبرها ينفد" وأن انتظارها لتسوية ما لأزمة الملف النووي الإيراني لن يستمر شهورا، بدليل رفضها منح إيران خمسة أسابيع جديدة لتواصل العمل في ملفها النووي.

ألقت إيران بثقلها خلف المالكي الذي يواجه أزمات داخلية وخارجية متعددة، في محاولة لجعله الرافعة العربية التي يمكن من خلالها أن تمارس طهران دورها في الملفات الإقليمية المختلفة

دعم دور العراق إقليميا
لكن التطور الجديد في هذا السياق هو حرص إيران على أن يكون مكان انعقاد الاجتماع القادم في بغداد، بعد أن اتفقت على تسوية بهذا الشأن مع مجموعة "5+1″، حيث أصرت في البداية على نقل الاجتماع الأول من إسطنبول إلى بغداد أو بكين أو دمشق، وتم التوصل إلى حل وسط في النهاية بأن يعقد الاجتماع الأول في إسطنبول على أن تكون بغداد هي مقر الاجتماع الثاني.

سعي إيران إلى نقل اجتماعها الأول مع "5+1" من إسطنبول يعكس التوتر الملحوظ الذي شاب علاقاتها مع تركيا في الآونة الأخيرة، بسبب تحول الأخيرة إلى رقم مهم في الضغوط الدولية المفروضة على النظام السوري، لكن الأهم من ذلك هو أنه يؤشر إلى أن إيران تربط مصير ملفها النووي بتطورات الإقليم، وربما يشير أيضا إلى اتجاه إيران لدعم حضور العراق إقليميا، وقد انعكس ذلك في الاحتفاء الإيراني الملحوظ بزيارة رئيس الوزراء العراقي نوري المالكي إلى طهران يومي 22 و23 أبريل/نيسان، حيث ألقت الأخيرة بثقلها خلف المالكي الذي يواجه أزمات داخلية وخارجية متعددة، في محاولة لجعله الرافعة العربية التي يمكن من خلالها أن تمارس طهران دورها في الملفات الإقليمية المختلفة، ولا سيما مع انحسار دور "قناة الاتصال" الرئيسية بين إيران وحلفائها في الإقليم وهو نظام الرئيس السوري بشار الأسد.

طريق شائك
لكن رغم الأجواء الإيجابية التي صاحبت اجتماع إسطنبول، فإنه من السابق لأوانه الحديث عن حدوث انفراجة ملحوظة في الملف النووي الإيراني، كما أنه من المبكر ترجيح أن يشهد اجتماع بغداد القادم تسوية نهائية للأزمة التي ربما تستغرق وقتا ليس قصيرا، وذلك لاعتبارات عديدة: أولها، أنه لا يمكن التكهن بموقف إيران في الاجتماع المقبل أو بمعنى أدق ما يمكن أن تقدمه من تنازلات في ملفها النووي خلال هذا الاجتماع.

فحتى الآن تشير كل التلميحات الإيرانية إلى إمكانية إقدامها على تجميد عمليات تخصيب اليورانيوم لمستوى 20%، مع الاحتفاظ بالحق في التخصيب لمستوى 3.5%، على أن تحصل على احتياجاتها التكنولوجية الأخرى من الدول المعنية.

لكن ذلك يبدو احتمالا غير مضمون، خصوصا في ظل غياب الثقة بين الطرفين، والذي دفع إيران في السابق إلى وضع شروط عديدة أمام اتفاق "تبادل اليورانيوم" الذي طرحته الوكالة الدولية للطاقة الذرية في اجتماع إيران مع مجموعة "5+1" بجنيف في أكتوبر/تشرين الأول 2009 لتشككها في نوايا الدول الغربية مما أدى إلى فشله في النهاية.

اجتماع بغداد المقبل لن يكون "نزهة" للمفاوضين، لأنه سوف يشهد على الأرجح مباحثات شاقة وطويلة بين إيران التي تتقن سياسة المراوغة و"كسب الوقت"، والقوى الكبرى التي استطاعت تقليص الخلافات فيما بينها

وثانيها، أن إيران تطالب في المقابل برفع العقوبات المفروضة عليها، وهو ما ترفضه الدول الغربية التي تريد التثبت من نوايا إيران في البداية قبل الشروع في اتخاذ إجراءات جدية في هذا السياق، بما يعني أن ثمة قلقا ينتاب الدول الغربية من أن التغير الملحوظ في الموقف الإيراني خلال اجتماع إسطنبول الأخير ما هو إلا مراوغة جديدة لكسب مزيد من الوقت، وقد بدا ذلك جليا في تصريح وزير الخارجية الدانماركي فيلي سوندال -الذي تتولى بلاده الرئاسة الدورية للاتحاد الأوروبي- والذي قال فيه إنه "من الخطر الشديد إيجاد وضع نقول للإيرانيين من خلاله إننا قد نرفع جزءا من العقوبات"، مشيرا إلى "أنهم أبطال العالم في إجراء مفاوضات طويلة جدا لا تؤدي إلى شيء".

وثالثها، أن الغرب لم يحسم قراره بعد إزاء إمكانية السماح لإيران بمواصلة عمليات تخصيب اليوارنيوم حتى لو كان ذلك عند المستوى الأدنى (3.5%)، ليس فقط بسبب القلق الذي ينتاب القوى الكبرى من النطاق غير المعروف لبرنامج إيران النووي، بل وأيضا بسبب المساعي التي تبذلها إسرائيل لإقناع الولايات المتحدة، والغرب عموما، بضرورة منع إيران تماما من مواصلة عمليات التخصيب، رغم أن ذلك يتعارض مع معاهدة حظر انتشار الأسلحة النووية التي وقعت عليها إيران، كما يتناقض مع حقيقة أن إسرائيل هي الدولة النووية الوحيدة في المنطقة، والتي ترفض الانضمام للمعاهدة ولا يستطيع الغرب الضغط عليها في هذا السياق.

وفي كل الأحوال، فإن ذلك يعني أن اجتماع بغداد المقبل لن يكون "نزهة" للمفاوضين، لأنه سوف يشهد على الأرجح مباحثات شاقة وطويلة بين إيران التي تتقن سياسة المراوغة و"كسب الوقت"، والقوى الكبرى التي استطاعت تقليص الخلافات فيما بينها والتحدث بلسان واحد في اجتماع إسطنبول الأخير، خصوصا بعد تقريب وجهات النظر مع كل من روسيا والصين، بشكل حرم إيران من فرصة اللعب على التناقضات والانقسامات التي كانت توفر لها بدائل أوسع في الاجتماعات السابقة.

الآراء الواردة في هذا المقال هي آراء الكاتب ولا تعكس بالضرورة الموقف التحريري لقناة الجزيرة.