تركيا.. حزب العدالة والتنمية أمام منعطف خطير

تركيا: حزب العدالة والتنمية أمام منعطف خطير . الكاتب: إسماعيل ياشا

إعادة ترتيب البيت الداخلي
من سيخلف أردوغان؟
احتمال الانشقاق
قرار غول حول مستقبله السياسي

حزب العدالة والتنمية التركي الذي أسَّسه رجب طيب أردوغان وعبد الله غول ورفاقهما من المنشقين الآخرين من تيار الراحل نجم الدين أربكان في 14 أغسطس/آب 2001 بعد أقل من شهرين من حظر حزب الفضيلة، أحد أحزاب ذاك التيار، مضى على دخوله الساحة السياسية التركية أكثر من 11 سنة ويحمل لقب "الحزب الحاكم" منذ فوزه بالأغلبية الساحقة في الانتخابات النيابية التي أجريت في 3 نوفمبر/تشرين الثاني 2002.

ومما لا شك فيه أن حزب العدالة والتنمية بزعامة رئيس الوزراء التركي رجب طيب أردوغان وضع بصماته على السياسة التركية خلال السنوات العشر الأخيرة بشكل لافت، وخرج من جميع المعارك الانتخابية التي خاضها بالفوز، ولم تتآكل شعبيته رغم السنين التي قضاها في الحكم، وهو الآن أمام منعطف هام وخطير سيلعب دورا كبيرا في رسم مستقبله.

هذا المنعطف الطويل يبدأ بالمؤتمر الرابع لحزب العدالة والتنمية الذي عقد في الـ30 من الشهر الماضي بالعاصمة التركية، ويمتد إلى الانتخابات الرئاسية والبرلمانية المقبلة. وسيكون هذا المؤتمر آخر مؤتمر يشارك فيه أردوغان على رأس حزب العدالة والتنمية، لأنه يستعد للترشح لرئاسة الجمهورية في عام 2014 ليصبح أول رئيس تركي منتخب بأصوات الناخبين، وبالتالي سيضطر للاستقالة من عضوية حزب العدالة والتنمية وفقا للدستور التركي الذي يحظر على رئيس الجمهورية أن يكون عضوا في حزب سياسي.

أهمية المؤتمر الرابع لحزب العدالة والتنمية الحاكم تأتي من أنه يشهد تدشين مرحلة ما بعد أردوغان وإعادة ترتيب البيت الداخلي على نطاق واسع

إعادة ترتيب البيت الداخلي
أهمية المؤتمر الرابع لحزب العدالة والتنمية الحاكم تأتي من أنه يشهد تدشين مرحلة ما بعد أردوغان وإعادة ترتيب البيت الداخلي على نطاق واسع بالتزامن مع عملية ضخ دماء جديدة للجان الحزب الإدارية بسبب النظام الداخلي الذي لا يسمح لأعضاء الحزب بالترشح للفترة الرابعة سواء في الانتخابات البرلمانية أو المحلية، وبناء على هذه المادة للنظام الداخلي، لا يحق لـ73 نائبا من نواب حزب العدالة والتنمية الترشح في الانتخابات البرلمانية، ومن بين هؤلاء أردوغان نفسه ومساعد رئيس الوزراء والناطق باسم الحكومة بولنت أرينتش ووزير الداخلية إدريس نعيم شاهين ومساعد رئيس الوزراء علي باباجان ووزير العدل سعد الله أرغين ووزير الطاقة تانر يلديز وغيرهم من أقطاب الحزب الحاكم.

خروج هذا العدد الكبير من كبار قادة حزب العدالة والتنمية من سباق الانتخابات البرلمانية دفع أردوغان إلى دعوة بعض الزعماء السياسيين الذين لا تختلف آراؤهم ومواقفهم كثيرا عن الخط السياسي لحزب العدالة والتنمية -كرئيس حزب صوت الشعب نعمان كرتولموش والرئيس السابق للحزب الديمقراطي سليمان سويلو- للانضمام إلى حزب العدالة والتنمية لسد الفراغ، واستجاب كلاهما لدعوة أردوغان فالتحق سويلو بالحزب كما انضم كورتولموش وعدد من قادة حزبه إلى حزب العدالة والتنمية بعد إلغاء حزب صوت الشعب نفسه.

كان الهدف من وضع مادة في النظام الداخلي تمنع أعضاء حزب العدالة والتنمية من الترشح للفترة الرابعة هو الحيلولة دون احتكار المناصب من قبل كبار السن وفتح المجال أمام السياسيين الشباب للتقدم في سلم القيادة، بعد أن تأكد مؤسسو الحزب أن الشعب التركي سئم كثيرا من رؤية القادة السياسيين أنفسهم لمدة عقود وأنه يرغب في تغيير الوجوه.

وهذا القرار المبدئي واجه ضغوطا كبيرة، إلا أن أردوغان وقادة حزب العدالة والتنمية صمدوا أمام هذه الضغوط ولم يتراجعوا عنه بل أكدوا على أنهم سيلتزمون به تغليبا للمبدأ على المصلحة المؤقتة.

من سيخلف أردوغان؟
إن أخطر نقطة سيمر بها حزب العدالة والتنمية في هذا المنعطف الطويل هي نقطة يتم فيها تحديد خليفة أردوغان، لأن أردوغان الذي أسَّس الحزب مع عبد الله غول وبولنت أرينتش وغيرهما من رفاق دربه أصبح الرجل الوحيد الذي يجمع كافة أعضاء الحزب تحت زعامته بلا نزاع، وطغى دوره على جميع الأدوار بسبب شخصيته القوية وتحول الحزب خلال 11 سنة إلى "حزب أردوغان".

ليس في حزب العدالة والتنمية رجل ثان بحجم أردوغان حتى يسد الفراغ الذي سيخلفه، والأسماء المطروحة لا ترقى فوق مستوى الإشاعات والتمنيات

وليس هناك في حزب العدالة والتنمية رجل ثان بحجم أردوغان حتى يسد الفراغ الذي سيخلفه، والأسماء المطروحة لتولي رئاسة الحزب بعد أردوغان لا ترقى فوق مستوى الإشاعات والتمنيات، وحتى هذه اللحظة لا يعرف الرأي العام التركي من سيكون خليفة أردوغان أو ماذا يدور بالضبط في رأس رئيس الوزراء التركي بهذا الشأن. ولكن المؤكد أن ظل أردوغان سيكون دائما فوق حزب العدالة والتنمية.

كان حلم أردوغان تغيير الدستور والانتقال من النظام البرلماني إلى النظام الرئاسي أو على الأقل إلى النظام شبه الرئاسي، لأنه لا يريد أن يكون رئيسا ذا صلاحيات محددة لا يتدخل في تفاصيل السياسة اليومية، ولا يريد أن يقطع صلته بحزب العدالة والتنمية، ولكن هذا الحلم لم يتحقق لأسباب عدة ومن المستحيل أيضا أن يتحقق قبل الانتخابات الرئاسية، وليس أمام أردوغان غير الاستقالة من رئاسة حزب العدالة والتنمية وعضويته، ولكن هذا لا يعني أنه سيقطع علاقته نهائيا مع الحزب لأن شخصيته وأهدافه السياسية لا تسمح بذلك، وبالتالي ما يسعى إليه أردوغان ويحاول تأسيسه هو النظام شبه الرئاسي كأمر واقع وإن لم يكن معترفا به دستوريا، وذلك من خلال توليه هو نفسه رئاسة الجمهورية وتولي من يثق فيه رئاسة حزب العدالة والتنمية على أن يرجع إليه في إدارة الحزب والحكومة.

احتمال الانشقاق
لا شك في أن ما يحاول أردوغان تأسيسه في السياسة التركية خلال هذا المنعطف الطويل سيواجه مخاطر كثيرة قد تؤدي بالحزب إلى الانحراف عن الطريق وحدوث مشاكل وانشقاقات في صفوفه، كما أن هناك علامات استفهام حول الوضع الجديد الذي يسعى فريق أردوغان إلى فرضه على الساحة السياسية، ففي حال تولى رئاسة حزب العدالة والتنمية بعد أردوغان زعيمٌ يتمتع بشخصية قوية لن يكون من السهل أن يتقبل هذا الزعيم الجديد إلغاء شخصيته والرجوعَ إلى رأي أردوغان في كل صغيرة وكبيرة وتفاصيل إدارة الحزب.

وأما في حال تولى رئاسة الحزب زعيم لا يتمتع بتلك الشخصية القوية ويكون فقط وكيل أردوغان في الحزب فسيصعب على أعضاء الحزب قبوله واحترامهم له كرئيس للحزب. وبطبيعة الحال، كل هذه السيناريوهات مبنية على فرض فوز أردوغان في الانتخابات الرئاسية وفوز حزب العدالة والتنمية بزعامة رئيس جديد في الانتخابات البرلمانية، ولكن ماذا لو لم يفز أردوغان في الانتخابات الرئاسية أو خسر حزب العدالة والتنمية في الانتخابات البرلمانية؟

ومن المخاطر التي قد يواجهها حزب العدالة والتنمية في هذه المرحلة الحساسة تدهور علاقاته مع بعض الجماعات الإسلامية المؤثرة وخاصة مع جماعة فتح الله كولن التي أيَّدت أردوغان ورفاقه في سبيل تعزيز الديمقراطية وتقليص نفوذ العسكر، ولكن العلاقات بين الطرفين ليست على ما يرام منذ استدعاء رئيس الاستخبارات التركية هاكان فيدان في فبراير/شباط الماضي للإدلاء بأقواله بصفته مشتبهًا به في قضية اللقاءات مع قادة حزب العمال الكردستاني، حيث اعتبر أردوغان أن جماعة كولن تستهدفه مباشرة مستغلة نفوذها في القضاء، وأصدر قانونا لا يسمح للقضاة بالتحقيق مع رجال الاستخبارات إلا بعد إذن رئيس الوزراء.

جماعة فتح الله كولن ذات النفوذ الواسع لها تأثير على ميول الناخبين، سواء من المنتمين إليها أو غيرهم، ولكن حجم هذا التأثير محل النقاش. ومع ذلك، قد يرجح هذا التأثير كفة أحد الأطراف السياسية المتنازعة على الأخرى. ورغم الرياح الباردة التي تهب على علاقات الجماعة مع حزب العدالة والتنمية، لم تقرر الجماعة حتى الآن سحب تأييدها من حزب أردوغان، ولعلها تنتظر ما ستؤول إليه الأمور في نهاية هذه المرحلة.

قرار غول حول مستقبله السياسي ستكون له انعكاسات على حزب العدالة والتنمية، سواء كان ذاك القرار باتجاه العودة إلى الحزب أو مواصلة العمل السياسي في حزب جديد

قرار غول حول مستقبله السياسي
كان رئيس الجمهورية التركي عبد الله غول من أبرز قادة حزب العدالة والتنمية ومؤسسيه، ولكن نفوذه في الحزب تضاءل بعد توليه رئاسة الجمهورية، وهو اليوم خارج المعادلة تقريبا في عملية إعادة ترتيب الحزب الذي لعب دورا كبيرا في تأسيسه ونجاحاته.

ومع ذلك، اختار غول عدم الإجابة عن الأسئلة حول مستقبله السياسي وما سيفعله بعد انتهاء فترته في الرئاسة تفاديا لحدوث أزمة بينه وبين أردوغان، إلا أن المفهوم من تصريحاته وأقوال المقربين منه أنه لا يرغب في لزوم البيت كمتقاعد عن العمل السياسي.

ومن المؤكد أن قرار عبد الله غول حول مستقبله السياسي ستكون له انعكاسات على حزب العدالة والتنمية، سواء كان ذاك القرار باتجاه العودة إلى الحزب الذي أسَّسه أو مواصلة العمل السياسي في حزب جديد أو اعتزال الساحة السياسية أو الترشح لرئاسة الجمهورية لفترة أخرى.

إن مهمة إعادة ترتيب حزب العدالة والتنمية ليواكب متطلبات المرحلة المقبلة لن تكون سهلة، ولكن أردوغان وفريقه إن نجحوا باجتياز هذا المنعطف الخطير بسلام فلن يكون أمام حزب العدالة والتنمية أي عائق يذكر في قيادة تركيا لعدة فترات أخرى. وأما في حال فشلهم فستكون أبواب الساحة السياسية التركية مفتوحة على مصراعيها أمام الانشقاقات والمفاجآت.

الآراء الواردة في هذا المقال هي آراء الكاتب ولا تعكس بالضرورة الموقف التحريري لقناة الجزيرة.