دور روسي جديد في الشرق الأوسط

اسم الكاتب: طلعت أحمد مسلم



– ملاحظات على الاتفاقية

مخاطر الاتفاقية وتداعياتها
– المدخل الإسرائيلي إلى روسيا
– الطريق أمام الدول العربية

وقع وزير الدفاع الروسي أناتولي سيرديوكوف ووزير الدفاع الإسرائيلي إيهود باراك يوم 6 سبتمبر/أيلول 2010 اتفاقية لتعزيز التعاون العسكري بين البلدين، ورغم أن العلاقات بين روسيا وإسرائيل قديمة، وأن هذه العلاقات تطورت خاصة بعد انهيار الاتحاد السوفياتي، فإن توقيع هذه الاتفاقية يشكل نقلة نوعية في هذه العلاقات، تتركز خطورتها في احتمالات تأثيرها على قضايا المنطقة، وخاصة الصراع العربي الإسرائيلي وقضايا الأمن الدفاعي عموما.

ولم تكن التصريحات التي صاحبت زيارة وزير الدفاع الإسرائيلي لموسكو وتوقيع الاتفاقية أقل خطورة من توقيع الاتفاقية بل قد تفوقها.


ملاحظات على الاتفاقية
تميز الاتفاقية الجديدة بأنها اتفاقية طويلة الأجل يمتد مفعولها لمدة خمس سنوات إلا أنها أول اتفاقية بين البلدين لها طابع الامتداد الزمني وليست مرتبطة بإجراء معين ينتهي مفعولها بعده، مما يعطي للاتفاقية طابعا إستراتيجيا وقابلا لمزيد من التطور.

كذلك فإن الاتفاقية اشتملت على عناصر تعاون عسكري وتقني، ولو أنها اقتصرت على التعاون التقني فربما كانت أقل تأثيرا، إلا أن امتدادها عسكريا يعطيها طابعا إستراتيجيا يمزج بين السياسات العسكرية في البلدين.

وتشتمل الاتفاقية على مسائل مرتبطة بالتعاون الحربي التقني وإمكان التعاون في مجال تصنيع الأسلحة، أي أن التعاون التقني يمتد إلى تعاون في صناعة الأسلحة، مما يشير إلى علاقات ممتدة ذات طابع عميق وعلاقات وثيقة وعميقة في مجال الصناعات العسكرية.

"
توقيع اتفاقية التعاون العسكري بين روسيا وإسرائيل يوفر فرصة لإسرائيل لمناقشة قضايا تهم إسرائيل ولا تدخل مباشرة في صلب الاتفاقية وتتعلق بمنطقة الشرق الأوسط
"

والاتفاقية، وفقا لتصريحات وزير الدفاع الروسي، ستفيد روسيا لدى إجراء عملية الإصلاح العسكري للقوات المسلحة الروسية من واقع خبرات الجيش الإسرائيلي، أي أنها تؤدي إلى علاقات منتظمة بين كوادر التنظيم والتعليم لفترات طويلة نسبيا وتداخل بين القوات.

كانت روسيا قد اشترت 12 طائرة بدون طيار من إسرائيل ويجري تدريب 50 من العسكريين الروس على استخدامها، وربما تكون هذه النقطة أقل عناصر التعاون بين البلدين أهمية، رغم أنه من المعروف أن الدول لا تبيع معدات عسكرية لدولة تختلف معها اختلافا حادا.

الاتفاقية تنظم التعاون العسكري بين البلدين خلال الأعوام الخمسة المقبلة وتتضمن تبادل الآراء والخبرات والمعلومات ذات الاهتمام المشترك خاصة في مجال الأمن الدولي، وتطوير الاتصالات في مجال التعليم العسكري، وتتناول التعاون في مجالات إعداد الكوادر العسكرية، وتبادل المعلومات والتعاون في مجال تطوير الاتصالات، والمسح الطبوغرافي، ودراسات التاريخ العسكري.

كذلك صرح وزير الدفاع الروسي بأن مواقف البلدين متقاربة إن لم تكن متطابقة حيال الكثير من تحديات العصر ومنها مكافحة الإرهاب الدولي ومنع انتشار أسلحة التدمير الشامل، وأن الاتصالات بين البلدين تسهم في التصدي لهذه الأخطار، وأن التعاون بين وزارتي الدفاع الروسية والإسرائيلية في مختلف الاتجاهات.

إن توقيع اتفاقية التعاون العسكري بين روسيا وإسرائيل يوفر فرصة لإسرائيل لمناقشة قضايا تهم إسرائيل ولا تدخل مباشرة في صلب الاتفاقية وتتعلق بمنطقة الشرق الأوسط، منها تسليم خمسين عربة مدرعة روسية إلى السلطة الفلسطينية لم تسمح إسرائيل بإدخالها إلى الضفة الغربية، والنشاط النووي الإيراني، إذ تسعى إسرائيل إلى إيقاف أو إنهاء التعاون بين روسيا وإيران في المجال النووي، ومعاونة روسيا في حال تقرير توجيه ضربة إلى إيران، وبيع روسيا منظومة "أس 300" المضادة للصواريخ والدفاع الجوي لإيران وسوريا حيث تسعى إسرائيل لمنع تنفيذ البيع.

وكذا بيع أسلحة لسوريا منها صواريخ "ياخونت" المضادة للسفن، بحجة الخشية من أن تصل إلى حزب الله وما يسمى بالإرهاب الإسلامي، حيث تسعى إسرائيل لإقناع روسيا بأنهما يحاربان الإرهاب الإسلامي بربط ما يحدث في الجمهوريات الإسلامية في روسيا بالمقاومة العربية للاحتلال الإسرائيلي، باعتبار أنها ذات أصول إسلامية مع التركيز على حزب الله وحماس كقلب لهذه المقاومة.

ويحتمل تجاوب روسيا مع المطالب الإسرائيلية وخاصة مع زيادة الحاجة للتعاون الإسرائيلي.


مخاطر الاتفاقية وتداعياتها
ربما كان من أخطر ما صاحب توقيع الاتفاقية الروسية الإسرائيلية ما نقلته وكالات الأنباء على لسان وزير الدفاع الروسي، من أن مواقف البلدين متقاربة إن لم تكن متطابقة حيال الكثير من تحديات العصر ومنها مكافحة الإرهاب الدولي ومنع انتشار أسلحة التدمير الشامل، وأن الاتصالات بين البلدين تسهم في التصدي لهذه الأخطار.

فحين يكون موقف الاتحاد الروسي من مكافحة الإرهاب الدولي مطابقا لموقف إسرائيل أو متقاربا معه فهذا يعني أن روسيا أصبحت تنكر على الشعوب التي تحت الاحتلال في فلسطين وفي هضبة الجولان السورية المحتلة، وفي مزارع شبعا في الجنوب اللبناني، وفي العراق المحتل حقها في مقاومة الاحتلال، وأنها تؤيد العمليات الإجرامية الإسرائيلية سواء ضد قطاع غزة أو في الضفة الغربية المحتلة بحجة مكافحة الإرهاب.

وهذا ما يمكن أن يغير من صورة الاتحاد الروسي في ذهن المواطن العربي الذي كان يعتبر روسيا في وقت من الأوقات -إلى وقت قريب- صديقا ومساندا للحقوق العربية.

"
تطوير الاتصالات في مجال التعليم العسكري يجعل المعلومات والعلوم العسكرية لدى دول عربية في زمن مشاركة عربية روسية أو سوفياتية، متاحة لإسرائيل
"

أخطر من ذلك لو أن موقف الاتحاد الروسي من منع انتشار أسلحة التدمير الشامل كان متقاربا أو متطابقا مع الموقف الإسرائيلي، فمن المعلوم أن الاتحاد الروسي وقبله الاتحاد السوفياتي، كان من أشد أعداء انتشار أسلحة التدمير الشامل والأسلحة النووية بصفة خاصة، ولكن هذا كان يعني معارضة امتلاك إسرائيل لأسلحة التدمير الشامل وعلى رأسها الأسلحة النووية.

ولا شك أن هذا مخالف للموقف الإسرائيلي، فإذا قيل بتقارب أو تطابق المواقف، ولم تعلن إسرائيل تغيير موقفها فهذا يعني أن الاتحاد الروسي هو الذي غير موقفه.

إن ما جاء عن تنظيم التعاون العسكري في مجال تبادل الخبرات والآراء والمعلومات في مجال الأمن الدولي يجعل الخبرات التي حصل ويحصل عليها العسكريون الروس بما فيها تلك التي يحصلون عليها من دول عربية تتعاون أو تعاونت معهم سابقا، متاحة لقوات إسرائيل.

وتطوير الاتصالات في مجال التعليم العسكري يجعل المعلومات والعلوم العسكرية لدى دول عربية في زمن مشاركة عربية روسية أو سوفياتية متاحة لإسرائيل، وتتناول التعاون في مجالات إعداد الكوادر العسكرية، وهكذا تصبح المعلومات عن العسكريين العرب الذين تعلموا أو يتعلمون في معاهد روسية يمكن أن تصبح في خدمة إسرائيل.

وتبادل المعلومات والتعاون في مجال تطوير الاتصالات يعني أن المعلومات عن اتصالات دول عربية المعروفة لدى روسيا يمكن أن تصل إلى إسرائيل، وتطوير المسح الطبوغرافي يعني أن الخرائط العسكرية العربية يمكن أن تصبح لدى إسرائيل.

ودراسات التاريخ العسكري تعني كشف باقي المعلومات عن الحروب والاشتباكات السابقة بتعاون روسي أو سوفياتي عربي لدى دول عربية التي كانت وما زالت متاحة لدى روسيا في خدمة إسرائيل.

طبعا يمكن القول إن أغلب هذه المعلومات أصبحت فعلا لدى إسرائيل نتيجة لتحول دول عربية إلى التعاون مع الولايات المتحدة ربيبة إسرائيل، وهو ما يمكن أن يكون صحيحا، إلا أن المعلومات تحتاج دائما إلى تأكيد وتدقيق، وهو ما تتيحه المعاهدة.

والأهم أنها يمكن أن تتيح أي معلومات جديدة، بما يعني وضع قيود على التعاون بين أطراف عربية والاتحاد الروسي، أو قبول المخاطرة الناجمة عن الاتفاقية على نحو ما تفعل الولايات المتحدة الأميركية وإسرائيل.

من المحتمل أن توفر الاتفاقية مدخلا لأن يكون لإسرائيل حق الاعتراض على أي صفقة سلاح أو تعاون يمكن أن يحدث بين دولة عربية أو شرق أوسطية مع الاتحاد الروسي، مما يضيق من هامش المناورة الضيق فعلا أمام الدول العربية الرافضة للسلام مع إسرائيل، ويحرمها فرصة الحصول على أسلحة يمكن أن تقيها من مخاطر التهديدات الإسرائيلية، وأن توفر لها الحد الأدنى المطلوب من عناصر الدفاع عن الدولة.

كما أن التعاون بين الاتحاد الروسي وإسرائيل قد يؤدي إلى دور سلبي روسي في مواجهة ضربة إسرائيلية ضد إيران مما يشكل خطرا داهما على المنطقة.


المدخل الإسرائيلي إلى روسيا
لقد سعت إسرائيل للوصول إلى تعاون روسي معها في مجال الدفاع بهدف حرمان أغلب الدول العربية من الفرصة للحصول على أسلحة خارج ما توافق عليه الولايات المتحدة الأميركية والغرب عموما بما يضمن التفوق على كل دولة عربية عدديا ونوعيا، وعلى مجموع الدول العربية نوعيا، وهكذا تصل الدول والقوى العربية إلى يأس من تحقيق أهدافها عن طريق القوة العسكرية.

ولتحقيق هذا الهدف فإن إسرائيل سعت إلى إقناع الاتحاد الروسي بأنها تستطيع أن تساعده في حل بعض المشاكل والصعوبات الأمنية ذات الطابع الدفاعي، وأن تقدم هذه المساعدة بشكل عملي بحيث يلمس الاتحاد الروسي مصلحة قد تحققت من خلال التعاون العسكري مع إسرائيل.

"
من المحتمل، في حال نجاح إسرائيل في مساعدة روسيا في حل بعض مشاكلها، أن يؤثر ذلك على المواقف الروسية حيال القضايا العربية، أو على الأقل يجعل روسيا تغض الطرف عما ترتكبه إسرائيل من انتهاكات للقانون الدولي

"

وكانت الطائرات بدون طيار التي طورتها الصناعة العسكرية الإسرائيلية وأحرزت مكانا متقدما عالميا في صناعتها مدخلا إلى السياسة الدفاعية في الاتحاد الروسي.

كذلك استغلت إسرائيل تعرض روسيا إلى مخاطر داخلية ناجمة عن حركات تمرد وأعمال عنف لتبدي استعدادها للمساعدة في هذا المجال مدعية أن لها خبرة تؤهلها لمعاونة روسيا وأن هذه الخبرة مستمدة من مواجهتها للمقاومة العربية، وخاصة تلك المتمثلة في حزب الله وحركة المقاومة الإسلامية (حماس) باعتبار أن لكل منهما أصولا دينية إسلامية مشابهة لتلك الموجودة في روسيا.

من المحتمل، في حال نجاح إسرائيل في مساعدة روسيا في حل بعض مشاكلها، أن يؤثر ذلك على المواقف الروسية حيال القضايا العربية، أو على الأقل يجعل روسيا تغض الطرف عما ترتكبه إسرائيل من انتهاكات للقانون الدولي ومن جرائم حرب، وأن تمتنع عن بيع أسلحة روسية إلى دول أو قوى عربية تعترض عليها إسرائيل، وأن تشكل روسيا مصدرا للمعلومات التي تحتاجها إسرائيل عن دول عربية.


الطريق أمام الدول العربية
المقصود هنا هو الدول العربية التي لما تقم علاقات مع إسرائيل وما زالت تعتمد على روسيا ولو جزئيا، في الحصول على الأسلحة، والتي ما زالت ترفض السلام مع إسرائيل بشكل خاص، وباقي الدول العربية بشكل عام.

وتشير هذه التطورات إلى ضرورة الإسراع بإنشاء صناعات عسكرية عربية متطورة متميزة في بعض المجالات، وتوسيع علاقات التعاون الصناعي العسكري مع دول أخرى متقدمة في مجالات التصنيع العسكري وربما أصبحت على رأسها الصين، رغم أن إسرائيل أقامت علاقات تسليحية مع الصين والهند دون استبعاد الحصول على أسلحة من روسيا ومحاولة اجتذابها وعدم تركها للنفوذ الإسرائيلي، ولكن دون الاقتصار عليها أو الاعتماد عليها بدرجة أكبر، ولتوسيع قاعدة الاختيار ولإشعار روسيا بأن هناك مصادر بديلة مما قد يدفعها إلى محاولة الاحتفاظ بموقعها في تجارة السلاح العالمية.

كذلك فإن على هذه الدول أن تكون حذرة في علاقاتها مع روسيا بحيث لا تطلعها على ما تعتبره يشكل خطورة كبيرة في حال حصول إسرائيل عليه.

الآراء الواردة في هذا المقال هي آراء الكاتب ولا تعكس بالضرورة الموقف التحريري لقناة الجزيرة.