حول الانتخابات الرئاسية في أرض الصومال

حول الانتخابات الرئاسية في أرض الصومال - الكاتب: عبد الرزاق أحمد



مؤشرات ودلالات
أسباب فوز سيلانيو وسقوط ريالي
الآفاق والتوقعات

جرت في أرض الصومال في 26 يونيو/حزيران الماضي انتخابات رئاسية وصفت بأنها كانت نزيهة وحرة وفق المعايير الدولية التي تضمن ذلك، حسب قول المراقبين الأجانب الذين تابعوا سيرها. وانتهت دون أن تصاحبها مشاكل وعراقيل تذكر ما عدا أحداثا هامشية.

وقد تنافس فيها ثلاثة مرشحين وثلاثة نواب لهم يمثلون الأحزاب السياسية الثلاثة المسجلة في الإدارة، من بينهم طاهر ريالي كاهن الرئيس الحالي، على رئاسة الإدارة في السنوات الخمس المقبلة. وأعلنت نتائج الانتخابات مساء يوم الأول من يوليو/تموز بفوز أحمد محمد سيلانيو مرشح حزب "كلميه" المعارض بفارق كبير (16%) وأكد المرشحان اللذان هزما فيها قبولهما التام بالنتيجة.

وعلى هذا سيتم نقل السلطات إلى القيادة الجديدة خلال شهر واحد، حسب ما ينص الدستور. وهذه سابقة لم تكن مألوفة في تاريخ الانتخابات الأفريقية ولا سيما في منطقة القرن الأفريقي التي تقع فيها أرض الصومال. ويرجع الفضل في ذلك كله بعد الله إلى لجنة الانتخابات الوطنية التي لزمت الحياد في جميع الظروف والأوقات وعزمت على أن تجري الانتخابات على الوجه المطلوب.

ويمكن استخلاص الملاحظات التالية من تلك الانتخابات وهي ليست الأولى من نوعها التي تجري في أرض الصومال وتأخرت عدة مرات لمبررات مختلفة.

"
كانت نسبة المشاركين في الانتخابات ضئيلة، إذ لم يدل عدد كثير من الناخبين المسجلين بأصواتهم لأسباب عدة، من أهمها اعتقاد بعضهم بأن الانتخابات لن تفيد كثيرا ولن تغير شيئا في مستقبل الإدارة بسبب خلفية السياسيين المنافسين على السلطة
"

مؤشرات ودلالات
لم يرفع أو يقدم المرشحون الثلاثة أي شعارات أو أمور مبدئية إلى الناخبين في برامجهم الانتخابية، إلا مرشح حزب "أعد" المعارض فيصل علي ورابي، الذي رفع شعار تطبيق الشريعة الإسلامية في الأيام الأخيرة من حملة الانتخابات، وذكر أنه سوف يعزل جميع قضاة المحاكم في الإدارة الذين يحكمون بالقوانين الوضعية والذين اشتهروا بالرشوة والفساد، ويعين بدلا منهم العلماء الربانيين الذين يحكمون بالشريعة الإسلامية، وأنه سوف يلحق المحاكم بوزارة الأوقاف والشؤون الدينية بدلا من أن تكون تابعة لوزارة العدل كما هو الحال الآن. وقد رأى كثيرون أن هذا الشعار إنما هو تكتيك وانتهاز للفرصة لا مبدأ ولا قناعة.

 كانت نسبة المشاركين في الانتخابات ضئيلة (538.246 ناخبا)، إذ لم يدل عدد كثير من الناخبين المسجلين بأصواتهم لأسباب عدة، من أهمها اعتقاد بعضهم بأن الانتخابات لن تفيد كثيرا ولن تغير شيئا في مستقبل الإدارة بسبب خلفية السياسيين المنافسين على السلطة. كما أن هناك أسبابا دينية منعت بعض المسجلين من الإدلاء بأصواتهم، "لأنها عمل طاغوتي أو ممارسة ديمقراطية لا مكان لها في الشريعة الإسلامية"، حسب ما ذكر هؤلاء. كما تمثل عدم السماح للناخبين بالإدلاء بأصواتهم إلا في الدائرة التي سجلت أسماءهم عند تدوين أسماء الناخبين سببا آخر في تقلص عدد الناخبين المشاركين في الانتخابات.

 لم تجر هذه الانتخابات في المناطق التي تسكن فيها عشيرتا ورسنغلي وطلبهنتي إلا في دوائر قليلة لأسباب قبلية بحتة، مما يمثل ضربة قوية في سعي أرض الصومال في ادعائها بأن السكان كلهم موحدون ومتفقون في قضية الانفصال.

 لم يسجل أي تزوير أو خروقات أثناء سير الانتخابات باستثناء أمور يسيرة لم تؤثر في النتيجة.

 لم تحدث حوادث أو مشاكل تذكر أثناء انعقاد الانتخابات إلا حادثا منعزلا، حيث قتل أحد أعضاء لجنة الانتخابات في إقليم "سول" واستولي على عدد من صناديق الاقتراع عقب ذلك. كما لم تحدث أي حوادث أو اشتباكات بين المؤيدين أو الأحزاب المتنافسة أثناء فعاليات الحملة الانتخابية التي استمرت ثلاثة أسابيع متتالية بحماسة عالية، تم التنابذ فيها بالألفاظ المسيئة للسمعة والألقاب المثيرة للضغائن، وتبادل الشعارات الحزبية المائلة إلى الازدراء والتفاخر.

وقد كانت هناك مخاوف متزايدة لدى أهالي الإدارة من وقوع مشاكل أمنية عند سير الانتخابات أو أن تأتي بعدها في حالة انهزام مرشح حزب "كلميه" المعارض، لذا قام بعضهم بنقل عائلاتهم إلى الأرياف أو إلى الخارج، كما حرص المغتربون من سكان أرض الصومال في الغربة على البقاء خارج الإدارة إلى أن تتضح الأمور.

 كانت انتخابات نموذجية استخدمت فيها الوسائل الحديثة للإثبات والتوضيح، مثل استخدام الكمبيوتر في تسجيل أسماء الناخبين وإعطائهم بطاقات الانتخابات عليها اسم الناخب وصورته وتوقيعه. وتم تخزين وتسجيل أسماء الناخبين وأصواتهم إلكترونيا.

 شارك في الانتخابات عدد من المراقبين الأجانب (حوالي ثلاثين شخصا معظمهم من بريطانيا والاتحاد الأوروبي)، تابعوا سير الانتخابات في بعض الدوائر بالمدن الكبيرة، وفي بيان أصدوره عند نهايتها أكدوا أنها كانت انتخابات نزيهة وحرة جرت في جو هادئ.

 كان التأييد الشعبي للأحزاب الثلاثة واختيار المرشح على اعتبار عشائري بالدرجة الأولى، حيث تأصل السلوك العشائري لتبعية أو ملكية الحزب, وسادت ثقافة أن هذا الحزب أو ذاك هو حزب العشيرة طالما يرأسه شخص من العشيرة أو ينتمي مرشحه للرئاسة إليها. وتأتي النفعية أو المصلحة الخاصة للناخب بالدرجة الثانية. كما تكون القناعة الفردية لدى الناخب في قدرة ونزاهة المرشح اعتبارا ثالثا في اختيار المرشح.

أسباب فوز سيلانيو وسقوط ريالي

"
من أسباب فوز حزب كلميه أنه استعد استعدادا تاما للانتخابات ودخل حملة انتخابية قوية ومخططة كسب من خلالها تأييدا شعبيا واسعا وتعاطفا جماهيريا كبيرا أدى إلى حصول مرشحه على أصوات كثيرة من مختلف العشائر
"

كان المراقبون وأهالي أرض الصومال يتوقعون أن تكون نتيجة الانتخابات كما جاءت, فهناك أسباب واقعية ومخططات مدروسة أدت إلى أن يفوز حزب "كلميه" المعارض في الانتخابات وينهزم حزب "أدب" الحاكم، ومن أهمها:

 كانت هناك قناعة شعبية راسخة وشعار انتخابي قوي يرمي إلى حدوث تغيير أيا كان نوعه في هرم الرئاسة.

 ازدادت سمعة حزب "كلميه" وكثر مؤيدوه بعد أن انضمت إليه رموز سياسية عديدة، مما أدى إلى ارتفاع التعاطف الشعبي مع رئيس الحزب ومرشحه أحمد سيلانيو وكذلك مع الحزب.

 استعد حزب "كلميه" استعدادا تاما للانتخابات، ودخل حملة انتخابية قوية ومخططة كسب من خلالها تأييدا شعبيا واسعا وتعاطفا جماهيريا كبيرا أدى إلى حصول مرشحه على أصوات كثيرة من مختلف العشائر.

 استفاد حزب كلميه من أخطاء الحزب الحاكم وفشله في كثير من القضايا.

 لم يدخل حزب "أدب" الحاكم حملة انتخابية قوية، ولم يقدم مرشحه برنامجا سياسيا منظما ولا وعودا جذابة للناخب.

 تضعضعت أركان الحزب الحاكم وتلاشت جاذبيته وساءت سمعته وانشق بعض رموزه وانضموا إلى حزب "كلميه" المعارض، لأسباب كثيرة بعضها يرجع إلى رئيس الحزب ومرشحه طاهر ريالي بسبب أخطائه في فترة حكمه، وبعضها يعود إلى عامل الزمن وسجية البشر في حب الجديد والرغبة في التغيير، فقد طالت فترة حكم طاهر ريالي، حيث بقي ثماني سنوات متواصلة ثلاث منها تعد غير دستورية إما تمديدا لحكمه أو تحضيرا للانتخابات، إضافة إلى عشر أخرى كان فيها نائبا للرئيس الراحل محمد إبراهيم عقال الذي مل السكان قيادته، بعد أن تحايل للسلطة في مرات عديدة.

 ترى غالبية الناس أن الإدارة الحالية لأرض الصومال تختلس الأموال العامة، ولم تقدم شيئا في تنمية اقتصاد الوطن وإصلاح المرافق العامة وتطوير الخدمات الاجتماعية، بل على العكس من ذلك قامت الحكومة باحتكار الدعائم الرئيسية لاقتصاديات البلد، مثل تصدير المواشي واستيراد النفط، كما زادت الجمارك في ميناء بربرة -المنفذ البحري الوحيد للإدارة- مما أدى إلى أن يحول التجار قسطا من مستورداتهم إلى ميناء بوصاصو البعيد في بونت لاند.

الآفاق والتوقعات
لا شك أن أرض الصومال اكتسبت سمعة عالمية في المجتمع الدولي بسبب نجاحها في إجراء الانتخابات الرئاسية بأمن وحرية، ويقوي ذلك دون شك رصيدها بين دول العالم، ولكن لا يتوقع من له إلمام واسع بالظروف الراهنة للعالم وفي منطقة القرن الأفريقي التي تقع فيها أرض الصومال أن يؤدي ذلك إلى أن تحصل أرض الصومال على اعتراف دولي دولة مستقلة منفصلة عن بقية الصومال.

كما لا يتوقع كثيرون مطلعون في شؤون أرض الصومال أن يأتي الرئيس الجديد بأعجوبة في الإدارة أو أن يحدث تغييرا جذريا في الأوضاع القائمة خاصة في المجالات المهمة, كإنهاء الفساد في الدوائر الحكومية وتأخر التنمية الاقتصادية وكذلك عدم الحصول على اعتراف عالمي، حيث هناك أمور تأصلت في المجتمع ومؤسسات الإدارة، مثل التعامل مع الرشوة والفساد والقبلية خصوصا في المحاكم ولدى رجال الشرطة وموظفي الجمارك في المطارات والميناء.

"
لا يتمتع سيلانيو بشخصية براغماتية، وليست لديه مميزات خاصة تؤهله لأن يأتي بتغييرات جذرية هامة، وكل رصيده لدى الشعب هو أنه كان مناضلا قديما أخذ دورا كبيرا في الحرب ضد حكومة سياد بري
"

ولا تعود أسباب ذلك الوباء إلى قلة رواتب الموظفين فقط، ولكن هناك أمور أخرى لها دور في ذلك، مثل تفشي تعاطي مخدر القات في أوساط المجتمع، والميل إلى الاعتماد على الغير في الحياة، وانتشار البطالة، وغير ذلك من الأمراض الاجتماعية المهلكة.

ولا يتمتع سيلانيو بشخصية براغماتية، وليست لديه مميزات خاصة تؤهله أن يأتي بتغييرات جذرية هامة، وكل رصيده لدى الشعب هو أنه كان مناضلا قديما أخذ دورا كبيرا في الحرب ضد حكومة سياد بري.

كما أن الذين يتزاحمون حوله في قيادة الحزب أغلبهم من رفقائه في هذا الدرب أو شركائه في حراك معارضة حكومة طاهر ريالي وليسوا من الشريحة التي يمكن أن يقال إنها هي الأنسب لقيادة البلاد، وربما العكس صحيح، إذ هناك لقب مشهور للفريق الأول (رفقاء الدرب في الحرب) من رجاله هو "علن عس" باللغة الصومالية أو "ذوو الراية الحمراء" باللغة العربية، لأنهم كانوا محاربين قدماء يميلون دائما إلى الحرب أثناء بروز الخلافات بين العشائر وكانوا وراء حربين عشائريتين مدمرتين وقعتا في أرض الصومال عامي 1992 و1994.

كما أنهم هم الذين جعلوا سيرة أرض الصومال عقدة في قلوب سكانها وافتراء على التاريخ ومعولا هداما على ثوابت الشعب الصومالي، لأنهم قاموا بترسيخ الكراهية في قلوب سكان أرض الصومال ضد بقية الصوماليين عن طريق تلفيق الأكاذيب وترويج الافتراءات عن العلاقة بين الطرفين وعن دور سكان جنوب الصومال في الحروب التي خاضتها حركة SNM في شمال الصومال ضد نظام سياد بري.

كما أنهم اشتهروا بمحاباة وموالاة إثيوبيا العدو اللدود للصومال. ويشترك معهم سيلانيو في تلك الخصلة الأخيرة (المحاباة والموالاة لإثيوبيا)، حيث بادر بإرسال تهنئة خاصة لإثيوبيا لحظة الإعلان عن أنه فاز في الانتخابات، وشكر لها جهودها المستمرة في دعم مسيرة انتخابات أرض الصومال وموقفها التاريخي المساند لسكان أرض الصومال، حسب تصريحه المكتوب الذي وزعه هو على الحاضرين في قاعة إعلان النتيجة.

والأقرب أن هذين الصنفين من السياسيين سيجدون نصيب الأسد في المناصب العليا في إدارة أحمد سيلانيو وسيأخذون دورا قويا في توجيه سياسته في البلد.

الآراء الواردة في هذا المقال هي آراء الكاتب ولا تعكس بالضرورة الموقف التحريري لقناة الجزيرة.