صور السماء وقصص النجوم عند العرب

صور السماء وقصص النجوم عند العرب - الكاتب: رولاند لافيت



مفارقة كبيرة تعاني منها رسومات السماء عند العرب, فرغم أن ثقافتهم تتميز بتقليد عريق في تأمل القبة السماوية، وبأن ثلثي الأسماء الشائعة للنجوم وتشخيصاتها في شتى أنحاء العالم عربية الأصل، فإن المفارقة تتمثل في أن هذا الميراث الغني الذي تنتمي إليه هذه الأسماء لا يزال مجهولا إلى حد كبير.

ومن المرجح أن هذا الكنز الثقافي تحجبه عن الأنظار السمة التي تميز علم الفلك العربي، وخصوصا الرأي الذي يقول إن التشخيصات التي وضعها الفلكيون العرب مستوحاة من نظرائهم الإغريق وليست من نتاج المخيلة العربية.

"
رغم أن ثلثي الأسماء الشائعة للنجوم وتشخيصاتها في شتى أنحاء العالم عربية الأصل، فإن هذا الميراث الغني الذي تنتمي إليه هذه الأسماء لا يزال مجهولا إلى حد كبير
"

لنتفحص هذه النقطة في مصور مجموعة "الدب الأكبر" التي قدمها محمد بن هلال الذي عاش في الموصل بالعراق في القرن الثامن الهجري/الثالث عشر الميلادي. هذا مجرد مثال لكنه على قدر كبير من الأهمية لأن جميع التصويرات العربية لقبة السماء جاءت على نفس الطريقة.

فقد أثبتت الصور أن أسماء النجوم الفردية جميعها لا تتصل كليا بأسطورة "الدب" لكنها تبقى داخل إطار المجموعة النجمية الموروثة عن الإغريق، أي أن العرب وضعوا للنجوم مسميات شهيرة تنتمي إلى تصوراتهم الخاصة التي يمكننا تصنيفها في ثلاث مجموعات:

1- في المجموعة الأولى لدينا "نعش" وتمثله النقالة "النعش"، التي تحيل إلى فكرة الألوهية قبل الإسلام، ومن ثم بناته، وقد أعطيت لهذه المجموعة أسماء عالمية هي BENETNASH وALKAID.

2- تتعلق المجموعة الثانية بـ"الظباء"، وتتصل بقول ورد لدى عبد الرحمن الصوفي في كتابه "صور الكواكب الثابتة": ضرب الأسد بذنبه الأرض فقفزت الظباء. ومن هذا المصدر جاءت تسميات مثل AL THIBA وEL KAPHZAH.

3- من الجلي أن الأسماء التي تتشكل منها المجموعة الثالثة مثل "العناق" و"الجون" أو "السها" لا ترابط بيّنًا فيما بينها. ومن المعروف أنه من هذا المصدر (أي "السها") جاء الاسم SUHA.

بدأ الفلكيون العرب وضع تسميات جديدة تتناسب مع مواضع النجوم في التصاميم اليونانية في وقت متأخر نسبيا. ولو بقينا في مثالنا نفسه وهو مجموعة "الدب الأكبر"، فلدينا الشكل المعروف باسم "مراق الدب الأكبر" الذي أصبح معروفا عالميا باسم MERAK.

إن التشخيصات العربية للنجوم أمثال "نعش وبناته"، و"الظباء"، بل وحتى أكثرها شهرة مثل "الثريا" و"الجوزاء" وغيرهما لم يتم استثمارها في أية وسيلة إعلامية. ومن غير المتعذر أن ندرك ببساطة أنه في عصر يعيش العالم معه ثورة الصورة، هناك أهمية خاصة للعمل على تقديم تلك التشخيصات التي أنتجتها المخيلة العربية، تماماً كما فعل آخرون في مناطق أخرى من العالم لصالح ثقافاتهم الخاصة.

إذ تقوم شعوب عديدة بتقديم مجموعات النجوم والحكايات المنبثقة من خيالها في برمجيات فلكية -وخصوصا في المعارض التي تقدم صورا متحركة لقبة السماء PLANETARIUM– كما هو الحال مع الصينيين واليابانيين بل وبعض الأفارقة والمتحدرين من أصول هندية في أميركا، فإن هذا الأمر لا ينطبق على العرب.

ولا بد من القول إن وراء الحاجة لإظهار هذه الصور والرسومات التي وضعها الفلكيون العرب، هناك حاجة أخرى تتمثل في إعطاء العالم فرصة للتعرف على قصة النجوم عند العرب، غير أن هذا يقتضي أولا القيام بجمع هذه التصويرات، وهذا بحد ذاته يتطلب جهدا كبيرا يتصل بالأدب القديم حيث يمكن الاعتماد على القواميس القديمة، والنصوص الأدبية من شعر ونثر والكتابات الفلكية، من جهة، ويتصل بجمع التراث الشعبي الماثل في الأدب والذاكرة الشفهية، من جهة ثانية.

"
لا بد من الإسراع في جمع التراث العربي الثري والقيّم في مجال السماء والنجوم ونشره وتعريف الآخرين به، لأن هذا الجهد من شأنه أن يصحح الخلل القائم بين أهمية التراث العربي في فهمنا للسماء وبين معرفتنا الحقيقية به
"

بالطبع إن الحديث عن هذا الموضوع ذو شجون. إذ يمكن لأي شخص القول بأنه وفي عصر المواجز اليومية عن الأحوال الجوية وأجهزة تحديد المواقع عبر الأقمار الصناعية (جي بي أس)، لا يدعو الأمر إلى كثير من التفاؤل, فقد ولت إلى غير رجعة تلك الأزمان التي كان المزارع يستخدم فيها فكرة مراقبة الأنواء أو الكتيب الخاص بنشوء الهلال ومراحل اكتماله وتراجعه، أو عندما يقوم بحار أو صياد السمك أو البدوي باستخدام النجوم مرشدا له للعثور على الاتجاهات، ناهيك عن أن الموت الذي يخطف كبار السن ممن اعتادوا النظر إلى السماء كساعة في الليل جعل من هذه المعرفة الثمينة وقصص النجوم عصرا بائدا.

لهذا السبب تحديدا لا بد من الإسراع في جمع هذا التراث الثري والقيّم ونشره وتعريف الآخرين به، لأن هذا الجهد من شأنه أن يصحح الخلل القائم بين أهمية التراث العربي في فهمنا للسماء وبين معرفتنا الحقيقية به، ويعطي لهذا التراث قيمته التي يستحقها في الخيال البشري وتصوراته للفضاء.

الآراء الواردة في هذا المقال هي آراء الكاتب ولا تعكس بالضرورة الموقف التحريري لقناة الجزيرة.