إسرائيل دولة الفضائح

العنوان: إسرائيل دولة الفضائح



أجمع الإعلام العبري على نشر الفضائح التي تعصف بالمنظومة السياسية والأمنية في الدولة العبرية، فإقامة مشروع (هوليلاند) في القدس الغربية وتورط العديد من السياسيين ورجال الأعمال الإسرائيليين بتلقي الرشا والفساد، وفي مقدمتهم رئيس الوزراء السابق، إيهود أولمرت، سمي بأنه أكبر فضيحة منذ تأسيس إسرائيل في العام 1948 على أنقاض الشعب العربي الفلسطيني، إذ إن الحديث يدور عن رشا بمئات آلاف الدولارات.

"
نشر وثائق سرية عن عمليات إعدام النشطاء الفلسطينيين "المطلوبين" للأجهزة الأمنية في دولة الاحتلال يثير الشكوك حول الديمقراطية الإسرائيلية المزعومة
"

وهكذا من خلال متابعة وسائل الإعلام الإسرائيلية يلاحظ الكم الهائل من المرادفات في نعت ووصف الفضائح، من خطير إلى أخطر، من حساس إلى أكثر حساسية، من مهم إلى أهم، وهكذا دواليك، ولكن القضية الأمنية الأخيرة، نشر وثائق سرية عن عمليات إعدام النشطاء الفلسطينيين "المطلوبين" للأجهزة الأمنية في دولة الاحتلال، تثير لدينا الشكوك حول الديمقراطية الإسرائيلية المزعومة، والتشديد هنا على مفردة مزعومة، الأمر الذي يحتم تسجيل عدد من الملاحظات المرتبطة بهذه الفضيحة:

1- العربي في القضية: ماذا عن الدماء الفلسطينية التي سالت والجروح التي نزفت وما زالت تنزف دما ودموعا؟ فمن الوثائق التي نشرت يتبين بوضوح لا لبس فيه أن قيادة جيش الاحتلال نصبت نفسها محاكم وقضاة ومنفذين لعمليات إعدام غير قانونية، كما كسرت وحطمت كل المواثيق والقوانين الدولية وحتى الإسرائيلية في هذا الموضوع، الفضيحة هي القتل بدم بارد وليس تسريب المعلومات السرية من الجيش.

مواكبة الإعلام العبري في الأيام الأخيرة يدفع المرء العادي إلى التوصل لنتيجة مفادها أنه في إسرائيل 2010 يمكن للدولة أن تعتقل أشخاصا ويتم التعتيم الكامل على الموضوع وتحجب الحقائق عن الجمهور من دون أن يرف لمؤسسات الدولة جفن، ومن هنا فإن الأعمال والدوس على الحريات والديمقراطية، التي يندى لها الجبين، وتبدأ بها الأوساط الحاكمة والمؤسسة العسكرية في المناطق المحتلة وضد المواطنين الفلسطينيين في تلك المناطق وكذلك ضد المواطنين العرب الفلسطينيين في مناطق الـ48 لن تتوقف عند هذا الحد، وإنما ستستمر بوتيرة عالية، حتى يتحول كل شخص، يهوديا كان أم عربيا، يجرؤ على إسماع أي نوع من الانتقاد للسياسات غير الأخلاقية للطبقة الحاكمة أو المؤسسة العسكرية، متهما ومطاردا ويزج في أقبية جهاز الأمن العام (الشاباك الإسرائيلي) ويضرب بعرض الحائط أبسط القيم الديمقراطية، هذا إذا كانت القيم ما زالت تسري في عروق الإسرائيليين، وإذا ما زالت هناك ديمقراطية في دولة الشاباك ورئيسه.

وحتى المستشار القضائي السابق للحكومة الإسرائيلية المحامي مناحيم مزوز تجند هو الآخر للدفاع المستميت عن الأمن الإسرائيلي، فأصدر يوم الثلاثاء (10/4/2010) بيانا للصحافة زعم فيه أنه فحص في حينه ادعاءات صحيفة (هآرتس) بأن جيش الاحتلال يرتكب أعمالا منافية للقانون الإسرائيلي والقانون الدولي، وتوصل إلى نتيجة مفادها أن الحديث عارٍ عن الصحة.

وبغض النظر عن تدخله غير المبرر في هذه القضية، أثبت مرة أخرى أن إسرائيل تحاكم نفسها وتتوصل إلى نتائج تصب في مصلحتها، فلم نسمع حتى اليوم عن مجرم يقوم بتسليم نفسه إلى العدالة، وبالتالي فإن إسرائيل ستواصل التحقيق مع نفسها، وستواصل تبرئة نفسها من الجرائم.

2- دولة مخابرات: إسرائيل هي مخابرات تملك دولة، وليست دولة تملك مخابرات، وللتدليل على ذلك نورد في هذا السياق أن رئيس هذا الجهاز الذي اعترف بأن الدولة العبرية لم تنجح منذ إقامتها بتدجين فلسطينيي الـ48، رغم محاولاتها المكثفة لصهرهم في بوتقة تسمى مجازا العرب الجيدين، يتمتع بصلاحيات لا حدود لها، ولا مثيل لها إلا في جمهوريات الموز وديكتاتوريات العالم العربي.

فقد صرح يوفال ديسكين في اجتماع عقده مع رؤساء تحرير الصحف العبرية في 8 أبريل/نيسان 2010، بأنه يملك الصلاحية لاستدعاء أي صحفي يعمل في الدولة العبرية، إذا شك بأن الصحفي أخل بالأمن، وهذا الاستدعاء يتم دون العودة إلى المحكمة أو إلى السلطات القضائية ذات الصلة بالموضوع، ومن هنا فإن كل صحفي هو رهينة لنزوات ولأهواء رئيس الشاباك.

ولكي يعلم القاصي والداني أكثر عن ديمقراطية إسرائيل، نجد لزاما على أنفسنا الإشارة في هذه العجالة إلى أن طاقم رؤساء التحرير في إسرائيل يخلو من رؤساء تحرير الصحف العربية في الداخل الفلسطيني، أي أن هذه الهيئة مقصورة على اليهود فقط، ضمن سياسة إسرائيل القاضية بتحويل الدولة العبرية إلى دولة جميع مستوطنيها اليهود.

"
الإعلام العبري يثبت دائما أنه يرفض التغريد خارج سرب ما يطلق عليه الإسرائيليون في دولة الاحتلال الإجماع الصهيوني، أي عدم المس بالبقرة الأكثر قدسية وهي الأمن القومي الإسرائيلي
"

3- إعلام السرب: الإعلام العبري أثبت مرة أخرى أنه يرفض التغريد خارج سرب ما يطلق عليه الإسرائيليون في دولة الاحتلال الإجماع الصهيوني، أي عدم المس بالبقرة الأكثر قدسية: الأمن القومي الإسرائيلي. فكيف يعمل هؤلاء الكتاب الذين يأتمرون بـ"توجيهات" جهاز الأمن العام (الشاباك)؟ كيف يمكن لصحفيين تربطهم علاقات وطيدة جدا بقادة المؤسسة الأمنية، وينشرون تسريباتهم التي تخدم في نهاية المطاف سياسة إسرائيل العدوانية، كيف لهم أن ينشروا المقالات التي تنتقد هذه السياسة؟

وبالتالي من قال إنه من الوارد جدا في هذه الدولة العنصرية بامتياز أن ينقلب السحر على الساحر؟ وكي لا نقع في مطب دعايتهم يجب التأكيد على أن صحافتهم تناور ضمن الحيز المرسوم لها، الذي يتراوح بين التحريض على العرب، مرورا بإبراز الأيديولوجية الصهيونية، وانتهاء بالتباكي على الديمقراطية، الموجودة في عقولهم فقط، فشتان بين الفكر والممارسة على أرض الواقع.

4- قرص وقرصنة: وبما أن إسرائيل هي دولة الفضائح فإن الصحفي أوري بلاو الذي نشر المعلومات المعروفة للجميع بأن المؤسسة الأمنية في هذه الدولة تقتل الفلسطينيين الذين كان بالإمكان اعتقالهم، ويحتفظ بقرص مليء بالوثائق، حسب الإعلام العبري، هرب إلى العاصمة البريطانية خوفا من اعتقاله، والأجهزة الأمنية والقضائية صرحت بأنها ستستنفد جميع الوسائل لإحضاره إلى تل أبيب.

وهذا التصريح يعيد إلى الأذهان تنفيذ عملية اختطاف على نسق عملية القرصنة التي نفذتها المخابرات الإسرائيلية في العام 1986 عندما أمر رئيس الوزراء آنذاك شمعون بيريز باختطاف تقني الذرة مردخاي فعنونو، الذي كشف أسرار تل أبيب النووية من على الأراضي الإيطالية؟ هل توافق بريطانيا التي أشبعتنا دروسا عن الديمقراطية وحقوق الإنسان وكرامة الفرد على الطلبات الإسرائيلية بتسليم الصحفي الذي لجأ إليها خشية اعتقاله؟

من ناحية أخرى، وفي ظل فضيحة جوازات السفر المزورة التي استعملها عناصر الموساد، وفق الاتهام الرسمي من لندن، في عملية اغتيال الشهيد محمود المبحوح بإمارة دبي، هل تجرؤ مخابرات الدولة العبرية على اختطاف الصحفي من على أراضي المملكة المتحدة؟

وبالتالي فإن بريطانيا أمام أمرين أحلاهما مر، التواطؤ مع إسرائيل بذريعة التنسيق الأمني بين أجهزة المخابرات والتغاضي عن عملية اختطافه الافتراضية، وهو ما أكده وزير الخارجية البريطاني عندما كشف أمام البرلمان النقاب عن أن عملاء الموساد الإسرائيلي استخدموا جوازات سفر بريطانية لتنفيذ جريمة الاغتيال البشعة، والإمكانية الثانية تسليم الصحفي بأمر قضائي بحكم اتفاقية التسليم المبرمة بين البلدين، وفي الحالتين ستتورط لندن مع نفسها ومع الرأي العام فيها.

5- غوانتانامو الإسرائيلي: من نافلة القول إن الجهاز القضائي الإسرائيلي أكد من خلال القضية الأمنية الخطيرة، ومن خلال قضايا أخرى، أنه متواطئ مع أجهزة الظلام في الدولة العبرية، ففي إسرائيل 2010 تعتقل صحفية وتزج في السجن ويتوجه عناصر المخابرات إلى المحكمة التي تصدر بشكل آلي قرارا يمنع وسائل الإعلام من نشر القضية، وبعد أن قامت وسائل الإعلام الأجنبية بنشر تفاصيل القضية، تذكرت صحافة البلاط الإسرائيلية واجبها وبدأت بالإيماء للقضية، ولكن السؤال الذي لم نتمكن من الحصول على جواب كافٍ وشافٍ له هو: لماذا لم تتوجه وسائل الإعلام الإسرائيلية إلى المحكمة العليا الإسرائيلية ضد أمر منع النشر؟

"
إسرائيل تمتلك سجنا سريا في مكان ما في العمق الإسرائيلي (غوانتانامو الإسرائيلي)، يزج فيه أناس لا نعرفهم، ولا يمكننا أن نعرفهم، وحتى المحكمة العليا الإسرائيلية لا تجرؤ على التدخل في قضية من هذا القبيل 
"

وبالمناسبة فإن القرار بالسماح للإعلام العبري بالنشر عن القضية اتخذ بعد أن وافقت النيابة العامة، أي ممثلة الشاباك في هذه القضية العينية، على النشر، هذا من ناحية، ومن ناحية أخرى، يجب التشديد على أن إسرائيل تمتلك سجنا سريا في مكان ما في العمق الإسرائيلي، يزج فيه أناس لا نعرفهم، أي غوانتانامو الإسرائيلي، ولا يمكننا أن نعرفهم، فحتى المحكمة العليا الإسرائيلية، وهي أعلى هيئة قضائية في الدولة العبرية، لا تجرؤ على التدخل في قضية من هذا القبيل بسبب ما يسميه الإسرائيليون حساسية القضية من الناحية الأمنية.

والأدهى من ذلك أنه حتى أعضاء الكنيست، وهم ممثلو الشعب كما هو الحال في الديمقراطيات الحقيقية، ممنوعون من زيارة هذا السجن، وفي هذا السجن الذي سمته صحيفة (هآرتس) العبرية بالسجن رقم 1683، لا نعرف ما يجري، فالرقابة العسكرية الإسرائيلية، التابعة للأجهزة الأمنية، لا تسمح بالنشر حتى عن مكان وجود السجن، أي في أي بقعة من إسرائيل يتواجد، والرقابة العسكرية في إسرائيل تعمل بموجب قوانين الانتداب البريطاني، الذي كان في فلسطين قبل تأسيس الدولة العبرية في العام 1948.

وبالتالي ما يمكن أن نقوله في هذا السياق إن هذا السجن يؤكد أن الأمن بات قاب قوسين أو أدنى من التسلط على القانون في دولة مارقة تدعي أنها واحة الديمقراطية في منطقة الشرق الأوسط.

الآراء الواردة في هذا المقال هي آراء الكاتب ولا تعكس بالضرورة الموقف التحريري لقناة الجزيرة.