علي الكواري يكتب: مستقبل الطفرة النفطية الثالثة

قراءة في الأسباب الجوهرية للطفرات النفطية الثالثة



أولا: استنفاد الطاقة الإنتاجية
ثانيا: ارتفاع التكاليف الحدية لإنتاج النفط
خلاصة وخاتمة

بدأت الطفرة النفطية الثالثة في أسعار النفط عام 2002. ولم تكد تصل إلى ذروتها حتى هاجمتها الأزمة المالية العالمية في منتصف عام 2008 لتحد من اندفاعها, بل لتؤدي إلى تراجع أسعار النفط وتؤجل إلى حين الأسباب الجوهرية التي دعت إليها. وقبل أن نبدأ الحديث عن الطفرات النفطية يحسن بنا أن نحدد المقصود بمصطلح الطفرة.

الطفرة في اللغة هي الوثبة. وفي لسان العرب: "الطفرة وثبة في ارتفاع كما يطفر الإنسان حائطًا أي يثبه" (ابن منظور المجلد الثاني: 597)، ومرادفات ترجمة كلمة طفرة في اللغة الإنجليزية كثيرة ومنها: Jump, upswing ,rise ,and upturn . والطفرة بهذا المعنى هي أمر واجب تحول دونه حواجز لابد من القفز عليها حتى يتم الوصول إلى الوضع الطبيعي.

والطفرات في أسعار النفط التي شاهدناها في عام 1973 و1979 ومنذ عام 2002 هي قفزات تلقائية مفاجئة كانت ضرورية, تبدأ في الأسعار الفورية وتتأكد في الأسعار الرسمية للنفط, ضد الكبت الذي مارسته الأخوات السبع (شركات النفط السبع الكبرى) طوال السبعينيات لاستمرار أسعار النفط منخفضة, ومارسته بعد ذلك الدول الأعضاء في وكالة الطاقة الدولية مباشرة (الكواري 1989: 115- 126) حتى بدأت الطفرة الثالثة.

وفي كل هذه الحالات لم يعد سعر النفط السائد قبل كل طفرة يعكس الندرة النسبية للنفط في المدى المتوسط والبعيد ولا يرتبط بتكاليف إنتاج النفط من مكامن ومصادر جديدة, مطلوب تطويرها لمواجهة الطلب العالمي على النفط.

فقد أدى استمرار ذلك الكبت السياسي والإداري للسعر, إلى التأثير على حوافز شركات النفط والطاقة وعلى دوافع الدول المنتجة, وعطل جهود تطوير مصادر جديدة استجابة لنمو الطلب.

وإذا تحرينا الأسباب الجوهرية للطفرات النفطية نجدها تتمثل في عاملين رئيسيين:


أولا: استنفاد الطاقة الإنتاجية

"
ربما تؤدي بعض العوامل المعجلة إلى الصعود بالسعر إلى مستويات لا تعبر عن الأسباب الجوهرية والموضوعية, فيتم تعديل السعر إلى مستوى المتطلبات الجوهرية لارتفاعه
"

وذلك عندما يعجز عرض النفط عن تلبية احتياجات الطلب عليه لمدة معتبرة, بسبب تلاشي الطاقة الإنتاجية الفائضة في الدول المصدرة للنفط. وهذا لا ينفي أن تكون هناك أسباب معجلة أو عوامل مشجعة للطفرات السعرية, مثل قرار المقاطعة العربية في عام 1973 والثورة الإيرانية في 1979 وتداعياتها.

وربما تؤدي بعض هذه العوامل المعجلة إلى الصعود بالسعر إلى مستويات لا تعبر عن الأسباب الجوهرية والموضوعية, فيتم تعديل السعر إلى مستوى المتطلبات الجوهرية لارتفاعه.

ومثال ذلك التصحيح هو تراجع سعر برميل النفط من 147 دولارا في يوليو/تموز 2008 إلى مستوى 70 دولارا في شهر سبتمبر/أيلول 2008. فقد كان الارتفاع إلى مستوى 147 دولارا للبرميل يعبر عن النزع الأخير للمضاربات الشرهة التي سبقت انكشاف الأزمة المالية العالمية على نطاق واسع.

أما ما تلا ذلك من انخفاض عن مستوى 70 دولارا فإنه يعود إلى تراجع الطلب العالمي على النفط مؤقتا, بسبب بوادر الانكماش والكساد الاقتصادي في الدول الصناعية, واستخدام الدول المستهلكة لمخزونها التجاري وربما الإستراتيجي الضخم من النفط، الذي بلغ مخزون منظمة التعاون الاقتصادي والتنمية OECD منه 2.6 بليون برميل في نهاية 2007 (BP2008:16), وهذا المخزون من الناحية النظرية, يمكن هذه الدول من الاستغناء عن استيراد خمسة ملايين برميل من صادرات دول الأوبك لمدة 500 يوم إن هي أرادت الضغط على السعر.


وغني عن القول إن الارتفاع الذي شهدته أسعار النفط منذ بداية الطفرة الثالثة, لم يكن مقتصرا على ارتفاع أسعار النفط, وإنما شمل كذلك أسعار مصادر الطاقة الأخرى كلها. فقد ارتفع سعر الفحم على سبيل المثال -وهو ثاني مصدر من مصادر الطاقة الأولية (28.6%) بعد النفط – من 36 دولارا للطن في عام 2000 إلى 43 دولارا للطن في 2004 وإلى 87 دولارا للطن في عام 2007. ( BP2008 : 32 ).


ويلاحظ عند تتبعنا تاريخ أسعار النفط, أن أسعار النفط في عام 1961 التي هبطت على إثر تخفيض شركات النفط للأسعار مرتين في عامي 1959 و1960, استمرت على حالها تقريبا حتى عام 1970. هذا بالرغم من أن منظمة الأوبك قد تأسست في سبتمبر/أيلول عام 1960 (OPEC1974:P.iii) لحماية أسعار النفط وتعديلها, ولكنها لم تستطع ذلك بسبب كبت شركات النفط الكبرى للسعر, حتى بلغت الطاقة الإنتاجية في دول الأوبك أقصاها وعجزت عن مواجهة النمو في الطلب العالمي على النفط في مطلع السبعينيات.

عندها طفرت الأسعار الفورية للنفط في مطلع السبعينيات قبل أن توافق شركات النفط على تعديلات طفيفة في الأسعار وصلت إلى 3.10 دولارات عام 1973, قبل أن تقوم الأوبك منفردة بتحديد سعر نفطها لأول مرة في عام 1974 وترفعه إلى 10.40 دولارات للبرميل. وقد تم ذلك على إثر ارتفاع الأسعار الفورية التي عجلت بها حرب أكتوبر 1973 والمقاطعة النفطية التي تلتها. (أوابك 2008 : 58).

وبقيت الأسعار عند مستوى 13 دولارا أميركيا للبرميل حتى لحقت الطفرة الثانية بالطفرة الأولى على إثر قيام الثورة الإيرانية وارتفاع الأسعار الفورية, فبلغ سعر البرميل 29.2 دولارا أميركيا عام 1979 ووصل أعلى مستوى له عام 1980 وهو 36 دولارا أميركيا للبرميل.(أوابك 2008 : 58).

وفي تقديري أن الطفرة الثانية هي استمرار للطفرة الأولى التي لم تأخذ مداها. وربما ذهبت الطفرة الثانية بالسعر إلى أكثر مما يجب, وبما لا يسمح المستهلكون به ولا تقدر الدول الأعضاء في الأوبك على الدفاع عنه, عندها انخفضت صادرات دول الأوبك في عام 1985 إلى النصف تقريبا, فوصلت 15 مليون برميل بعد أن كانت 28 مليون برميل عام 1978, فانهارت أسعار النفط نتيجة لذالك عام 1986 إلى 13 دولارا للبرميل وظلت دون عشرين دولارا حتى عام 1999.

استمر التراجع في أسعار النفط منذ عام 1986 حوالي 15 عاما, حتى بدأ الضغط على إنتاج الأوبك يتزايد مرة أخرى وطاقتها الإنتاجية الفائضة تتلاشى (FATTOH2006:1), فارتفع السعر عام 2000 إلى 27.60 واستمر دون 30 دولارا حتى عام 2004 حيث أخذت الطفرة النفطية الثالثة تتصاعد عندما بلغ إنتاج أوبك أكثر من 34 مليون برميل يوميا, فوصل سعر برميل النفط إلى 36 دولارا واستمر حتى بلغ متوسط أسعار سلة نفط الأوبك 69.10 دولارا للبرميل في عام2007. (أوابك: 2008: 58).


ثانيا: ارتفاع التكاليف الحدية لإنتاج النفط

"
السبب العميق للطفرات النفطية يتمثل في ارتفاع التكاليف الحدية لإنتاج النفط من مكامن ومصادر بديلة للنفط التقليدي, وارتفاع سعر النفط هنا يصبح شرطا اقتصاديا لقيام المستثمرين بتطوير المكامن والمصادر والتقنيات الجديدة اللازمة لسد احتياجات الطلب العالمي المتزايد على النفط
"

السبب العميق للطفرات النفطية يتمثل في ارتفاع التكاليف الحدية لإنتاج النفط من مكامن ومصادر بديلة للنفط التقليدي. وارتفاع سعر النفط هنا يصبح شرطا اقتصاديا لقيام المستثمرين بتطوير المكامن والمصادر والتقنيات الجديدة اللازمة لسد احتياجات الطلب العالمي المتزايد على النفط من مصادر جديدة غير تقليدية.

وجديرٌ بالتأكيد أن مستوى أسعار النفط عندما تصل مصادر الإنتاج التقليدية الراهنة للنفط إلى طاقتها القصوى في المدى المتوسط والبعيد بسبب الطبيعة الناضبة للنفط, سوف تتوقف على التكلفة الحدية للمكامن والمصادر الجديدة للطاقة بشكل عام والنفط بشكل خاص.

إن النفط (الزيت والغاز) له استخدامات خاصة لا تنافسه فيها حتى الآن مصادر الطاقة الأخرى. وأهم هذه الاستخدامات مجالان: أولهما: وقود وسائل المواصلات. وثانيهما: الصناعات البتروكيماوية. والمنافس للنفط في هذين المجالين, هو النفط نفسه الذي يمكن الحصول عليه وعلى مشتقاته من أربعة مصادر رئيسية غير تقليدية:


1- إنتاج النفط من المحيطات والبحار العميقة:
ومثال ذلك سواحل الولايات المتحدة. وتقدر إدارة معلومات الطاقة في الولايات المتحدة (EIA) في عام 2006, تكاليف استكشاف وتطوير وتجهيز هذه الاحتياطيات بمبلغ 63.71 دولارا أميركيا للبرميل, يضاف إليها تكاليف الإنتاج المباشرة المقدر بمبلغ 6.83 دولارات للبرميل (EIA 2008:1). وبذلك فإن إنتاج النفط من المياه العميقة في سواحل الولايات المتحدة قد تم تقدير إجمالي تكلفته في عام 2006 بمبلغ 70.54 دولارا أميركيا للبرميل, وكما يبدو فإن ارتفاع تكاليف الاستكشاف والتطوير والتجهيز في أعماق البحار سوف تتطلب استثمارات ضخمة تقدر بمبلغ 63 دولارا أميركيا للبرميل, في سواحل الولايات المتحدة.

أما تكاليف الإنتاج المقدرة للمشاريع المخطط لها لإنتاج النفط من المحيطات والمياه العميقة الأخرى, فإنها تتراوح بين 30 و35 دولارا في خليج المكسيك, و40 و45 دولارا في بحر الشمال, و60 و65 دولارا في أعماق البحار بسواحل البرازيل و65 و75 في أعماق البحار بغرب أفريقيا (المنيف 2008 :11).

ولذلك فإنه من المحتمل في ظل تراجع أسعار النفط أن يؤجل الإنتاج من المحيطات والمياه العميقة إذا اضطرت الدول المصدرة للنفط إلى أن تبيع نفطها بأسعار تقل عن 70 دولارا, وسمحت الدول المصدرة للنفط لشركات النفط العالمية تحت ضغط الحكومات المستهلكة, بأن تعود إلى نشاطات إنتاج النفط فيها وإلى استنزاف احتياطيات النفط من الدول المصدرة وبيعها بأسعار أقل من أسعار البدائل, قبل أن تضطر الدول المستهلكة إلى إنتاج النفط من أعماق البحار ومن المصادر البديلة للنفط.

وقد بدأت فعلاً عودة شركات النفط العالمية إلى البحرين وقطر والعراق ودول أخرى, وهناك صراع حول عودتها إلى الكويت بفضل وجود مجلس الأمة. وذلك بعد أن تم في السبعينيات تأميم النفط أو امتلاك الدول فيه لحصة الشركات الأجنبية بالتراضي.


2- استخلاص الزيت من القار الرملي Sand Oil :
الزيت الرملي هو خليط من الطين والرمل والماء والإسفلت وهو من حيث دورة الحياة لم يصبح نفطًا مستويا بعد, ويتطلب معالجة حرارية. ويوجد الزيت الرملي في مناطق عديدة ولكنه ينتج في الوقت الحاضر بشكل رئيسي في ولاية ألبرتا بكندا حيث بلغ إنتاجها عام 2005 سبعمائة وستين ألف برميل يوميا، أي ما يقارب إنتاج قطر من الزيت. ومنذ عام 2006 تزايد الإنتاج إلى 1.1 مليون برميل يوميا وهو ما يساهم بنسبة 47% من الزيت المنتج في كندا ( Wikipedia: 2008: p.7).


وقُدِّر احتياطي زيت القار الرملي بالعالم في عام 2007 بأكثر من 2 تريليون برميل (EIS Information Center 2008 : 1). وفي ألبرتا بكندا حيث توجد معظم احتياطيات زيت القار الرملي, تقدر حكومة ألبرتا الاحتياطات التي يمكن استخلاصها عند مستويات 62 دولارا لبرميل النفط السائد عام 2006, بحوالي 173 بليون برميل. وهو ما يساوي 10% من احتياطيات ولاية ألبرتا البالغة 1.7 تريلون برميل. ومن باب المقارنة فإن ذلك يعادل ثلثي الاحتياطي المؤكد من النفط في المملكة العربية عام 2007 البالغ 264 بليون برميل (BP2008:6 ).


وجديرٌ بالذكر أن تقدير تكلفة استخلاص الإنتاج الجديد من ولاية ألبرتا بكندا عام 2006 تتراوح بين 36 و40 دولارا كنديا للبرميل. (Wikipedia 2006) وفي عام 2008 تم تقدير تكلفة إنتاج المشاريع المخطط لها في كندا بما بين 65 و70 دولارا (المنيف 2008).


3- الزيت الحجري Shale Oil:
استخلاص الزيت من احتياطيات الزيت الحجري Shale Oil أصعب نسبيا من استخلاصه من القار الرملي Sand Oil ولذلك تأخر تطوير هذه الاحتياطيات في ظل أسعار النفط المنخفضة عن التكلفة الحدية لاستخراج الزيت الحجري. وفي عام 2006 كان الإنتاج محدودا جدا حيث تنتج أستونيا خمسة آلاف برميل يوميا والصين أقل من ألفي برميل يوميا، وهناك تجارب ناجحة لاستخلاص الزيت الحجري في الولايات المتحدة.


وتختلف تقديرات احتياطيات الزيت الحجري باختلاف الفروض. وتقدر مؤسسة راند RAND احتياطيات العالم بحوالي 2.5 تريليون برميل من الزيت الحجري منها 2 تريليون في الولايات المتحدة.


"
مؤسسة راند: في ضوء التكاليف المرتفعة لاستخلاص الزيت الحجري وحسب التقنيات المعروفة لاستخلاصه, فإن معملاً ينتج 50 ألف برميل يومياً في الولايات المتحدة يمكن أن يكون مربحًا عندما تكون أسعار النفط بين 70 و95 دولارا للبرميل
"

ولذلك تقدر مؤسسة راند أن ما يمكن إنتاجه في ضوء التقنيات المتاحة ونسبة الاستخلاص في الولايات المتحدة يتراوح بين. 0.5 و 1 تريليون برميل (Grunewald 2006 ). وهذا يعادل 40% – 80 % من إجمال احتياطيات الزيت المؤكد في العالم البالغة 1.2 تريليون برميل ( BP2008:6).


وتقدر دراسة مؤسسة راند أن معملا ينتج 100 ألف برميل زيت يوميا من خام الزيت الحجري في الولايات المتحدة يحتاج إلى محطة كهرباء خاصة به تنتج 1.2 جيجا وات. وهذا يساوي إنتاج مفاعل كنكت الذري الذي ينتج كهرباء تكفي أكثر من 900 ألف مستهلك يوميا (Grunewald2006: 6 ).

وفي ختام دراستها ترى مؤسسة راند في ضوء التكاليف المرتفعة لاستخلاص الزيت الحجري وحسب التقنيات المعروفة لاستخلاصه, أن معملاً ينتج 50 ألف برميل يومياً في الولايات المتحدة يمكن أن يكون مربحاً عندما تكون أسعار النفط بين 70 و95 دولارا للبرميل.


4- الوقود الحيوي Biofuel:
الوقود الحيوي هو الإيثانول النباتي والديزل الحيوي. ويتم تصنيعهما من المحاصيل والنباتات الزراعية, مثل قصب السكر وفول الصويا ووزيت النارجيل والذرة والقمح وشمندر السكر وعباد الشمس وغيرها. والبرازيل هي منتج رئيسي وكذلك الولايات وتأتي السوق الأوروبية في المرتبة الثالثة, وبعدها الصين. وينتج الوقود الحيوي في البلاد الاستوائية مثل الهند وإندونيسيا وماليزيا وتايلند من محاصيل استوائية.

وهذه النباتات الزيتية والمخلفات هي المصدر الرئيسي لإنتاج الوقود الحيوي في عام 2007 وتسمى بالجيل الأول. وهناك في الوقت الراهن أبحاث وتجارب وإنتاج محدود من الوقود الحيوي من السيليوز الذي يمكن الحصول عليه من سيقان النباتات ومن الحشائش التي لا تصلح للغذاء الآدمي, وهذا هو الجيل الثاني وميزاته أنه لا ينافس الإنسان في غذائه وإن كان ينافسه في استخدام الأراضي المتاحة للزراعة.

إنتاج العالم كله من الوقود الحيوي لا يتعدى في عام 2007 ما يساوي من حيث الكمية مليون برميل زيت يومياً. وهذا يعادل حوالي إنتاج قطر من الزيت عام 2007, ولا يتعدى 1.2% من إنتاج العالم من الزيت في نفس العام.

وفي عام 2007, أثار عنوان دراسة صادرة عن دائرة مستديرة عقدتها منظمة التنمية والتعاون OECD, سؤالاً يحمل اعتراضا على تفاؤل المتفائلين بمستقبل الوقود الحيوي في ضوء تصاعد أسعار النفط, يقول العنوان "الوقود الحيوي: هل العلاج أسوأ من المرض" مشيرة بذلك إلى التكلفة المجتمعية لإنتاج الوقود الحيوي من المحاصيل الزراعية.

وخلصت الدراسة إلى أن الوقود الحيوي يمكن أن يكون مصدرًا من مصادر الطاقة في المستقبل, ولكن حتى الدارسات المتفائلة تقول إنه في عام 2050 لن يساهم الوقود الحيوي بأكثر من 13% من الوقود السائل (Honnens 2007:1 ).


وتلخص أيضا دراسة نشرتها وزارة الزراعة في الولايات المتحدة وضع الوقود الحيوي عام 2007 في ثلاثة مؤشرات أولها: أن إنتاج العالم من الوقود الحيوي زاد بثلاثة أضعاف بين 2000  و2007, ولكن ما زالت مساهمته في وقود وسائل المواصلات أقل من 3%. ثانيها: أن ارتفاع إنتاج الوقود الحيوي ساهم في ارتفاع أسعار الغذاء والأعلاف. ثالثها: أن الوقود الحيوي يمكن أن يكون جزءا من حل مسألة ارتفاع أسعار مصادر الطاقة إلى جانب ترشيد استخدام الطاقة وتطوير مصادر بديلة للوقود, دون أن يكون بديلا رئيساً لأي منهما (Coyle 2007: pp.1-3).


وفي عام 2007 ترى دراسة OECD التي سبقت الإشارة إليها, أنه فيما عدا البرازيل, حيث كانت تكلفة الإنتاج (47.7 دولارا أميركيا للبرميل). (Honnens 2007:6), فإن الوقود الحيوي لا يمكن أن يكون منافساً لغيره من أنواع الوقود السائل إذا كان سعر النفط أقل من 70 دولارا.


"
في خضم الجدل المحتدم حول مستقبل إنتاج الوقود الحيوي من الجيل الأول, فإن مستقبل إنتاج الوقود الحيوي يتوقف على إنتاج الجيل الثاني منه, وفي عام 2007 بدت تكاليف إنتاج الوقود الحيوي من الجيل الثاني مرتفعة حيث وصلت إلى ما يساوي 159 دولارا للبرميل
"

وفي الولايات المتحدة تقدر تكلفة إنتاج الإيثانول من الذرة عام 2006 بمبلغ 1.65 دولار للغالون (69.30 دولارا للبرميل). أما تكلفة إنتاج الإيثانول من السيليولوز المصنع من الحشائش وسيقان الشجر أو ما يسمى بالجيل الثاني فإن تكلفة إنتاجه تقدر في عام 2006 بأكثر من 2.5 دولار للغالون ( 105 دولارات للبرميل ). (Coyle2006 : 6 ).


وفي خضم الجدل المحتدم حول مستقبل إنتاج الوقود الحيوي من الجيل الأول, ترى دراسة OECD أن مستقبل إنتاج الوقود الحيوي يتوقف على إنتاج الجيل الثاني منه القائم على استخلاص السيليولوز من الحشائش وسيقان الشجر. و في عام 2007 تبدو تكاليف إنتاج الوقود الحيوي من الجيل الثاني مرتفعه حسب دراسة OECD, وتصل إلى دولار للتر أو ما يساوي 159 دولارا للبرميل (Honnens 2007 : 3 )


خلاصة وخاتمة
بدأت الطفرة النفطية الثالثة مثلما بدأت الطفرتان النفطيتان السابقتان, عندما تلاشت الطاقة الإنتاجية الفائضة لدى الدول المصدرة للنفط نتيجة لضغط الطلب العالمي عليها بسبب انخفاض أسعار النفط الجارية عن مستوى التكاليف الحدية للمكامن والمصادر البديلة, والتي كان من اللازم تطويرها في وقت مبكر, لسد احتياجات الطلب العالمي على النفط.

وجديرٌ بالتأكيد أن الطفرة النفطية الثالثة طفرة حقيقية وسوف تعاود عملها بعد حين, وإن ساهمت عمليات المضاربة في النفط قبل الأزمة المالية العالمية بفترة قصيرة, في دفع الأسعار إلى 147 دولارا وهو أعلى مما توجبه الأسباب الجوهرية للطفرة النفطية.

فقد بدأت الطفرة النفطية الثالثة تأخذ مسارها منذ عام 2002 وأدى ذلك إلى ارتفاع مستمر دون انقطاع في متوسطات أسعار النفط حتى منتصف عام 2008. وربما تكون هذه الفترة المستمرة لتصاعد أسعار النفط ونمو متوسطات المؤشرات المالية المرتبطة بصادراته هي أطول فترات الارتفاع في تاريخ صناعة النفط. (BP2008:16 ).


ويدل هذا على بروز متغيرات جوهرية أخذت تذكر العالم النهم, بأن النفط ثروة ناضبة, وأن العالم أدمن على استخدامها بسبب رخص أسعارها, فأصبح النفط جزءا من كل شيء حولنا, وأصبحنا نعتمد عليه في كل مجالات الإنتاج وأوجه الاستهلاك عامة. (NewScientist 2008: PP5-6&32-37).

ولأن النفط ثروة ناضبة أصبح على العالم واجب تطوير بدائل النفط بتكاليف مرتفعة من مكامن ومصادر جديدة. وهذا يتطلب استثمارات ضخمة وتكاليف إنتاج مرتفعة تفوق أسعار النفط السائدة قبل الطفرة بأضعاف, ويتطلب بالتالي ارتفاع أسعار النفط.

فقدا بلغت تكاليف إنتاج النفط الإضافي من المكامن والمصادر البديلة التي يجري تطويرها في الوقت الراهن إلى حوالي 65 دولارا للبرميل من زيت القار الرملي في كندا, وأكثر من 70 دولارا لإنتاج النفط من سواحل الولايات المتحدة ومالا يقل عن 70 دولارا لإنتاج الزيت من الوقود الحيوي وأكثر من 70 دولارا للبرميل من الزيت الصخري. وبالنسبة لإنتاج الوقود الحيوي من سيقان الشجر والحشائش –الجيل الثاني – فإن تكاليف إنتاجها تقدر بما بين 105 و159 دولارا للبرميل. 

كما تجلت تلك المتغيرات الجوهرية عندما وصل إنتاج العالم من النفط طاقته القصوى.

"
علينا أن نحقق الاستفادة القصوى من الثروة النفطية بإخضاع أمر إنتاجها وتصديرها لاعتبارات التنمية, وأن نحصل على القيمة الاقتصادية للنفط من ريعه, ولا ننسى أن علينا واجبا تجاه الأجيال القادمة يتطلب منا بناء قاعدة اقتصادية بديلة للاعتماد على النفط
"

ويبقى مصدر التهديد الحقيقي لصادرات الأوبك في المدى القصير (1-3 سنوات) هو استخدام الدول المستهلكة لمخزونها الإستراتيجي في الضغط على أسعار النفط لتبقى تحت سبعين دولارا للبرميل. وبذلك يتم كسر الإرادة الهشة لدول الأوبك ودفعها للإنتاج بأقصى طاقتها الإنتاجية بدل تخفيض الإنتاج من أجل خلق توازن بين العرض والطلب عند مستوى 70 دولارا. وربما يؤدي ذلك أيضا إلى فتح الباب واسعا لشركات النفط الأجنبية للاستثمار المباشر في إنتاج النفط في الدول المصدرة بعد أن تم تأميم أو شراء امتيازاتها المجحفة في عقد السبعينيات من القرن العشرين.

ولذلك فإن مستوى 70 دولارا أميركيا للبرميل حسب تقديري سوف يعود عندما يتراجع الانكماش. وربما تواصل الطفرة النفطية مسارها إلى مستوى أكثر من 90 دولارا عندما يبدأ انتعاش الاقتصاد العالمي بعد 3 أو 5 سنوات. ويعود ذلك إلى حقيقة ارتفاع التكاليف الحدية للمكامن والمصادر البديلة لإنتاج النفط والتي تتراوح بين 65 دولارا و150 دولارا للبرميل.

ومن هنا يجب أن لا تخدعنا اللحظة الراهنة وتثير الفزع في نفوسنا, فما زال النفط ثروة لها قيمة وهي في مكامنها وتقدر هذه القيمة في الوقت الحاضر بحوالي 60 دولارا للبرميل, وعلينا أن لا نفرط فيها ونندفع إلى بيع النفط بأسعار متدنية عن التكاليف الحدية لبدائله أو نعيد ملكية الاحتياطيات النفطية إلى الشركات الأجنبية في موجة امتيازات جديدة.

بل علينا أن نحقق الاستفادة القصوى من الثروة النفطية بإخضاع أمر إنتاجها وتصديرها لاعتبارات التنمية, وأن نحصل على القيمة الاقتصادية للنفط من ريعه, ولا ننسى أن علينا واجبا تجاه الأجيال القادمة يتطلب منا بناء قاعدة اقتصادية بديلة للاعتماد على النفط .
ــــــــ


* تلح علي فكرة ويراودني حلم بالنسبة لمستقبل الجيل الثاني من الوقود الحيوي, ويتمثل ذلك في أن تكون صحارينا العربية المنطقة المؤهلة لإنتاج الوقود الحيوي من سيقان الشجر والحشائش. هذا إذا طورنا بحوث تهجين النباتات وجعلها تقبل المياه المالحة الوفيرة لدينا.

المراجع
الكواري 1989
علي خليفة الكواري, إستراتيجية وكالة الطاقة الدولية: قراءة أولية في أسباب الأوضاع النفطية الراهنة وأسباب استمرارها, مجلة المستقبل العربي, العدد 127, سبتمبر 1989.

أوابك 2008
منظمة الأقطار العربية المصدرة للبترول, تقرير الأمين العام السنوي, الرابع والثلاثون, 2007, الكويت.

المنيف 2008
ماجد المنيف, تداعيات الطفرة المالية والاقتصادية العالمية على سوق النفط واقتصاد المملكة العربية السعودية, ورقة قدمت في منتدى الأمير عبد الرحمن أحمد السديري, الجوف نوفمبر 2008,غير منشوره

BP2008:

British Petroleum, Stalistical Review of World Energy London June 2008

OPEC 1974

OPEC , annual statistied bulletin 1973, wien , june 1974

Fattoh 2006

Bassam fattoh , spare capacity and oil price dynamics , Middle East Economic Survey , vol xlix 30 January 2006

Grunewald 2006

Elliot Grunewald , Oil Shale and the Environmental Cost of Production , Submitted to gp 200a , jun 206

EIA 2008

Energy Information Administration, Crud Oil Production, 27 /11/208

http://www.eia.doe.gov/neic/infosheets/crudeproduction.html

Wikipedia2008

Wikipidia,Athabascon Oil Sand,

http://en.wikipedia.org/wiki/Athabasca_oil_sands

EIS Information Center2008

Oil Shale And Tar Sands Programatic EIS,

http://ostseis.anl.gov/guide/tarsands/index.cfm

Coyle 2007

Willam Coyle, The Future of Bioful: A Global Pesspectiue, Amber ware, US Dept .of Agriculture, Nov.2007.

http://www.ers.usda.gov/Amber Waves/Scripts/print.asp?page=/November07/Features…

Honnens 2007

Hilke Honnes (Summarized by)

Bioful: Is the cure worse than the disease, OECD round table –

Bespacific.com

Http/: www.bespecific.com/mt/archives/109814.html

New Scientist 2008Withdrawal Symptoms, 28 June 2008, www.neascientist.com

الآراء الواردة في هذا المقال هي آراء الكاتب ولا تعكس بالضرورة الموقف التحريري لقناة الجزيرة.