ماذا جرى في الليكود؟

ماذا جرى في الليكود؟


نتائج الانتخابات في الليكود تعكس هزيمة حقيقية لنتنياهو وعودة الصقور الذين جعلوا شارون يذهب نحو شق الليكود وتشكيل كاديما، ما يعني كارثة حقيقية على نتنياهو وخياراته السياسية.

وعلى الرغم من أن نتنياهو سارع إلى الإعلان بأنه إذا انتخب فإنه سيدير مفاوضات مع السوريين والفلسطينيين، فإن من المشكوك جدا أن يسمح له أعضاء قائمة الليكود التي انتخبت بأن يتقدم ولو خطوة صغيرة واحدة في المسيرة السياسية.

"
إذا لم يتوجه رئيس الليكود إلى المسار السياسي مع السوريين والفلسطينيين فإنه سيضمن هدوءاً داخلياً, أما إذا قرر دفع التسوية السياسية إلى الأمام وهي تنطوي على تنازلات إقليمية، فمن المتوقع لنحو نصف القائمة أن تتمرد عليه
"

هذا ما يؤكده المحللون الإسرائيليون، إذ إن رئيس الليكود وجد نفسه مع قائمة يمينية صرفة، كما أن كبارا في الحزب يعترفون بأن مثل هذه القائمة لا يمكنها أن تقود خطوة سياسية ذات مغزى.

على طول القائمة يوجد رافضو المفاوضات مع الفلسطينيين أو مع السوريين، وعلى رأسهم بني بيغن وموشيه بوغي يعلون، والأهم موشيه فايغلين الذي دمر شارون في مرحلته الليكودية، وكذلك المتمردون الذين نغصوا حياة رئيس الليكود السابق أرييل شارون عشية فك الارتباط.

ويبدو أنه ليس خطأ أن تعبير "السلام" غاب عن قائمة التحديات التي عددها نتنياهو، فالتشكيلة البشرية للقائمة الحزبية تفيد بشرح المذهب الفكري والسياسة المتوقعة أكثر من التركيز على "السلام الاقتصادي" خاصته.

نظرة خاطفة على أسماء المرشحين الثلاثين الأولين في القائمة تظهر مجموعة يمينية حتى يمينية متطرفة، عارضت كل بصيص لمبادرة سلام، من اتفاق أوسلو وحتى إعلان أنابوليس.

أعضاء الليكود رفعوا الستار عن منتخبين من أعضائه تمردوا على خطة فك الارتباط لشارون، ويتحفظون على اتفاق السلام الذي وقعه مناحيم بيغن مع مصر.

إن قائمة الليكود للكنيست لا تنسجم وشخصية السياسي المعتدل التي يرغب نتنياهو في أن يعطيها لنفسه. وسواء كان نتنياهو يقصد ذاك الهدف، أم أن أعضاء الحزب انحرفوا يمينا أكثر مما ينبغي على حد ذوقه، فالنتيجة لا تقبل التأويل: معظم المرشحين الرائدين اكتسبوا لأنفسهم سمعة بفضل تأييدهم لمشروع الاستيطان ومعارضة كل تنازل للطرف الفلسطيني والاحتجاج ضد محاولة استئناف المفاوضات مع سوريا. بعضهم برزوا بفضل المبادرات لقص أجنحة المحكمة العليا.

وقد ضمت مجموعة المتمردين في حينه النواب جيلا جمليئيل، أيوب قارة، إيهود ياتوم، عوزي لنداو، ميخائيل رتسون وآخرين، وبعضهم عاد عاصفا إلى قائمة الليكود. "الشعب يريد اليمين"، هذا ما قاله المتمردون في احتفال النصر في حدائق المعارض بتل أبيب.

إذا لم يتوجه رئيس الليكود إلى المسار السياسي مع السوريين والفلسطينيين، فإنه سيضمن هدوءاً داخلياً. أما إذا قرر دفع التسوية السياسية إلى الأمام وهي تنطوي على تنازلات إقليمية، فمن المتوقع لنحو نصف القائمة أن تتمرد عليه. فكثيرون في قائمة الليكود الجديدة يعارضون مبدأ الدولة الفلسطينية ويرفضون إجراء مفاوضات مع السوريين يتم فيها الحديث عن النزول من الجولان.

قائمة الصقور الرافضين أو المطوقين في القائمة العامة تضم ضمن آخرين جدعون ساعر، جلعاد أردان، روبي ريفلين، بني بيغن، موشيه يعلون، ليئا نس، يولي أدلشتاين، حاييم كاتس، تسيبي حوتبيلي، جيلا جمليئيل، موشيه فايغلين، يريف لفين، ميخائيل رتسون، أيوب قارة، داني دنون، إيهود ياتوم وسغيف أسولين. نواب مثل ساعر أو أردان لا يتوقع أن يصطدموا بنتنياهو، ولكن نوابا غير ملتزمين به سيشعرون أنهم أحرار أكثر لمواجهته وتنغيص حياته.

من لن يتنازل عن مواقفه السياسية هما بيغن ويعلون اللذان يعتبران "سورا منيعا" ضد كل خطوة سياسية. بيغن لا يزال يحتفظ بالآراء التاريخية لليكود (ضفتان للأردن)، أما يعلون فعقد انعطافة 180 درجة ويطرح مواقف صقرية استثنائية. فمثلا يرى في عرب إسرائيل مشكلة إستراتيجية ويرى أن لا أساس للتعايش بين العرب واليهود.

نتنياهو خصص جهودا كبيرة لعزل موشيه فايغلين وعرضه كغريب للأطوار وليس من لحم ودم الحزب. ولكن فايغلين الذي وصل إلى مكان محترم بالترتيب (20) محاط بأعضاء رؤاهم السياسية لا تختلف عنه.

قبله يوجد سياسيون قدامى مثل روبي ريفلين (المكان الرابع) وبني بيغن (المكان الخامس)، ممن هاجموا نتنياهو نفسه بشدة عقب التوقيع على اتفاق الخليل واتفاق واي بلانتيشن مع ياسر عرفات. وعلى مسافة قصيرة بعدهما يأتي موشيه يعلون (الثامن) الذي يجند مكانته كرئيس سابق للأركان لإزالة كل أمل بإنهاء الاحتلال وإقامة دولة فلسطينية إلى جانب دولة إسرائيل.

دان مريدور الذي تبنى في السنوات الأخيرة مواقف معتدلة، اضطر للاكتفاء بالمكان الـ17. العشرية الثالثة التي تعتبر حسب الاستطلاعات واقعية، مليئة بشخصيات من أقصى الجناح الصقري لليكود.

يتبين من هذا أن نتنياهو سرعان ما فهم بأن منتخب الأحلام الذي أمل في عرضه وعمل على نحو مثير للانطباع لأجله، قد نبت له ورم.

وهذا هو السبب الذي جعل كل العقول في قيادة الحزب ابتداء من فجر الانتخابات يعملون على إيجاد طريقة يخرجون فيها فايغلين من المكان العشرين إلى أسفل القائمة.

وقد وجدوا نصا في دستور الليكود يساعدهم على ذلك وقد جُرب ذات مرة في انتخابات 2003، حين انتخب أولمرت في هوامش القائمة القطرية ونقل حتى المكان الـ33 بعد الأقاليم، ومعه هبط ريغلين إلى المكان الـ37. وإذا ما طبقت هذه القاعدة هذه المرة أيضا، فإن فايغلين سيهبط إلى ما وراء جبال الظلام، بعد الأقاليم والقطاعات، في مكان ما هناك في المكان الـ35 ومعه أيضا ميخي رتسون وإيهود ياتوم.

"
إذا فاز موشيه فايغلين بالحكم في إسرائيل لن يضيع وقتا, فقد يدعو حكومته إلى الصلاة في الحرم، وسيأمر بانسحاب إسرائيل من الأمم المتحدة، وإغلاق السفارات في ألمانيا وفي دول لا سامية واستبدالها بمكاتب مصالح فقط
"

موشيه فايغلين هو الرجل الذي لم يخفِ العطف الذي كان يكنه لباروخ غولدشتاين القاتل في الحرم الإبراهيمي، ويعتقد بأن اغتيال رابين كان مؤامرة من المخابرات ومن حزب العمل، وهو السياسي الذي قرر تركيب قائمة حزب السلطة القادم.

ويرى بعض المحللين الإسرائيليين أنه إذا سار كل شيء على ما يرام، فذات يوم سيحتل موشيه فايغلين الحكم وهو لن يضيع وقتا: ففي غضون مائة يوم سينقل ثورته إلى مسارات عملية.

ولعل في بعض ما يتوقع أن يفعل يدعو للضحك، فالإسرائيليون يرون أنه في البداية سيدعو حكومته إلى الصلاة في الحرم، وبعد ذلك فورا سيأمر بانسحاب إسرائيل من الأمم المتحدة، و"إغلاق السفارات في ألمانيا وفي دول لاسامية واستبدالها بمكاتب مصالح فقط"، والسنة الدراسية في المدارس ستبدأ منذ بداية الولاية "حسب التواريخ العبرية فقط"، وذلك كإعداد للثورة في الرزنامة اليهودية التي "يبدأ يدق في قلب الدولة اليهودية، الساعة اليهودية بدلا من الساعة المسيحية".

بعد ذلك سيتفرغ فايغلين لمعالجة الفلسطينيين، وسيأمر "بالوقف التام للدفع بوسائل المعيشة إلى سلطة ما يسميه الإرهاب ممثلة بمنظمة التحرير الفلسطينية: كالمال، والبضائع، والمياه، والكهرباء والاتصالات. وسيتخذ خطاً متصلبا، فكل هجوم على إسرائيل سيجر احتلال المنطقة التي بادر سكانها بالعنف، طرد سكانها وتصفية البنى التحتية فيها".

ومع ذلك فإن الحكومة ستقلص ميزانية الدفاع بالثلث، وهي الخطوة التي ستتاح ضمن أمور أخرى من خلال إلغاء الاستخدام للسلاح غير الفتاك مثل العيارات المطاطية وقنابل الغاز. و"كل المعدات التي ترمي إلى منع الإصابات في الاشتباك، خلافا للجوهر الأساسي للجيش، ستدمر في احتفال مهيب".

تفاصيل الخطة غير مأخوذة من "حملة التمزيق" التي يدعي فايغلين بأن نتنياهو يديرها ضده. هذه الخطة بما في ذلك الاقتباسات، مأخوذة من مقال نشر –اختفى بشكل مفاجئ– في موقع الإنترنت للقيادة اليهودية، وهي الحركة التي يقف على رأسها فايغلين.

بعد سنوات يعمل فيها هو ورجاله في الميدان، نجح فايغلين لأول مرة في تحقيق موطئ قدم في قائمة الليكود بالكنيست، في مكان يعتبر واقعيا. ولكن فايغلين لم يخفِ أبدا مخططاته في الوصول إلى رئاسة الليكود وقيادة الدولة.

وقد واجه المتصفحون لموقعه البيان التالي بعد الانتخابات الأخيرة للكنيست "أيها الرفاق، (والخصوم) الأعزاء! تهانينا من أعماق القلب بالنصر الجارف، نصر الشعب الذي يجلس في صهيون، نصر الخلد لإسرائيل. عقب وضعنا الجديد –عقب الأهداف الجديدة التي تقف على جدول أعمالنا والتي لم نتجرأ حتى الآن على الحلم بها– علينا أن نطور الموقع (…) بتهنئة نصر إسرائيل، القيادة اليهودية". وفي سياق اليوم استبدل البيان بصيغة أصغر "الموقع قيد التطوير، وهو سيعود في الأيام القريبة القادمة.. معذرة".

وقد تساءل المحللون الإسرائيليون آنذاك: هل خلف "تطوير الموقع" تختفي نية فايغلين ورفاقه التراجع عن خططهم الثورية، أم ربما يخفونها في التوقيت السياسي الحساس؟ ولعل رجال نتنياهو هم الذين شخصوا الخطر السياسي وضغطوا باتجاه التعتيم؟

وتمكنت صحيفة "هآرتس" من أن تسحب من الموقع قبل تعتيمه بعضاً من المضامين التي تتعلق "بالمائة يوم الأولى بعد احتلال الحكم"، والخطة السياسية لفايغلين التي جاءت تحت عنوان "اليوم التالي". وتتيح المقالات بإطلالة على أماني رقم 20 في قائمة الليكود: الخطط لضم المناطق، تشجيع هجرة السكان الفلسطينيين، مقاطعة الألعاب الأولمبية وغيرها. هذه الأفكار -لا حاجة للقول- لم تندرج في لافتات الحملة التي أدارها فايغلين في الليكود.

"اليوم التالي" مقال كتبه فايغلين عام 2003، في بداية نشاطه في الليكود. وكتب يقول إن الخطة تستوي مع دستور الليكود الذي يفترض "الحفاظ على حق الشعب اليهودي في أرض إسرائيل كحق غير قابل للجدال، والمثابرة على إسكان وتطوير كل أجزاء أرض إسرائيل وفرض سيادة الدولة عليها".

"
فايغلين يعتقد بأنه لا يوجد ولم يكن يوجد شعب فلسطيني، ولم تكن ثمة أبدا دولة فلسطينية, وليس للعرب دافع وطني إيجابي, وليس لديهم إرادة للعودة إلى أي وطن وتحقيق القومية الفلسطينية الموهومة
"

وحسب فايغلين "لا يوجد ولم يكن يوجد شعب فلسطيني، ولم تكن ثمة أبدا دولة فلسطينية". و"ليس للعرب دافع وطني إيجابي، وليس لديهم إرادة للعودة إلى أي وطن وتحقيق القومية الفلسطينية الموهومة". وهو يعتقد بأن "تطوير أمل العرب هو الذي ولد العنف العربي واقتلاعه هو الذي سيؤدي إلى الهدوء".

وعليه فإن "الخطة السياسية البديلة يجب ألا تستند إلى تصفية اليأس العربي، بل إلى تصفية الأمل العربي تحت شعار "فإذا كان أملهم هو طردنا، فإن تصفية أملهم ستأتي عندما نوضح بأننا نتمسك إلى الأبد بكل أجزاء أرض إسرائيل، فتصفية الأمل العربي سيصفي بالتالي الإرهاب العربي".

وهو يقترح منح العرب الذين يسكنون في المناطق المحتلة حقوق الإنسان دون حقوق المواطن، وذلك إذا ما أثبتوا ولاء للدولة اليهودية التي تستضيفهم وقبولا بالسيادة اليهودية على بلادهم". في مثل هذا الوضع سيحظى السكان  "بهوية ماكث شرعي" و"سيكون بوسعهم إدارة شؤونهم الخاصة دون أن يمس أحد بحقوق الإنسان لديهم".

"حق تقرير المصير سيتعين عليهم أن يجدوه في الدول العربية"، كما يكتب فايغلين، ويضيف أن إسرائيل ستشجع "هجرة العرب إلى بلدانهم وستساعد قدر إمكانها كل عربي معني بذلك للاستقرار خلف البحر".

ويعتقد فايغلين بأن فكرة الترحيل مبررة، ولكن "نحن نتقدم في الخطة السياسية المقترحة في حل تكتيكي قابل للتطبيق يقدمنا نحو الأهداف الإستراتيجية التي نتشارك فيها مع مؤيدي الترحيل، ولكن خلافا "للمرحلين" لا نصرخ فقط أين أنت أيها المسيح، بل نبدأ بالعمل في الواقع المعين من أجل أن نجلبه. ومع أن العرب يبقون هنا في هذه الأثناء، فإن البلاد تنتقل إلى أيدينا".

بكلمة: الليكود موديل 2009 بعد التمهيدية هو حزب يميني متطرف، ديني، حريدي وأشكنازي. فإذا قرر نتنياهو السير في خطوات سلام تنطوي على تنازلات فسيصطدم ببني بيغن، بوغي يعلون، موشيه فايغلين والموالين له بوعز هعتسني، كيتي شطريت، يريف لفين وسغيف أسولين، إضافة إلى مجموعة "المتمردين" الذين سيعودون إلى الكنيست بخطوة مرفوعة الرأس (إيهود ياتوم، ميخائيل رتسون، أيوب قارة وجيلا جمليئيل)، فإذا ما انتخبه الإسرائيليون ستكون إسرائيل قد قررت أن تعيق عمل إدارة أوباما بالانخراط في العملية السلمية.. كالعادة.

وهذا ما يتضح تكتيكياً في سعي رئيس الليكود النائب بنيامين نتنياهو إلى تهدئة المخاوف في الخارج من مغبة انتصار حزبه في الانتخابات، فوعد سفراء دول الاتحاد الأوروبي ألا يوقف المفاوضات مع السلطة الفلسطينية.

ومع ذلك، ففي الاستعراض الذي قدمه للسفراء في تل أبيب أشار نتنياهو إلى أنه "متفائل بالنسبة لاحتمالات النجاح في المفاوضات مع الفلسطينيين أكثر من المفاوضات مع سوريا"!. أي أنه قرر بوضوح عرقلة التوجه الأميركي لحكومة أوباما.

الآراء الواردة في هذا المقال هي آراء الكاتب ولا تعكس بالضرورة الموقف التحريري لقناة الجزيرة.