باكستان.. حرب الأنابيب أم صراع الهويات؟

باكستان.. حرب الأنابيب أم صراع الهويات؟



بداية الحكاية
الهند.. أمن البلاد أم أمن الطاقة؟
الصين

ميناء غوادر
بلوشستان بين الغاز والهوية
النتيجة

إن الأحداث الدامية التي يعيشها إقليم بلوشستان بشقيه الإيراني والباكستاني والتي أخذت طابعا مذهبيا هنا وعرقيا هنالك، لا يمكن فهمها واستيعابها إلا على ضوء الصراعات الجيوإستراتيجية الجارية على أرض (أنبوبستان) التي تبدأ من آسيا الوسطى وتمتد إلى بلوشستان.

إذا أردنا البحث عن خيوط المشكلة فلن نعثر عليها إلا في الشهية المفتوحة لحيتان النفط المتعطشة التي تجوب البحار، والسياسات التي ترمي إلى اختلاق الأزمة حينا وتفعيلها حينا آخر.

مع أنني لا أشك في وجود أزمة للهويات الوطنية في المنطقة، ولا أشك في نوايا الاستعمار الذي قسم الكيان البلوشي إلى أقسام ثلاثة -كما فعل مع قوميات أخرى في المنطقة حتى يتسنى له إيقاظ الفتنة متى شاء وكما شاء- ولكني أعتقد أن الجذور الأصلية للمشكلة اليوم تكمن في آبار النفط والغاز وأنابيب الطاقة وممراتها المقرر إنشاؤها على تراب الإقليم.

لقد شهدت المنطقة منذ السنوات الأخيرة من تسعينيات القرن المنصرم حربا خفية بين مشروع أميركي يحاول أن يربط آسيا الوسطي بالمحيط الهندي، ومشاريع أخرى منافسة تتبناها روسيا والصين وإيران تسعى للتخلص من قبضة الإستراتيجية الأميركية.

وزيارة الرئيس أوباما الأخيرة إلى الصين التي ناقش فيها قضايا الطاقة والعلاقات الإيرانية والباكستانية والحديث عن تكنولوجيا الطاقة النظيفة والوقود البديل يمكن قراءتها في إطار هذه الإستراتيجية.

بداية الحكاية

"
ما أسهل رسم الأنابيب على الخرائط والرسومات البيانية وما أصعب إنشاءها على أرض مفروشة بالعوائق, فثماني سنوات من الاحتلال التي انتشر خلالها الفساد والفوضى يمكن أن تقضي على الحلم الأميركي للمشروع وإلى الأبد
"

بعد انهيار الاتحاد السوفياتي اتجهت السياسة الخارجية الأميركية نحو الدول الغنية بالنفط والغاز في بحر قزوين ووجدت أن أنسب طريق لنقل هذه الثروة إلى الأسواق العالمية يمر فوق الأراضي الأفغانية والباكستانية.

وفي أبريل/نيسان عام 1995 قامت وزارة الخارجية الأميركية بالمشاركة مع مجلس الأمن القومي ووكالة المخابرات المركزية بتشكيل مجموعة تقوم بدراسة الأمور المتعلقة بالنفط والغاز في حوض قزوين. وفي شهر أكتوبر/تشرين الأول من نفس العام وقع صفر مراد نيازوف رئيس جمهورية تركمانستان الراحل اتفاقية مشروع الأنابيب مع شركة يونوكال الأميركية وإنشاء خط يبدأ من تركمانستان وينتهي في باكستان مرورا بالأراضي الأفغانية.

بدأت يونوكال نشاطها واستطاعت أن تجند شخصيات مثل زلماي خليل زاد سفير أميركا السابق في كابل وبغداد وحامد كرزاي رئيس جمهورية أفغانستان الحالي وعبد السلام عظيمي رئيس المحكمة الأفغانية العليا بالإضافة إلى شخصيات أفغانية وأميركية أخرى مثل المنظر السياسي المعروف هنري كيسنجر وروبرت أوكلي سفير أميركا لدي باكستان ورابين رافايل أرملة السفير الأميركي المقتول مع ضياء الحق ومحمود المستيري مندوب الأمم المتحدة في أفغانستان ونائبه الذي كان يعمل مستشارا اقتصاديا لدي يونوكال.

فتحت يونوكال مكتبا لها في قندهار وبدأت تغازل طالبان كما أنها فتحت خطوطا للاتصال مع الأطراف الأفغانية المتصارعة من أجل الموافقة على المشروع. عبد السلام عظيمي فتح مكتبه في باكستان وخليل زاد بدأ نشاطه في أميركا ونشر مقاله المشهور على صفحات جريدة واشنطن بوست الصادرة في 7 أكتوبر/تشرين الأول 1996 تحت عنوان (أفغانستان: وقت للانخراط) حيث دافع فيه عن طالبان واصفا إياها بحركة قبلية وغير مضرة بالمصالح الأميركية.

عندما استولت حركة طالبان على العاصمة كابل قامت غريس تاغرت من شركة يونوكال بإرسال برقية تهنئة لهم، وخلال سنوات حكم طالبان قامت الشركة بدعوة وفد الحركة واستضافتهم في مدينتي هيوستن وواشنطن وذلك للتباحث حول الأنبوب.

في الأيام التي كانت أميركا تحتفل بعيد الكرسمس لعام 1997 قام المولوي محمد جان وزير التعدين في حكومة طالبان بزيارة لأميركا والتقى خلالها بنائب وزير الخارجية الأميركي أندرفورت وفي المؤتمر الصحفي الذي أقيم بعد اللقاء تحدث المولوي عن دور الحركة في تحقيق المصالح الأميركية.

بعد وقوع أحداث 11 سبتمبر/أيلول 2001 بسطت أميركا سيطرتها على المنطقة وجاءت بمندوبي شركات النفط إلى رأس السلطة في أفغانستان حتى تبدأ سعيها الحثيث لبسط الأمن من جهة والعمل على إنشاء الأنبوب على تراب البلاد من جهة أخرى.

ولكن ما أسهل رسم الأنابيب على الخرائط والرسومات البيانية وما أصعب إنشاءها على أرض مفروشة بالعوائق. فقد تمكنت ثماني سنوات من الاحتلال الذي انتشر خلاله الفساد والفوضى من أن تقضي على الحلم الأميركي للمشروع وإلى الأبد.

وأخيراً، في الوقت الذي تعاني فيه الإستراتيجية الأميركية للمنطقة من الحيرة والارتباك، وكانت الحكومة الأفغانية تفقد سيطرتها على تراب البلاد، وقع الرئيسان الإيراني والباكستاني في أواخر شهر مايو/أيار الماضي على مشروع خط للأنابيب أطلق عليه أنبوب السلام. المشروع الذي تبناه (محور الشر) الإيراني والذي يربط إيران بجارتها الباكستانية ليمتد إلى شرق الصين يمكن اعتباره ولأسباب عدة أبو مشاريع الطاقة في المنطقة.

الهند.. أمن البلاد أم أمن الطاقة؟
الهند تعتبر خامس أكبر مستهلك للطاقة ومن المتوقع أن تتحول إلى ثالث مستهلك في العقدين القادمين متجاوزة اليابان وروسيا. وتنتج الهند ثمانين مليون متر مكعب من الغاز الطبيعي يوميا، وبما أن احتياجاتها المحلية هي 170 مليون متر مكعب يوميا، فإن عليها أن تستورد تسعين مليون متر مكعب من الغاز كل يوم (مجلس العلاقات الخارجية ووزارة الطاقة الأميركية).

عندما بدأت فكرة مشروع خط أنابيب الغاز الثلاثي بين إيران وباكستان والهند، كانت الأخيرة تعتبر نفسها طرفا أصيلا فيه ولكن الولايات المتحدة الأميركية منذ البداية كانت تشعر بالقلق نحو المشروع لأنها بكل بساطة لم تكن تريد استثمارا إستراتيجيا ضخما في بلد ظلت تسعى لعزله.

"
هل تفضل الهند البقاء مع خيار التعاون النووي الأميركي, أم تنضم إلى مشروع الأنابيب الثلاثي الذي يمكن أن يلعب دورا يفوق كل الجهود الدبلوماسية لتحقيق السلام بين الجارتين المتناحرتين (الهند وباكستان)؟
"

وزيرة الخارجية الأميركية في ذلك الوقت كوندليزا رايس صرحت لشبكة إن دي تي في الهندية قائلة: وجهة نظرنا معروفة للغاية، وقد أبلغنا قلقنا للحكومة الهندية بخصوص التعاون بين الهند وإيران حول خط أنابيب الغاز.

وفي شهر يوليو/تموز من عام 1995 قال أنتوني واين، وكيل وزارة الخارجية الأميركية أمام لجنة العلاقات الخارجية في مجلس الشيوخ: إن الهند والصين، في إطار بحثهما عن مصادر الطاقة، تتجهان نحو دول تتبنى سياسات مضرة بالاستقرار الدولي.

إيران منذ البداية لم تكن تسعى لدعوة الهند فقط بل كانت تحاول جذب الصين التي تحترق في أزمة الطاقة وتجوب صحارى أفريقيا بحثا عنها. المسؤولون الإيرانيون هددوا الهند التي كانت تتردد بالمشاركة لأكثر من مرة أنهم سيدعون الصين إلى المشروع كشريك ثالث إذا استمرت الهند في تغيبها عن جلسات التباحث.

لقد نجحت الولايات المتحدة الأميركية في الحيلولة دون اشتراك الهند في المشروع حيث أعلنت الأخيرة مؤخرا أن اعتبارات أمنية تعيق مشاركتها في مشروع الأنبوب الإيراني الباكستاني حيث كتبت جريدة الهندو في عددها الصادر يوم 19 أكتوبر/تشرين الأول 2009، أن وزير الدولة للشؤون الخارجية الهندية أعلن في نيويورك أنه لا يمكن للهند أن تفكر في أنبوب للطاقة يمر عبر أراضي دولة ظلت تهدد أمنها، وعلى الهند أن تفكر مليا قبل أن تراهن بأمنها وأمن طاقتها بالموافقة على مثل هذا الأنبوب.

الهند تخاف من استخدام باكستان الأنبوب كسلاح اقتصادي ضدها وذلك في حالة حدوث أي أزمة حول كشمير، مثلما فعلت روسيا مع أوكرانيا وعدد من دول أوروبا الشرقية الأخرى.

يبدو أن الهند تنازلت عن حصتها في المشروع مقابل حصولها على اتفاق نووي مع الولايات المتحدة الأميركية الذي وقعه الرئيس السابق جورج بوش الابن أثناء زيارته التي قام بها في أوائل شهر مارس/آذار لعام 2006 لكل من الهند وباكستان وأفغانستان.

والسؤال المطروح حاليا هل تفضل الهند البقاء مع خيار التعاون النووي الأميركي الذي وصفته واشنطن بوست في عددها 3 مارس/آذار 2006 باتفاق غير مسبوق وانقلاب جذري في العلاقات، أم تنضم إلى مشروع الأنابيب الذي يمكن أن يلعب دورا يفوق كل الجهود الدبلوماسية لتحقيق السلام بين الجارتين المتناحرتين؟

الصين
إن جمهورية الصين التي ظلت تنافس الهند على مصادر الطاقة في جميع أنحاء العالم رحبت بالمشروع وأعربت عن استعدادها لشراء حصة الهند إذا كانت الأخيرة اختارت عدم المشاركة في المشروع وذلك تلبية لاحتياجات اقتصادها المتنامي (يونايتد برس إنترناشونال، 18 فبراير/شباط 2008).

والصين ليست فقط حليفة إستراتجية لباكستان بل تربطها بها علاقات عسكرية وجيوسياسية واقتصادية بإيران التي تنظر إليها كحلقة مهمة في إستراتيجيتها النفطية، كما أنها تشارك إيران وروسيا في التصدي للهيمنة الأميركية على مصادر الطاقة في المنطقة.

الشركات الصينية اليوم تستثمر بلايين الدولارات في حقلي غاز فارس الشمالي والجنوبي وياد آوران وغيرها. وحسب وزارة الطاقة الأميركية فإن إيران تملك ثاني أكبر احتياطي من الغاز بعد روسيا وثاني أكبر احتياطي نفطي بعد المملكة العربية السعودية في العالم.

يمكن لمشروع أنبوب السلام أن يلبي رغبات الأطراف الثلاثة لأنه يجعل من باكستان ممرا دوليا للطاقة ويساعد إيران على كسر الحصار ويجعلها حلقة الوصل بين آسيا الوسطى وشبه القارة الهندية كما أنه يساعد إيران في تحقيق إستراتيجية شراء الدعم الدولي التي تبنتها مقابل صفقات الطاقة، لا سيما مع الأعضاء الدائمين في مجلس الأمن.

"
العلاقات التقليدية بين الصين وباكستان التي أخذت أشكالا أكثر أهمية في السنوات الأخيرة وصلت ذروتها في التوقيع على إنشاء خط الأنابيب وإعمار ميناء غوادر
"

هذا المشروع يمكن أن يخدم أغراض الصين الإستراتجية ويساعدها على تأمين الطاقة المستوردة وربط المناطق الغربية للصين بالأسواق العالمية، الأمر الذي يعتبر من أهداف الصين الكبرى للقرن المقبل.

إن المسافة بين مدينة كاشي الواقعة في شنغيانغ الصينية وميناء غوادر الباكستاني تبلغ ما يقارب 1500 كيلومترا، في حين أن المسافة بين مدينة كاشي والموانئ الواقعة في شرق الصين تبلغ ما يقارب 3500 كيلومترا، كما أن تكلفة نقل الغاز عبر الأنبوب أرخص بأربع مرات من نقله عبر البحر.

إن العلاقات التقليدية بين الصين وباكستان التي أخذت أشكالا أكثر أهمية في السنوات الأخيرة وصلت ذروتها في التوقيع على إنشاء خط الأنابيب وإعمار ميناء غوادر، ويمكن اعتبار الاتفاقيتين رمزا للتعاون الإستراتيجي بين البلدين.

ميناء غوادر
في الوقت الحاضر يمثل مضيقا تايوان وملقا أهمية جيوإستراتيجية كبيرة للصين، ومن يتحكم في هذين المضيقين يتحكم في شريان الصين للطاقة، والقوات البحرية الأميركية هي التي تراقبهما.

كان على الصين أن تبحث عن ممر بديل للطاقة لضمان وصول النفط والغاز، منفذ تتحكم فيه وتضمن أمنه لا سيما إذا ما ضربت عليها أميركا حصارا في أعالي البحار، فلم تجد بديلا أفضل من ميناء غوادر الباكستاني الذي قام رئيس الوزراء الصيني بوضع حجر أساسه في مارس/آذار 2002.

إن هذا الميناء يمكن أن تربط الصين بكل من الخليج العربي والمحيط الهندي وجنوب شرق آسيا كما أنه يقع على مرمى حجر من أفغانستان ودول آسيا الوسطى ويبعد 72 كيلومترا فقط عن إيران.

ميناء غوادر لا يضمن فقط تدفق 60% من مستوردات الطاقة الصينية القادمة من الشرق الأوسط بل كذلك يعطي للصين إمكانية مراقبة حركة السفن الأميركية والهندية في المنطقة. وطبقا لأحد المحللين الأميركيين ‬فإن بكين باشرت بالفعل بتركيب أجهزة ومعدات عسكرية في ‬الميناء حتى يتسنى لها مراقبة حركة السفن العابرة في ‬بحر العرب.‬

ومما لا شك فيه أن ما ‬يخطط لغوادر ‬يثير انزعاج الأميركيين المهتمين بمحاصرة إيران من طرف واحتواء تصاعد النفوذ الصيني ‬فيما وراء البحار من طرف آخر.

بلوشستان بين الغاز والهوية
إن منطقة بلوشستان مَثلها كمثل كردستان الكبرى تنقسم بين الدول الثلاث المجاورة، وعندما رحل الإنجليز تركوا الإقليم بأرضه وقبائله مقسما بين أفغانستان وباكستان وإيران.

إن إقليم بلوشستان الباكستاني اليوم يشكل حوالي 48٪ من المساحة الإجمالية للبلاد، وذلك في حين يمثل سكانه أقل من 5٪ من السكان. واتساع المساحة من جهة وقلة السكان فيه من جهة أخرى بالإضافة إلى تواجد اليورانيوم والنحاس والفحم والنفط والغاز الذي يشكل ثلث الغاز الطبيعي للبلاد ساعد في خلق ظروف مواتية للصراع.

وقد شهد إقليم بلوشستان أحداثا أكثر دموية في السنوات الأخيرة ووصلت ذروتها باغتيال حاكم الإقليم السابق الذي قتله الجيش الباكستاني.

وإذا تتبعنا خطى الأحداث فسنجد أن ارتفاع النعرات الانفصالية في الإقليم تزامن مع إعمار ميناء غوادر الذي يقع على أرض بلوشستان من جهة والتفكير في إنشاء خط أنابيب السلام من جهة أخرى.

لقد شهد الإقليم في السنوات الماضية مئات الهجمات على ميناء غوادر وأنابيب الغاز ومصادر الطاقة وخطوط الحديد والمطار وغيرها من المنشآت الحيوية بالإضافة إلى قتل المهندسين الصينيين فيه.

الحكومة الباكستانية التي تعودت أن تحاور الجماعات الدينية المسلحة، ظلت تواجه المعارضة المسلحة القائمة على العرقيات بالحديد والنار، فهي بدل أن تنظر إلى المسألة البلوشية بمنظار الحنكة والحكمة، بدأت تواجهها بالقبضة الحديدية، الأمر الذي زاد نار الانفصال اشتعالا.

"
الحضارة المعاصرة قائمة على النفط، والنظام القبلي قائم على الصراعات وإذا أضيف إليهما مطامع الدول الكبرى فالنتيجة لا تكون إلا امتزاج النفط بالدم على فسيفساء المجتمعات القبلية
"

من وجهة نظر الجماعات البلوشية المسلحة التي تتحمل مسؤولية الهجمات وتنادي بالسيادة الوطنية المستقلة كجيش تحرير بلوشستان وجبهة تحرير بلوشستان وجيش التحرير الشعبي، فإن الصراع يدور حول الهوية والحقوق القبلية والعدل والفرص الاقتصادية المتساوية مع أبناء بقية الولايات لا سيما البنجاب.

إن مؤسسة الجيش والحكومة في باكستان تشعران بالانسجام مع الجماعات الدينية لأنها من جهة لا تتحدى السلطة المركزية للدولة ومن جهة أخرى ترى أن الحكم في الفقه السياسي التقليدي أقرب إلى النظام المركزي المفضل لدى ساسة إسلام آباد. والدستور الباكستاني ينص على فدرالية الدولة غير أن باكستان تدار من قبل مؤسسة الجيش إما علنا أو من وراء حجاب.

بلوشستان أرض صحراوية ومجتمع قبلي ورئيس القبيلة (سردار) يلعب دورا مهما في بسط الأمن كذلك في زعزعته. ولقد شاءت الأقدار أن تشهد صحارى العالم الإسلامي من آسيا الوسطى إلى الشرق الأوسط وشمال أفريقيا منتجين يمكن اعتبارهما صنوين متلازمين أحدهما جيولوجي والآخر اجتماعي.

أما المنتج الجيولوجي الذي يخلق في باطنها فيتمثل في النفط والغاز، وأما المنتج الاجتماعي الذي يتشكل على ترابها فهو القبلية والبداوة.

إن الحضارة المعاصرة قائمة على النفط، والنظام القبلي قائم على الصراعات وإذا أضيف إليهما مطامع الدول الكبرى فالنتيجة لا تكون إلا امتزاج النفط بالدم على فسيفساء المجتمعات القبلية. إن ما يشهده العالم الإسلامي من شمال أفريقيا إلى دارفور ومن العراق وأفغانستان إلى بلوشستان ليس إلا نتيجة لهذا التفاعل.

النتيجة
إن الولايات المتحدة التي تهدف ليس فقط إلى السيطرة على مصادر الطاقة بل إلى السيطرة على كبرى ممراتها على وجه الأرض لتقرر من يحصل على أي كمية من الطاقة وبأي ثمن، لا يمكن لها أن تقبل مرور مشروع أنابيب السلام بسلام.

ولكن السؤال المطروح هو هل تستطيع الولايات المتحدة الأميركية أن تستخدم قدرتها العسكرية الفتاكة وتقنيتها التدميرية الهائلة للسيطرة على أسواق العالم.

إن اتفاقية خط أنابيب السلام يمكن أن تجمع منافسي الولايات المتحدة الرئيسيين في مشروع واحد ومن ثم تقطع الطريق أمام المشروع الأميركي لإنشاء خط تركمانستان أفغانستان باكستان الذي يتطلب الأمن والاستقرار المفقودين في ظل الأوضاع الحالية.

لقد ظلت الولايات المتحدة متمسكة بمعارضتها لهذا المشروع منذ البداية كما صرح به السفير ستيفن مان مستشار الدبلوماسية الأميركية لشؤون بحر قزوين قائلا: إن الولايات المتحدة تدعم خطوط أنابيب تشترك فيها الدول ولكنها لا تزال تعارض كل مشروع نفطي لخط الأنابيب تشارك فيه إيران.

"
إذا لم تستطع باكستان أن تواجه مطالب البلوش الباكستانيين بالحكمة والحنكة، وإن لم تتمكن إيران من حل مشاكلها مع مواطنيها البلوش بالعدل ستظل بلوشستان الكبرى بؤرة للتوترات والقلاقل
"

في حالة نجاح المشروع الإيراني ولا سيما إذا انضمت الهند إليها وتمديد الخط إلى تركمانستان المجاورة في آسيا الوسطى تكون إيران قد فتحت منفذا لتزويد ما يقارب 40% من سكان الكرة الأرضية بالنفط والغاز، الأمر الذي يمكن أن يضعف الهيمنة الأميركية على الخليج وجنوب آسيا كما أنه يمكن أن يساعد الروس على تعزيز قبضتهم على مصادر الطاقة في آسيا الوسطى.

إذا لم تستطع باكستان أن تواجه مطالب البلوش الباكستانيين بالحكمة والحنكة، وإن لم تتمكن إيران من حل مشاكلها مع مواطنيها البلوش بالعدل ستظل بلوشستان الكبرى بؤرة للتوترات والقلاقل. خط أنابيب السلام مشروع واعد ولكن السؤال المطروح هل يمكن أن يتحقق هذا الحلم على أرض ولاية يستيقظ أهلها على أنغام المدفعية وينامون على صراخ الثكالى؟

يبدو أن الجولة الأخيرة من اللعبة انتهت بانتصار الصين وإيران وباكستان ومنظمة شنغهاي للتعاون من جهة وبهزيمة واشنطن وحلف شمال الأطلسي والهند وحتى أفغانستان من جهة أخرى. أما النتيجة النهائية للصراع فمربوطة بمتغيرات أخرى على ملعب الطاقة الملطخ بدماء قبائلنا التي تلعب دور الجنود على رقعة الشطرنج.

الآراء الواردة في هذا المقال هي آراء الكاتب ولا تعكس بالضرورة الموقف التحريري لقناة الجزيرة.