إستراتيجية أوباما الطموحة في أفغانستان

العنوان: إستراتيجية أوباما الطموحة في أفغانستان



عناصر الإستراتيجية الجديدة
ردود الأفعال
واقعية التحدي

بعد طول انتظار دام حوالي الثلاثة أشهر، أعلن الرئيس الأميركي باراك أوباما إستراتيجية بلاده الدفاعية في أفغانستان، قاطعاً بذلك الطريق على التكهنات حول احتمال تراجعه عن مواقفه السابقة حيال محورية أفغانستان في الحرب على الإرهاب، لكن من دون أن يحسم النقاش الداخلي حول جدوى هذه الحرب التي دخلت عامها الثامن، أو أن يجيب عن السؤال الهام المتعلق بدور الجيش الأفغاني في هذه الإستراتيجية أو الموارد المتاحة.

ستناقش هذه المقالة أهم عناصر الإستراتيجية، وردود الفعل عليها، وتحاول استقراء إمكانية نجاحها على ضوء التجربة العراقية التي يبدو أنها كانت بمثابة إطار عام للإستراتيجية الجديدة.

عناصر الإستراتيجية الجديدة
تتكون الإستراتيجية التي أعلن عنها الرئيس أوباما من العناصر التالية: أولاً: زيادة عدد القوات الأميركية في أفغانستان بحوالي ثلاثين ألفا لينضم هذا العدد إلى القوات الموجودة حالياً، والتي تقدر بحوالي 71 ألف جندي أميركي، إضافة إلى القوات التي تنتمي إلى قوات الناتو.

ويستند منطق زيادة القوات إلى تنامي تحدي قوات طالبان، خاصة منذ اعتلاء أوباما سدة الرئاسة، والتي يمكن قياسها من خلال تزايد الخسائر التي تكبدتها القوات الأميركية والبريطانية تحديداً خلال هذا العام. فمقارنة ببداية الحملة الأميركية، حيث تكبدت القوات الأميركية ما لا يزيد عن خمسين قتيلاً في العامين الأولين من الحرب، تجاوزت خسائر القوات الأميركية هذا العام 220 قتيلاً.

"
يمكن النظر إلى إستراتيجية أوباما  على أنها تسوية بين القادة العسكريين المطالبين بزيادة عدد القوات العسكرية الأميركية, والمنتقدين للحملة الأميركية، المطالبين بتقليص الخسارة والانسحاب بأقصى سرعة
"

كما أن من المتوقع أن تطلب إدارة الرئيس أوباما من دول حلف الناتو زيادة عدد قواتها هناك بحد أدني قدره خمسة آلاف جندي، لإعطاء زخم لفكرة تعزيز القدارت العسكرية الأميركية، وإقناع الأفغان حكومة وطالبان بجدية دول حلف الناتو في وقف زحف قوة طالبان.

العنصر الثاني لإستراتيجية أوباما: يتمثل في الوعد بانسحاب القوات الأميركية في غضون 18 شهراً، أي في منتصف عام 2011. ولعل هذا الوعد يخاطب منتقدي سياسة أوباما في أفغانستان أكثر منه استجابة للتحديات التي تواجهها القوات الأميركية على الأرض. وعموماً، فإن هذا التاريخ ليس نهائياً تماماً لانسحاب هذه القوات، بل إنه معتمد على التقدم في إحداث الاستقرار وتراجع هجمات طالبان.

العنصر الثالث: يتمثل في محدودية المهمة التي رسمها أوباما للقوات الأميركية. فقد كان من الواضح في خطاب الرئيس عدم إشارته إلى أن الهدف هو هزيمة طالبان، أو حتى القبض على زعماء القاعدة الذين يُعتقد أنهم ما زالوا يستخدمون من الحدود الأفغانية الباكستانية ملجأً لهم. لقد حدد الرئيس مهمة القوات الأميركية -ومعها قوات الناتو- في وقف المد الطالباني، وعدم السماح لهذه الحركة في السيطرة على مزيد من الأراضي.

وبالطبع، فإن محدودية هذا الهدف ترمي إلى إقناع قطاعات هامة من طالبان، ومن يناصرها، إلى الانخراط في العملية السياسية. كما أن محدودية المهمة تنسجم مع القدرات والفترة الزمنية المحددة لانسحاب القوات الأميركية.

هذه العناصر الثلاثة الأساسية لإستراتيجية أوباما، يمكن النظر إليها على أنها تسوية بين القادة العسكريين المطالبين بزيادة عدد القوات العسكرية الأميركية في مسرح العمليات، والمنتقدين للحملة الأميركية، خاصة من أعضاء الكونغرس الذين يرون أن الوجود الأميركي غير ناجع، وبالتالي فمن الأجدى تقليص الخسارة والانسحاب بأقصى سرعة.

ويضاف إلى هذين العاملين، قناعة أوباما الشخصية، ووعوده منذ أيام الحملة الانتخابية بضرورة التركيز على الحرب في أفغانستان، باعتبارها الساحة الحقيقية للحرب على الإرهاب، مقابل العراق التي وصفها بأنها "انحراف" عن الهدف الأساسي المتمثل في تعقب والقبض على من هاجم الولايات المتحدة عام 2001، والقضاء على من وفر لهم الحماية لإطلاق حملتهم المعادية ضد أميركا.

ردود الفعل
ردود الفعل الأولية من القيادات العسكرية كانت إيجابية وسريعة في ترحيبها بقرار الرئيس بتعزيز القوات الأميركية في ساحة القتال. ولعل الدافع الأساسي لهؤلاء القادة يكمن في ضرورة تعزيز القدرات العسكرية، وذلك بهدف تأمين أفضل لسلامة القوات الموجودة هناك، وزيادة القدرات القتالية في وجه التصاعد الكمي والنوعي في هجمات طالبان، وقدرتها على إيقاع المزيد من الإصابات في صفوف الأميركيين والبريطانيين تحديداً في الفترة المنصرمة.

أما المعارضة لإستراتيجية الرئيس فقد جاءت من اليمين واليسار على حد سواء. فبالنسبة للأعضاء الجمهوريين في الكونغرس، وعلى الرغم من السمعة التي يتمسكون بها بأنهم من المتشددين عندما يتعلق الأمر بأمن الولايات المتحدة، وعندما يتعلق بتعزيز القدرات العسكرية وحماية القوات الأميركية في ساحات القتال، على الرغم من ذلك، فإن كثيراً منهم معارض لأوباما بحكم وجودهم في ساحة المعارضة للإدارة الديمقراطية الحالية، وشكهم بقدرات أوباما الشخصية على حماية الأمن القومي، وملء دور القائد الأعلى للقوات المسلحة.

قلة من هؤلاء عبرت عن تخوفها من أن الموعد الذي حدده أوباما لبداية الانسحاب عام 2011 قد يدفع بطالبان إلى التهدئة في هذه الفترة، ومن ثم العودة بشكل أقوى بعد الانسحاب الأميركي، مما يعني أن هذه إستراتيجية تراجع، وليست إستراتيجية نصر.

"
المعارضة لإستراتيجية الرئيس جاءت من اليمين واليسار على حد سواء, فالجمهوريون لديهم شك بقدرات أوباما الشخصية على حماية الأمن القومي، واليسار يعتبر الحرب في أفغانستان هي حرب خاسرة، وبالتالي من المصلحة الاعتراف بهذه الحقيقة
"

أما بالنسبة لليسار في الحزب الديمقراطي، فقد استندت معارضتها إلى تقييمها بأن الحرب في أفغانستان هي حرب خاسرة، وبالتالي فمن المصلحة الاعتراف بهذه الحقيقة، وتسريع عملية الخروج. ولعل خلفية الأزمة الاقتصادية، وندرة الموارد المالية، والضغوط التي يتعرض لها هؤلاء من ناخبيهم الذين لا يكترثون بأفغانستان ولا يرونها تهديداً حقيقياً للأمن الأميركي، بينما يرون أن الخطر الحقيقي هو في تبديد الموارد على حرب غير مجدية، بينما من الأولى صرف هذه الموارد لمساعدة ضحايا الأزمة الاقتصادية، خاصة من الذين خسروا أعمالهم ووظائفهم، في وقت تجاوزت معدلات البطالة نسبتها القياسية للعقود الثلاثة الماضية.

وبشكل عام، فإن آخر استطلاع أجرته مؤسسة "غالوب" يظهر أن 35 % من الأميركيين يؤيدون الوجود العسكري في أفغانستان، بينما يعارضه 55%.

إدارة الرئيس أوباما واعية لهذه الأرقام، وبالتالي تعلم الجهد الكبير المطلوب لحشد التأييد للإستراتيجية الجديدة، على صعيد الكونغرس والرأي العام. وبالنظر إلى خطاب أوباما، كمحاولة أولى للحصول على تأييد الرأي العام، يظهر الخطاب استعداد الرئيس لخوض هذه المعركة الداخلية التي يراها الكثيرون بأنها إحدى معاركه الهامة، وأنه لا يملك خسارتها.

الإشكالية أن هذه المعركة ليست هي التحدي الوحيد الذي يواجه أوباما، فهو يخوض تحديات خارجية أخرى، ومنها العراق، والتراجع الأمني الذي شهدته في الفترة الأخيرة، وعدم إحراز أي تقدم على صعيد المفاوضات بين الفلسطينيين والإسرائيليين، إضافة إلى استمرار إيران في المناورة وكسب الوقت بشأن برنامجها النووي.

أما على الصعيد الداخلي، فإن تحدي إصلاح النظام الصحي، وتبعات الأزمة الاقتصادية العالمية يمثلان الهم اليومي الذي يتوجب على الرئيس متابعته. وبالعودة إلى إستراتيجية الرئيس في أفغانستان، وعلى رغم الترحيب الخجول من قادة دول حلف ناتو بقرار تعزيز القدرات العسكرية الأميركية هناك، فإن أغلب قادة هذه الدول يواجهون ضغوطاً داخلية شديدة لتسريع إنهاء مهمة قواتهم هناك.

ولعل رئيس الوزراء البريطاني هو أكثر من يواجه هذا التحدي، خاصة مع تصاعد الخسائر البشرية التي تعرضت لها قوات بلاده في الأشهر الأخيرة. ومن هنا، فإن على المسؤولين الأميركيين القيام بجهد إضافي مع الحلفاء لإقناعهم بزيادة التزاماتهم العسكرية والمالية، أو على الأقل إرجاء سحب قواتهم المتواجدة في أفغانستان، لإعطاء فرصة إضافية للقوات الأميركية لإحداث تغيير على الصعيد الميداني.

واقعية التحدي
لقد بدا خطاب الرئيس أوباما أمام طلاب الكلية الحربية في "وست بوينت" مشابهاً جداً لخطابات الرئيس بوش، سواء في مضمونه أو في أسلوبه، وذلك في محاولة إقناع شعبه بضرورة تأييد إدارته لتتمكن من القضاء على "الإرهاب".

ومع أن إدارة أوباما قد قررت منذ أيامها الأولى عدم استخدام مصطلح "الحرب على الإرهاب"، فإن استرجاع ذاكرة الحادي عشر من سبتمبر/أيلول، ووجود بعض العبارات المطلقة مثل تصوير الصراع على أنه صراع بين الحق والباطل والعدل والعدوان، والتأكيد على أن هذه الحرب لم -ولا يجب- أن تخسر، كل ذلك أعاد إلى الذهن اللغة التي ارتبطت بإستراتيجية بوش تجاه العراق.

ومن هنا فلم يفت منتقدي إستراتيجية أوباما الجديدة تجاه أفغانستان الإشارة إلى أهم التحديات التي من المتوقع أن تواجهها الولايات المتحدة في أفغانستان على ضوء التجربة العراقية، ومنها:

"
هل سينجح ثلاثون ألفاً من القوات الأميركية، وبقليل من الموارد لعمليات البناء والإعمار، في القيام بما لم تستطع به قوات ناتو على مدى السنوات السبع الماضية؟ وهل يمكن تحقيق ذلك في غضون ثمانية عشر شهراً؟
"

أولاً: هناك شك كبير بأن تنجح إدارة أوباما في تدريب وزيادة قدرات القوات الأفغانية التي من المفترض أنها ستسد الفراغ الناتج عن انسحاب القوات الأميركية وقوات ناتو، في أقل من عامين. لقد أثبتت التجربة في أفغانستان أن هذه العملية كانت أقل نجاحاً مما كان عليه الأمر مع القوات العراقية التي كانت موجودة أصلاً، وتم حلها بقرار بول بريمر، وكل ما تطلبه الأمر هو إعادة تجنيد بعض هذه القوات مع مراعاة التوازن الطائفي. الأمر في أفغانستان أكثر تعقيداً، وذلك لغياب الدولة هناك لفترة طويلة من الزمن، إضافة إلى ارتفاع معدلات الأمية والجهل والفقر، الذي يعني الحاجة إلى المزيد من الجهد والوقت والموارد.

ثانياً: التحدي الكبير الذي ستواجهه إستراتيجية أوباما يتمثل في محدودية الموارد المتوفرة للإنفاق على إعادة بناء البنية التحتية، وخاصة في مجالي التعليم والصحة، وإيجاد فرص العمل، خاصة وأن أغلب الإنفاق سيتوجه لتمويل مصاريف الزيادة في القوات، والتي من المتوقع أن تبلغ ثلاثين مليارا في السنة الأولى فقط.

والسؤال هنا، هل ستتمكن إدارة أوباما، أو دول حلف ناتو من تخصيص نصف أو حتى ثلت مثل هذا المبلغ لإعادة الإعمار والإنفاق على القضايا الملحة بالنسبة للشعب الأفغاني الذي تحول جزء كبير منه، سواء بشقيه الحكومي والطالباني، إلى زراعة الأفيون والمخدرات، على مرأى ومسمع القوات الغربية التي تريد إنقاذ أفغانستان من الانهيار والتردي بحيث تصبح ثانية مرتعاً للقاعدة والمتطرفين.

تظهر التقارير الواردة من أفغانستان أن الشعب الأفغاني يريد حياة طبيعية، تؤمن له الحد الأدنى من الغذاء والتعليم، وقبل ذلك الأمن، كما أن أغلبيته قد لا تكون من أنصار التشدد الذي تمثله حركة طالبان. لكن سبع سنوات من الوجود الغربي لقوات ناتو لم تحقق لهذا الشعب الكثير من هذه المتطلبات الأساسية، ناهيك عن بناء مؤسسات دولة قادرة على القيام بأبسط واجباتها. إضافة إلى ذلك، لم تساعد الانتخابات الرئاسية الأخيرة على كسب المزيد من الشرعية لحكومة كرزاي المعروفة بفسادها على أعلى المستويات.

وبناء على ما تقدم، فإن السؤال البسيط المرتبط بإستراتيجية أوباما هو: هل سينجح ثلاثون ألفاً من القوات الأميركية، وبقليل من الموارد لعمليات البناء والإعمار، في القيام بما لم تستطع به قوات ناتو على مدى السنوات السبع الماضية؟ وهل يمكن تحقيق ذلك في غضون ثمانية عشر شهراً؟ إن تجارب أفغانستان مع الوجود الأجنبي، ومحدودية صبر وإرادة وموارد القوات الخارجية، في بلد لا توجد فيه موارد طبيعية (نفط)، تجعلنا أقرب إلى التشاؤم، حتى ولو كان صاحب هذه الرؤية أوباما نفسه.

الآراء الواردة في هذا المقال هي آراء الكاتب ولا تعكس بالضرورة الموقف التحريري لقناة الجزيرة.