اعتراف بحاجة إلى تكفير

اعتراف بحاجة إلى تكفير - الكاتب: لؤي ديب



أقدمت القيادة الفلسطينية على كارثة سياسية وحقوقية بحق الشعب الفلسطيني بسحب تقرير السيد غولدستون من مجلس حقوق الإنسان، ومن المفترض أخلاقيا ووطنيا وحقوقيا ألا تمر تلك الكارثة دون: أولا, وضع آلية القرار الفلسطيني موضع النقد، وثانيا, محاسبة وطنية حقيقية من ممثلي الشعب الفلسطيني تسمح بمصداقية الحد الأدنى لأي استدراك دولي.

لا يجب أن تكون مسألة المحاسبة هي الهم الوحيد لنا وموضع التركيز مع ضرورتها الملحة على حساب الشق الثاني، أي الخطوات اللازمة لاستكمال ملف النضال القانوني للشعب الفلسطيني، بل علينا أن نحول ذلك الخطأ إلى وقود لمزيد من العمل والإبداع القانوني لصالح الشعب الفلسطيني وقضاياه العادلة. خاصة وأن تقرير غولدستون يؤكد على ضرورة حماية ومساعدة منظمات حقوق الإنسان والتعاون معهم وطنيا ودوليا، ونجد إهمالا عند الجانب الفلسطيني السياسي لأهمية دور هذه المنظمات حتى على الصعيد الاستشاري.

"
من المحزن، أن كل صرخات المجتمع الفلسطيني المدني والحقوقي للإفراج عن المعتقلين في السجون الفلسطينية, وإعادة فتح كل الجمعيات التطوعية والخيرية, وعدم تأليب أي طرف دولي على هذا الفصيل أو ذاك, لم تؤخذ على محمل الجد
"

أليس من المؤلم والمحزن، أن كل صرخات المجتمع الفلسطيني المدني والحقوقي للإفراج عن المعتقلين السياسيين الفلسطينيين في السجون الفلسطينية وإعادة فتح كل الجمعيات التطوعية والخيرية العاملة في الأراضي الفلسطينية لتقوم بعملها والتوجه للرأي العام العالمي بخطاب مشترك في الحد الأدنى وعدم تأليب أي طرف دولي على هذا الفصيل أو ذاك؟ كل هذه المطالب من المدافعين عن حقوق الإنسان لم تؤخذ على محمل الجد.

من جهة ثانية، إذا كان القائمون على القرار الفلسطيني أمام الهيئات الدولية جادين فعلا في استدراك ما فات وعازمين على ربط الأقوال بالأفعال فلا بد من التحرك السليم غير القائم على التلقائية والارتجال.

لقد كانت الخطوة الليبية بدعوة مجلس الأمن خطوة تحاكي الجماهير بدرجة أساسية ورد فعل، لكنها لم تكن مدروسة ومدققة لوجود مشكلة إجرائية يسهل طرحها من أعداء الخطوة. وهذا ما جرى.

لكن ما هي الخطوات الواجب اتخاذها فورا من أجل إشعال فتيل النضال القانوني للشعب الفلسطيني وتفعيل تقرير غولدستون وتصعيد فكرة المحاسبة ليس فقط في جرائم الحرب وإنما تعميم المقاطعة ومناهضة أشكال ترقية العلاقة مع الدولة العبرية؟

أولا: على السلطة الفلسطينية العمل مع المجموعة الإسلامية والأفريقية ودول أميركا اللاتينية والكاريبي دعوة مجلس حقوق الإنسان إلى جلسة استثنائية وعاجلة لمناقشة تقرير السيد غولدستون وتقرير المفوضة السامية لحقوق الإنسان السيدة نافي بيلاي والوضع في مدينة القدس، ومتابعة ما يلي ذلك من إحالة إلى مجلس الأمن أو المحكمة الجنائية أو الجمعية العمومية.

ثانيا: على السلطة الفلسطينية بالتعاون مع المجموعة العربية التوجه فورا إلى اللجنة الثالثة حيث تعهد الجمعية العامة إلى لجنتها المعنية بالشؤون الاجتماعية والإنسانية والثقافية، التي يشار إليها بـ"اللجنة الثالثة" ببنود جدول الأعمال المتعلقة بمجموعة من القضايا الاجتماعية والإنسانية وقضايا حقوق الإنسان التي تؤثر على الشعوب في جميع أنحاء العالم.

ويركز جزء هام من عمل اللجنة على بحث مسائل حقوق الإنسان، بما في ذلك تقارير الإجراءات الخاصة بمجلس حقوق الإنسان. بما في ذلك تقارير الإجراءات الخاصة لمجلس حقوق الإنسان المنشأ حديثا. وستستمع اللجنة في أكتوبر/تشرين الأول 2009 إلى 25 شخصا من المقررين الخاصين، والخبراء المستقلين، ورؤساء فرق العمل التابعة لمجلس حقوق الإنسان. وهي تنظر هذا الشهر، برئاسة سعادة السيد نورمانس بنكي، الممثل الدائم لدولة لاتفيا لدى الأمم المتحدة، في عدد مماثل من مشاريع القرارات. وعلى السلطة متابعة ما يجرى هناك من توصيات لمجلس الأمن والجمعية العامة وتفعيلها.

ثالثا: على السلطة الفلسطينية مدعومة بالدول العربية والإسلامية وعدم الانحياز والدول الصديقة والتي يقارب عددها (118) دولة أن تقدم طلبا إلى الأمين العام للأمم المتحدة بموجب الباب الرابع عشر من النظام الداخلي للجمعية العامة مادة (134) تصرح فيه بموجب إعلان الاستقلال في الجزائر والذي تم في 15/نوفمبر 1985 والذي اعترفت على إثره بدولة فلسطين (116) دولة قبولها الكامل بالالتزامات الواردة في ميثاق الأمم المتحدة وطلب رفع عضويتها من مراقب إلى دولة كاملة، وبعد مرور الطلب بالإجراءات المنصوص عليها في المواد (135) (136) (137) (138) من النظام الداخلي للجمعية العامة وحصولها على العضوية الكاملة، تعزيز ملف الحكومة الفلسطينية والمنظمات غير الحكومية والتحالف الدولي لملاحقة مجرمي الحرب أمام المحكمة الجنائية الدولية.

"
على السلطة الفلسطينية والدول العربية والإسلامية ومجموعة عدم الانحياز التوجه إلى الجمعية العامة والتي ما زالت منعقدة لطلب تشكيل محكمة خاصة لجرائم الحرب في غزة بموجب كل التقارير والتحقيقات الصادرة
"

رابعا: على السلطة الفلسطينية والدول العربية والإسلامية ومجموعة عدم الانحياز التوجه إلى الجمعية العامة والتي ما زالت منعقدة لطلب تشكيل محكمة خاصة لجرائم الحرب في غزة بموجب كل التقارير والتحقيقات الصادرة حيث تستطيع الجمعية العامة وبموجب المادة (22) من ميثاق الجمعية والذي ينص على (للجمعية العامة أن تنشئ من الفروع الثانوية ما تراه ضروريا للقيام بوظائفها) وبما أن القضية الفلسطينية ما زالت من اختصاص الجمعية العامة وحدها فلها أن تنشئ من الأجهزة ما تراه مناسبا للقيام بواجبها دون المرور بتعقيدات الفيتو في مجلس الأمن.

خامسا: على السلطة الفلسطينية والمجموعة العربية والإسلامية ودول عدم الانحياز التوجه إلى الجمعية العامة المنعقدة حاليا بطلب لنظر تقرير غولدستون والمفوضة السامية حيث يجوز للجمعية العامة أيضا، عملا بقرارها المعنون ”متحدون من أجل السلام“ المؤرخ نوفمبر/تشرين الثاني 1950 (القرار 377) (د – 5)، أن تتخذ إجراءات، إذا لم يتمكن مجلس الأمن من التصرف بسبب تصويت سلبي من جانب عضو دائم، في حالة ما إذا بدا أن هناك تهديدا للسلام أو خرقا للسلام أو أن هناك عملا من أعمال العدوان.

وعندئذ يمكن للجمعية أن تنظر في المسألة على الفور من أجل إصدار توصيات إلى الأعضاء باتخاذ تدابير جماعية لصون أو إعادة السلام والأمن الدوليين وإذا جوبه الطلب بالمادة (12) والتي تمنع الجمعية العمومية من ممارسة مهام يقوم بها مجلس الأمن على مندوب فلسطين أن يذكر أن الجمعية العامة ومجلس الأمن نظرا سابقا عدة قضايا مثل القضية (القبرصية وجنوب أفريقيا وأنغولا و روديسيا الجنوبية والبوسنة والهرسك والصومال) والتفسير الرسمي للمادة (12) هو من صالح الطلب حيث فسر المستشار القانوني للجمعية العامة في الدورة الثالثة والعشرين للجمعية ردا على سؤال من مندوب بيرو نص يباشر في المادة (12) بعدم التزامن في الوقت بين مجلس الأمن والجمعية العامة في نظر القضية في نفس الوقت.

سادسا: على السلطة والمجموعة العربية والإسلامية التوجه بطلب إلى الجمعية العامة للأمم المتحدة بتخفيض عضوية إسرائيل من دولة إلى عضو مراقب لعدم التزامها بالشروط الأربعة لقبولها عضوا كاملا بموجب القرار رقم 273 لسنة 1949 وهى 1- أن تنفِّـذ قرار التقسيم رقم 181 لسنة 1947. 2- أن تنفِّـذ قرار الجمعية العامة للأمم المتحدة رقم 194 لسنة 1949 والخاص بعودة اللاجئين. 3- أن تحترم الوضع الخاص لمدينة القدس والموضِّـح بالملحق الخاص بقرار التقسيم، والذي يقرر وضعًا قانونيا خاصا للمدينة المقدّسة لمدة عشر سنوات. 4- أن تحترم ميثاق الأمم المتحدة. وهو ما لم تفعله إسرائيل منذ نشأتها.

سابعا: على السلطة الفلسطينية والدول العربية والإسلامية التوجه إلى الجمعية العامة للمطالبة بتشكيل لجنة تعويض على غرار لجنة التعويضات التي شكلت بعد غزو العراق للكويت تكون مهمتها تدوين كل الأضرار الناتجة عن نشاط إسرائيل في فلسطين في سجل تكون إسرائيل مطالبة فيه بدفع تعويضات للفلسطينيين ويستغل في المحاكم.

ثامنا: على السلطة الفلسطينية المجموعة العربية والإسلامية التوجه إلى المنظمات المنبثقة عن الجمعية العامة ومنظومة الأمم المتحدة لاتخاذ قرارات ضد إسرائيل تصبح مصادر للقانون الدولي مثل منظمة الصحة العالمية والطفولة واليونسكو ومنظمة الطيران والكثير من المنظمات لتجميد عضوية إسرائيل فيها لأن إسرائيل خرقت شروط عضويتها أصلا في هذه المنظمات من خلال ما اقترفته في غزة وقبل غزة بحق الأطفال والمؤسسات الصحية واستخدام المطارات المدنية كقواعد انطلاق لعملياتها ضد المدنيين ناهيك عن تدمير تلك المطارات.

واذُكر هنا أن إسرائيل كادت أن تفقد عضويتها في منظمة الطيران المدني العالمية عام 74 لولا شيك تعويض دفعته وقبلت بقرار المنظمة آنذاك الصادر عن المنظمة الدولية للطيران المدني قرار رقم A21-7 في 15 أكتوبر/تشرين الأول 1974 تطلب فيه من الدول الأعضاء الامتناع عن تشغيل أية رحلة جوية من أو إلى مطار القدس (قلنديا) ما لم تُعط أذناً مسبقاً بذلك من السلطات الأردنية. وعلى الغرار من السهل تجميع أغلبية لتجميد عضوية إسرائيل في أغلب المنظمات الدولية.

تاسعا: على السلطة والدول العربية والإسلامية التوجه من خلال الجمعية العامة إلى مجلس الأمن لمطالبة إسرائيل بتنفيذ كل القرارات الصادرة عن المجلس وفق البند السابع وتجنيد حملة دولية وداخل أيميكا لذلك والانتقال فعلا بدور سفراء فلسطين من التشاحن مع الجاليات في المهجر إلى العمل الحقيقي والجاد.

"
يجب طرح الموضوعات الساخنة وبقوة على المؤسسة الدولية مثل القدس والاستيطان والتعاون الجاد لملاحقة المجرمين لدى المحاكم الوطنية للدول وحث الدول على التفاعل مع قضايا فلسطين وإعادة الموضوع للصدارة الدولية
"

عاشرا: طرح الموضوعات الساخنة وبقوة على المؤسسة الدولية مثل القدس والاستيطان والتعاون الجاد لملاحقة المجرمين لدى المحاكم الوطنية للدول وحث الدول من خلال سفراء جادين وعلى مستوى الحدث على التفاعل مع قضايا فلسطين وإعادة الموضوع للوجه الدولي بغطاء عربي إسلامى دون التفرد بالقرار الحقوقي للشعب الفلسطيني.

كل ما سبق هو مجرد مدخل بسيط ولكنه نهاية لسياسة المهادنة والتستر والمراعاة والصمت عن جرائم إسرائيل باسم إمكانية قبولها بوقف للاستيطان تسعة أشهر أو ستة، وكأن التوقف عن ارتكاب جريمة حرب من الإسرائيلي مكرمة تقدم من الحكومة الإسرائيلية والوسيط الأميركي؟

نعم، نحن بأمس الحاجة لمواجهة العربدة الإسرائيلية في القدس، وبحاجة ماسة لدبلوماسية هجومية ونشطة قادرة على مواجهة حكومة اليمين المتطرف الإسرائيلي والرضوخ الأميركي لشروطها التعجيزية. هكذا سياسة دينامية وفاعلة ليست برسم هذا المسؤول الفلسطيني أو ذاك، بل هي مطالب الحد الأدنى الفلسطينية من الجماعة الدولية التي لم تحترم أكثر من 170 قرارا خاصا بالقضية الفلسطينية وجنبت إسرائيل حتى اليوم أية عقوبة أو محاسبة دولية.

إن ضرورة العودة إلى النهج الذي أعطى قرار إدانة الصهيونية كحركة عنصرية، مهمة كل الدول الصديقة للشعب الفلسطيني وقضيته، أما البقاء رهن إشارة الخوف على عملية "سلام" يطلب من أحد طرفيها أن يكون مكبلا صامتا راضخا ومطيعا، ومن الثاني الاستمرار في التغول والخنق للمواطن الفلسطيني في لقمته وحرية حركته وبنيته التحتية وحريته في اختيار ممثليه وحقه في منظمات تدافع عنه وتعبر عن طموحاته، إن هذه السياسة لا يمكن أن تكون غذاء لأية عملية سلام، بل ترسيخ لأمر واقع ظالم خارج عن الشرعية الدولية في صمت من القوى العظمى سيحول المنطقة في حال استمراره إلى برميل بارود.

ليس لدينا أية مخاوف من الوعي الشعبي للحق الفلسطيني، ففي تاريخ المفوضية السامية لحقوق الإنسان، لم ينجح أي تقرير في الحصول على تأييد شعبي واسع ومظاهرات بعد ساعات من طلب تأجيله، ومن كل الفصائل، إلا أن شعبا بهذا الوعي يستحق مواقف كبيرة من الدول العربية والإسلامية ودول عدم الانحياز، وموقفا غير مهادن، في كل ما هو حق ثابت غير قابل للتفاوض.

الآراء الواردة في هذا المقال هي آراء الكاتب ولا تعكس بالضرورة الموقف التحريري لقناة الجزيرة.