انتخابات تونس وحصاد بن علي

الانتخابات الرئاسية التونسية وحصاد بن علي



 

الرّهان الانتخابي
حصاد النظام الشمولي
المعارضة في مواجهة المأزق

لم يعد يفصلنا عن موعد الانتخابات الرئاسية في تونس سوى أيام معدودة، ومع ذلك يغيب عن الساحة الوطنية الحراك السياسي المعهود في مثل هذه المناسبات، فلا أثر يذكر لغير حملة الرئيس بن علي والتي انطلقت قبل موعدها بالدعوات المتكررة من المنظمات والجمعيات الموالية للحزب الحاكم مناشدة له بالترشح لدورة رئاسية خامسة.

الرّهان الانتخابي
يعود غياب الحراك السياسي قبل موعد الانتخابات إلى انتفاء التنافس والرهان الانتخابي عن هذه الدورة الانتخابية الجديدة القديمة، فلا أحد من المواطنين أو المتابعين للشأن التونسي يساوره شك في استمرار الرئيس الحالي في الحكم، فمصطلح الإنتخابات فقد معناه في القاموس السياسي التونسي شأنه في ذلك شأن كل المفاهيم الحديثة مثل الديمقراطية وحقوق الإنسان وغيرها التي أصبحت تحيل إلى نقيضها، فتحولت الانتخابات إلى مجرد تزكية لسلطة الأمر الواقع وليس أكثر.

فالعملية الانتخابية في ظل حكم الرئيس بن علي لا تتجاوز معنى البيعة الجماعية المفروضة بالجهاز الأمني والإداري والمحكومة بشبح دستور عدل أكثر من مرة على مقاس الرئيس الحالي بما يضمن له رئاسة حتى الممات، وفاء بتعهده بإلغاء الرئاسة مدى الحياة الذي أسس عليه شرعية انقلاب السابع من نوفمبر/ تشرين الأول 1987.

إن هذه البيعة لا تستند إلى تأييد شعبي لشخص الرئيس بن علي وبرنامجه الانتخابي، فطبيعة النظام الاستبدادي الذي أرسى دعائمه وما يرمز إليه من فساد أفقده كل سند شعبي، فالشباب يواجه البطالة ويقتحم الأخطار في قوارب الموت بحثا عن لقمة العيش، وطبقة العمال تعاني من ارتفاع الأسعار وتدهور القدرة الشرائية، ورجال الأعمال يشتكون من غياب الشفافية وهيمنة العائلات المتنفذة والمقربة من الرئيس وأصهاره.

"
المحطة الانتخابية القادمة ليست سوى مسرحية لتزيين واجهة نظام دكتاتوري لا يكترث كثيرا بالمصلحة الوطنية، قدر حرصه على تسويق نفسه لدى الدوائر الغربية لضمان دعمها وتأييدها من أجل استمراره والحفاظ على مصالحه
"

فالمحطة الانتخابية القادمة إذا ليست سوى مسرحية لتزيين واجهة نظام دكتاتوري لا يكترث كثيرا بالمصلحة الوطنية، قدر حرصه على تسويق نفسه لدى الدوائر الغربية لضمان دعمها وتأييدها من أجل استمراره والحفاظ على مصالحه ومصالح القوى التي تقف وراءه.

ونظرا لتكرار المشهد العبثي للانتخابات أصبحت هذه العملية مجرد دورة للتدريب على التزييف والنفاق ومهادنة الاستبداد، يجر إليها الناخبون جرا لتكريس التخلف السياسي الذي تشهده البلاد، مع تشوه أخلاقي جماعي يتأسس على الخوف ويؤسس للمهادنة والنفاق، وفي نهايتها يتم إعادة إنتاج النظام الشمولي الاستبدادي الذي يهيمن فيه البوليس السياسي على مجمل الحياة السياسية والقضاء والإعلام وكل منظمات المجتمع المدني.

حصاد النظام الشمولي
لا يمكن في ظل حكم نظام الرئيس بن علي الحديث عن حياة سياسية أصلا، وقد سبق أن أعلن أكثر من سياسي تونسي منذ بداية التسعينات "موت السياسية" وصرح أحد رؤساء الوزراء السابقين "أن المطلوب في تونس اليوم هو قليل من الحياء، أما الديمقراطية فقد صارت بعيدة المنال".

– لقد اعتمد نظام الحكم على الجهاز الأمني وقبضة بوليسية استمرت لأكثر من عقدين كان ضحيتها أكثر من 60 شهيدا و32 ألف سجين سياسي منهم ألفان لا يزالون رهن الاعتقال بموجب قانون مكافحة الإرهاب، وهو قانون لا دستوري يفضح سياسة النفاق والاستجداء الرخيص للقوى الغربية على حساب دماء الشباب وعذابات أهاليهم.

وبالإضافة إلى مساجين الحوض المنجمي ورئيس حركة النهضة السابق الدكتور صادق شورو والمئات من المهجرين السياسيين، لا تزال الملاحقات الأمنية تطال أغلب المسرحين من السجن من سجناء الرأي السابقين، بحيث يتعذر عليهم الاستئناف الطبيعي لحياتهم وأنشطتهم رغم الثمن الباهظ الذي دفعوه مقابل حريتهم.

هذا الحجم الهائل من العنف المنهجي ضد الحريات العامة والخاصة الذي تمارسه الأجهزة الأمنية، والصلاحيات الواسعة التي منحت لها، خلقت أجواء من الرعب والخوف خيم على المشهد السياسي وحياة المواطنين، فشل حركة الأحزاب المعترف بها والتي أصبح متعذرا عليها تنظيم أنشطتها واجتماعاتها حتى في مقراتها التي تنازعها عليها السلطة، فضلا عن الفضاء العمومي الذي يحتكره الحزب الحاكم، كما أخضعت الأحزاب لحصار أمني وإعلامي مشدد بلغ إلى حد إطلاق مليشيات الحزب الحاكم في سيدي بوزيد للاعتداء على قيادات الحزب الديمقراطي التقدمي.

أمام هذا الانسداد السياسي وتكلس نظام الحكم، والمأزق الذي تردت فيه الحياة السياسية، تصدعت على صخرة الاستبداد أغلب الأحزاب المعارضة، فتهمش دور حركة الديمقراطيين الاشتراكيين وصار زعيمها عضوا في مجلس المستشارين المعين من قبل الرئيس بن علي الذي عارضه لسنوات، وانسحبت قيادات من الحزب الديمقراطي التقدمي وحزب المؤتمر من أجل الجمهورية، وأعلن 19 شخصا من المنسحبين من حركة النهضة دعمهم لترشح الرئيس بن علي، فيما تراوح الحركة الأم مكانها في الموقف من الانتخابات، رغم أنها أكثر الحركات تضررا من الحكم القائم، ومع ذلك لم تكلف السلطة نفسها تقديم أي تنازل للمنسحبين، فتحول اهتمام بعضهم وقد كانوا قادة في أحزابهم من الموقع المتقدم في الدفاع عن الحريات العامة والخاصة، إلى الاستغاثة برئيس الدولة نفسه ليأذن لهم باستخدام شبكة الإنترنت.

– لا يختلف وضع المنظات والجمعيات الحقوقية والنسائية والشبابية والهيئات النقابية والمهنية عن وضع الأحزاب من حيث هيمنة البوليس السياسي والحصار الأمني والإعلامي والاعتداء على أعضائها بالعنف، وتهشيم ممتلكاتهم، واقتحام مكاتبهم، ومحاصرة منازلهم، ومتابعتهم قضائيا في قضايا مفتعلة، وتشويه سمعتهم من خلال الأقلام المأجورة والصحف الصفراء، بالإضافة إلى فبركة الأشرطة الجنسية الفاضحة التي نقلت الخلاف السياسي إلى الدرك الأسفل من السقوط الأخلاقي.

"
نجحت السلطة في تهميش دور أكبر قوة اجتماعية قادرة على تحقيق التوازن في مواجهة استبداد الدولة، وهي الاتحاد العام التونسي للشغل، الذي دجنت قيادته وأصبحت أسيرة مصالحها الشخصية بعيدا عن مشاغل العمال
"

لقد نجحت السلطة في تهميش دور أكبر قوة اجتماعية قادرة على تحقيق التوازن في مواجهة استبداد الدولة، وهي الاتحاد العام التونسي للشغل، الذي دجنت قيادته وأصبحت أسيرة مصالحها الشخصية بعيدا عن مشاغل العمال، فأعلنت هي الأخرى دعمها للرئيس بن علي. كما حظر نشاط الاتحاد العام التونسي للطلبة، ولا يزال البوليس السياسي يلاحق نشطاء الاتحاد العام لطلبة تونس، فيما تمنع السلطة وللسنة الرابعة على التوالي أقدم رابطة لحقوق الإنسان في العالم العربي من عقد مؤتمرها وتحاصر مقرها المركزي.

كما يتعرض للحصار والملاحقة نشطاء حقوق الإنسان من جمعية حرية وإنصاف والمجلس الوطني للحريات والجمعية الدولية لمساندة المساجين السياسيين وجمعية مناهضة التعذيب، وهي كلها منظمات حقوقية لا يسمح لها بالنشاط القانوني.

وعلى غرار جمعية القضاة التي أطاحت السلطة بقيادتها الشرعية تم الانقلاب على المكتب التنفيذي الشرعي لنقابة الصحفيين، ووظف القضاء كالعادة في إسباغ الشرعية على الانقلاب.

– على المستوى الثقافي أفرغت الساحة الثقافية من كل مضمون جدي وطغت عليها أجواء التفاهة والرداءة والتهريج، ففي سياق الحملة على حركة النهضة في بداية التسعينات، جندت السلطة في معركتها بقايا اليسار الاستئصالي الانتهازي، فاستهدف هوية البلاد بالتشويه من خلال خطة تجفيف منابع التدين، فمنع الكتاب الإسلامي وحوصرت المساجد وفرضت الوصاية على المناشط الفكرية من ندوات ومحاضرات حتى حاضر أحدهم عن "فلسفة العمل عند بن علي.

واختصر التراث الديني في شطحات العيساوية، وهيمنت ثقافة الرقص والمزود (آلة موسيقية شعبية) والانحلال والإباحية على المشهد الثقافي، ولم تسلم من ذلك حتى براءة الأطفال، كما قننت الشعوذة والسحر وانتشر العرافون في "دولة الحداثة"، فيما تجند "مفكري ما بعد حداثتها" أو من يسميهم المفكر محمد الطالبي بـ "الانسلاخسلاميين" لاستخدام معاول التفكيك لهدم الدين جملة باستهداف أسسه وأركانه.

فتطاولوا على القرآن الكريم تحت مسمى الدراسات التفكيكية والتاريخية للنصوص التراثية مدعين استخدام مناهج البحث الحديثة، فيما هم يرددون ادعاءات كبار المستشرقين رافعين القداسة عن القرآن ومشككين في مصدره ومتحللين من كل الضوابط والقواعد التي تواضع عليها علماء الأمة في فهمه وتفسيره.

حتى قال كبيرهم عبد المجيد الشرفي، والذي يحتل كرسي الفكر الإسلامي والحضارة العربية بكلية الآداب بجامعة تونس الأولى "إن محمدا كان يعيش في عالم تغلب عليه القداسة، أو الصبغة السحرية حسب المفهوم الفيبري… وإن الذهنية الميثية التي من أبرز خصائصها الحدس والتمثل كانت مسيطرة على طرق التفكير آنذاك… فلن نستغرب أن نجد آثار هاتين الخاصيتين في ما يبلغه إلى قومه".

– دأبت السلطة في الشأن الاقتصادي الحديث عن نجاحات اقتصادية ونسبة نمو تصل إلى 5% ولكن رئيس الوزراء صرح أخيرا في معرض استجدائه لسهمه في مبلغ 850 مليار دولار تقرر توزيعها في قمة مجموعة العشرين، بأن معدل النمو لن يتجاوز هذه السنة 3%، وبغض النظر عن مصداقية هذه الأرقام، فإن الواقع أصدق أنباء منها، وهي لا تغني المواطن من جوع، فنسبة البطالة بلغت 25% وهو ما يفسر ظاهرة الهجرة السرية وقوارب الموت التي لم تعرفها تونس في تاريخها، بالإضافة إلى الهجرة الجماعية لعدد من العائلات إلى الجزائر هربا من الجوع، الذي دفع بعضهم إلى مشاركة البهائم علفها، وهو ما مثل فضيحة لنظام يتبجح "بنجاحاته الاقتصادية".

لقد أدى برنامج الإصلاح الهيكلي والشراكة الأرومتوسطية إلى خوصصة المؤسسات العمومية والتفريط فيها للعائلات المتنفذة بالإضافة إلى الرأسمال الأجنبي الذي استحوذ على نسبة 87% من صفقات الخوصصة، وهو اليوم يمتلك 3 آلاف شركة تستغل أكثر من 300 ألف عامل، كما تقلص نصيب الدولة في تمويل الصحة العمومية ليتحمل المواطن أكثر من 53% من مصاريف العلاج.

"
اتسعت الفوارق الطبقية بين قلة مترفة تستأثر بخيرات البلاد وأكثرية تكابد شظف العيش, إذ لا يحصل ثلثا الناشطين الاقتصاديين إلا على ربع الثروة، فيما تبلغ ثروة بن علي بحسب مجلة "فوربز" الأميركية المتخصصة 5 مليارات دولار سنة 2007
"

لقد اتسعت الفوارق الطبقية بين قلة مترفة تستأثر بخيرات البلاد وأكثرية تكابد شظف العيش إذ لا يحصل ثلثا الناشطين الاقتصاديين إلا على ربع الثروة، فيما تبلغ ثروة بن علي مثلا بحسب مجلة "فوربز" الأميركية المتخصصة 5 مليارات دولار سنة 2007 وقد حصن نفسه بنص الدستور من المساءلة القضائية مدى الحياة، وسن قانونا للحفاظ على امتيازات عائلته حتى بعد موته.

لقد أدى هذا الحيف الاجتماعي والنهب الاقتصادي وغياب العدالة في توزيع الثروة بين الفئات الاجتماعية والجهات إلى انفجار أحداث الحوض المنجمي، التي دامت أكثر من ستة أشهر واجهت خلالها قوات الأمن المواطنين بالقمع، فخلفت ثلاثة قتلى وعددا من الجرحى، واعتقلت قادة الحركة الاحتجاجية، وصدرت في حقهم أحكام جائرة بالسجن لعشر سنوات، انتقاما منهم ولإرهاب المواطنين ومنعهم من التظاهر والاحتجاج في المستقبل.

المعارضة في مواجهة المأزق
– أمام هذا المأزق الذي تعيشه البلاد، تعددت مواقف أحزاب المعارضة من الانتخابات الرئاسية القادمة، بين مشارك فيها وبين داع لمقاطعتها أو مقتصر على المشاركة في الانتخابات التشريعية المتزامنة معها، وهو ما يشير إلى غياب التنسيق فيما بينها، مما يزيدها ضعفا على ضعفها، ويؤبد حالة الأزمة التي تشهدها البلاد بسبب اختلال ميزان القوى لصالح الدولة البوليسية، التي تجند قوة أمنية قوامها 130 ألف شرطي لخنق أنفاس 10 ملايين مواطن، وهو ما يعادل القوة الأمنية في فرنسا التي يتجاوز عدد مواطنيها 60 مليون نسمة.

لقد عجزت المعارضة حتى الآن عن تقديم البديل، رغم أنها تلمست بداية طريقها للخروج من الأزمة من خلال حركة 18 أكتوبر/ تشرين الأول 2005 التي ضمت أطياف المعارضة الجادة من الإسلاميين واليساريين والليبراليين والقوميين ولكنها تنكبت عن مسار قوتها الذي أربك السلطة لوقت قصير، فدخلت في متاهات الحوار الفكري النظري لقضايا لا علاقة لها بجماهير الشعب، التي تئن تحت وطأة الاستبداد والفقر والبطالة والفساد.

ومما زاد في ضعف هذا التحالف عدم الإيمان الجدي لبعض أطرافه بضرورة الاجتهاد والصبر وبذل الوسع لبناء الثقة فيما بينها، وتغليب المصلحة الوطنية على المصلحة الحزبية الضيقة، وتوحيد الجهود من أجل تحقيق قدر من التوازن في مواجهة تغول الدولة، والاستفادة من التجربة التاريخية التي أثبتت أنه لا قبل لتيار بمفرده مهما كان وزنه من تحمل تبعات التغيير نيابة عن الشعب.

فلا خيار إذا أمام المعارضة الجادة سوى العمل على توحيد الجهود والسعي لتحقيق التفاف شعبي حولها يحولها إلى قوة معنوية قادرة على هزم القوة المادية الغاشمة، ولن يتسنى ذلك دون نضال وصبر وتضحية، وتجسيد النموذج والقدوة في القيادة السياسية النظيفة والمناضلة، والقادرة على استيعاب شروط المرحلة وفي مقدمتها التنازل عن المصالح الحزبية والشخصية لفائدة وطن يتسع للجميع.

– في كل الأحزاب تقريبا حديث عن "الواقعية والتعقل" والتصالح مع واقع الفساد والاستبداد، واستحضار شبح الميثاق الوطني المقبور، وبعيدا عن الأوهام واستنادا إلى معطيات الواقع الموضوعي لا نبالغ اذا اعتبرنا هذا الحديث حلما من أحلام اليقظة التي ينساق إليها ضحايا القهر، لما يمنحه لهم من شعور كاذب بالتغيير وتحسن الأوضاع بمجرد الحديث الذاتي –دون مشاركة السلطة الفاعل الرئيسي- عن المصالحة وإعادة إحياء الميثاق الوطني، هروبا من مواجهة واقع أعيا الجميع، برفضه للحوار أو التصالح فضلا عن الاستجابة ولو جزئيا ومرحليا لمطالب الإصلاح.

فكل ما يمكن تحقيقه من وراء هذه المواقف لا يتجاوز إطلاق سراح سجين أو عودة مهجر، وهو ليس بالأمر الهين، ولكنه يظل مكسبا حقوقيا يطرح السؤال حول معنى العمل السياسي، الذي يبدو أن آلة القمع نجحت في اختزاله عند البعض في مطالب جزئية لا تتعدى أحيانا جواز السفر، أو رفع الرقابة الإدارية عن هذا المناضل أو ذاك، وهي مكاسب جزئية يمكن سحبها في كل وقت وحين مع استمرار منظومة الاستبداد.

وبناء على ذلك يجب أن يظل مطلب الإصلاح السياسي هو الهدف الرئيسي لكل نشاط معارض في ظل نظام استبدادي شمولي يشكل عقبة في وجه كل إصلاح آخر، ولا خيار للمعارضة سوى القطع مع الاستبداد كليا، ولا يعني ذلك القطيعة بما هي رفض للحوار أو الحلول المرحلية، ولكنه يعني الإصرار على رفض الاستبداد، والتمسك بمطلب الحريات في كل وقت وحين وبكل أشكال النضال السلمي والمدني مهما كانت التضحيات. إذ لا يعقل أن تهدر تضحيات الشعب والتي تراوحت بين الاستشهاد والاعتقال والتشريد والملاحقات جراء تنازلات لا معنى لها.

"
حالة الجمود السياسي الذي تشهدها تونس باتت تهدد الاستقرار الاجتماعي وتنذر بعواقب لا تحمد، ظهرت نذرها في أحداث الضاحية الجنوبية للعاصمة، التي لم تتنبأ بها أكثر التحاليل تشاؤما
"

– إن حالة الجمود السياسي الذي تشهده البلاد باتت تهدد الاستقرار الاجتماعي وتنذر بعواقب لا تحمد، ظهرت نذرها في أحداث الضاحية الجنوبية للعاصمة، التي لم تتنبأ بها أكثر التحاليل تشاؤما ولكنها في المحصلة كانت إفرازا طبيعيا للمأزق السياسي الذي تردت فيه البلاد، وحالة الانسداد الكامل، واعتماد المعالجة الأمنية في التعاطي مع القضايا السياسية والاجتماعية.

وإذا كان الانسداد السياسي قد أفرز العنف الأهوج في حادثة سليمان، والاحتقان الاجتماعي أدى إلى احتجاجات الحوض المنجمي، فإنه في حالة إصرار السلطة على اتباع نفس السياسات وصم الآذان عن دعوات الإصلاح المتكررة وعدم الاستفادة من تجارب الدول المجاورة في تجاوز مخلفات الصراع السياسي التي بلغت حد سفك الدماء كما هو في الجزائر الشقيقة، ورفض تخفيف الاحتقان السياسي والاجتماعي بإعلان العفو التشريعي العام وإطلاق سراح المساجين السياسيين ومعتقلي الحوض المنجمي وعودة المهجرين، والإصرار في مقابل ذلك على انتهاج المعالجة الأمنية لملفات سياسية وحقوقية واجتماعية، يجعل عملية الانتخابات أشبه بالمسرحية، ومع استمرار بن علي في الحكم لدورة رئاسية خامسة لن تزيد الطين إلا بلة، ستتضاعف حالة الإحباط واليأس من كل إصلاح، مما يجعل مستقبل البلاد مفتوحا على أسوء الاحتمالات لا قدر الله.

الآراء الواردة في هذا المقال هي آراء الكاتب ولا تعكس بالضرورة الموقف التحريري لقناة الجزيرة.