مسبار جونو يكشف تفاصيل المناخ العاصف لكوكب المشتري بصور ثلاثية الأبعاد

مناخ المشتري يعد صورة قاسية جدا من مناخ الأرض، وبدراسته يمكن أن نفهم حالات التغير المناخية القاسية لدينا.

صورة مركبة تظهر يسارا مناخ المشتري بالأشعة تحت الحمراء (ناسا)

تمكن فريق بحثي دولي مشترك بقيادة علماء من وكالة الفضاء والطيران الأميركية "ناسا" (NASA) من الكشف عن مجموعة جديدة من أسرار مناخ كوكب المشتري عملاق المجموعة الشمسية، الأمر الذي يمكن أن يساهم في تحقيق فهم أفضل لمناخ الأرض بالتبعية.

وللتوصل إلى تلك النتائج، التي نشرت في مجموعة من الدراسات الجديدة بدوريتي "ساينس" (Science) و"ذا جيوفيزيكال ريسيرش: بلانيتس" (the Journal of Geophysical Research: Planets) يوم 28 أكتوبر/تشرين الأول الماضي، قام الفريق بفحص كم من البيانات القادمة من المسبار الفضائي "جونو" (Juno)، وبالتحديد وحدة قياس إشعاع الموجات الدقيقة (MWR) المثبتة عليه.

منذ انطلاقه في أغسطس/آب 2011، ووصوله إلى المشتري يوليو/تموز 2016، وضع المسبار جونو في مدار قطبي حول الكوكب ليدرس تركيبه وحقل الجاذبية والحقل المغناطيسي والغلاف المغناطيسي الخاص به.

بالإضافة إلى ذلك، يهتم المسبار جونو بدراسة مناخ الكوكب، وبشكل خاص نظام العواصف الخاص به. كما يبحث المسبار فيما إذا كانت للمشتري نواة صلبة، ويدرس نسبة المياه الموجودة داخل الغلاف الجوي الخاص به وكيفية توزيعها.

حجم البقعة الحمراء العظيمة بالنسبة لكوكب الأرض (ناسا)

البقعة الحمراء "العميقة"

وبحسب تلك النتائج الجديدة التي تضمنها بيان صحفي لوكالة ناسا، والتي تصف شكلا ثلاثي البعد لمناخ الكوكب، فإن الأعاصير تكون أكثر دفئا في الأعلى مع كثافة أقل في الغلاف الجوي، بينما تكون أكثر برودة في الأسفل، مع كثافة أعلى في الغلاف الجوي.

من جانب آخر، فإن نوعا آخر يسمى الأعاصير العكسية (التي تدور في الاتجاه المعاكس للأعاصير العادية)، تكون أكثر برودة في الأعلى ولكنها أكثر دفئا في الأسفل.

تشير النتائج الجديدة أيضا إلى أن هذه العواصف أعمق بكثير مما كان متوقعا، حيث يمتد بعضها إلى مسافة أكثر من 100 كيلومتر تحت السحب، لكن الأكثر إثارة للانتباه كان عمق البقعة الحمراء العظيمة الذي وصل إلى 500 كيلومتر.

البقعة الحمراء العظيمة هي أضخم عاصفة في المجموعة الشمسية، وهي ضخمة كفاية لتضع بها أكثر من كرة بحجم كوكب الأرض، ويعتقد الباحثون -في هذا النطاق- أنها تدور من 300-400 سنة، وسرعة الرياح بها تتخطى حاجز 400 كيلومتر في الساعة.

خلايا فيريل على كوكبي الأرض والمشتري (ناسا)

أحزمة المشتري العجيبة

حينما تتأمل كوكب المشتري في التلسكوب لأول مرة، ستلاحظ أنه ينقسم لطبقات كل منها فوق الأخرى، وهذه الطبقات ما هي إلا حركة العواصف الهائلة التي تدور على المشتري بلا هوادة، بعضها داكن اللون وبعضها فاتح، ويدور كل منها باتجاه معاكس للآخر صانعة مناخ الكوكب القاسي.

لطالما كانت هذه الأحزمة الداكنة والمناطق الفاتحة على المشتري سرا، لكن بفضل النتائج الجديدة لمسبار جونو تبين أنها في الداخل تشبه ما يحدث على كوكب الأرض بالضبط لكن بصورة أكثر قسوة، حيث تتقلب الرياح في منطقة محددة من الغلاف الجوي للكوكب بين الأعلى والأسفل. وتسمى تلك التقلبات "خلايا فيريل" (Ferrel Cells)، وبحسب الدراسات الجديدة فإنها في حالة كوكب المشتري أكبر في العدد بفارق 30 ضعفا.

أعاصير قطبية متعددة الأضلاع على كوكب المشتري (ناسا)

أعاصير مضلّعة

إلى جانب ما سبق، توصلت تلك الدراسات أيضا إلى الآلية التي تكونت بها بعض الأنواع الغريبة من العواصف القطبية التي تتخذ شكلا خماسي أو ثماني الأضلاع، الأمر الذي تبين أنه بسبب تفاعلها المرن جدا مع المناطق المحيطة بها، على غير الوضع على الأرض.

تحقق هذه النتائج -بلا شك- فهما أفضل لطبيعة عملاق المجموعة الشمسية؛ وبالتالي يحسن ذلك من قدرتنا على دراسته بشكل أكبر مستقبلا، لكن إلى جانب ذلك فإن هذا النوع من الدراسات مفيد لكوكبنا أيضا.

مناخ الأرض هو نموذج المناخ الوحيد الذي نمتلكه، لكننا لا نجد نماذج أخرى للمقارنة بحيث يمكن أن نفهم مناخ الأرض نفسه بشكل أفضل. من هذا المنطلق، فالمشتري هو صورة قاسية جدا من مناخ الأرض، وبدراسته يمكن أن نفهم حالات التغير المناخية القاسية لدينا.

المصدر : ناسا