داخل كهف في كاليفورنيا.. أول دليل على تناول البشر لنباتات الهلوسة

لوحة المروحة داخل الكهف مقارنة بشكل الزهرة غير المتفتحة لنبات الداتورة المقدسة (بناس PNAS)

كانت الكهوف وما زالت محط أنظار العلماء والباحثين، وعندما نتحدث عن الكهوف فإننا نتحدث عن منازل سكنها البشر لسنين طويلة، وبعضها يحمل لمحات من تاريخ الإنسان وآثاره وحضاراته وثقافاته في الأزمنة البعيدة.

وقد تناولت دراسة حديثة نشرت في دورية "بروسيدنجز أوف ذا ناشونال أكاديمي أوف ساينسز" (Proceedings of the National Academy of Sciences) الشهر الماضي (8 أكتوبر/تشرين الأول)، فنون كهف "بينويل" (Pinwheel Cave) جنوب بيكرسفيلد بولاية كاليفورنيا الأميركية.

تحمل فنون ذلك الكهف أول دليل على تناول السكان الأميركيين الأصليين لنباتات الهلوسة، وقد تبين ذلك بعد دراسة لوحة لنبات يرجع عمرها إلى أكثر من 4 قرون، تم العثور عليها على جدران الكهف.

فنون الكهوف

اكتنزت أسقف وحوائط الكهوف القديمة بالعديد من الفنون، حيث يمكن العثور على أشهر فنون الكهوف في إسبانيا وفرنسا، ويعود تاريخ فن الكهوف الحجرية القديمة الشهير في أوروبا إلى حوالي 21 ألف سنة، بينما سجلت إندونيسيا آثارا لفن الكهوف ترجع إلى حوالي 40 ألف سنة.

وتقول الدراسة الحديثة إن كهف كاليفورنيا يحمل أول دليل على تناول البشر لمسببات الهلوسة على الجدران الصخرية للكهف، ومن المحتمل أن سكان كاليفورنيا الأصليين الذين تجمعوا في الكهف رسموا شكلا يشبه المروحة وعثة ذات عيون كبيرة باللون الأحمر على جدران الكهف.

ووفقا لموقع "لايف ساينس" (Live Science)، وجد باحثون من المملكة المتحدة والولايات المتحدة أن الشكل الفني الحلزوني للمروحة يشبه زهرة نبات "الداتورة المقدسة"، وبجانب الرسم تم العثور على بقايا ألياف من أزهار تم مضغها.

زهرة نبات الداتورة المقدسة شبيهة بالرسومات التي تم اكتشافها (كنريز-ويكيبيديا)

ووفقا للدراسة الجديدة، فمن المحتمل أن تكون هذه "المروحة" الغامضة تصويرا للزهرة البيضاء لنبات "الداتورة المقدسة"، وهي تحتوي على مادة مهلوسة قوية أخذها شعب تشوماش ليس فقط للأغراض الاحتفالية ولكن أيضا لأغراض طبية وخارقة للطبيعة.

وقال الباحثون إنه من المحتمل أن تكون العثة نوعا من عثة الصقر، المعروفة برحلتها "الحلزونية" في حالة سكر بعد التهامها لرحيق زهور نبات الداتورة.

الكرات الممضوغة

يتميز نبات "الداتورة المقدسة" (Datura wrightii) بجمال أزهاره، وهو عشبة معمرة تزهر ليلا، وهي شائعة في المناطق القاحلة في الولايات المتحدة وشمال المكسيك.

وكلمة "داتورة" (Datura) مشتقة من كلمة هندية تعني "تفاحة الشوكة"، ومن الأسماء الشائعة الأخرى لهذا النبات الفريد زهور القمر، التفاح الهندي، البوق الملائكي، وبوق الشياطين، وتوجد مواد الهلوسة السامة في معظم أجزاء النبات ويمكن أن تسبب الهذيان وحتى الموت للحيوانات، وكذلك البشر.

وينتج النبات العشرات من الزهور البيضاء الكبيرة، ونظرا لأن هذا النبات يزهر ليلا، يتم تلقيح أزهاره من قبل أنواع مختلفة من العث، وتستخدم بعض الثقافات الأميركية الأصلية الداتورة المقدسة في الاحتفالات الدينية، واستخدمها رجال الطب والسحرة منذ العصور القديمة.

ورغم أن سكان كاليفورنيا الأصليين قد وثقوا تاريخيا أنهم استخدموا الداتورة للدخول في حالات النشوة، فإن هناك القليل من الأدلة تربطها بالفن الصخري.

وجد الباحثون كرات ممضوغة من التبغ تحتوي على عقاقير تغير العقل (بناس PNAS)

ولم يتم الإبلاغ عن أدلة دامغة على استهلاك المواد المهلوسة من أي موقع للفن الصخري في العالم من قبل، حتى تم اكتشاف هذه اللوحة التي ربما تمثل أزهار نبات الداتورة على سقف موقع فني صخري في الكهف إلى جانب بعض من الكويدات (Quids)، وهي كرات ممضوغة من التبغ.

تم اتباع نهج متعدد التحليلات لتحليل الكويدات والفن الصخري والسياق الأثري لهذا الموقع، وقال الباحثون إن هذه الكتل تحتوي على عقاقير تغير العقل، وتوصلت نتائج قياس الطيف الكتلي إلى وجود قلويدات مهلوسة مثل سكوبولامين وأتروبين، بينما يؤكد الفحص بالمجهر الإلكتروني أن معظمها من بقايا نبات "الداتورة المقدسة".

وتشير التحليلات الثلاثية الأبعاد إلى أن الكويد تم استهلاكه في الكهف أسفل اللوحات. وتُظهر الأدلة الأثرية والتأريخ الزمني أن الموقع قد تم استخدامه جيدا كمقر إقامة مؤقت لمجموعة من الأنشطة من عصور ما قبل التاريخ المتأخرة إلى فترات الاستعمار.

يتميز نبات "الداتورة المقدسة" بجمال أزهاره (دينيس جارفيس-ويكيبديا)

ويشير هذا البحث إلى أن الداتورة قد تم تناولها في الكهف، وأن اللوحة الصخرية تمثل النبات نفسه، وقد تكون صورة الكهف هذه قد عملت على نقل المعرفة عن النبات استعدادا لتجارب الهلوسة الجماعية، مما يؤكد استخدام المهلوسات قديما في مواقع الفن الصخري.

المصدر : الصحافة الأسترالية