الفئران "المُغَنية" تفتح المجال لعلاج اضطرابات الكلام لدى البشر

Endangered spiny mouses in Turkey's Bursa- - BURSA, TURKEY - NOVEMBER 29: A spiny mouse, one of the endangered animal species, is seen at the Bursa Metropolitan Municipality Zoo in Bursa, Turkey on November 29, 2018. These spiny mouses are generally found in Turkey's Mersin provinces and around Silifke and Cukurova districts.
لاحظ الباحثون أن الفئران تغني في ثنائيات حوارية لا يقاطع طرفاها بعضهما مطلقا (الأناضول)

أحمد الديب

بعيدا في أعالي جبال أميركا الوسطى، يعيش نوع من الفئران أطلق عليه "فأر ألستون المُغنِّي"، والاسم مستحق عن جدارة، فالعلماء يخبروننا أن هذه الفئران تمارس "الغناء" بتنوع هائل في النغمات يبلغ مئة نغمة مميزة مختلفة! بل تمارسه أيضا بتبادل الأدوار بين أفرادها، كأنها تغني في ثنائيات، أو قل إن شئت: تتحاور فيما بينها بالنغم.

آلية الغناء لدى الفئران
وقد قام باحثون من كلية الطب بجامعة نيويورك بدراسة النشاط الدماغي لتلك الفئران لفهم الكيفية التي تمارس بها تلك المخلوقات الصغيرة البسيطة هذا النشاط البالغ التعقيد، ونشروا نتائج تلك الدراسة في دورية "ساينس".

وتتعدى أهداف الدراسة في الواقع مجرد الاهتمام بهذه الفئران الموهوبة، فالنتائج قد تحمل وعودا بفتح مجالات لعلاج اضطرابات الكلام لدى البشر.

يقول الدكتور مايكل لونغ باحث العلوم العصبية بجامعة نيويورك والمشارك في الدراسة، "تشير نتائج دراستنا بوضوح إلى أن المنطقة الدماغية المعروفة بالقشرة الحركية (Motor Cortex) هي المسؤولة عن تمكين الفئران -والبشر- من ممارسة الحوار".

ويضيف "نحن في حاجة ماسة إلى فهم الكيفية التي تقود القشرة الحركية بها أكثر من مئة عضلة مختلفة في تناغم لحظي لإصدار الاستجابات الشفهية، إذا كنا نطمح إلى تطوير علاجات جديدة لاضطرابات الكلام".

آلية معقدة للغناء
ويقول لونغ في تصريح خاص للجزيرة نت "في عام 2011 سمعت لأول مرة بفئران ألستون المغنية، ودفعتنا موهبتها الفذة لاختيارها لأبحاثنا بدلا من فئران المعمل المعتادة".

ففأر ألستون المغني يستطيع الانخراط في أغنيات عالية النغمات قد يصل طول الواحدة منها إلى 16 ثانية، ولكل فأر منها أسلوبه الخاص في الغناء، وتوقيعه الصوتي الذي يميزه تماما عن غيره.

وليس هذا كل شيء، فقد لاحظ فريق الدكتور لونغ أن الفئران تغني في ثنائيات حوارية لا يقاطع طرفاها بعضهما مطلقا! فالطرف الثاني ينتظر الأول حتى ينتهي من "جملته" تماما قبل أن يبدأ في الرد على الفور.

قد تفتح الفئران المغنية الطريق إلى معرفة الأسباب وراء تأثير حالات مرضية، مثل التوحد، على ضعف القدرات الحوارية (غيتي)
قد تفتح الفئران المغنية الطريق إلى معرفة الأسباب وراء تأثير حالات مرضية، مثل التوحد، على ضعف القدرات الحوارية (غيتي)

هذا التنسيق المعقد هو ما دفع الباحثين إلى إجراء التجارب والفحوص الدماغية على أمخاخ هذه الفئران، لتحديد مجموعات الخلايا العصبية المسؤولة عن قيادة الحوار الغنائي.

وقد طبّق الباحثون تقنيات على أدمغة الفئران سببت الإبطاء المتعمد لحزم الخلايا العصبية بحيث يتباطأ إيقاع الأصوات دون التأثير على حدتها أو نغمتها. وبعد تحديد مجموعة الخلايا المؤثرة على تنظيم الإيقاع، بدأ الباحثون بتخدير هذه الخلايا موضعيا، مما أفضى بالفئران المخدَّرة إلى فقدان قدرتها على التجاوب الحواري مع أغاني الفئران الأخرى.

انعكاسات على التخاطب البشري
يقول لونغ إن "تحديد مجموعات الخلايا العصبية التي تقود أوركسترا التحاوُر في القشرة الحركية لأدمغة الفئران، ومقارنتها بمثيلاتها في أدمغة البشر، ربما يؤدي إلى فهم المزيد عن الأسباب التي تؤدي إلى تأثير حالات مرضية مثل الإصابة بالتوحد أو الجلطات الدماغية على القدرات الحوارية، وتوجيه مزيد من الأبحاث نحو مقاربات جديدة كليا للعلاج".

وتعد هذه الدراسة هي الأولى في الكشف عن استخدام نوع من الثدييات -باستثناء القردة العليا- لقشرته المخية في التحكم في الأصوات، وهو ما يفتح المجال أيضا لدراسات طبية أنثروبولوجية تستهدف الإجابة عن كيفية نشأة اللغات البشرية.

المصدر : الجزيرة