بلاد الرافدين.. سنوات عجاف بسبب نقص المياه

آثار انحسار المياه بنهر دجلة في الموصل شمال العراق
مراكز دراسات محلية ودولية أنذرت الحكومات المتعاقبة ووزارة الموارد المائية من أن العراق مقبل على سنوات عجاف (الجزيرة)

أحمد الدباغ-البصرة

"اضطررت لشراء المياه بعد انقطاعها خمسة أيام، ورغم وعود الحكومة بزيادة حصة البصرة من الكهرباء، فإن الناس تعتمد على المولدات الخاصة والأهلية، ومياه دجلة والفرات تذهب سدى إلى الخليج المالح".

بهذه الكلمات، يصف المواطن حيدر علي حال مدينة البصرة وما تعانيه من نقص في إمدادات الماء والكهرباء، حالها كحال كثير من مدن وسط البلاد وجنوبها، في بلد يُكنَّى ببلاد الرافدين ويضم ثروة نفطية بطاقة تصديرية تصل إلى قرابة أربعة ملايين برميل يوميا.

وتشهد البصرة ومعها محافظات وسط العراق وجنوبه مظاهرات حاشدة منذ أيام، للمطالبة بتوفير فرص العمل وتحسين واقع الخدمات من ماء وكهرباء وبنى تحتية.

ويرى خبراء أن من أهم أسباب نقص إمدادات المياه في وسط العراق وجنوبه، تقصير الحكومات، ويقول أستاذ الجيولوجيا والموارد المائية الدكتور خليل غزال -في حديث للجزيرة نت- إن الحكومات العراقية لم تفلح خلال الـ15 عاما الماضية في بناء أي سدود مائية، رغم أن ما أهدر من أموال خلال الحقبة ذاتها كان يكفي لتحويل العراق إلى جنة خضراء، على حد قوله.

وأوضح غزال أن مراكز الدراسات الجيولوجية والإروائية المحلية منها والدولية، أنذرت الحكومات المتعاقبة ووزارة الموارد المائية بأن العراق مقبل على سنوات عجاف ستقل فيها مستويات الأنهار، وسيتراجع مخزون البحيرات في البلاد إلى مستويات قياسية. 

إجراءات حكومية
ويقول المستشار في وزارة الموارد المائية العراقية ظافر علي حسين –للجزيرة نت– إن وزارة المائية أعلنت في شهر أكتوبر/تشرين الأول من العام الماضي من خلال عدة مؤشرات، أن السنة الحالية ستكون شحيحة في الموارد المائية المتدفقة للبلاد.

وأوضح ظافر أن من بين هذه المؤشرات انخفاض معدلات هطول الأمطار في البلاد إلى ما دون الـ50%، مقارنة بالوسط الحسابي للسنوات العشر الماضية، مع انخفاض المخزونات المائية الإستراتيجية للبحيرات بأكثر من ثمانية مليارات متر مكعب، فضلا عن قطع دول مجاورة للعراق بعض الروافد المائية عن البلاد وشروعها ببناء سدود تؤثر على إمدادات المياه المحلية. هذه المستجدات أدت إلى خروج محطات توليد كهرباء رئيسية في الناصرية عن الخدمة.

وعن الإجراءات التي اتخذتها وزارة الموارد المائية، أوضح ظافر أن من بين الإجراءات المتخذة هي تقليل الحصة الزراعية الموسمية للصيف الحالي لحفظ المياه، بعد أن شهدت الأهوار في مدن الناصرية وميسان والبصرة تناقص مناسيب المياه فيها إلى مستوى غير مسبوق.

كما أضاف أن الوزارة شرعت في إكمال المشاريع الإروائية في البصرة، وخاصة مشروع تحلية المياه "البصرة شط العرب" الذي سيفتتح في شهر أغسطس/آب المقبل بتمويل من القرض الياباني المقدم للعراق.

كما أكد أن وزارته شرعت بنصب مضخات عملاقة على بحيرة الثرثار الإستراتيجية وسط البلاد التي تصل مخزونات المياه فيها إلى 45 مليار متر مكعب لأجل ضخ المياه إلى روافد نهر دجلة، مما سيزيد من كميات المياه المتدفقة إلى وسط البلاد وجنوبها.

ترقيع
من جهته، يرى أستاذ الموارد المائية في الجامعة الحرة رياض الزبيدي -في حديثه للجزيرة نت- أن مشكلة المياه في مدينة البصرة والمدن الجنوبية الأخرى كمثال، لا تتمثل في كميات المياه فقط بل في توزيع هذه المياه والسيطرة عليها.

الزبيدي أوضح أن التلاعب بجداول المياه المتدفقة إلى المدن وسوء توزيع هذه المياه على الحواضر السكنية يسبب إهدار كميات كبيرة من المياه قبل أن تصل إلى المواطنين، وأضاف أن نسبة الملوحة في المياه تعود إلى مشاكل في شبكات التوزيع داخل المدن.

وقد أطلق رئيس الوزراء العراقي حيدر العبادي وعودا كثيرة لحل أزمة الماء والكهرباء، ويؤكد أستاذ العلوم السياسية والعلاقات الدولية في جامعة جيهان الدكتور علي أغوان -في حديثه للجزيرة نت- أن تلك الوعود جاءت لاحتواء تظاهرات المحتجين، وأنها لن تلبي 10% من مطالبهم، ذلك لأنه حينما سيذهب لإصلاح قطاع الكهرباء مثلا سيصطدم بمصالح قيادي مليشياوي كبير قد ثبّت أركان سلطته في هذه المؤسسة.

وأضاف أغوان أن العبادي حينما سيحاول إصلاح قطاع الماء سيصطدم بحليف مستقبلي من المحتمل أن يتحالف معه لتشكيل الحكومة، وكل هؤلاء فازوا في الانتخابات الأخيرة، وبالتالي فإن مسألة الإصلاح لن تكون مهمة سهلة.

وتؤكد النائبة السابقة في البرلمان العراقي الدكتورة فرح السراج للجزيرة نت أن الفساد بات ينخر جميع مؤسسات الدولة التنفيذية، وأن الحكومة لن يكون بمقدورها تلبية جميع مطالب المتظاهرين في ظل غياب البرلمان وعدم تمديد عمره إلى حين انعقاد الدورة البرلمانية القادمة.

فرح السراج أوضحت أن نقص السيولة المالية سيؤثر أيضا سلبا على تلبية مطالب المتظاهرين في ظل عدم قدرة الحكومة على التصديق على موازنة تكميلية للبلاد، مستفيدة من فرق تسعيرة النفط بين ما نصت عليه الموازنة العامة وهو 46 دولارا للبرميل والسعر الحالي القريب من 70 دولارا.

المصدر : الجزيرة