الحكم الديكتاتوري مرحلة فاصلة في تاريخ اليونان الحديث

محاكمة العسكريين بعد سقوط الانقلاب
محاكمة العسكريين بعد سقوط الحكم الديكتاتوري (الجزيرة نت)

شادي الأيوبي-أثينا 
 
عاشت اليونان خلال الأيام الماضية الذكرى الأربعين لاستيلاء العسكر بقيادة الجنرال باباذوبولوس على السلطة عام 1967، حيث حكموا البلاد سبع سنوات حكما ديكتاتوريا كان مرحلة فاصلة في تاريخ اليونان الحديث.
 
رئيس تحرير جريدة اليفثيروتيبيا اليومية سيرافيم فيندانيذيس، ومن معايشي تلك الأحداث أوضح للجزيرة نت أن الظروف في تلك الفترة كانت مناسبة لقيام حركة غير عادية.
 
وأضاف أن البلاد كانت لا تزال تحت تأثير الحرب الأهلية 1946-1950، كما كانت هناك مشاداة بين الأطراف السياسية آنذاك حيث كان النزاع قائما بين اليمين واليسار، وبين الملك المسيطر على كل شي وحكومته برئاسة كوستاندينوس كرمنليس.
 
وبسبب الوضع السياسي المتردي فإن الانقلاب العسكري لم يجد أي مقاومة تذكر، وتمكنت دبابات الجيش من السيطرة على المرافق الحكومية واحدة تلو الأخرى بسهولة.
 
وفي اليوم التالي للانقلاب اعتقلت السلطات حوالي 6500 شخص قتل بعضهم ونفي آخرون إلى جزيرة يونانية، كما وضع الزعماء السياسيون قيد الإقامة الجبرية وفرضت الرقابة على وسائل الإعلام. 
 
وأضفى الملك كوستاندينوس الشرعية على الحكومة الانقلابية ثم حاول الانقلاب عليها، لكن حركته باءت بالفشل مما اضطره لمغادرة اليونان.
 
وكانت نتائج الانقلاب كارثية على الجيش نفسه حيث فُرغ من كفاءاته العالية، كما توجهت الدبابات من حماية الحدود الخارجية إلى حماية الانقلاب في أثينا. وقد عبر العسكر عن غضبهم من تلك الحالة في تمرد سفينة عسكرية التجأت إلى إيطاليا عام 1974 بكامل طاقمها. 
 
ومن عجائب الانقلابيين أنهم رغم إجراءاتهم القمعية فقد استطاعوا تحييد القسم الأكبر من الشعب، والاستفراد بالمعارضين من اليساريين والديمقراطيين.
 
ويشرح فيندانيذيس هذه المسألة بأن الانقلابيين كونهم عسكريين استطاعوا استخدام الجيش في المشروعات العامة، كما قدموا تسهيلات اقتصادية لنسبة كبيرة من المواطنين.
 
وقد ساءت العلاقات الخارجية اليونانية مع معظم دول العالم، لكنها ازدهرت اقتصاديا مع الصين وألبانيا الشيوعيتين.
 
الدور الأميركي

دبابات الجيش اقتحمت كلية الهندسة وسط أثينا وداست وقتلت 17 طالبا (الجزيرة نت)
دبابات الجيش اقتحمت كلية الهندسة وسط أثينا وداست وقتلت 17 طالبا (الجزيرة نت)

وفيما يتعلق بالدور الأميركي في الانقلاب، قال فيندانيذيس إن مخابرات السفارة الأميركية في أثينا كانت على علم بالتأكيد بالتحضير للانقلاب وغضت الطرف عنه "التزاما منها بدعم الديكتاتوريات عبر العالم" مما أشعل موجة سخط ضد السياسات الأميركية لم تخف إلى اليوم.

 
وكانت قمة السخط الشعبي ضد أميركا مع اقتحام دبابات الجيش كلية الهندسة (بوليتخنيو) وسط أثينا حيث داست وقتلت 17 من الطلاب المعتصمين داخل الكلية، وكان الموقف الأميركي مؤيدا للحكم العسكري.
 
واعتبر فيندانيذيس أن تأييد الأميركيين للانقلاب هو إحدى الخطوات الطائشة التي قاموا بها في تلك الفترة بكثير من بقاع الأرض، وجلبت عليهم السخط والكراهية.
 
أزمة قبرص
كما اعتبر رئيس تحرير جريدة اليفثيروتيبيا الانقلابيين أساس مشكلة قبرص حيث أيدوا الانقلاب ضد الأسقف مكاريوس حاكم الجزيرة، وحاولوا فرض اتحادها مع اليونان مما أدى إلى  التدخل التركي الذي لا زالت تداعياته إلى يومنا الحاضر.
 
ورغم أن العسكر تسببوا بأزمة قبرص، فإنهم لم يستطيعوا أن يساندوا الانقلاب الذي قاموا به في الجزيرة بسبب الحالة المتردية للجيش اليوناني.
 
نهاية الديكتاتورية

قادة الانقلاب الثلاثة من اليمين الجنرال باتاكوس في الوسط الجنرال باباذوبولوس من اليسار الجنرال ماكاريزوس (الجزيرة نت)
قادة الانقلاب الثلاثة من اليمين الجنرال باتاكوس في الوسط الجنرال باباذوبولوس من اليسار الجنرال ماكاريزوس (الجزيرة نت)

وقد كانت أزمة قبرص وفشل الوحدة أول مسببات انهيار الحكم العسكري حيث بدأ العسكريون ينهارون، وتم استدعاء رئيس الحكومة السابق كوستاندينوس كرمنليس من ملجئه في باريس لتشكيل حكومة انتقالية.

 
وعقب تشكيل الحكومة صدرت أحكام بالإعدام والسجن على قادة الانقلاب تم تخفيف بعضها ومات بعضهم  في السجن، بينما أطلق من تبقى منهم لأسباب صحية.
 
داخليا ساهم فشل الانقلاب في ترسيخ أسس الديمقراطية ورخصت حكومة كرمنليس الحزب الشيوعي اليوناني بعد حظر طويل، لكن تحول حركة "اتحاد الوسط" اليسارية إلى حزب الباسوك بقيادة أندرياس باباندريو أفقده الكثير من مناصريه بسبب رفعه نفس الشعارات المعادية للغرب والوحدة الأوروبية.
 
وإثر سقوط الحكم الديكتاتوري جرى استفتاء رفض الشعب فيه عودة الملك، كما جرت انتخابات تشريعية دخلت اليونان إثرها في أجهزة الوحدة الأوروبية.
 
وكانت كثير من خطوات الانقلابيين على درجة كبيرة من السذاجة وقصر النظر، مما أشعل حولها موجة من السخرية الشعبية والسياسية.
المصدر : الجزيرة