ملاحقة جنائية أم صراع على السلطة؟.. لماذا تحاصر قوات حفتر "مسقط رأس القذافي"؟

أرجعت مصادر وناشطون من داخل "أبو هادي" ما يحدث إلى أن شبابا من المنطقة كانوا يستعدون للاحتفال بذكرى "ثورة الفاتح"، مع قرب الأول من سبتمبر/أيلول؛ ذكرى وصول القذافي للسلطة سنة 1969.

A member of the Libyan National Army (LNA) commanded by Khalifa Haftar sits in a tent at one of their sites in west of Sirte
عنصر من قوات تابعة للواء خليفة حفتر يجلس في أحد مواقعهم غرب مدينة سرت (رويترز)

طرابلس- ما زال الحصار الذي تفرضه قوات اللواء المتقاعد خليفة حفتر على منطقة "قصر أبو هادي"؛ موطن قبيلة "القذاذفة" التي ينحدر منها الرئيس السابق معمر القذافي وتبعد 20 كيلومترا جنوبي مدينة سرت بوسط ليبيا، مستمرا.

ويقود الحصار، حسب ما أفادت مصادر للجزيرة نت، لواء طارق بن زياد تحت إمرة صدام نجل حفتر، مع "قوة المهام الخاصة"، وتوثق مقاطع مصورة انتشرت على وسائل التواصل الاجتماعي جانبا مما يتعرض له سكان المنطقة من انتهاكات.

 

 

دوافع أمنية أم سياسية؟

وفي الوقت الذي تنفي فيه الغرفة الأمنية بمدينة سرت، التابعة لقوات حفتر، وجود أي حصار للمنطقة، وتؤكد أن "التمركزات العسكرية" في "أبو هادي" تستهدف القبض على خارجين عن القانون على حد وصفها، أكد ناشطون وشهود عيان من المنطقة -للجزيرة نت- منع السكان من مغادرة المنطقة أو الدخول إليها، وتعليق كل الأنشطة والخدمات، بما فيها إيقاف طلبة الشهادة الثانوية عن أداء امتحانات نهاية السنة الدراسية.

ونفى رئيس حراك الرايات البيضاء أحميد بو منيار أن يكون سبب التحركات العسكرية في سرت هو البحث عن مطلوبين، موضحا -للجزيرة نت- أن ذلك من اختصاص نيابة سرت وبحثها الجنائي، "ولا يستدعي كل هذه القوة والأسلحة الثقيلة لمحاصرة المنطقة وترويع الآمنين"، مستغربا من نشر قائمة تحمل أسماء 200 شخص تصفهم قوات حفتر بالمطلوبين في منطقة صغيرة مثل "أبو هادي".

وتحدّث بو منيار عن استهداف قبيلة القذاذفة التي ينتمي إليها، على نحو خاص، وأن "الأمر مسيّس، ولا علاقة له بمكافحة الجريمة" كما أعلن أكثر من مسؤول أمني تابع لحفتر، وذلك ما أكده أيضا الناشط الحقوقي وأحد أعيان المنطقة عقيلة دلهوم، في تصريحات عدة لوسائل إعلام محلية.

 

 

أنصار القذافي غاضبون

وبينما أكد عميد بلدية سرت مختار المعداني أن الأوضاع طبيعية في منطقة "أبو هادي" التابعة للبلدية، وجّه شيخ قبيله القذاذفة عمر الصكلول، في كلمة مصورة، رسالة إلى العميد، طالبه فيها بالاستقالة واتهمه بالكذب، مرجعا الهجوم ومحاصرة المنطقة إلى الخلاف السياسي مع أنصار نظام القذافي.

وسبق هذه التصريحات إعلان أعضاء المجلس الاجتماعي لقبيلة القذاذفة تعليق عضويتهم في مجلس قبائل سرت، احتجاجا على ما وصفوه بـ"شرعنة الحصار على أبو هادي، وإعطاء الضوء الأخضر لقوات حفتر لاستهداف أبناء القبيلة، خاصة المؤيدين لسيف القذافي منهم".

وأرجعت مصادر وناشطون من داخل "أبو هادي" ما يحدث إلى أن شبانا من المنطقة رفعوا الأعلام الخضراء استعدادا للاحتفال بذكرى "ثورة الفاتح"، حسب تصريحاتهم لوسائل إعلام محلية، مع قرب موعد الأول من سبتمبر/أيلول؛ ذكرى وصول القذافي للسلطة بعد انقلابه على النظام الملكي سنة 1969.

رواية مضادة

مقابل ذلك، صرح آمر الغرفة الأمنية في سرت، في وقت سابق، بأن التمركزات العسكرية في منطقة أبو هادي تستهدف "مجموعة خارجة عن القانون" أطلقت النار أكثر من مرة على "القوات المسلحة" بالمنطقة.

وجاء ذلك في بيان للغرفة الأمنية نشره مدير إدارة التوجيه المعنوي التابع لحفتر، اللواء خالد المحجوب، عبر حسابه بموقع فيسبوك.

وقال المحجوب إن الغرفة أقامت "عدة تمركزات" أمنية (حواجز) على الطريق العام للقبض على المتهمين، مشددا على أنه "لا توجد أي تمركزات داخل أي من الأحياء السكنية".

غير أن شهود عيان تحدثوا -للجزيرة نت- عن قطع الاتصالات والكهرباء والوقود عن المنطقة التي يسكنها نحو 30 ألف نسمة، إضافة إلى قفل المحالّ التجارية ومنع السكان من الخروج بعد نشر أكثر من 60 سيارة مسلحة تحمل جنودا ليبيين وآخرين يرجح أنهم مرتزقة.

وأكدت مصادر إعلامية من داخل سرت -للجزيرة نت- تحرك طائرتين عموديتين و4 دبابات من قاعدة القرضابية العسكرية في المدينة، يبدو أنها اتجهت بعد ذلك إلى قصر أبو هادي تزامنًا مع بداية الحصار الذي فُرض حولها.

رئيس حكومة الوحدة الوطنية الليبية عبد الحميد الدبيبة خلال إشرافه على اجتماع مجلس الوزراء في طرابلس
رئيس حكومة الوحدة الوطنية عبد الحميد الدبيبة وصف ما يتعرض له أهالي قصر أبو هادي بالظلم والترويع (الجزيرة)

استنكار محلي ودولي

من جهته، علّق رئيس حكومة الوحدة الوطنية عبد الحميد الدبيبة على ما يحدث في المنطقة، قائلا في اجتماعه بمجلس الوزراء بطرابلس، "إن ما يتعرض له المواطنون في أبو هادي بمدينة سرت من ظلم وترويع لأمنهم وسط صمت المسؤولين أمر مؤسف وغير مقبول".

 

 

وعلى صعيد دولي، أصدرت بعثة الأمم المتحدة للدعم في ليبيا بيانا أكدت فيه أنها تتابع من كثب التقارير المتعلقة بفرض قيود على حرية تنقل المدنيين كجزء من العمليات الأمنية في قصر أبو هادي بالقرب من سرت، مؤكدة تلقيها تقارير وصفتها بـ"المقلقة" تفيد بأن هذه القيود تمنع وصول المدنيين إلى المستشفيات والمدارس والمحالّ التجارية وغيرها من المرافق الأساسية.

وتصاعد الصراع بين قبيلة القذاذفة التي ينحدر منها الرئيس المخلوع معمر القذافي، واللواء حفتر، منذ صيف 2020، عندما قررت القبيلة سحب قواتها العسكرية من صفوف "حفتر" وتهديده بالمواجهة في مدينة سرت.

وجاء ذلك بعد حملة اعتقالات واسعة ضد أبنائها في الشرق الليبي، ورأى مراقبون حينئذ أن الاعتقالات الواسعة ضد القذاذفة بدأت بعد تصاعد قوة وتأييد سيف الإسلام القذافي الذي أصبح منافسا لحفتر في الصراع على السلطة.

 

المصدر : الجزيرة