ماذا بعد اعتراف بايدن بوجود "إرهاب أميركي محلي"؟

Scene of a shooting at a Tops supermarket in Buffalo, New York
ورود أمام المتجر الذي وقعت فيه حادثة القتل بمدينة بافالو بولاية نيويورك (رويترز)

واشنطن- وافق مجلس النواب الأميركي بفارق ضئيل -مساء الأربعاء الماضي- على تشريع لرفع مستوى جهود الحكومة الفدرالية لمكافحة تهديد الإرهاب المحلي. وجاء التصويت على أساس حزبي بنتيجة 222 صوتا مقابل 203، ولم يصوت إلى جانب الديمقراطيين إلا عضو واحد من الجمهوريين، هو النائب عن ولاية إلينوي آدم كينزينغر.

وجاءت هذه الخطوة بعد أيام من قيام شاب أبيض مسلح عمره 18 عاما بقتل 10 أشخاص من ذوي البشرة السمراء في متجر بمدينة بافالو بولاية نيويورك. وألقي القبض على الشاب، في حين وصفت الشرطة المحلية الحادث بأنه جريمة كراهية ذات دوافع عنصرية، كما وصف الرئيس جو بايدن الحادثة بأنها "إرهاب محلي".

وقال بايدن -خلال زيارته عائلات الضحايا- إن "ما حدث هنا بسيط ومباشر: إرهاب.. هو إرهاب محلي.. هو عنف يُرتكب خدمة للكراهية، أو التعطش الشرس للقوة، الذي يحدد مجموعة واحدة من الناس بأنها بطبيعتها أعلى من أي مجموعة أخرى".

وجاء اعترف الرئيس الأميركي مجددا بوجود إرهاب أميركي محلي، غير الذي يتم ربطه عادة بجماعات الإسلام المتطرف، ليمثل مجددا ابتعادا عن اقتصار استخدام وصف الإرهاب فقط عندما يكون مرتكب الحادث من المسلمين أو العرب.

وعدم وجود قوانين أميركية واضحة تُعرف الإرهاب الداخلي سهّل من دأب المسؤولين الأميركيين على الابتعاد عن توصيف أي حوادث مماثلة بالإرهاب، وهو ما يعده عدد من المعلقين سلوكا عنصريا "تنميطيا" في حد ذاته يستهدف المسلمين.

بايدن .. والمواجهة مبكرا

في يونيو/حزيران الماضي، أصدر البيت الأبيض "إستراتيجية وطنية لمكافحة الإرهاب المحلي" عرض فيها بايدن نهجا شاملا لمعالجة مظاهر هذا النوع من التهديد الإرهابي، إضافة لاستقراء السيناريوهات المستقبلية التي قد يتخذها التهديد الإرهابي خلال السنوات المقبلة، إلا أن إستراتيجية بايدن بقيت حبيسة الأدراج حتى وقوع جريمة مدينة بافالو.

وهنا تبرز أهمية مشرع القرار الجديد، الذي جاء تحت اسم "قانون منع الإرهاب المحلي"، حيث يطالب بتأسيس وحدات خاصة في وزارتي الأمن الداخلي والعدل، إضافة لمكتب التحقيقات الفدرالي "إف بي آي" (FBI) بهدف التركيز بشكل خاص على التحقيق في التهديدات الإرهابية المحلية وتتبعها، واتخاذ خطوات لمنع الهجمات في المستقبل.

ويرفض الجمهوريون التصويت لصالح مشروع القرار بدعوى أنه "سيخلق مكاتب مكافحة إرهاب محلية غير ضرورية في وزارات حكومية، من بين مخاوف أخرى"، حسب ما جاء في مذكرة وزعها ستيف سكاليز، القيادي الثاني للأقلية الجمهورية بمجلس النواب.

وتصور بعض المعلقين أن الهجوم غير المسبوق على مبنى الكابيتول -في السادس من يناير/كانون الثاني 2021 لتعطيل التصديق على انتخاب بايدن من قبل المئات من أنصار الرئيس السابق دونالد ترامب- كفيل بدفع قضية الإرهاب المحلي على أجندة الكونغرس، ولم يتخذ مجلسا الكونغرس أي مبادرة لسن قوانين تتعلق بالإرهاب المحلي، خاصة الذي يمارسه متطرفون من البيض.

Scene of a shooting at a Tops supermarket in Buffalo, New York
حائط في مدينة بافالو كتبت عليه عبارات تندد بالقتل وتدعو للسلام (رويترز)

الإرهاب المحلي موجود.. والقانون مفقود

ويرجع عدم الاتفاق داخل أميركا على عدم الاستخدام الموسع لوصف جرائم الكراهية التي يرتكبها البيض بـ"الإرهاب" إلى غياب تعريف جامع وشامل للممارسات الإرهابية، إضافة إلى تناقضات واسعة بين آراء السياسيين والخبراء القانونيين بشأن الحالات التي يتم فيها إطلاق وصف إرهابيين على منفذي الهجمات.

ويعتقد بعض المراقبين أنه، من دون تحديد واضح لطبيعة مفهوم الإرهاب وتهمته، ستظل هناك فجوة قانونية تعرقل ملاحقة أنصار سمو العرق الأبيض.

ولا يوجد تعريف دقيق لمصطلح الإرهاب يتفق عليه الخبراء والساسة ورجال القانون الأميركيون. وخلال العقود الماضية، تم استخدام تسمية الإرهاب بطريقة منتقاة تخدم أجندة السياسة الخارجية الأميركية، وتضاعف استخدام التسمية عقب هجمات 11 سبتمبر/أيلول 2001، وكثير ما رُبط الإرهاب بـ"التطرف الإسلامي".

ويعرف القانون الفدرالي الأميركي الإرهاب بأنه "الاستخدام غير المشروع للقوة والعنف ضد الأشخاص أو الممتلكات، لتخويف أو إكراه حكومة أو سكان مدنيين، تعزيزا للأهداف السياسية أو الاجتماعية" (المادة 28 من قانون العقوبات والقواعد التنظيمية 0-85).

وتشير القوانين الفدرالية الأميركية إلى أن "الإرهاب المحلي" يعني أنشطة تنطوي على أعمال خطيرة على حياة الإنسان التي تنتهك القانون الفدرالي، أو قوانين الولايات. وهي أنشطة تهدف إلى تخويف أو بث الرعب بالاغتيال والاختطاف من أجل التأثير على سلوك الحكومة.

أما وزارة الدفاع "بنتاغون" (Pentagon) فتعرف الإرهاب -طبقا لتعديل اللوائح العسكرية نوفمبر/تشرين الثاني 2010- بأنه "الاستخدام غير القانوني للعنف أو التهديد بالعنف لغرس الخوف، والإكراه على الحكومات أو المجتمعات. وغالبا ما تكون المعتقدات الدينية والسياسية والأيديولوجية هي الدافع وراء الإرهاب لتحقيق أهداف سياسية في العادة".

ويميز تعريف البنتاغون بين دوافع الإرهاب (الدين، الأيديولوجية، وغيرهما) وبين أهداف الإرهاب (سياسية في العادة).

ويُعرف مكتب التحقيقات الفدرالي الإرهاب المحلي بأنه "أعمال عنيفة وإجرامية، يرتكبها أفراد أو جماعات لتحقيق أهداف أيديولوجية نابعة من تأثيرات محلية، مثل تلك ذات الطابع السياسي أو الديني أو الاقتصادي".

الإرهاب واختلاف الآراء حول تعريفه

من جهتها، تقول أستاذة الدراسات الأفريقية في جامعة ولاية كاليفورنيا، ميلينا عبد الله، إن "استخدام مصطلح الإرهاب لوصف ما يقوم به أنصار تفوق العرق الأبيض يساعد على فهم وكشف تهديداتهم للدولة، مشيرة إلى أنه تم استخدام وصف الإرهاب ضد الأميركيين من أصول أفريقية والمسلمين في حالات كثيرة، واستغربت من عدم تطبيق ما يطبق على الفئات الأخرى عندما يتعلق الأمر بالأميركيين البيض".

على الجانب الآخر، رأى عدد من الخبراء القانونيين أن تسهيل استخدام تهمة الإرهابي يؤدي "إلى تليين الضوابط الإجرائية لتمكين جهات إنفاذ القانون من ضبط المتهمين، وإحالتهم للقضاء بشروط أقل صرامة" طبقا لخبيرة قانونية فضلت عدم ذكر هويتها ومنصبها.

وتضيف الخبيرة القانونية أنه "من شأن توصيف ما جرى بالإرهاب أن يضعف الحماية القانونية المتاحة للمتهمين مقارنة بأي توصيف آخر، كما يؤدي إلى غياب الضمانات في الإجراءات الجنائية".

وفي مقال نُشر في صحيفة "واشنطن بوست" (Washington Post)، عبّرت كل من داليا شمس وطارق إسماعيل، وهما من الخبراء بالقانون الجنائي الأميركي، عن تخوفهما من التوسع في الإشارة إلى أعمال عنف مختلفة على أنها أعمال إرهابية.

واعتبرتا أن "الإرهاب -بوصفه بناء قانونيا- لا ينفصل عن إرث التمييز والعنصرية الأميركية، وقد تم استغلال قوانين لاستهداف منظمات المسلمين، ومنظمات السود الأميركيين، وغيرهم من الفئات المهمشة لعقود، فأجهزة الدولة تحتكر ترجمة القوانين، وربما تستخدم لقمع الفئات الأكثر ضعفا لاحقا".

المصدر : الجزيرة