استهلاك المصريين للطعام.. بين تضخيم السلطة وفقر الواقع

قفزت أسعار اللحوم والدواجن في مصر بنسبة 20 -30 بالمئة خلال الفترة الأخيرة / الجزيرة نت
استهلاك المصريين للبروتين الحيواني أقل من المعدلات العالمية (الجزيرة)

القاهرة – بين الحين والآخر يلاحظ المتابع لوسائل إعلام مصرية أنها تكثف من إبراز إحصاءات رسمية تتحدث عن مؤشرات استهلاكية كان آخرها حجم استيراد مصر للحوم من الهند، حيث رصد الجهاز المركزي للتعبئة والإحصاء استيراد أنواع لحوم مختلفة بنحو 702 مليون دولار، خلال الفترة من يناير/كانون الثاني إلى ديسمبر/كانون الأول من العام الماضي.

وأوضح جهاز الإحصاء (حكومي) أن الواردات من الهند خلال 12 شهرا بلغت قيمتها حوالي 3 مليارات دولار، من بينها واردات لحوم وأحشاء وأطراف وهياكل دجاج قيمتها 702 مليون دولار، بزيادة قدرها 30% عن عام 2020، حيث بلغت قيمة وارادت اللحوم وقتها 540 مليونا.

وقبل نحو أسبوعين، أصدرت نفس الجهة إحصاء يخص واردات لحوم الأبقار الطازجة والمجمدة من الخارج بقيمة مليار و300 مليون دولار.

ودأب الإعلام المحلي على التعامل مع مثل تلك الاحصاءات كدلالة على يسر معيشة المواطنين باعتبارهم يتغذون بمليارات الدولارات، أو أنهم جزء من أزمة الاقتصاد كونهم يبالغون في الإنفاق على الطعام، وذلك عبر عناوين مثل: المصريون يستهلكون لحوما هندية بنحو 700 مليون دولار، المصريون يستهلكون 44 ألف طن من الكاجو، وغير ذلك.

للوهلة الأولى يبدو فعلا أن المصريين يستهلكون لحوما بأموال طائلة، لكن مع مقارنة الأرقام المعلنة بعدد السكان والفترة الزمنية للاستهلاك، تظهر حقائق مغايرة لما تصدره وسائل الإعلام المحلية من ضخامة استهلاك المواطنين للطعام.

فعلى سبيل المثال، ووفق ما أعلن عنه جهاز الإحصاء، فإن نصيب الفرد الواحد من اللحوم المستوردة خلال العام الواحد يصبح قرابة كيلوغرام، وذلك بالنظر لتعداد السكان الذي يبلغ 103 ملايين نسمة، وسعر كيلو اللحم الذي يتراوح بين 140 و180 جنيها (الدولار = 18.44 جنيها).

وقد وصلت معدلات الفقر في مصر إلى 29.7% العام 2019-2020، وفق البيانات الرسمية.

دعاية إعلامية

اللافت للنظر أن وسائل الإعلام المحلية تتناول أخبار استهلاك المصريين للطعام بنوع من التضخيم لمعدلات الاستهلاك، كما لو أن البلاد تعيش انتعاشة اقتصادية.

خلال الشهر الماضي، قال إبراهيم العشماوي مساعد وزير التموين ورئيس جهاز تنمية التجارة التداخلية، إن متوسط استهلاك المصريين شهريا من الطعام يبلغ 50 مليار جنيه، وأضاف -في تصريحات متلفزة- أن متوسط الاستهلاك يرتفع في شهر رمضان إلى 75 أو 80 مليار جنيه.

وقبل ذلك نقلت كثير من وسائل الإعلام المحلية خبر استهلاك المصريين للشاي بقيمة 3 مليارات جنيه خلال الفترة من يناير/كانون الثاني إلى أكتوبر/تشرين الأول من العام الماضي.

وتحت عنوان "المصريون أكلوا 44 ألف طن كاجو في 9 أشهر" تناولت صحيفة "اليوم السابع" حجم الكميات التي استوردتها مصر من الكاجو خلال الفترة من يناير/كانون الثاني إلى سبتمبر/أيلول من العام الماضي.

خلل اقتصادي

من جهته، قال الخبير الاقتصادي عبد النبي عبد المطلب -في تصريحات للجزيرة نت – إن الإحصاءات الرسمية الخاصة باستهلاك المصريين للغذاء تشير إلى خلل في منظومة الاقتصاد الكلي للبلاد.

وأضاف أن ما نستنتجه كخبراء اقتصاد من الأرقام المعلنة أن الحكومة توجه الجزء الأكبر من موارد الدولة للإنفاق الاستهلاكي، بدلا من زيادة الإنتاج أو التوسع في إقامة مشاريع صناعية وزراعية تساعد على زيادة نسبة الاكتفاء الذاتي، والمساهمة في تقليل الاعتماد على الخارج لتوفير الغذاء.

وأشار عبد المطلب إلى أن الإعلان عن قيمة الاستهلاك كانت تؤثر بشكل كبير على المصريين في وقت سابق، وأردف أن أرقام الاستهلاك كانت تعطي مؤشرا للمصريين أنهم جزء من أسباب معاناتهم، ومعاناة الاقتصاد المصري ككل.

لكن الوضع تغير الآن -حسب قول الخبير الاقتصادي- معتبرا أن الناس حاليا يتعاملون مع مثل هذه الأخبار بنوع من التحليل العلمي الدقيق من خلال قسمة المبالغ المذكورة على عدد السكان.

واختتم قائلا "في ظل انتشار منصات التواصل الاجتماعي ووفرة البيانات، أصبحت مثل هذه الأخبار والبيانات غير ذات جدوى، بل وقد تحقق أهدافا معاكسة للأهداف التي تم نشرها من أجل تحقيقها".

المواطن يدفع

بدوره، اعتبر رئيس المركز المصري لدراسات الإعلام والرأي العام مصطفى خضري أن الترويج لمعدلات استهلاك المصريين للطعام محاولة لإلقاء الفشل الاقتصادي على عاتق المجتمع "وكأن النظام يدفع هذه المبالغ المالية من جيبه لا من جيوب المواطنين".

وأوضح خضري -في حديثه للجزيرة نت- أن مصر تقع في ذيل قائمة الدول من حيث نصيب الفرد من البروتين الحيواني، فالمواطن فعليا يعيش في فقر بروتيني، وذلك بعكس ما يروجه إعلام النظام.

وكشف تقرير لوزارة الزراعة، صدر عام 2017، عن انخفاض نصيب الفرد من اللحوم الحمراء إلى 7 كيلوغرامات خلال العام، مما يعني معدلا قدره 18 غراما يوميا، وهو أقل من متوسط نصيب الفرد عالميا البالغ 24 غراما في اليوم.

وبالنسبة لتأثير ذلك على المواطنين، أكد الخبير في بحوث الرأي العام أن تلك الأساليب الإعلامية عفا عليها الزمن، ولم تعد مناسبة في عصر الرقمنة والسماوات المفتوحة.

واستطرد "النهضة التكنولوجية الرهيبة التي حدثت السنوات العشر الأخيرة صنعت أجيالا من الشباب لديهم من الوعي والمعرفة، ما يجعلهم ينظرون إلى إعلام النظام نظرة استهزاء وازدراء".

وأكد رئيس المركز المصري لدراسات الرأي العام أن المصريين يشترون احتياجاتهم من الغذاء وفق ظروفهم وإمكانياتهم، ولا يلتفتون إلى ما يقال في إعلام النظام.

إهدار الطعام

على الجانب الآخر، يرى برلمانيون أن استهلاك المصريين للغذاء زائد إلى حد الإهدار، مطالبين بضرورة ترشيد الطعام في إطار سن تشريعات وإطلاق مبادرات مجتمعية.

وقد تقدمت أمين سر لجنة العلاقات الخارجية بمجلس النواب، أميرة صابر، بمشروع قانون لتنظيم مكافحة هدر الطعام وتشجيع إعادة توزيعه وتدويره والتبرع به، ويحدد المشروع عقوبات لمن يخالف نصوص القانون، تصل إلى غرامة قيمتها نصف مليون جنيه.

وفي هذا الصدد أيضا، اقترح عضو لجنة الزراعة والأمن الغذائي بالبرلمان، مجدي ملك، إطلاق مبادرة تكافلية من جانب وزارة التضامن الاجتماعي بالتعاون مع مؤسسات المجتمع المدني، تهدف للتوعية بمخاطر عدم ترشيد الاستهلاك من الأطعمة، وتوزيع الصالح من فائض الطعام الخاص بالفنادق والمطاعم للأسر الأولى بالتكافل.

وقال ملك -في تصريحات صحفية- إن البلاد في حاجة قصوى إلى نشر ثقافة الاستهلاك الرشيد من الطعام، في ظل انتشار السلوكيات التي تهدر الطعام الآونة الأخيرة، حسب قوله.

وأشار النائب إلى أن الدعوة لترشيد الاستهلاك تتمحور حول دعم اقتصاد الأسرة من خلال توفيرها للنفقات، ومن ثم يتم توجيهها للمتطلبات الأكثر ضرورة.

وقبل أسبوعين، دعا الرئيس عبد الفتاح السيسي المصريين إلى ضرورة الابتعاد عن الإسراف، قائلا "إذا كنتم ترغبون في مستقبل وحياة أفضل لأبنائنا وبناتنا وأحفادنا القادمين، فلابد من التمسك بالترشيد والابتعاد عن الإسراف".

وقال أيضا "البعض يسرف في الطعام خلال شهر رمضان، ولكن يجب أن يكون هناك ترشيد" مؤكدا أنه يفعل ذلك مع أسرته ويطالبهم بالترشيد واختيار المنتجات الأقل سعرا.

المصدر : الإعلام المصري + الجزيرة