قانون محاربة الانعزالية بفرنسا.. هل خيط على مقاس المسلمين لمحاصرتهم وتهميشهم؟

محللون وناشطون: قانون الانفصالية الإسلامية ولد ميتا لأنه لا يشبه الواقع.. وأطياف سياسية معارضة واسعة ومنظمات حقوقية ترفضه بشدة

ناشط حقوقي يعتقد أن قانون الانعزالية هو جزء من حملة ماكرون الانتخابية الذي تراجعت شعبيته في الآونة الأخيرة (وكالة الأنباء الأوروبية)

بعد أسبوعين من النقاشات المستفيضة والجدل الحاد والتعديلات الكثيرة، أقرّ النواب الفرنسيون بالجمعية الوطنية في قراءة أولى، يوم الثلاثاء 16 فبراير/شباط الجاري، بغالبية واسعة مشروع قانون "تعزيز مبادئ الجمهورية".

ويجرم النص "النزعات الانفصالية" ويعزز الرقابة على الجمعيات وتمويل الأنشطة الدينية، ويشدد الخناق على نشر الكراهية عبر الإنترنت، إضافة إلى تدابير أخرى.

وقد لقي مشروع القانون معارضة شديدة من قبل أطياف سياسية يسارية معارضة داخل قبة البرلمان وخارجه من قبل منظمات المجتمع المدني ومثقفين وأكاديميين وباحثين يرون فيه مساسا بالحريات العامة، ويعتبرون أنه يسعى إلى "وصم المسلمين وتهميشهم" و"يجعل منهم كبش فداء لإخفاقات الرئيس إيمانويل ماكرون في السياسة الخارجية والداخلية، ومكافحة وباء كورونا وإنعاش الاقتصاد".

وأوضح الناشط في مجال حقوق الإنسان ياسر اللواتي أن ماكرون الذي تراجعت شعبيته مؤخرًا، وضع أجندة مصطنعة قبل الانتخابات بعام ونصف العام، مشيرا إلى أن مشكلة الانعزالية أو الانفصالية هي مشكلة مصطنعة وغير موجودة على أرض الواقع، ولا توجد منظمة أو جماعة أو منطقة في فرنسا لديها مطلب انفصالي.

أما المعارض اليساري ورئيس حركة فرنسا الأبية جان لوك ميلونشون فانتقد بشدة هذا القانون في مداخلته بالجمعية العامة في الأول من فبراير/شباط الحالي، حيث تحدث عن نفاق الحكومة الفرنسية التي تتغافل عن الانفصالية الاجتماعية للأثرياء والانفصال الديني للكونكوردات والانفصال المؤسسي للاتحاد الأوروبي، لكنها في المقابل تشدد على الانفصالية الإسلامية.

واستنكر ميلونشون الخلط المتعمد والمقصود للدولة بين الإسلام بوصفه دينا يحمل قيما معتدلة وبين الحركات المتطرفة التي لا تمثل الإسلام.

وذكّر رئيس حركة فرنسا الأبية في خطابه الحاضرين تحت قبة الجمعية الوطنية، بأن المسلمين الذين نصفهم بالانفصاليين اليوم هم الذين شاركوا في الحروب مع فرنسا وقاوموا النازية وساعدوا في بناء الجمهورية الحديثة.

فارغ المضمون

وعن رأيه في قانون الانفصالية الإسلامية وفقراته الكثيرة، يقول الناشط المجتمعي ورئيس الجمعية الاجتماعية الثقافية الإسلامية في باريس أمين حدادي إنه لا يستغرب مثل هذه القوانين التمييزية والظالمة ضد المسلمين، موضحا أن هناك فراغا سياسيا نتيجة جائحة كورونا، تحاول حكومة ماكرون استغلاله لتعلن عن وجودها من خلال الاستحواذ على أفكار اليمين واليمين المتطرف حتى ترضي قاعدته الانتخابية خاصة مع اقتراب الانتخابات الرئاسية.

ويضيف أن السياسة الآن في فرنسا بحسب حزب ماكرون تقوم على استمالة المعارضة التي هي أساسا اليمين المتطرف.

وتابع أن "هذا القانون فارغ المضمون وليس فيه أي جديد، وكل أفكاره ومقترحاته قديمة".

ولد ميتا

وعن علاقة هذا القانون بالواقع المجتمعي الفرنسي، يشدد الناشط حدادي على أنه حسب معرفته بالواقع الفرنسي فإن "هذا القانون سوف يموت في أدراج وزارة الداخلية، وبعد سنة أو سنتين على الأكثر لن يسمع الناس به مجددا لأنه ببساطة قانون فارغ المضمون وولد ميتا".

وتساءل حدادي مستنكرا "لماذا يقع اليوم الزج بقضايا مغلوطة مثل قضية الحجاب والعذرية وتعدد الزوجات والزواج القسري مرة أخرى في هذه النقاشات السياسية العقيمة؟

ويختم الناشط أمين حدادي كلامه متسائلا: أين الجمهورية التي يتحدثون عنها في هذه المدن والأحياء الفقيرة التي يخشون أسلمتها؟ أين الدولة في هذه الأماكن؟ وأين العدالة الاجتماعية في هذه الأحياء التي ترتفع فيها نسبة البطالة إلى أكثر من 51%؟ وأين مستقبل هؤلاء الشباب؟ ومن يقف وراء هؤلاء المتطرفين الذين يطالعوننا بهم كل مرة؟ هذه هي الأسئلة الجوهرية التي يجب أن تطرح في الجمعية الوطنية.

خيط على مقاس المسلمين

وأما الناشط المجتمعي ورئيس جمعية ينابيع الخير الإسلامية عبد الكريم بورخيص فيشرح رأيه في هذا القانون، قائلا إنه بُني في ظاهره على الأسباب الأمنية لكنه في عمقه وُجد ليحد من تطور وتنامي نشاط المسلمين في فرنسا وأوروبا.

ويعتبر بورخيص أن قانون الانفصالية الإسلامية هو قانون ظالم خيط على مقاس المسلمين لكي يحاصرهم ويهمشهم ويحيّد جمعياتهم ويجمد نشاطها ويغلقها في النهاية.

حرب سياسية ديماغوجية على الجمعيات

ومن فقرات مشروع القانون التي شهدت جدلا حادا ونقاشات حامية، الفقرة التي تنص على إلزام الجمعيات الدينية في فرنسا بالتصريح بالتمويل الذي تتلقاه من الخارج وتتجاوز قيمته 10 آلاف يورو سنويا تحت طائلة عقوبة.

وعن هذه الإلزامية والرقابة التي ستفرض على الجمعيات الدينية، يقول الناشط والمحلل عبد الكريم بورخيص إن هذه مسألة مغلوطة بالأساس لأن أغلب المساجد ممولة من الداخل وتروّج للتعايش السلمي وتشجع على الحوار وعلى المبادئ وقيم الإسلام السمحة.

وشدد بورخيص على أن الدولة تتعامل بسياسة المكيالين، ضاربا مثلا بالجمعيات الكاثوليكية واليهودية الخاصة بالتدريس التي تحصل على مساعدات وعقود تعاون سخية من الدولة تمكّنها من النشاط ومن ممارسة التدريس المنظم، عكس الجمعيات الإسلامية الممنوعة من هذه العقود والمساعدات والتسهيلات.

في حين يقول الناشط الجمعوي أمين حدادي عن موضوع الرقابة إن "كل هذه العملية والمسرحية هي حرب سياسية ديماغوجية"، مؤكدا أن تمويل المساجد والجمعيات والمدارس كلها يتم بمساعدات داخلية وبتمويل من الجالية المسلمة الفرنسية.

المصدر : الجزيرة