جاكرتا.. زيارة بلينكن أعادت فتح ملف صراع النفوذ الصيني الأميركي في إندونيسيا
ينظر الإندونيسيون لزيارة وزير الخارجية الأميركي في إطار السعي لتحقيق التوازن في المنافسة مع الصين جنوب شرق آسيا، حيث لا تريد أميركا أن تفقد نفوذها بالمنطقة ولا أن تعتمد جاكرتا على استثمارات بكين.
جاكرتا- أعادت زيارة وزير الخارجية الأميركي أنتوني بلينكن الأخيرة إلى إندونيسيا فتح ملف الصراع الأميركي الصيني على منطقة جنوب شرق آسيا، وعلى وجه الخصوص في إندونيسيا، نظرا لما يتمتع به البلد من قوة بشرية واقتصادية وجغرافية كبيرة.
ففي حين تعد إندونيسيا منطقة نفوذ أميركية منذ عقود، فإن الصين تحقق اختراقا لافتا في إندونيسيا بفضل استثماراتها الضخمة خصوصا في عهد الرئيس الحالي جوكو ويدودو الذي يسعى للاستفادة من الطرفين لتحقيق تنمية اقتصادية لافتة لبكين.
اقرأ أيضا
list of 4 itemsوصفت بأنها الأضخم.. إندونيسيا والولايات المتحدة تجريان مناورات عسكرية مشتركة
مع تصاعد التوتر في بحر جنوب الصين.. إندونيسيا وأميركا تضعان حجر الأساس لمركز بحري إستراتيجي مشترك
ذا هيل: هل تستطيع الولايات المتحدة خوض حرب على أربع جبهات؟
فقد دعا وزير الخارجية الأميركي أنتوني بلينكن الصين إلى وقف أعمالها التي وصفها بالعدوانية، في منطقة المحيطين الهندي والهادي، وذلك في أول جولة له في جنوب شرق آسيا.
وقال بلينكن -في كلمته بجامعة إندونيسيا بمدينة ديبوك قرب جاكرتا- الثلاثاء "نحن مصممون على ضمان حرية الملاحة في بحر جنوب الصين، حيث تهدد أعمال بكين العدوانية تبادلات تجارية تزيد قيمتها على 3 تريليونات دولار سنويا".
وتأتي زيارة أول وزير بإدارة الرئيس جو بايدن إلى جاكرتا في ظل أزمة بين الأخيرة وبكين، وبعد أسابيع قليلة من مطالبة الصين لإندونيسيا بوقف التنقيب عن النفط والغاز في ناتونا، وهي منطقة تزعم بكين أنها تتبع لها في بحر جنوب الصين، إلى جانب مناطق أخرى في بحر الفلبين وماليزيا وفيتنام وتايوان وبروناي دار السلام.
صراع النفوذ بمنطقة آسيوية
يقول البروفيسور بكلية القانون الدولي في جامعة إندونيسيا، حكمت هانتو جوانا، إن جولة بلينكن بالدول الآسيوية لا تعالج الأزمة الواقعة في جزر "ناتونا" بقدر ما هي للمنافسة المحمومة بين أميركا والصين، لا سيما وأن إندونيسيا لا تتجاوب مع مطالبات الصين في قضية التنقيب النفطي.
ورأى، في حديث للجزيرة نت، أن أميركا حريصة على التزام دول جنوب شرق آسيا بالقيم الديمقراطية التي تتبناها الولايات المتحدة، مستدركا أن الصين قد حذرت جنوب شرق آسيا من الوقوع في سيطرة واشنطن.
ويشير البروفيسور إلى أن الموقف الصيني يستمد قوته من حجم الاستثمارات الاقتصادية الضخمة في البلاد، والتي تفوق الاستثمارات الأميركية التي تركّز على التفوق في مجالات أخرى.
ويضيف أن إندونيسيا تتبنى "سياسة حرة ونشطة" خارجيا، من شأنها أن تتعاون مع كل دولة أو طراف على مبدأ المصالح والمكاسب المتبادلة، دون أن تكون حليفة لأي طرف، بل تتخذ إجراءات صارمة في وقت تعرضت لانتهاك حقوقها ومصالحها.
وبرأيه فإن نفوذ كل من الصين وأميركا في إندونيسيا متساوٍ، ويستفيد البلد منهما اقتصاديا وأمنيا، مضيفا أن على إندونيسيا، كدولة كبيرة، ألا تخضع لأية إملاءات خارجية، رغم تأثير استثمارات هذه الدول في بعض قرارات إندونيسيا "غير الأساسية".
وقال البروفيسور إن زيارة أي مسؤول أميركي لإندونيسيا، حاليا، تعبّر عن الشعور بالتهديد من صعود النفوذ الصيني بالمنطقة، مستدركا أن موقف الدولة الإندونيسية لا يزال محايدا، ويعمل على تهدئة الولايات المتحدة.
توازن النفوذ بالمنطقة
من جانبه، يقول أرفي سودرمان، المحلل السياسي والأستاذ بجامعة باجاجاران باندونغ، إن زيارة بلينكن تسعى لتحقيق التوازن في المنافسة، حيث لا تريد أن تفقد نفوذها في المنطقة ولا أن تعتمد إندونيسيا على استثمارات الصين في بلادها، شأنها كشأن الحرب الباردة بأشكال وأوضاع مختلفة.
ويستدل، في حديثه للجزيرة نت، بأن أميركا تتعاون مع أطراف ودول عدة لتعزيز نفوذها عبر اتفاقات مع أستراليا والهند واليابان في مجال الاقتصاد والشؤون العسكرية، وكذلك التعاون القوي مع دول أوروبا، مذكرا بسلوك مماثل في الحرب الباردة القديمة بمواجهة النفوذ السوفياتي.
ويرى أن السياسة الخارجية الأميركية الحالية يشوبها الغموض بخصوص ميزانيتها العسكرية البسيطة في المنطقة الآسيوية، مقارنة بميزانيتها العسكرية في مناطق أخرى كالشرق الأوسط، وببناء القواعد العسكرية الأميركية المنتشرة في العالم والتى تُقدر بـ 800 قاعدة.
وتصل ميزانية الوجود الأميركي في المحيطين الهندي والهادي إلى 179 مليون دولار، في حين تبلغ ميزانيتها في الشرق الأوسط مليارات الدولارات.
وحسب المحلل السياسي، فإن الولايات المتحدة تدرك "عدوانية" الصين في منطقة المحيطين منذ عقود، ولم تتخذ الخطوات اللازمة، مشيرا إلى خروج الرئيس السابق دونالد ترامب من بعض التحالفات الدولية وانتهاز الصين الفرصة في توسيع نفوذها بهذه التحالفات.
ويرى أن نفوذ أميركا في المنطقة الآسيوية، ومن بينها إندونيسيا، يفوق نفوذ الصين عسكريا وليس اقتصاديا، في حين أصبح حجم الاستثمارات الصينية الحالية في إندونيسيا يفوق الاستثمارات الأميركية.