جنوب القوقاز ساحة جديدة للصراع.. أين تقع أنقرة في الصدام بين أرمينيا وأذربيجان؟

Civilian areas hit in Azerbaijan-Armenia skirmish
دمار سببه قصف أرميني في منطقة توفوز الأذرية قرب الحدود مع تركيا (الأناضول)

من دون سابق إنذار، اندلعت قبل أيام اشتباكات مسلحة بين أذربيجان وأرمينيا في منطقة توفوز الحدودية، وتخللها دعم تركي لوجستي لباكو، وتنسيق عسكري معها، في أعقاب لقاءات عسكرية رفيعة بين البلدين. لكن ما علاقة تركيا بالصدام بين هاتين الدولتين؟ وهل تنظر أنقرة إلى القضية على أنها استهداف لها بالدرجة الأولى؟

وكان جيش أرمينيا سيطر على مرتفع إستراتيجي داخل الأراضي الأذرية على الحدود الدولية بين الدولتين، وأدى إلى سقوط 16 عسكريا من الجانبين، مما منح أرمينيا السيطرة النارية وإمكانية التحكم في أنابيب النفط والغاز المارة بالمنطقة باتجاه جورجيا وتركيا.

وتحتل القوات الأرمينية منذ عام 1992 نحو 20% من الأراضي الأذرية، التي تضم إقليم "قره باغ" ومناطق أخرى غربي البلاد، إضافة إلى أجزاء من آغدام وفضولي.

أنقرة سارعت لإدانة هذا التصعيد الأرميني الجديد، ودعت يريفان لاحترام القانون الدولي، ومغادرة المناطق التي تحتلها التزاما بقرارات مجلس الأمن أرقام: 822 و853 و874 و884، التي تطالب أرمينيا بإنهاء احتلالها للأراضي الأذربيجانية.

وصرح الرئيس التركي رجب طيب أردوغان بأن تركيا لن تتردد أبدا في التصدي للهجوم على حقوق وأراضي أذربيجان.

وقال رئيس الصناعات الدفاعية التركي إسماعيل دمير في تغريدة على حسابه بتويتر إن الصناعات الدفاعية التركية -بما فيها الطائرات المسيرة المسلحة والصواريخ وأنظمة الحرب الإلكترونية وكل الخبرات التركية- في خدمة دولة أذربيجان الشقيقة.

وأصدرت 4 كتل برلمانية كبرى في البرلمان التركي، هي أحزاب "العدالة والتنمية" و"الشعب الجمهوري" و"الحركة القومية" و"إيي"، بيانًا مشتركًا أدانت فيه "اعتداء أرمينيا الأخير على أراضي أذربيجان".

Azeri men living in Turkey shout slogans during a protest in Istanbul
أذريون يتظاهرون في تركيا ضد ما يصفونه بالعدوان الأرميني على بلادهم (رويترز)

اعتداء ضد تركيا
وفي هذا السياق، يرى الكاتب التركي -المقرب من الحكومة- إبراهيم قراغول أن وقوع الهجوم في محافظة توفوز الأذرية مباشرة بالقرب من خط الأنابيب المتجه لجورجيا وتركيا يبرهن على أن المسألة ليست قاصرة على الصراع بين أذربيجان وأرمينيا فحسب، بل إن حكومة أرمينيا تعمل كقوة محرضة استأجرتها روسيا وفرنسا والإمارات لإيصال رسالة إلى تركيا".

وأضاف قراغول للجزيرة نت "لا ريب أن تركيا أحسنت قراءة هذا المشهد لأن جميع مؤسساتها بدءا من رئاسة الجمهورية وحتى وزارة الدفاع أعلنت دعمها التام لأذربيجان، بل استخدم المسؤولون الأتراك عبارات من قبيل "نحن معًا دولة واحدة".

وقال إنه "في الوقت الذي يهاجمون فيه أذربيجان يسعون لاستفزاز مشاعر تركيا وتضليل عقلها الجيوسياسي، لكن تركيا تستطيع الضغط على أرمينيا في أي لحظة".

وشدد الكاتب التركي الشهير على أن أنقرة تدرك مخططات روسيا وإيران لمحاولة التفريق بين دول العالم التركي، وقطع أواصر صلة تركيا مع آسيا الوسطى عن طريق استغلال أرمينيا، وهذا هو السبب الرئيسي لاحتلال قره باغ وسائر الأراضي الأذربيجانية الأخرى.

واعتبر أن هجوم توفوز لم يشن على أذربيجان وحسب، بل ضد تركيا كذلك، مؤكد أن تركيا لن تتخلى عن أذربيجان، ولهذا فإن الشراكة الدفاعية بين البلدين ستدار من خلال هذه الحقيقة.

واعتبر قراغول أن الدفاع عن أذربيجان هو دفاع عن الوطن، "فهذا هو وعينا وهويتنا السياسية وعقليتنا الجيوسياسية وإستراتيجياتنا الدفاعية"، وفق وصفه.

قلق أنقرة
من جهته، ذكر أستاذ القانون الدولي في جامعة "كوجالي" سمير صالحة أن المفاجأة لم تكن في تجدد الاشتباكات بين الجيشين الأذري والأرميني في مناطق متنازع عليها منذ عقود، بل في اندلاعها داخل مثلث حدودي إستراتيجي في منطقة توفوز القريبة من الحدود التركية الأذرية والأرمينية.

وقال الأكاديمي التركي صالحة للجزيرة نت "الهجوم الأرميني الأخير ليس صدفة، بل هدفه إلهاء تركيا من خلال فتح جبهات تصعيدية إقليمية ضدها لإرباكها وتشتيت قواها في سوريا وليبيا وشرق المتوسط وأفريقيا".

وأضاف "هي المواجهة الأخطر منذ انفجار الوضع قبل 4 سنوات على الجبهات الأذرية الأرمينية، وإذا لم تتدخل موسكو بشكل سريع على خط إنهاء هذا التوتر فسيتركها عرضة للشبهات في نظر تركيا".

وزاد صالحة "عندما يكون الموضوع هو الملف الأرميني، تتوحد العديد من القوى الإقليمية والغربية وتلجأ إلى عقد الاتفاقيات والصفقات السياسية والأمنية معها، فما يجري اليوم هو حلقة من التفاهمات لتفجير الوضع بتحريض إقليمي من المحتمل أن يجمع الثلاثي الإماراتي الفرنسي المصري بضوء أخضر روسي لتضييق الخناق على أنقرة في ليبيا".

وفي معرض إجابته عن سؤال: هل يمكن أن يحدث هذا الخرق الأرميني ضد أذربيجان رغما عن موسكو ومن دون معرفتها وإذنها؟ رجح صالحة أن تكون روسيا المنزعجة من التقارب التركي الأميركي في الملف الليبي تريد تذكير أنقرة بقدرتها على إزعاجها هي الأخرى في حديقتها الخلفية بالبلقان وآسيا الوسطى.

ولفت صالحة -وهو العميد المؤسس لكلية القانون في جامعة غازي عنتاب- إلى أن اختيار منطقة التصعيد يعني استهداف مشاريع تركية عملاقة، بينها خط السكك الحديدية باكو تبليس قارص، وخط نقل الطاقة باكو-جيهان.

ويرى أن تسخين الجبهات الكلاسيكية القديمة، وفتح جبهات جديدة ضد تركيا، مطروح دائما بعدما قررت أنقرة تغيير سياستها الخارجية وتبني ميثاق القفز إلى الأمام في المواجهات الأمنية والعسكرية، كما حدث في سوريا وليبيا.

المصدر : الجزيرة