سياسية وأمنية وديموغرافية.. لهذه الأسباب لا تزال رحلة نزوح العراقيين مستمرة

أطفال المخيمات من أبرز الضحايا في العراق (الجزيرة نت)

تتجدد معاناة النازحين بالعراق مع قدوم فصل الشتاء، إذ وللعام الثامن على بدء قصة النزوح، لا يزال النازحون يشتكون من نقص المستلزمات الصحية والغذائية، ويقبعون في خيام مهترئة وأجساد أطفالهم ترتجف من الصقيع وأمطار الشتاء، ليبقى السؤال قائما ما الذي يمنعهم من العودة إلى ديارهم؟

قصة النزوح

منذ العام 2014، نزح 6 ملايين عراقي من 6 محافظات وسط وغربي وشمالي البلاد، إثر سيطرة تنظيم الدولة الإسلامية على ثلث مساحة العراق، وعلى الرغم من عودة معظم هؤلاء النازحين إلى مناطقهم الأصلية خلال السنوات الخمس الماضية التي أعقبت استعادة القوات العراقية السيطرة على هذه المناطق، لا يزال هناك 1.2 مليون نازح في المخيمات، وفق أخر إحصائية لمنظمة الهجرة الدولية، وهناك أكثر من 665 ألفا منهم في مخيمات إقليم كردستان، وفق أحدث الإحصائيات عن مركز إدارة الأزمات بالإقليم.

يتوزع النازحون في إقليم كردستان على 25 مخيما، 15 منها في محافظة دهوك و6 بمحافظة أربيل، و4 في السليمانية، حيث يواجه نازحوها وضعا إنسانيا صعبا، لاسيما في الشتاء بسبب أجواء الإقليم شديدة البرودة، والتي تصل إلى ما دون الصفر المئوي في ظل تأخر المساعدات الإنسانية المقدمة من وزارة الهجرة، وتراجع الدعم الدولي هذا العام.

في غضون ذلك، ينتشر نحو ثلث العدد الكلي ممن تبقى من النازحين (200 ألف) في مخيمات عشوائية موزعة في عموم البلاد، حيث لا تعترف الحكومة العراقية بمسؤوليتها تجاههم، سيما أن وزارة الهجرة والمهجرين كانت قد أعلنت العام الماضي إغلاق جميع المخيمات باستثناء مخيمات كردستان ومخيم الجدعة بمحافظة نينوى، ضمن خطة "العودة الطوعية" التي وصفتها منظمات حقوقية بـ "غير المدروسة" والتي انتهت بالكثير من النازحين في العشوائيات وسط ظروف إنسانية مأساوية.

صور حديقة من مخيمات بزيبز - الجزيرة نت (1)
وزارة الهجرة العراقية تؤكد عزمها إغلاق ملف النزوح قريبا (الجزيرة نت)

مخيمات غير نظامية

وفي ظل الظروف التي يكابدها النازحون، تطرح العديد من الأسئلة عن أسباب عدم عودة هؤلاء إلى ديارهم، لتبرز بعد التدقيق أسباب يصفها النازحون بـ "الطائفية والديموغرافية" مما يحول دون عودتهم إلى ديارهم حتى الآن.

ومن أبرز تلك المخيمات، التي يمكن وصفها بغير النظامية، مخيم "بزيبز" الواقع في قضاء العامرية بمحافظة الأنبار بين حدود محافظتي بغداد وبابل، والذي يضم 1360 عائلة نازحة من أهالي مدينة جرف الصخر شمالي بابل، وقرية العويسات التابعة لقضاء العامرية، والتي تحول أسباب سياسية دون عودتهم إلى مدنهم، بحسب أبو أيمن الجنابي الذي تحدث للجزيرة نت.

الجنابي (38 عاما) هو أحد النازحين من جرف الصخر، حيث يسكن في مخيم "بزيبز" مع 9 من أفراد عائلته في خيمة بالية لم تستبدل منذ أكثر من عام، يقول إن أجندات سياسية تمنعهم من العودة إلى ديارهم، حيث تسيطر ما وصفها بـ "مليشيات مسلحة" على مدينتهم منذ عام 2014 وتمنع أي أحد من الدخول إليها، معلقا "إن الهدف من ذلك تنفيذ عملية تغير ديموغرافي في تركيبة مدينة جرف الصخر السكانية ولدوافع انتقام طائفية".

ويفتقد الجنابي ومعه آلاف النازحين إلى أبسط الاحتياجات الأساسية، إذ إنهم بالكاد يجدون ملابس تقي أجسادهم برد الشتاء، كما أنهم يؤمنون لقمة عيشهم مما يتصدق به عليهم المتعاطفون من الناس، في ظل عدم توفر المدافئ والوقود ووضع صحي كارثي، مما يدفعهم إلى بيع بعض ما يحصلون عليه من مواد غذائية من المتبرعين لاستثمارها في تأمين احتياجاتهم من الدواء، وفق ما يؤكده الجنابي.

على الجانب الآخر، يؤكد المتحدث باسم وزارة الهجرة والمهجرين علي عباس جهانكير أن افتقاد بعض مناطق العودة للخدمات، إضافة إلى وجود تحديات أمنية وعشائرية، كلها عوامل تعيق إعادة النازحين وفق ما مخطط له، وبالتالي تسعى الوزارة إلى تهيئة الظروف وتذليل العقبات ومعالجتها لإتمام ملف العودة الطوعية.

علي عباس جهاكير مدير عام شؤون فروع وزارة الهجرة- خاص الجزيرة
علي جهانكير: وزارة الهجرة عازمة على إغلاق ملف النزوح في العراق (الجزيرة نت)

الموقف الحكومي

وتعليقا على أوضاع المخيمات والتي من بينها المخيم المركزي الحكومي في مدينة العامرية، والذي أكدت مصادر مطلعة لمراسل الجزيرة نت أنه لا يزال يضم أكثر من 200 عائلة نازحة، إلى جانب مخيم بزيبز، قال جهانكير "لا توجد هناك سوى مخيمات عشوائية، والوزارة بدأت في إعادة ساكنيها إلى مناطقهم الأصلية، حيث تمت إعادة 70 عائلة قبل أيام قليلة، وهناك استعدادات لإعادة أكثر من 150 عائلة ولن يتبقى بعدها في العامرية أي عشوائيات للنازحين، سوى من يرغب بالعيش في أماكن كهذه".

أسباب عديدة

وكانت منظمة الهجرة الدولية قد أشارت -في أحدث تقرير نشرته الشهر الماضي- لوجود أكثر من 400 موقع غير رسمي للنازحين في العراق، يضم أكثر من 14 ألف عائلة، غالبيتهم يمتلكون بيوتا في مناطق سكناهم الأصلية، غير أن عوائق عديدة تحول دون عودتها، من بينها تعرض البيوت لأضرار أو عدم وجود ظروف معيشية ملائمة.

وبالعودة إلى المتحدث جهانكير، أكد أن وزارته ماضية في إعادة النازحين، وأنها تعمل على تهيئة الظروف المناسبة، مبينا أن موضوع إغلاق المخيمات يعتمد على عدة معطيات منها: تأهيل المناطق للعودة الطوعية، مشيرا إلى أن هناك استعدادات تتخذها الوزارة فيما يخص أوضاع النازحين داخل المخيمات مع حلول الشتاء.

وبين أن الوزارة مضت بشكل مباشر وسريع بتوزيع المشتقات النفطية التي تستخدم وقودا للتدفئة في المخيمات بغية التخفيف من معاناة النازحين، كما أن هناك خطة لاستبدال الخيام الأيام القريبة القادمة وتجهيزها باللوازم من فراش وأغطية وملابس شتائية، فضلا عن تجهيزها بالمستلزمات الغذائية والصحية، بحسبه.

صور حديقة من مخيمات بزيبز - الجزيرة نت (1)
مخيم بزيبز لا يزال يضم أكثر من 1300 عائلة نازحة من جرف الصخر وبلدة العويسات (الجزيرة نت)

الاستغلال السياسي

وقد لا يبدو العامل السياسي بعيدا عن مشكلة النازحين، إذ يقول محمد المهداوي، العامل في مجال المنظمات الإغاثية، إن إعادة النازحين تتطلب موقفا حكوميا واضحا وصارما دون مماطلة أو تسويف، بحسب تعبيره، إضافة إلى ذلك يجب أن تسبقه عملية صلح عشائرية برعاية الحكومة والفعاليات الاجتماعية المؤثرة الأخرى، سيما أن بعض المناطق لا تزال عودة أهلها متوقفة بسبب هذه المعوقات.

وتمنع بعض العشائر عودة بعض النازحين لمناطقهم، لاتهامهم بالضلوع بعمليات قتل أو تهجير لأبنائهم، وهو ما يعيق عودة بعض القرى في محافظتي صلاح الدين (شمال) وديالى (شرق) على الرغم من خضوع النازحين للتدقيق الأمني وحصولهم على موافقة بالعودة، وفقا للمهداوي.

ولفت -في حديث للجزيرة نت- إلى أن هناك استغلالا سياسيا من بعض الأطراف التي تتاجر بملف النازحين وتستثمره في المناسبات الانتخابية لأغراض سياسية، منبها لضرورة أن يكون ملف إعادة النازحين بمعزل عن رغبة الأحزاب السياسية وأن تتكفل به الحكومة بشكل مباشر مع وضع خطة واضحة لذلك.

ويختتم بالإشارة إلى أنه إذا ما توافرت الإرادة الحكومية، فإن ملف النازحين سيغلق بوقت قياسي، بشرط إبعاد هذه القضية عن الاستقطاب السياسي والتدافع حول السلطة والمكاسب الحزبية، مؤكدا أن هناك عمليات تغيير ديموغرافي ورغبات إقليمية ومحلية تقف خلف استمرار هذا الملف، لافتا إلى أن قرار الحكومة السابقة برئاسة مصطفى الكاظمي إغلاق المخيمات على عجالة تسبب بمفاقمة معاناة النازحين وانتهى بعدد ليس بالقليل منهم في العشوائيات، وذلك لعدم تهيئة الظروف المناسبة مسبقا، بحسب تعبيره.

نهال الشمري اعتبرت التدقيق الأمني أهم المعوقات التي تحول دون عودة النازحين لديارهم (مواقع التواصل)

الفساد

وفي سياق ذي صلة، تشرح نهال الشمري (عضو مجلس النواب عن حزب "تقدم" الذي يقوده رئيس البرلمان محمد الحلبوسي) أن أهم المعوقات التي تحول دون عودة النازحين إلى ديارهم هي مسألة التدقيق الأمني الذي لا يزال دور الحكومة المحلية فيها ضعيفا، فضلا عن عدم تمكن الحكومة المركزية أو حكومة المحافظة من توفير ما يحتاجه النازحون في حال عودتهم إلى مناطقهم في ظل تفشي الفساد بمؤسسات الدولة.

وتشير -في تصريح للجزيرة نت- إلى وجود جهات سياسية تعمل على عدم غلق ملف النازحين لانتفاعها منه، وتضيف "إن ما يساعد في ذلك أيضا هو تبعية بعض السياسيين لجهات خارجية لا ترغب مثلا بعودة نازحي جرف الصخر. وبالتالي، فإن المعاناة تتكرر في الشتاء، لأن الدولة غير جادة في إغلاق هذا الملف".

وأكدت الشمري طرح عدة خطط ومقترحات وتشكيل فرق من مختلف الاختصاصات لتفكيك هذا الملف والتعامل معه بمهنية وجدية بهدف إنهائه، لافتة إلى أنها غالبا ما تصطدم بجهات تعمل على عرقلتها، مبينة أنه لا حل لهذا الملف إلا بعودة النازحين إلى مناطقهم الأصلية.

وباستثناء مخيمات إقليم كردستان، والمخيمات الموجودة بمحافظة الأنبار، لا توجد مواقع واضحة لانتشار باقي النازحين، بيد أنهم يتوزعون بين بيوت من طين وسرادق خشبية شيدوها بمناطق متفرقة في عموم البلاد، وأغلبهم من مدن جرف الصخر بمحافظة بابل، أو من العوجة وعزيز بلد وقرى مكحول وناحية يثرب بمحافظة صلاح الدين، والعويسات بمحافظة الأنبار، وكذلك قرى محافظة ديالى مثل المقدادية والسعدية وحوض الوقف وذراع دجلة والثرثار بين الأنبار وصلاح الدين وزمار وسايلوات ربيعة بنينوى، وغيرها.

المصدر : الجزيرة