متاحف غرب أوكرانيا تحذر من فتح أبوابها خشية معاودة القوات الروسية قصفها

يرى ميكولا بيفز أستاذ الهندسة المعمارية في جامعة لفيف أن السوفيات "تصرفوا كالجرافات" في كل الدول التي سيطروا عليها، ويشير إلى أن لفيف قاومت بشكل أفضل من غيرها "التخطيط المدني" الذي فرضه الاتحاد السوفياتي.

صناديق عرض مغلفة بشكل وقائي في أحد صالات العرض في قصر بوتوكي، أحد الجواهر المعمارية في غرب أوكرانيا (الفرنسية)

ينبغي على زائر قصر بوتوكي -وهو أحد أبرز الروائع المعمارية في غرب أوكرانيا- أن يبرز أوراقه الثبوتية ويخضع لتدابير أمنية مشددة يؤمنها عدد من الجنود.

رغم عودة الحياة إلى شبه طبيعتها في مدينة لفيف منذ أن انسحبت القوات الروسية من منطقة كييف وركزت هجومها على جنوب أوكرانيا وشرقها، لم تستعد المتاحف بعد نشاطها المعتاد، إذ بالكاد تفتح أبوابها خشية استهداف القوات الروسية الإرث الثقافي الأوكراني.

ويخشى أوكرانيون وعلماء آثار من أن الحرب الحالية قد تسفر عن فقدان عشرات المجموعات الأثرية والتاريخية والفنية كما حدث في 2014 عندما تعرض متحف دونيتسك الإقليمي للتاريخ المحلي للقصف بالصواريخ المضادة للدبابات 15 مرة، ودُمر نحو 30% من مجموعته المكونة من 150 ألف قطعة أثرية.

متاحف تحت الحماية

ويقول فاسيل ميتسكو -وهو نائب مدير المتحف الوطني للفنون في لفيف الذي يُعد بالأعمال الـ65 ألفا التي يحويها ومواقعه الـ21 أكبر متحف للفنون الجميلة في أوكرانيا- "نرغب في إعادة فتح الأبواب قليلا، لكن الأمر صعب من منظور أمني".

ويتابع "كيف لنا أن نضمن أن الروس لا يستغلون هذه المرحلة لاستجماع قوتهم قبل أن يعاودوا إطلاق قذائفهم؟".

ويشير ميتسكو إلى أن الحرب التي بدأت في 24 فبراير/شباط الماضي فاجأت موظفي المتحف الذين "لم يتوقعوا أن تصل الضربات إلى هذا الحد" وأن تهدد مدينتهم.

وبعد الصدمة التي تلقاها القيمون على المتحف في البداية، باشروا بالعمل سريعا وجمعوا اللوحات والمنحوتات لتوضيبها بعناية. ووضعت هذه الأعمال التي تقدر قيمة بعضها بالملايين في أماكن لم يكشف عنها ولا تزال محفوظة هناك حتى اليوم.

وفي قصر بوتوكي الذي فتحت أبوابه استثنائيا لفريق وكالة الصحافة الفرنسية، يعيد العمال طلاء الجدران مستفيدين من إزالة اللوحات الفنية عنها، ومن بين هذه الأعمال لوحة "بيمان" للرسام الفرنسي جورج دو لا تور.

ومنذ بداية مايو/أيار الجاري أعيد جزئيا فتح موقعين آخرين تابعين للمتحف ويقعان على بعد أكثر من ساعة من لفيف. ورغم ذلك، من المؤكد أن المتحف في المدينة لن يعيد فتح أبوابه "ما لم يحدث أي تغيير كبير سياسيا أو ميدانيا"، وفق ميتسكو.

استهداف المتاحف

ويرى نائب المدير أن روسيا التي قصفت متحفين أحدهما يقع قرب كييف (مخصص لأعمال الرسامة ماريا بريماشنكو) والآخر في خاركيف (عن الفيلسوف غريغوري كسوفورودا)، لا تزال تشكل تهديدا لمتاحف لفيف، لأنها تسعى إلى "تدمير الهوية الأوكرانية وجذورها الأوروبية".

ويبدي مدير المتحف التاريخي في لفيف رومان شميليك الحذر نفسه. ومن بين المباني العشرة التي يبلغ عمرها نحو 100 سنة وتضم مجموعاته، أعيد في الأول من مايو/أيار الجاري فتح اثنين بشكل جزئي، أحدهما لإتاحة ارتياد المقهى الخاص به، والآخر خصص لأحد العروض المرتبطة بالأطفال.

ويذكر شميليك بأن القوات السوفياتية عندما سيطرت على لفيف في نهاية الحرب العالمية الثانية، وكذلك على متحفها، حولته إلى "أداة دعائية".

ويتابع متأثرا "استبدلوا بالمعرض الدائم آخر عن الجيش الأحمر".

ويرى ميكولا بيفز أستاذ الهندسة المعمارية في جامعة لفيف الذي كان أحد الذي ساهموا في إدراج المدينة على لائحة اليونيسكو للتراث العالمي، أن السوفيات "تصرفوا كالجرافات" في كل الدول التي سيطروا عليها، وفق تعبيره.

لفيف

ويشير بيفز إلى أن لفيف ومعالمها، البالغ عددها 3 آلاف والتي تمثل "مهد الوطنية الأوكرانية"، قاومت بشكل أفضل من غيرها "التخطيط المدني" الذي فرضه الاتحاد السوفياتي.

أما السبب في ذلك، فيعود أولا إلى أنها دخلت متأخرة إلى الفلك السوفياتي (إذ تم ضم شرق البلاد إلى الاتحاد السوفياتي عام 1918)، وثانيا إلى وجود "حركة فكرية عرفت يومها كيف تقاوم ببراعة".

ويشير إلى أن سكان لفيف نجحوا في إنقاذ حي تاريخي كان سيهدم لتقام في مكانه ساحة كبيرة تخصص للعروض العسكرية.

ويؤكد فاسيل ميتسكو أن بوريس فوزنيتسك المدير السابق للمتحف الوطني في لفيف أظهر كذلك "ذكاء" مكنه من إثراء مجموعاته خصوصا بأعمال ذات طابع ديني رغم الإلحاد السوفياتي الرسمي، على حد تعبيره.

عمال ينقلون قطعة فنية بمتحف أندريه شبليتسكي في لفيف ضمن إجراءات للحفاظ على المقتنيات (أسوشيتد برس)

ويشدد رومان شميليك الذي يحذو حذو هؤلاء المدافعين عن التراث الأوكراني، على أهمية حماية متاحف المدينة "للمساهمة في تشكيل الهوية الوطنية".

ويتوجه إلى الرئيس الروسي فلاديمير بوتين الذي ينفي وجود أي هوية خاصة بأوكرانيا، ويؤكد أن الروس والأوكرانيين شعب واحد، بالقول "نحن أوكرانيون وليس لدينا ما نثبته" في هذا الخصوص.

دليل إخلاء المتاحف

وأصدرت وزارة الثقافة وسياسة الإعلام في أوكرانيا مؤخرا إرشادات لحماية وإخلاء مجموعات المتحف في حالة الحرب، لكن الخطر على التراث الثقافي للأمة لم يصبح موضع نقاش عام.

وتبدو المشكلة هي لوازم مثل هذا الإخلاء؛ إذ قد يكون شحن مجموعات المتحف إلى الجزء الغربي من البلاد في أثناء الحرب أمرا بالغ الخطورة، ومع التفوق الجوي الروسي وإمكانية قصف الطرق الرئيسية تصبح مثل هذه المهمة محفوفة بالمخاطر للغاية.

ولن تكون هناك حاجة أقل إلحاحا إلى حزم الأعمال الفنية وإيجاد مرافق تخزين مناسبة وآمنة، وفق الكاتب. وتتمتع أغلب المتاحف بميزانيات بائسة، ولن تكون قادرة حتى على تحمل تكاليف النقل اللازمة، وربما سيكون الملاذ الأخير هو نقل مقتنياتها إلى أقبية المتاحف. ويحاول بعض مديري المتاحف بشكل عاجل إرسال أبرز مجموعاتهم إلى المؤسسات في الخارج لإبعادها عن الاستهداف والأذى.

المصدر : الجزيرة + الفرنسية