زرع الرواية التوراتية وطمس الحقب الإسلامية.. الاحتلال يزيل قبّة وهلال مئذنة قلعة القدس التاريخية

10-أسيل جندي، البلدة القديمة، القدس، صورة عامة من أعلى قلعة القدس التاريخية وتظهر فيها المئذنة محاطة بسقالات حديدية ضمن أعمال الترميم التي تدعي إدارة المتحف انها بهدف الحفاظ على المئذنة(الجزيرة نت)
قلعة القدس التاريخية حيث تظهر مئذنتها محاطة بمنصات حديدية ضمن أعمال ترميم يدعي الاحتلال أنها للحفاظ على بنيتها (الجزيرة)

القدس المحتلة- أثارت خطوة إزالة قبة مئذنة قلعة القدس (الواقعة في الجهة الجنوبية الغربية للبلدة القديمة) والهلال الذي يعلوها حفيظة المقدسيين الذين تنبهوا للعبث في هذا المعلم الأثري خلال مرورهم من المنطقة المحاذية لسور القدس التاريخي، التي يطلقون عليها "جورة العنّاب".

وبمجرد إزالة القبة والهلال بإشراف ما تسمى "سلطة الآثار الإسرائيلية"، انهالت الاتصالات على إدارة المتحف الواقع في قلعة القدس، التي ردّت على الاستفسارات عبر موقعها الإلكتروني بما يلي:

"يخضع متحف "برج داود" حاليا لعملية ترميم شاملة بتكلفة تصل إلى 50 مليون دولار، وبعد الاختبارات الهندسية التي أجريت للمئذنة التي أُنشئت عام 1635، تم تحديد شقوق في الهيكل قد يكون سببها النشاط الزلزالي على مر السنين".

وعلى ضوء ذلك، تقول إدارة المتحف إنها بادرت بأعمال ترميم المئذنة، وفي هذه الأيام يتم تنفيذ المرحلة الأخيرة من مشروع الترميم التي تشمل تثبيت المئذنة.

وقالت مديرة المتحف وأمينة معارضه، إيلات ليبر، "يجب أن نضمن استمرار وجود القلعة على مر القرون، لذلك سيقوم المشروع بإصلاح الأضرار التي حدثت مع مرور الوقت والمشاكل الناشئة عن الاهتراء الطبيعي لأحجار القلعة".

8-أسيل جندي، البلدة القديمة، القدس، صورة عامة من الداخل لقلعة القدس التاريخية وتظهر فيها المئذنة محاطة بسقالات حديدية ضمن أعمال الترميم التي تدعي إدارة المتحف انها بهدف الحفاظ على المئذنة(الجزيرة نت)
قلعة القدس التاريخية تعرضت منذ الاحتلال لطمس المعالم الإسلامية وسرقتها (الجزيرة)

سلسلة انتهاكات

على أرض الواقع، لا تبدو الصورة وردية كما تصفها إدارة متحف القلعة، إذ شهد المقدسيون سلسلة انتهاكات لم تقتصر على أعمال الترميم، بل تعدتها إلى طمس كل ما يشير إلى الحقب الإسلامية المختلفة التي مرت على هذا المكان، ومحاولات إخفاء رموز إسلامية بل وسرقتها أحيانا.

وخلال انهماكه في عمله بقسم الصيانة في القلعة، التقت الجزيرة نت بأحد المقدسيين الذي يعمل في المكان منذ 4 عقود، وكانت له محاولات في حماية مقتنيات إسلامية عبر إخفائها في سراديب القلعة.

قال المقدسي (الذي رفض الإفصاح عن اسمه) إن كافة الروايات التي تُقدم لزوار القلعة -الذين تجاوز عددهم مليوني زائر سنويا قبل جائحة كورونا- تزوّر الحقائق وتشوّه الحقب الإسلامية التي تعاقبت على القدس.

وخلال حديثه عن المحراب والمنبر التاريخيين الواقعين داخل إحدى قاعات العرض، بكى الرجل وقال إنه علم يوما أن "سلطة الآثار الإسرائيلية" تنوي سرقة 4 أعمدة حجرية أثرية من أمام المنبر، فحملها وأخفاها أسفل صناديق كرتونية وأكياس بلاستيكية ضخمة داخل سراديب القلعة.

حاول الموظف المسنّ حماية المقتنيات التي كانت عرضة للسرقة تارة ومعالم المسجد التي شوهتها المعروضات تارة أخرى، عبر التوجه لمرجعيات دينية إسلامية ودائرة الأوقاف، لكن الردّ كان "لا يمكن تغيير شيء".

18-الباحث في شؤون القدس والمسجد الأقصى رضوان عمرو(الجزيرة نت)
الباحث رضوان عمرو: متحف قلعة القدس أصبح مركزا لتصدير الرواية التوراتية المشوِّهة لتاريخ المكان الإسلامي (الجزيرة)

تشويه حقائق منذ الاحتلال

يقول الباحث في شؤون القدس والمسجد الأقصى، رضوان عمرو، إن متحف قلعة القدس يُعد واحدا من 4 مراكز رئيسية في البلدة القديمة ومحيطها، وتشكل هذه المراكز مجتمعة "منظومة غسيل أدمغة" للجيل اليهودي الناشئ والسياح الذين يستمعون إلى الرواية التوراتية المشوِّهة للحقائق بداخلها.

ويعود أصل بناء قلعة القدس إلى الفترة الرومانية، ورممت مرارا في عصور لاحقة، وترك العثمانيون فيها بصمات واضحة لاهتمامهم بتعميرها، وفقا للباحث عمرو الذي أكد أن الصحابة اهتموا بتعمير هذه القلعة منذ الفتح الإسلامي وتركز الاهتمام بها حتى نهاية الفترة العثمانية.

ومع احتلال شرقي القدس عام 1967، سيطرت إسرائيل على القلعة وحولتها إلى متحف يطلق عليه متحف "برج داوود" أو "متحف تاريخ أورشليم القدس"، ومنعت الصلاة مباشرة في مسجدي القلعة الواقعة قرب باب الخليل (أحد أبواب البلدة القديمة للقدس).

11-أسيل جندي، البلدة القديمة، القدس، صورة من داخل مسجد قلعة القدس ويظهر بها المنبر والمحراب وتعلو المئذنة هذا المسجد(الجزيرة نت)
صورة من داخل مسجد قلعة القدس ويظهر بها المنبر والمحراب (الجزيرة)

قاعة عرض داخل المسجد

حوّل الاحتلال أحد المسجدين إلى قاعة عرض تابعة للمتحف رغم وجود محراب ومنبر بداخلها، وكان هذا المسجد هو الجامع الوحيد غير المسجد الأقصى في مدينة القدس خلال الفترة العثمانية.

وفي التفاصيل، يوضح رضوان عمرو أنه "سُمح بأن يكون هذا المسجد جامعا تقام فيه صلاة الجمعة، حتى لا يغادر كل الجنود العثمانيين من القلعة إلى الأقصى ويبقى عدد منهم بداخلها. وفي محاولة لطمس هذا التاريخ تدّعي سلطات الاحتلال اليوم أنها تجري عمليات ترميم لمئذنة هذا المسجد بنصب منصات حديدية وإزالة جزء من المئذنة، لكنها في الحقيقة تعبث بها من دون أي إشراف أو رقابة إسلامية".

ويجد الزائر في قاعة مسجد القلعة تماثيل صليبية ومجسمات وعروضا ضوئية سمعية وبصرية تتبنى الرواية التوراتية، وتهمّش الرواية الإسلامية الصحيحة، وتركز على ما تُسمى "فترة الهيكلين الأول والثاني"، وفق الرواية التلمودية.

وأضاف الباحث المقدسي أن إدارة المتحف الذي افتتح عام 1989 تدّعي أنها تروي من خلاله قصة مدينة القدس الممتدة قبل 3 آلاف عام، لكنها في الحقيقة تتعمد تجاهل الكثير من الحقائق التي تدل على عروبة وإسلامية المدينة المقدسة.

وتزعم إدارة المتحف في إحدى رواياتها -مثلا- أن القائد صلاح الدين الأيوبي كان قاسيا في تعامله مع الصليبيين عندما فتح القدس، إذ أوقفهم في طوابير ليأخذ منهم الجزية، وكُتبت هذه الرواية باللغات العربية والإنجليزية والعبرية إلى جوار مجسم يسيء للقائد صلاح الدين داخل مسجد القلعة.

ويشير الباحث عمرو إلى أن المتحف لا يذكر العرب، ولا يتناول القدس في الفترات التي ازدهر فيها الوجود الإسلامي طوال 1400 عام.

ويُسيّر المتحف جولات في مواقع خارج القلعة، كما يُخرّج مرشدين سياحيين مختصين بالرواية التوراتية، وينشطون في محو وتشويه الهوية الحقيقية للمكان.

يذكر أن الاحتلال يطلق على القلعة اسم "قلعة داوود" وينسبها للنبي داوود عليه السلام، لكن الباحث المقدسي يفند هذه الرواية قائلا إنه لا علاقة للقلعة بشخص النبي داوود، وتسميتها الصحيحة هي "قلعة القدس" التي مرّت عليها حقب كثيرة، وشكلها الحالي لا علاقة له بأي نبي من الأنبياء.

المصدر : الجزيرة