دعم الاستيطان على أشدّه.. القدس والمقدسيون ضحايا تنافس الأحزاب الإسرائيلية في انتخابات الكنيست

عضو الكنيست بن غفير يضع مكتبا له في أرض عائلة سالم المهددة بالإخلاء.
عضو الكنيست المتطرف إيتمار بن غفير وضع مكتبا له على أراضٍ مهددة بالإخلاء في حي الشيخ جراح بالقدس (الجزيرة)

القدس المحتلة- لا يلتفت السواد الأعظم من الأحزاب الإسرائيلية إلى القانون الدولي الذي يعتبر شرقي القدس أراضي محتلة، وأن كل الإجراءات التي تقوم بها إسرائيل في تلك الأراضي يجب أن تخضع للقانون الدولي والقانون الدولي الإنساني الخاص بمعاملة الشعب المحتل.

ومع حالة عدم الاكتراث الإسرائيلي بالمواثيق الدولية منذ عام 1967، والتصرف في القدس باعتبارها "عاصمة موحدة" بشطريها لإسرائيل، تتنافس الأحزاب على توظيف قضية القدس في كل معترك انتخابي.

وفي انتخابات الكنيست التي ستجرى في 1 نوفمبر/تشرين الثاني المقبل للمرة الخامسة في أقل من 4 أعوام، لا يبدو الخطاب الانتخابي أقل عنصرية فيما يتعلق بالقدس والمقدسيين. ومع اقترابها تزداد وعود المرشحين بتهويد القدس والأقصى، ويتنافس هؤلاء في تقديم عروض لصالح الجماعات الاستيطانية الأكثر تطرفا.

القدس_المسجد الأقصى_مستوطنون يقتحمون المسجد الأقصى بلباس أبيض يدعى لباس التوبة والكهنة-تصوير رامي الخطيب-للاستخدام العام
تزايد اقتحامات المستوطنين للمسجد الأقصى في محاولات لفرض أمر واقع لصالحهم (وكالات)

إلى أي مدى يتم توظيف قضية القدس في الانتخابات الإسرائيلية؟

ترى أستاذة العلوم السياسية في جامعة القدس، آمنة بدران أن قضية القدس تُوظف في الانتخابات إلى الحد الذي يتم فيه الحديث عن بسط السيادة الإسرائيلية على المدينة لكن ليس في إطار التسوية الممكنة مع الجانب الفلسطيني.

وهذا يعني أن موضوع العملية السلمية ليس مطروحا في البرامج الانتخابية للأحزاب، بل يُعتبر هامشيا جدا مقارنة بالإطار الآخر وهو ضرورة تعزيز السيادة على المدينة وفرض حق يهودي ديني بالأقصى لكسب أصوات الناخبين.

ويتفق مع بدران المحاضر في العلوم السياسية والعلاقات الدولية منصور النصاصرة الذي قال إن "الجميع يعلم أن القدس هي مركز الصراع والهدف للسياسات الإسرائيلية الاستعمارية، وأن توجهات اليمين المتطرف لاقتحام الأقصى لها علاقة مباشرة بمحاولاته للصعود سياسيا فهو يستخدم هذا المقدس بشكل مستمر كإستراتيجية ودعاية انتخابية".

وأضاف النصاصرة للجزيرة نت، أنه لا يخفى على أحد أن هناك أحزابا يمينية وشخصيات متطرفة وصلت إلى البرلمان في السنوات الأخيرة وهي من تؤجج الصراع في القدس؛ بدءا من المسجد الأقصى والبلدة القديمة إلى سلوان والشيخ جراح، وما فعله المتطرف إيتمار بن غفير في الشيخ جراح من اقتحام متكرر للحي ونصب مكتبه البرلماني فيه أكبر دليل على ذلك.

والزج بالمقدسيين في خطاب الانتخابات الإسرائيلية جزء لا يتجزأ من محاولات أسرلة وتهويد المدينة للتأكيد دوما على أنها تتبع للسيادة الإسرائيلية الكاملة، وهو ما تنفيه كافة المواثيق الدولية وفق حديث النصاصرة.

السجال حول القدس لا يتوقف.. كيف يمكن اختصار إستراتيجية الفلسطينيين وإسرائيل تجاه المدينة؟

تتبع إسرائيل إستراتيجية التهويد اليومي وتهجير الفلسطينيين قسرا، وأحدث مراحل التهويد التي تمر بها المدينة هي الهجمة الشرسة على المنهاج الفلسطيني، ومحاولات إقحام منهاج محرف في مدارس القدس.

وفي هذا الإطار، أكد الدكتور النصاصرة أن محاولات تحييد المنهاج الفلسطيني والسيطرة على المرافق التعليمية التي تعتبر آخر المعاقل الفلسطينية في القدس، ما هي إلا جزء من محاولات السيطرة الأوسع على المدينة وسكانها. بينما تُقابل هذه المحاولات بغياب إستراتيجية فلسطينية رسمية ومؤسساتية خاصة بالقدس.

يائير لبيد حث رئيسة الحكومة البريطانية في لقائهما الأخير على نقل سفارتها للقدس (رويترز)

لا تبدو القدس مادة انتخابية بين الأحزاب بداخل إسرائيل فقط، بل قفز يائير لبيد لحث رئيسة الوزراء البريطانية السابقة على نقل سفارتها من تل أبيب إلى المدينة، كيف نفسّر هذا السعي حاليا؟

لا يستهجن الكاتب والمحلل السياسي المقدسي راسم عبيدات أن يتمخض اجتماع لبيد وليز تراس عن نقل سفارة بريطانيا من تل أبيب إلى القدس فعليا، فالمملكة المتحدة من القوى التي زرعت دولة الاحتلال في فلسطين، ومن أبرز الدول المعادية لحقوق الشعب الفلسطيني، وهي التي رفضت الاعتذار عن وعد بلفور بعد مرور 100 عام عليه، وهذا يندرج في إطار التحالفات بين قوى اليمين في الغرب مع القوى ذاتها في دولة الاحتلال.

ولم تستهجن أستاذة العلوم السياسية آمنة بدران هذه الخطوة أيضا، بل اعتبرت أنها تصب في خانة صفقة القرن، فتريد بريطانيا أن تحذو حذو أميركا لأنها الحليفة الأقرب لها في المنظومة الغربية.

وتشير هذه التصريحات وفقا لبدران إلى أن بريطانيا تريد القول إنها لم تنقل سفارتها سابقا إلى القدس لأن القانون الدولي لا يسمح بذلك، لكن بحكم فرض السيادة الإسرائيلية على المدينة والاعتراف الأميركي بالقدس "عاصمة موحدة" لإسرائيل، ومع نقل عدد من السفارات إليها، أصبح موضوع نقل مقرات السفارات أمرا واقعا.

أما المحاضر النصاصرة فيعتقد أن بريطانيا لن تجرؤ على نقل سفارتها إلى القدس لأكثر من سبب أولها وجود قنصلية لها في حي الشيخ جراح، وثانيها أن هذه الخطوة ستضع البريطانيين في مأزق مركّب جدا لأن لبريطانيا باعا طويلة في الصراع بفلسطين منذ وعد بلفور حتى اليوم.

وفي حال أقدمت بريطانيا على نقل سفارتها إلى القدس، يقول النصاصرة إن الاحتجاجات ستندلع في لندن بسبب تغير الوعي الشبابي وفهمه للقضية الفلسطينية من جهة والدور البريطاني في المنطقة من جهة أخرى.

كيف توظّف مشاريع الاستيطان في القدس واقتحامات المسجد الأقصى تاريخيا في سباق الانتخابات الإسرائيلية؟

ترفض أستاذة العلوم السياسية المقدسية آمنة بدران الحديث عن توظيف قضية القدس في الانتخابات الإسرائيلية بمعزل عما يجري في المدينة منذ احتلالها، لأن هذا التوظيف ما هو إلا جزء من إستراتيجية كاملة وسياسة ممنهجة للأحزاب الإسرائيلية منذ عام 1967.

وتعتبر الدعاية الانتخابية جزءا من إستراتيجية تقوم على تعزيز الوجود اليهودي وتهويد المدينة وفرض حقائق على الأرض ومنها وجود لليهود داخل ساحات الأقصى بتوظيف أشخاص يقومون بهذه الأدوار.

وبالتالي يمارس هؤلاء المستوطنون أدوارهم بالتنسيق مع حكومتهم وبحماية شرطتهم وجيشهم، ولا يُنظر إليهم على أنهم يقومون بعمل غير مرحب به أو مخالف للقانون الإسرائيلي لأن الاستيطان هو حجر أساس في المشروع والفكر الصهيونيين.

أما الأكاديمي النصاصرة فيرى أنه بالإضافة لتصدر القدس المشهد في الانتخابات الإسرائيلية فإن العمل على تهويدها وكيّ وعي أهلها لا يتوقف على كافة الأصعدة ليس بدءا من إشعارهم بانعدام إمكانية العيش دون ربطهم بالمنظومة الاقتصادية الإسرائيلية، ولا انتهاء بوضع اليد على عقاراتهم وممتلكاتهم لتعزيز الاستيطان وحسم الديمغرافيا لصالح الإسرائيليين.

وأرجع النصاصرة سبب بروز قضية القدس بشكل لافت في خطاب الأحزاب بكل انتخابات إسرائيلية، إلى محاولة كل حزب خلق واقع مركب بدعمه للمشاريع الاستيطانية وتهويد المدينة، كجزء حملته الانتخابية.

المصدر : الجزيرة