فريق تحقيق كشف تورطها بطائرات في أفغانستان ومدرعات بالبرازيل.. هل تخلت سويسرا عن حيادها؟

رغم أن سويسرا دولة محايدة رسميا ولا تبيع أسلحتها لبلدان غارقة في النزاعات، فإن فريق تحقيق صحفي غير مسبوق اكتشف خلاف ذلك، إذ أثبت أنها متورطة بمعداتها العسكرية في هجمات واشتباكات مسلحة بأفغانستان والبرازيل.

واعتمد فريق التحقيق -الذي ترأسه ليون هادافي، وهو أخصائي أبحاث الأسلحة في منظمة "لايت هاوس ريبورت" غير الحكومية- إستراتيجية تقضي بتتبع المعدات الحربية السويسرية المستخدمة في النزاعات، حيث قام بتدقيق ما ينشر يوميا في شبكة الإنترنت من معلومات وبيانات وتقارير إحصائية وصور أقمار صناعية.

ويقول هادافي إن المصادر المفتوحة تجعلهم يطلعون الجمهور على بيانات ومعلومات كانت حتى عهد قريب جدا حكرا على جماعات لا تدافع إلاّ عن مصالحها.

وأظهر فيلم استقصائي بثته قناة الجزيرة ليلة الجمعة بعنوان "الحياد المسلّح"، أن فريق التحقيق رصد طائرات تجارية صغيرة مصنوعة في سويسرا استخدمت في عمليات سرية للقوات الخاصة والاستخبارات، وفي جميع البيانات بهدف الإعداد لغارات جوية. ويتعلق الأمر بطائرة "بي سي-12" (12-PC) التي أنتجتها شركة بيلاتوس السويسرية منذ 30 عاما.

طائرات بيلاتوس

وخلص فريق التحقيق إلى أن 18 طائرة بيلاتوس السويسرية متورطة في الصراع الأفغاني. ويقول رئيس الفريق إن لديه معلومات تشير إلى أن هذه الطائرة مرتبطة بمهمات استطلاعية تسبق القصف أي قد تكون ضالعة في مقتل مدنيين أبرياء، وهو ما أكده أيضا آدي فيلر، وهو محقق في مجموعة "من أجل سويسرا بلا جيش"، بقوله إن طائرات بيلاتوس (pilatus) (12ـPC) تلعب دورا رئيسيا في تحديد الأهداف وقصفها، بالتالي فهي أداة أساسية في عملية القتل.

وفي سياق تحقيقه، تمكن الفريق من الوصول إلى فيديو نشرته وزارة الدفاع الأفغانية في 15 يوليو/تموز 2021 على موقع تويتر، وبعد تحليل كل تفاصيل في الفيديو ومقارنتها، توصل الفريق إلى أن طائرات بيلاتوس لعبت دورا حيويا في ضربة جوية نفذها الجيش الأفغاني في نفس التاريخ بمنطقة الشهداء في محافظة بداخشتان بأقصى شمال أفغانستان.

ورغم تأكيد الجيش الأفغاني مقتل 20 عنصرا من حركة طالبان، انتشرت فيديوهات في وسائل التواصل الاجتماعي تظهر جثثا مشوهة وسوقا نسفته القنابل، ما يعني أن القصف لم يكن دقيقا.

وذهب فريق التحقيق إلى المنطقة التي طالها القصف في محافظة بداخشتان، وأخبره قرويون أن الغارات أدت إلى سقوط قتلى من المدنيين، وكان بينهم عبد الصبور الذي فقد اثنين من أولاده، أحدهما طبيب والآخر مهندس.

ولا تدخل طائرات بيلاتوس PC-12 ضمن نطاق القانون الفدرالي السويسري، ويقر رئيس تحرير المجلة العسكرية السويسرية، ألكسندر فوترافرس بأنها ليست مخصصة للاستخدام العسكري، وهي طائرة نقل مدنية، ولكن يمكن إدخال الكثير من التعديلات عليها.

عربات مدرعة

وإلى جانب تورط طائرات بيلاتوس السويسرية في الصراع الأفغاني، توصل فريق التحقيق إلى أنه بين عامي 2007 و2014 صدّرت سويسرا 30 مدرعة من طراز "بيرانا" (Piranhas) إلى البحرية البرازيلية ودبابات أنتجتها مؤسسة مواغ (Mowag) آلت إلى أيدي الأميركيين. وهذه الدبابات تخضع لقانون الأسلحة.

وجاء على الورق أن عربات مدرعة بيرانا ستستخدم لمهمات حفظ السلام في هاييتي في إطار مهمة الأمم المتحدة لمشاة البحرية البرازيلية في هاييتي وفي بعثات الأمم المتحدة الأخرى في المستقبل، ولكن في الواقع تبين أن 4 منها فقط وصلت لهاييتي والبقية ظلت تجوب شوارع ريو دي جانيرو وتشارك في ما يسمى عمليات التهدئة في أحيائها الفقيرة.

وباستعراض مئات الصور تأكد فريق التحقيق أن عربات بيرانا استخدمت في أبريل/نيسان 2014 في ضرب طوق أمني على منطقة كاملة في ريو دي جانيرو قبيل افتتاح الألعاب الأولمبية. وتبيّن أن الصحافة المحلية تحدثت عن وقوع ضحايا، من بينهم شاب (18 عاما) قتله مشاة البحرية على بُعد أمتار من العربات السويسرية.

كما تعرض فيتور سانتياغو بورجيس لإطلاق نار رفقة أصدقائه عند عودتهم من مشاهدة مباراة لكرة القدم في ريو دي جانيرو، ما أدى إلى بتر ساقه اليسرى. وأكد بورجيس لفريق التحقيق أن المدرعة التي أطلقت منها النيران كانت سويسرية.

وبينما تقول شركة مواغ إنه ليس من مسؤوليتها تقييم الموقف والسماح بتصدير الأسلحة، وإن هذا الأمر منوط بالسياسيين، يطالب المحامي المختص في القانون الدولي، ستفانو ترفيسان بخضوع السلطات السويسرية للمساءلة السياسية بشأن استخدام صادراتها العسكرية، متسائلا عن سبب وجود مدرعات مخصصة للأمم المتحدة لمساعدة هاييتي بعد الزلزال في وسط الاشتباكات بريو ي جانيرو.

ومن جهتها، تؤكد البرلمانية السويسرية من الحزب الاشتراكي، بريسكا سايلر غراف أن بلادها ينبغي أن تساعد في نشر السلام، ولكن بتصديرها مواد حربية تنزع عن نفسها رداء المصداقية.

وفي إطار تحركات السويسريين، نظمت مظاهرة عام 2019 دعت إلى إيقاف تصدير الأسلحة للبلدان الغارقة في حروب أهلية، وفي أكتوبر/تشرين الأول 2021 اعتمد البرلمان السويسري اقتراحا لهذا الغرض.

ووفق الفيلم الوثائقي الذي بثته قناة الجزيرة بتاريخ (2023/5/26)، يحظر القانون السويسري تصدير أي أسلحة لبلد يخوض نزاعا أو ينتهك حقوق الإنسان أو عندما يحتمل استخدام العتاد ضد المدنيين.

المصدر : الجزيرة