الصين تزاحم أميركا وروسيا.. هل يصبح الفضاء ساحة حرب جديدة؟

الصين تستخدم صاروخها لونغ مارش في حمل أقمار صناعية إلى الفضاء (رويترز)

قبل عام من الآن، انطلقت الحرب الروسية الأوكرانية، ولم يتوقع كثيرون أنها ستستمر طويلا، لكن ما حدث على أرض الواقع أنها أتمت عاما كاملا كأكبر حرب برية في أوروبا منذ الحرب العالمية الثانية، بل شهدت فتراتها الأخيرة مزيدا من بروز الدور الغربي وحلف شمال الأطلسي (ناتو) لتتصاعد مجددا المخاوف من تطورها حتى تصبح حربا عالمية.

لكن يبدو أن هذا ليس كل شيء فيما يتعلق بالحروب، فالأقطاب العالمية تتصارع على الأرض سواء بشكل عسكري مباشر أو غير مباشر، أو عبر الحروب الاقتصادية والدعائية، لكنها أيضا تبدو مقدمة على نقل جزء من الصراع إلى ساحة جديدة هي الفضاء.

قبل أيام، خرج الجنرال برادلي تشانس سالتزمان -وهو قائد عمليات الفضاء في سلاح الجو الأميركي- ليتحدث عن الفضاء كمجال للتنافس الدولي، ويؤكد أن الوضع هناك تغير بشكل كبير بفضل مجموعة من الأسلحة التي ينتجها من وصفهم بـ"الخصوم الإستراتيجيين" لبلاده.

ولم يكتف سالتزمان -الذي كان يتحدث على هامش مؤتمر ميونخ للأمن- بالتلميح، وإنما ذكر هؤلاء الخصوم بالاسم، قائلا إن التهديد الأكبر للتفوق الأميركي في الفضاء يأتي من جمهورية الصين الشعبية ومن روسيا كذلك.

واعتبر الجنرال الأميركي أن على بلاده أن تطور نهجها في هذا الشأن بسبب مجموعة من الأسلحة المتطورة التي تحاول الصين وروسيا استخدامها، أو أنها استخدمتها بالفعل، مثل الصواريخ المضادة للأقمار الصناعية وأسلحة الطاقة الموجهة وغيرها.

المنطاد الصيني

واكتسبت التصريحات جاذبية بالنظر إلى أنها جاءت بعد قليل مما عرف بأزمة المنطاد الصيني، الذي حلّق على ارتفاع كبير فوق الأراضي الأميركية على مدى عدة أيام قبل أن تسقطه واشنطن.

وعلى أي حال، فلم تكن التصريحات الأميركية جديدة، حيث سبقتها قبل أشهر قليلة تصريحات مشابهة لرئيسة هيئة أركان القوة الفضائية الأميركية نينا أرماجنو، قالت فيها إن بكين أحرزت تقدما كبيرا في تطوير تكنولوجيا الفضاء العسكرية، بما في ذلك في مجالات مثل الاتصالات عبر الأقمار الصناعية والمركبات الفضائية التي يمكن إعادة استخدامها وتسمح للدول بتوسيع نطاق برامجها الفضائية بسرعة، وأضافت "أعتقد أنه من الممكن تماما أن يتمكنوا من اللحاق بنا والتفوق علينا بالتأكيد.. التقدم الذي أحرزوه كان مذهلا وسريعا".

وفي الحقيقة، فإن السباق إلى التسلح في الفضاء ليس بجديد كما تقول وكالة الصحافة الفرنسية التي أشارت إلى أنه اعتبارا من 1985 استخدمت وزارة الدفاع الأميركية صاروخا لتدمير قمر اصطناعي خلال تجربة، وبعد ذلك أظهر منافسو الولايات المتحدة أنهم يملكون القدرات نفسها، فقد أقدمت الصين على ذلك في 2007 والهند في 2019.

وفي نهاية عام 2021، دمرت روسيا أحد أقمارها الاصطناعية بواسطة صاروخ أطلقته من الأرض، وهو ما اعتبرته أوساط غربية نوعا من استعراض القوة، وذهب ينس ستولتنبرغ الأمين العام لحلف الناتو إلى حد وصفه بأنه "سلوك غير مسؤول".

وشهد عام 2019 دليلا واضحا على أن الفضاء قد أصبح ساحة تنافس عسكري، حيث استحدثت وزارة الدفاع الأميركية قوة خاصة للفضاء تتبع سلاح الجو، بينما اعتبر متحدث أميركي أن روسيا والصين لديهما القدرة على التفوق على الولايات المتحدة في هذا المجال.

لونغ مارش

وفي يوم أمس الجمعة، أعلنت الصين أنها نجحت في إرسال قمر صناعي جديد للاستشعار عن بعد إلى الفضاء، وذلك بواسطة صاروخ حامل من طراز "لونغ مارش2- سي"، ودخل مداره المخطط له بنجاح.

لكن المثير هو الرقم الذي أعلنته الصين ويفيد بأن هذه هي المهمة رقم 464 لسلسلة الصواريخ الحاملة من طراز لونغ مارش، علما بأن الصين -التي استثمرت مليارات الدولارات في برنامجها الفضائي- لديها محطتها الفضائية تيانجونغ (القصر السماوي)، كما أن لديها مركبة استكشاف على سطح المريخ، وسبق أن قامت بعدة بعثات إلى القمر، بحسب ما ذكرت وكالة الأنباء الألمانية.

وتضيف الوكالة أن الصينيين يعملون أيضا على مركبة فضائية قابلة لإعادة الاستخدام يمكن نشرها بحلول عام 2025، كما أنهم يعملون مع روسيا على خطط لإنشاء محطة أبحاث على سطح القمر.

الاعتراف الأميركي بالتطور التكنولوجي الذي أحرزته الصين في الفضاء خلال السنوات القليلة الماضية، يعد مؤشرا قويا على مخاوف واشنطن من انتقال الصراع بين الدولتين إلى الفضاء الخارجي، بعد أن كان يحتدم في التجارة والتسلح والنفوذ.

وخلال هذه السنوات، تحولت أنظار صانعي الإستراتيجيات في الولايات المتحدة نحو برامج الفضاء التي تطلقها الصين، والتي يقود الجيش جهودها، حيث أطلقت 39 صاروخا عام 2021، مقارنة بـ31 أطلقتها الولايات المتحدة، و20 من روسيا و8 فقط أطلقتها أوروبا. واستهلت الصين عام 2022 بإرسال مسبار إلى الجانب المظلم من القمر للمرة الأولى في تاريخ الفضاء، كما أنها تخطط لبناء محطة مدارية خلال العقد المقبل.

ورغم أن الصين ما تزال بعيدة عن الولايات المتحدة في العديد من الأصعدة، ومنها الإنفاق على برامج الفضاء المدنية والعسكرية، فإن اللافت هو التقدم الكبير الذي حققته الصين في السنوات الماضية بعد أن تخلفت عن ركب الكبار على مدى عقود.

خطط بكين القمرية

وبحسب تقرير لوكالة الأنباء القطرية، فمنذ عقود مضت أصبحت القيادة "الجوفضائية" ضرورية لأي جيش حديث، فالذخائر الدقيقة الفتاكة للجيش الأميركي مثلا تعتمد على اتصالات الأقمار الصناعية الفورية لضرب أهدافها، وبالتالي فإن أي شيء يهدد قدرات الولايات المتحدة الجوية أو المدار حول الأرض، أصبح يشكل تهديدا مباشرا للأمن القومي.

وانطلاقا من هذه النقطة، فإن الخوف الأميركي من الصين نابع من خطط بكين القمرية، وبالرغم من تأكيد الصين على الطبيعة السلمية والعلمية الكاملة لبرامجها الفضائية، فإن ثمة قناعة لدى واشنطن أنه يمكن عسكرة الوجود القمري الصيني، ربما دون أن يتم اكتشافه بسهولة ما لم تمتلك الولايات المتحدة قدرة فضائية مماثلة.

وتشير الوكالة ذاتها إلى أن المنافسة الحقيقية في الصراع على الفضاء تكمن في مجالين، على الأمد القريب: الاستخدامات العسكرية للفضاء، وعلى الأمد البعيد: استغلال موارد الفضاء. ولا يزال استخراج المعادن أو المياه من القمر أو الكواكب الصغيرة، تحديدا لإنتاج وقود الصواريخ، هدفا بعيد المنال، لكن مؤسسات وشركات أميركية بدأت العمل على ذلك.

وبحسب تقرير لموقع "بي بي سي" (BBC) العام الماضي، فإن التقدم الذي يحرزه الصينيون في مجالات تقنيات الصواريخ والأسلحة النووية والذكاء الاصطناعي يثير أيضا قلقا جديا لدى العديد من المراقبين الغربيين الذين يعتقدون أن انقلابا جذريا يجري في ميزان القوة العسكرية على النطاق العالمي.

ويشكك التقرير ذاته في البيانات الرسمية التي تصدرها الصين بشأن إنفاقها العسكري، ويقول إن تقديرات الغرب للدعم المالي الذي تقدمه الصين لقواتها المسلحة أعلى من أرقام بكين بكثير، وتعتقد هذه التقديرات أن الصين تنفق مبالغ أكبر على قواتها المسلحة مقارنة بأي بلد آخر، عدا الولايات المتحدة بالطبع.

المصدر : الجزيرة + وكالات + مواقع إلكترونية