3.3 مليارات شخص ضحيتها.. مؤتمر بالدوحة يرصد آثار التغيرات المناخية على حقوق الإنسان بالعالم

مؤتمر التغيرات المناخية وحقوق الإنسان يهدف إلى تأكيد أهمية العمل المناخي القائم على الحقوق (قنا)
مؤتمر التغيرات المناخية وحقوق الإنسان عقد بمشاركة دولية كبيرة (وكالة الأنباء القطرية)

الدوحة ـ في السنوات الأخيرة لم تعد النقاشات والأحاديث حول تغير المناخ تركز على الجوانب العلمية والبيئية والاقتصادية فقط، بل تعدت ذلك واتسع نطاقها تدريجيا، وباتت الأبعاد البشرية والاجتماعية لهذه الظاهرة تحظى باهتمام متزايد بعد اتضاح تأثير التغير المناخي على البشر وظروف المعيشة.

ويؤكد ذلك إصدار مجلس حقوق الإنسان التابع لمنظمة الأمم المتحدة عام 2008 قراره رقم 23/07، الذي حذر فيه من تأثير التغيرات المناخية وتهديدها الفوري وبعيد المدى للحقوق الأساسية، كما تهدد بقاء بعض الشعوب، تلته عدة قرارات تصب في موضوع انعكاسات التغيرات المناخية على حقوق الإنسان، وضرورة التضامن الدولي لمواجهة هذه الآفة.

وإدراكا لهذه المخاطر الكبرى، نظمت اللجنة الوطنية لحقوق الإنسان في دولة قطر يومي 21 و22 فبراير/شباط الجاري مؤتمرا دوليا حول "التغيرات المناخية وحقوق الإنسان" بالشراكة مع مفوضية الأمم المتحدة السامية لحقوق الإنسان، وبرنامج الأمم المتحدة الإنمائي، وجامعة الدول العربية، والتحالف العالمي للمؤسسات الوطنية لحقوق الإنسان.

وشارك في المؤتمر أكثر من 300 من ممثلي الدول والمنظمات الدولية ومراكز الفكر والجامعات والمؤسسات الوطنية لحقوق الإنسان ومنظمات المجتمع المدني والخبراء الدوليين، وذلك من أجل مناقشة قضايا تغير المناخ من منظور حقوق الإنسان، ووضع توصيات ملموسة للعمل المناخي القائم على الحقوق لصالح الجميع.

مؤتمر التغيرات المناخية وحقوق الإنسان يشهد مشاركة أكثر من 300 من ممثلي الدول والمنظمات الدولية والخبراء الدوليين (واس)
المؤتمر عقد لمناقشة قضايا تغير المناخ من منظور حقوق الإنسان (وكالة الأنباء القطرية)

السلام مع الطبيعة

ويهدف المؤتمر إلى تأكيد أهمية العمل المناخي القائم على الحقوق، وتسليط الضوء على الممارسات الجيدة ذات الصلة بدولة قطر والجهات الفاعلة والشركاء الآخرين بما في ذلك الحكومات والأمم المتحدة ومنظمات المجتمع المدني والشركات، ووضع توصيات لتعزيز التعاون لدعم العمل المناخي القائم على الحقوق في جميع أنحاء العالم، وبشكل خاص في منطقة الشرق الأوسط وشمال أفريقيا.

وخلال الجلسة الافتتاحية للمؤتمر، أكدت رئيسة اللجنة الوطنية لحقوق الإنسان في قطر مريم بنت عبد الله العطية أن "المؤتمر يوفر فرصة ثمينة للنقاش والتباحث وتبادل المعرفة والخبرات لدفع وتسريع وتيرة التعامل مع تغير المناخ والمخاطر البيئية من منظور حقوق الإنسان".

وأوضحت أن "المؤتمر يسعى إلى اقتراح الإجراءات التي تساعد على عقد سلام مع الطبيعة، والوصول إلى توصيات ملموسة بشأن تعزيز العمل القائم على حقوق الإنسان بشأن تغير المناخ".

وشددت على أن هذه التوصيات "يمكن أن تتبلور في اعتماد التزامات قانونية محددة وقابلة للتنفيذ على أرض الواقع، إذا ما تبنتها منظومة حقوق الإنسان الدولية معياريا وأداتيا".

وتساءلت العطية عن "مدى قدرة البشرية على تحمل الكلفة الإنسانية وجاهزيتها للتحرك العالمي السريع لتفاديها"، وأشارت إلى "الكلفة الباهظة الناتجة عن الكوارث الطبيعية، وآخرها تبعات الزلزال المدمر في تركيا وسوريا".

وتتصف ظاهرة التغيرات المناخية وآثارها السلبية بعدة صفات، في مقدمتها أنها تشمل كافة البشر في قارات العالم كاملة دون تمييز، والأخطر من ذلك أنه لا توجد علاقة بين المتسبب في الضرر والمتضرر من نتائجه، فالدول الصناعية الكبرى مسؤولة عن معظم مصادر الإضرار بالمناخ والبيئة من خلال ما تطلقه من انبعاثات وآثار جانبية لإنتاجها الصناعي، فضلاً عن التعامل الجائر مع مصادر الطبيعة من مواد خام وكائنات على نحو يخل بالتوازن البيئي الطبيعي.

النسور يؤكد أن التغيرات المناخية تشكل تهديدا مباشرا وفوريا وبعيد المدى للحق في الحياة (قنا)
محمد النسور أكد أن التغيرات المناخية تشكل تهديدا مباشرا للحق في الحياة (وكالة الأنباء القطرية)

حقوق البشر وحرياتهم

في الوقت نفسه، فإن الآثار السلبية لهذه الممارسات لا تطال فقط الدول المتسببة فيها، بل تشمل كل العالم وشعوبه بما فيها تلك البلدان النامية التي لا تساهم في صنع هذه الأضرار إلا بنسب ضئيلة.

وللتحذير من ظاهرة التغير المناخي والتعريف بمخاطرها الكبرى، أصدر مكتب المفوض السامي لحقوق الإنسان بمنظمة الأمم المتحدة تقريرا كاملا يتناول تأثير هذه الظاهرة على الحقوق الأساسية للإنسان في كل أنحاء العالم، ويقدم أطروحات وأفكارا من أجل مواجهة هذه التأثيرات السلبية والحد منها.

ويوضح التقرير أن "الإعلان العالمي لحقوق الإنسان يضمن لجميع البشر الحق في نظام اجتماعي ودولي يتاح فيه إعمال حقوقهم وحرياتهم إعمالا كاملا. ولا شك في أن تغير المناخ يهدد هذا النظام وحقوق جميع البشر وحرياتهم، وسيحدث ضررا مروعا ما لم يتم اتخاذ إجراءات جذرية الآن، ولا غنى عن التعاون والتضامن الدوليين للتخفيف من حدة آثار تغير المناخ والتكيف معه".

وفي هذا الصدد، يؤكد رئيس قسم الشرق الأوسط وشمال أفريقيا في مكتب المفوض السامي لحقوق الإنسان محمد علي النسور أن التأثيرات السلبية للتغيرات المناخية تمثل تحديا كبيرا لمنظومة حقوق الانسان، حيث تشكل تهديدا مباشرا وفوريا وبعيد المدى للحق في الحياة، والحق في المياه والغذاء، والحق في الصحة والسكن اللائق، وحق تقرير المصير.

ضحايا التغيرات المناخية

وأشار النسور، خلال مداخلة له أمام المؤتمر، إلى أن ضحايا التغيرات المناخية بلغوا 3.3 مليارات شخص وفقا للأرقام التي أوردها تقرير المقرر الخاص المعني بحقوق الإنسان في سياق التغيرات المناخية، منهم 97.6 مليون شخص من ضحايا الكوارث المرتبطة بالتغيرات المناخية في عام 2019 فقط.

وأشار إلى أن عدد المتأثرين بالفيضانات سيرتفع من 1.2 مليار إلى 1.6 مليار شخص في العام 2050، في حين ستؤثر انبعاثات غاز ثاني أكسيد الكربون على كثافة المواد الغذائية، مما سيفاقم مشكلة سوء التغذية وتحديدا لدى الأطفال.

من جهته، قال رئيس مؤسسة حقوق الإنسان والمساواة في تركيا الدكتور محرم قلياش "نحن في حزن بيئي، يمكن أن يؤثر على كل من يعيش على الأرض، فالإنسان يدمر البيئة، وتغير المناخ يمثل تهديدا للبشرية جمعاء".

ودعا قلياش إلى خلق هيكل بيئي أكثر توازنا، ووقف ما أسماه بـ"الاستبداد" على الطبيعة، واصفا إياه بغير الأخلاقي بما يخلفه من انعدام التوازن البيولوجي بسبب غياب المقاربة وعلاقة الاستبداد بين الإنسان والطبيعة.

وأضاف "يجب التخلص من المركزية البشرية، والتركيز على العلاقة مع التنوع البيئي وخلق فضاء تكاملي تساهمي"، مشددا على أهمية إعادة دراسة النموذج الذي يؤدي للمشكلات البيئية وما تخلفه من أزمات كارثية، مع الوضع في الاعتبار كافة سكان الكوكب والمحافظة على سلامتهم، لافتا إلى أن التغيرات المناخية تؤدي إلى انعدام المساواة.

المصدر : الجزيرة