في ذكراه الـ75.. الإعلان العالمي لحقوق الإنسان واحتفال على أنقاض غزة

Lebanese and Palestinian school children carry placards during a protest on the occasion of the Human Rights Day in front the UN house in down town Beirut, Lebanon, 10 December 2014. The UN General Assembly declared 10 December as Human Rights Day in 1950, to bring to the attention the Universal Declaration of Human Rights as the common standard of achievement for all peoples and all nations.
لبنانيون وفلسطينيون يحتجون بذكرى سابقة لليوم العالمي لحقوق الإنسان أمام مقر الأمم المتحدة ببيروت (الأوروبية)

يحيي العالم اليوم الأحد الذكرى الـ75 لصدور الإعلان العالمي لحقوق الإنسان في 10 ديسمبر/كانون الأول 1948 على وقع انتهاكات فظيعة لحقوق الإنسان في قطاع غزة تقترفها إسرائيل على مرأى ومسمع من العالم.

ودعا مكتب المفوض السامي لحقوق الإنسان في الأمم المتحدة إلى نشاط رفيع المستوى في المبنى الأممي في جنيف على مدار 3 أيام من 10-12 ديسمبر/كانون الأول الحالي. وسيطرح برنامج النشاط 4 مواضيع رئيسية للنقاش حول مستقبل حقوق الإنسان وعلاقتها بقضايا الأمن والسلام، التكنولوجيا الرقمية، التنمية والاقتصاد، البيئة والمناخ. ومن المقرر أن يشارك -إضافة للمكاتب الأممية ذات الصلة بحقوق الإنسان- وفود رسمية عن الدول الأعضاء وممثلون عن منظمات المجتمع المدني.

ويأتي هذا في وقتٍ تُمارس فيه واحدة من أفظع عمليات الإبادة بحق الشعب الفلسطيني في قطاع غزة على يد جيش الاحتلال الإسرائيلي، في ظل غطاء دولي غربي وانتهاكات صارخة للقانون الدولي الإنساني.

ومن جانبه، قال الرئيس التركي رجب طيب أردوغان -في احتفال بالمناسبة أمس- إن غزة والأراضي الفلسطينية المحتلة هي المكان الذي ينتهك فيه اليوم بشكل صارخ الإعلان العالمي لحقوق الإنسان.

أردوغان: غزة ينتهك فيها اليوم بشكل صارخ الإعلان العالمي لحقوق الإنسان (رويترز)

وفي تصريح خاص للجزيرة نت، قال أستاذ القانون الدولي بالجامعة اللبنانية البروفسور كميل حبيب "الحرب الصهيونية على غزة قد أفرغت مصادر العدالة الدولية من مضمونها" معرباً عن خيبة أمله في قدرة المنظمات الدولية الراعية للقانون الدولي على الانتصار للحق الفلسطيني، مشددا على أن القانون الدولي يتم تجييره لصالح القوى الكبرى بعد مرور 75 عاماً على صدور الإعلان العالمي لحقوق الإنسان.

وكان حبيب قد نشر على حسابه بمنصة إكس بدايات هذه الحرب على غزة اعتذاراً موجهاً لطلابه حول ما وصفه بالتشدد في تدريسهم مقررات القانون الدولي، قائلاً "اعتذر من طلابي لأنني كنت متشدداً في تدريس مقررات القانون الدولي، القانون الدولي الإنساني، منظمة الأمم المتحدة. فبعد الجرائم الصهيونية لم يعد هناك حاجة لتدريس هذه المقررات. حق القوة سيد العالم".

وقد تناقلت مئات الحسابات على مواقع التواصل منشور الأكاديمي اللبناني، الذي عكس خيبة أمل كبيرة في إمكانية تطبيق آليات العدالة الدولية بفلسطين في ظل الانحياز الدولي الغربي الكبير لصالح الاحتلال الإسرائيلي.

وينعقد احتفال الأمم المتحدة بالإعلان العالمي لحقوق الإنسان بعد يومين فقط على ثالث فشل لمجلس الأمن الدولي في تمرير مشروع قرار للمطالبة بوقف إطلاق النار بسبب حق النقض (الفيتو) الذي مارسته الولايات المتحدة، حيث تسبب التدخل الأميركي المعتاد لصالح الاحتلال عبر عقود طويلة في إفلات إسرائيل من العقاب، وإفشال تطبيق مبادئ الإعلان العالمي لحقوق الإنسان وما نتج عنه من آليات قانونية دولية لمنع انتهاكات حقوق الإنسان.

وبهذا الصدد يقول الدكتور حبيب إن الفيتو الأميركي مثّل على الدوام تراجعا لتطبيقات القانون الدولي، ويطرح القوة كبديل لآليات العدالة الدولية. وفي سياق تعليقه على الوضع الحقوقي في ظل هذه الحرب بعد 75 عاماً على صدور الإعلان العالمي لحقوق الإنسان، يؤكد أستاذ القانون بالجامعة اللبنانية بأن القانون الدولي الإنساني يخضع لازدواجية المعايير، وغزة مثال صارخ على ذلك، على حد تعبيره، مؤكداً وجود فجوة بين الشعار والتطبيق.

وقد صدر الإعلان العالمي لحقوق الإنسان كأول وثيقة حقوقية دولية تمثل فهماً مشتركاً للبشرية حول شكل العالم المأمول بعد الحرب العالمية الثانية. حيث يقول الإعلان المؤلف من 30 مادة، في مادته الأولى "يولد جميع الناس أحراراً ومتساوين في الكرامة والحقوق. وهم قد وُهبوا العقل والوجدان وعليهم أن يعاملوا بعضهم بعضاً بروح الإخاء". وفي مواده الباقية التي تُرجمت لأكثر من 500 لغة، يمثل الإعلان الوثيقة العالمية الأكثر اتفاقاً في تاريخ البشرية. فقد صدر في أعقاب أعظم حرب في التاريخ، راح ضحيتها عشرات الملايين، ونبّهت العالم لضرورة إنتاج مبادئ مشتركة على مستوى عالمي دون تمييز.

ويُعتبر هذا الإعلان محفزاً للعديد من الاتفاقات الدولية التي وقعت عليها دول ذات سيادة فيما بعد، وشكلت ما يُعرف بالشرعة الدولية لحقوق الإنسان. وفي الوقت الذي لا يُعتبر فيه الإعلان بحد ذاته قانوناً، إلا أنه يشكل المبادئ العرفية التي يُستشهد بها عند معالجة قضايا القانون الدولي لحقوق الإنسان.

وقد أشارت العديد من المنظمات الحقوقية والخبراء القانونيين الدوليين مؤخراً لفشل المنظومة الدولية في تطبيق مبادئ واحدة ومتساوية في كل مكان. وكانت هذه النظرة قد تعمقت في ضوء الازدواجية التي اتسم بها الموقف الأوروبي والأميركي من الغزو الروسي لأوكرانيا، مقابل فشل هذه الدول في اتخاذ موقف مشابه من الاحتلال للأراضي الفلسطينية.

ففي تعليقه للجزيرة نت، يشير الدكتور إحسان عادل، رئيس منظمة القانون من أجل فلسطين، إلى الحاجة الملحّة لإعادة التقييم الكلي والدفع باتجاه تغيير جوهري في آليات الإنقاذ لتضمن استجابة دولية أكثر مصداقية، وأكثر قوة، بحسب وصفه.

وأضاف عادل أن فلسطين مثّلت على الدوام تحدياً حقيقياً لآليات القانون الدولي الإنساني، حيث كانت الدول أقرب للاعتبارات الجيوسياسية منها للعدالة والقانون الدولي. وفي ضوء الإحياء الدولي للذكرى 75، يضيف عادل أن كل آليات العدالة الدولية، بما فيها المنبثقة من مبادئ الإعلان العالمي لحقوق الإنسان، والتي أُسست على أنقاض حربين عالميتين على قاعدة أن العالم لن يسمح بتكرار تلك المشاهد المأساوية، غدت "أمام اختبار كبير فشلت فيه باقتدار".

ورغم تميّز الإعلان العالمي لحقوق الإنسان بلغته المحايدة وصياغته لمبادئ عامة تمثل الحريات والحقوق الأساسية، اجتماعياً وثقافياً واقتصادياً لكل الشعوب باختلاف أعراقهم وإثنياتهم الثقافية، فقد شهد الإيمان العام بهذه المبادئ تراجعاً عميقاً بالشارع الذي عادةً ما يقلل من قدرة المبادئ القانونية الدولية على محاسبة إسرائيل.

وبهذا الصدد، يشير الدكتور عادل إلى صعوبة الطريق لتصحيح المنظومة القانونية الدولية، لكنه يؤكد أهمية الرأي العام العالمي وحشوده التي تسير في شوارع العواصم العالمية اليوم من أجل غزة، في تصحيح العطب والمطالبة بإصلاحات شاملة داخل الإطار القانوني لمعالجة التحيزات المنهجية. ويضيف أن هذا يتطلب التزاماً جماعياً تقوده دول الجنوب العالمي لدعم مبادئ حقوق الإنسان، والتي لايزال الإعلان العالمي لحقوق الإنسان يمثل وثيقتها العظمى.

ويُعتبر هذا الإعلان العالمي نصاً تأسيسياً في تاريخ حقوق الإنسان والقانون الدولي بهذا الشأن، كما أنه يمتاز بمكانته العرفية حيث يتكرر الاستشهاد به كأكثر الوثائق المشتركة بين الدول، وهو ما دفع كثيرا من خبراء القانون الدولي إلى اعتبار بنوده تحمل إلزاماً قانونياً عرفياً. وقد وقعت جميع الدول الأعضاء بالأمم المتحدة على معاهدة على الأقل من الاتفاقيات الدولية الملزمة التي انبثقت عن الإعلان، بينما وقعت الغالبية العظمى على 4 اتفاقيات أو أكثر.

وفي ظل استمرار الجيش الإسرائيلي بارتكاب جرائم حرب محتملة في غزة، تحاول الأمم المتحدة تجاوز العقبات السياسية التي تفرضها واشنطن وبعض قوى الغرب في وجه تفعيل آليات العدالة الدولية لمنع تداعيات أكبر للحرب المستعرة ضد القطاع المحاصر. حيث قام الأمين العام للأمم المتحدة، أنطونيو غوتيريش، مؤخراً بتفعيل المادة 99 من ميثاق منظمته في محاولة لفرض وقف إطلاق نار في غزة. وهي مادة تعطي صلاحية للأمين العام بتنبيه مجلس الأمن إلى مسألة يرى أنها تهدد حفظ السلم والأمن الدوليين.

المصدر : الجزيرة