فشل النظام الدولي في غزة وخارجها يؤكد الحاجة إلى التغيير لتحقيق السلام العالمي

النظام الدولي فشل في حماية المدنيين في غزة من القصف الإسرائيلي المكثف (الأناضول)

نيروبي- على مدى ما يقارب الشهرين، تقاربت جهودنا مع جهود منظمات وحركات المجتمع المدني في جميع أنحاء العالم لوقف الموت والمعاناة والدمار في قطاع غزة، لإضفاء الإنسانية والكرامة في هذه الأزمة.

يتأثر موظفونا ومتطوعونا يوميا بقصص وشهادات النساء والرجال والأطفال المحاصرين في دوامة من القصف والاعتداءات العسكرية. إن هدفنا العاجل هو وقف الاعتداءات المتواصلة التي تحول قطاع غزة بسرعة إلى قطعة ممزقة من الأرض على شاطئ البحر الأبيض المتوسط.

تدين منظمة أكشن إيد الدولية جميع انتهاكات القانون الدولي وجميع أشكال العنف والاعتداءات على المدنيين كونها تمثل اتحادا قائما على الحقوق، ولكننا نؤكد على نقطتين.

أولا: كان رد إسرائيل غير متناسب، حيث أودى بحياة أكثر من 6 آلاف طفل والتدمير التام للبنية التحتية لمجتمع قائم وفاعل بحجة الدفاع عن النفس.

أدت أسابيع من القصف والغارات الجوية واسعة النطاق إلى مقتل مدنيين أثناء قصفها مخيمات اللاجئين والمدارس والمستشفيات التي يلجأ إليها النازحون والمباني السكنية. وقد تم تدمير وتضرر حوالي 60% من الوحدات السكنية في غزة، وتحويلها لمباني غير صالحة للسكن، منذ بداية الصراع. كما تم قتل أكثر من 15 ألف شخص في قطاع غزة حسب المسؤولين في غزة حتى 27 نوفمبر/تشرين الثاني بينهم حوالي 6 آلاف طفل و4 آلاف امرأة. وقال الأمين العام للأمم المتحدة أنطونيو غوتيريش مؤخرا إن غزة أصبحت "مقبرة للأطفال". ويحدث هذا وسط تشديد إسرائيل حصارها غير القانوني المفروض على غزة منذ 16 عاما، وهي خطوة وصفها مكتب المفوضية العليا لحقوق الإنسان التابع للأمم المتحدة بأنها شكل من أشكال العقاب الجماعي والتي تركت الفلسطينيين بدون طعام وماء ودواء ووقود لأسابيع.

والنقطة الملحة الثانية هي المساءلة، وانعدام المشاركة الفاعلة للدول المؤثرة حول الانتهاكات الإسرائيلية للقانون الإنساني الدولي في جميع أنحاء الأرض الفلسطينية المحتلة.

على سبيل المثال، إن الاتهامات المتزايدة للقوات الإسرائيلية بارتكاب جرائم الحرب في قطاع غزة قوبلت بالصمت التام من قِبل مجموعة من الدول الثالثة والمنظمات الدولية، بما في ذلك الولايات المتحدة وبريطانيا والاتحاد الأوروبي. والواقع أن هذه الأطراف وغيرها واصلوا تقديم المساعدة السياسية والمالية والعسكرية في بعض الحالات لإسرائيل في هجومها على غزة وفي احتلال الأراضي الفلسطينية عموما.

لا بد من إصلاح المؤسسات الاقتصادية ومؤسسات السلام والأمن الدولية بشكل عاجل، حيث تخضع هذه المؤسسات حاليا للسيطرة والإغلاق، والدول الغربية التي تدافع عن الاحتلال الإسرائيلي وحقه في الدفاع عن النفس تقبل ضمنيا القتل والتشويه غير المعقول لآلاف النساء والأطفال.

منذ عام 2008، عانت غزة من 5 حروب، وعمليتين تصعدية كبيرة، واعتداءات أخرى من الجو والبر والبحر، إضافة الى الحصار الخانق. ومع ذلك، فإن تحقيق المحكمة الجنائية الدولية الذي بدأ في عام 2021 في اتهامات جرائم الحرب وغيرها من الفظائع في سياق الأرض الفلسطينية المحتلة، حقق تقدما بطيئا بشكل مؤلم يتم تقويضه من خلال الافتقار إلى الدعم السياسي وعدم كفاية الموارد. ويتناقض هذا الصمت والتقاعس بشكل صارخ عما حدث في أوكرانيا، حيث طلب عدد غير مسبوق من الدول الأعضاء في المحكمة الجنائية الدولية، وأغلبها أوروبية، فتح تحقيق بعد وقت قصير من الغزو الروسي.

نحو نهج إنهاء الاستعمار والنسوية لتحقيق الرخاء والأمن والسلام العالمي

تعمل منظمة  أكشن إيد الدولية بالشراكة مع المؤسسات التي تقودها النساء والشباب والتي تعمل من أجل العدالة الاجتماعية والمناخية ومساواة النوع الاجتماعي في العديد من حالات الطوارئ؛ حيث توجد أنظمة قمعية استبدادية وعنف سياسي وحروب. ويخبروننا أنه لن يكون هناك سلام دائم بدون تحقيق العدالة في أحداث الماضي، حتى لو توقف العنف. وهذا ينطبق الآن على غزة والضفة الغربية وغيرها.

ولا يزال العديد من ضباط الجيش والسياسيين المسؤولين عن أعمال العنف والفظائع التي تم ارتكابها في السودان أثناء حرب دارفور عام 2003 غير معتقلين ولم يخضعوا للمساءلة. لقد انزلق السودان، منذ أبريل/نيسان 2023، إلى حرب أهلية كارثية أخرى، مما أدى إلى نزوح اللاجئين إلى إثيوبيا. وتواجه دارفور مرة أخرى أعمال عنف لأسباب عرقية، تم ارتكاب من خلالها فظائع بحق المدنيين لا يمكن تصورها. لقد نزح شعب الروهينغا من ديارهم في ميانمار منذ عقود. وفي عام 2017، نزحت أعداد غير مسبوقة، ويعيش ما يقارب مليون منهم الآن في مخيمات اللاجئين في بنغلاديش غالبيتهم من النساء والأطفال. ويطالب الروهينغا بالمساءلة والعدالة والعودة الآمنة إلى بلادهم. وقد شهدت ميانمار مؤخرا قتالا عنيفا، بما في ذلك في شمال راخين، حيث تم طرد مئات الآلاف بعنف إلى بنغلاديش قبل سنوات.

إن وقف إطلاق النار الدائم في غزة يجب أن يكون الخطوة الأولى نحو إنهاء الاحتلال العسكري الإسرائيلي، وضمان حق  تقرير المصير للفلسطينيين.

إن عملية السعي لإيجاد حل عادل ودائم يجب أن تسير جنبا إلى جنب مع تحقيقات شاملة تجريها هيئات مؤهلة ومستقلة، بما في ذلك المحكمة الجنائية الدولية، في جميع الاتهامات الموثقة بشأن الفظائع الحالية والسابقة. إن صمت أغلب الحكومات الغربية أمر مقلق.

وفي 26 أكتوبر/تشرين الأول، اعتمدت الجمعية العامة للأمم المتحدة قرارا يدعو إلى "هدنة إنسانية فورية ودائمة ومستدامة" في قطاع غزة. ومع ذلك، امتنع أعضاء الاتحاد الأوروبي مثل السويد والدانمارك وهولندا وألمانيا عن التصويت. وصوتت الولايات المتحدة ضده، واستخدمت في السابق حق النقض (الفيتو) ضد قرار مماثل في مجلس الأمن. ويتطلب هذا الوضع الراهن إعادة التفكير في التمثيل والحوكمة العالميين القائمين .

المؤسسات الاقتصادية ومؤسسات السلام والأمن الدولية بحاجة إلى إصلاح عاجل

وتخضع هذه الهيئات حاليا للسيطرة والإغلاق من قبل الدول الغربية التي تدافع عن الاحتلال الإسرائيلي وحقه في الدفاع عن النفس، وتقبل ضمنيا القتل والتشويه غير المعقول لآلاف النساء والأطفال. وهناك حاجة إلى المزيد من الأصوات من أفريقيا وآسيا والأميركتين وخاصة من النساء والشباب الذين يتبنون نهجا نسويا مناهضا للاستعمار لتحقيق الازدهار والأمن والسلام العالمي في هذه الهيئات متعددة الأطراف.

سوف تتبنى هذه الأصوات الجديدة وسائل الحوار والتفاوض باعتباره الخيار الأول بدلا من الحلول العسكرية والعنيفة والحلول قصيرة الامد. كما أنهم سيعملون كحماة وحراس للسلام الدائم والشامل في غزة، فضلا عن حماية مليارَي إنسان، أو ربع سكان العالم، الذين يعيشون في خوف وسط القمع السياسي، والاضطرابات، والصراعات العنيفة.

نحن بحاجة إلى تغيير النظام من أجل السلام العالمي والمساواة والازدهار المشترك.

____________

*الكاتب آرثر لاروك هو الأمين العام لمنظمة "أكشن إيد" الدولية.

المصدر : الجزيرة