عثمان الجرندي.. مهندس الدبلوماسية التونسية الجديدة أم منفذ أوامر القصر؟

76th Session of the U.N. General Assembly in New York City
عثمان الجرندي خلال مشاركته في إحدى جلسات مجلس الأمن الدولي (رويترز)

مكتفيا بحساب رسمي "يتيم" على منصات التواصل وظهور شبه منعدم على وسائل الإعلام، تنقّل وزير الخارجية التونسي عثمان الجرندي في صمت بين أروقة العمل الدبلوماسي داخل البلاد وخارجها.

وبعيدا عن أضواء الشهرة، تدرج الجرندي في مناصب السلك الدبلوماسي بمختلف رتبه وتفصيلاته، وانتهى به المطاف "سيدا" لحقيبة الخارجية في أكثر من حكومة تعاقبت على تونس منذ سقوط نظام الرئيس الراحل زين العابدين بن علي.

وحتى بعد الإجراءات الاستثنائية التي بسطت سلطان الرئيس قيس سعيد منذ يوليو/تموز 2021، آثرت رئيسة الحكومة نجلاء بودن الاحتفاظ بالجرندي (71 عاما) على رأس هذه الوزارة السيادية حتى اليوم.

وقبل التحاقه بحكومة بودن، انضم الجرندي للفريق الرئاسي في قصر قرطاج في خطة مستشار أول مكلف بالشؤون الدبلوماسية، ثم استدعي في 20 أغسطس/آب 2020 لحكومة هشام المشيشي التي أقالها سعيد لاحقا.

مهمات أممية

وخلال مسيرته، تكفل الجرندي بملفات نزاعات دولية حساسة، إذ أوفد في مهمات أممية باسم مجلس الأمن الدولي إلى 7 دول أفريقية وإلى تيمور الشرقية وكوسوفو، كما شارك في وفد بلاده وترأسه في عديد من القمم والمؤتمرات الوزارية العربية والإسلامية والأفريقية وحركة عدم الانحياز.

ومع تفاقم الأزمات السياسية والاقتصادية والاجتماعية في البلاد، وما اعتبر هزات ارتدادية تلت قرار سعيد حل البرلمان والحكومة والاستحواذ على كامل السلطات، تعاظم الرهان على الدور الدبلوماسي بوصفه سبيلا للخلاص، حسب مراقبين.

وعلى وقع هذا الدور وإرهاصاته، بزغت شمس الوزير المتمرس في ملاعب السياسة الدولية وكواليسها، وبدأت ملامح دبلوماسية تونسية جديدة تظهر إلى العلن، ذهب البعض إلى وصفها بـ"دبلوماسية المصالح والمحاور".

وبين من يرى أن الجرندي يستحق وصفه بـ"مهندس الدبلوماسية التونسية الجديدة" ومن يعتقد أنه مجرد "بيدق" بيد الرئيس ينفذ ما يمليه عليه من  أوامر، تباينت التقييمات تجاهه.

German Foreign Minister Heiko Maas meets Tunesian counterpart Othman Jerandi
الجرندي (يسار) خلال مؤتمر صحفي سابق مع نظيرة الألماني (رويترز)

يقترح ولا ينفذ

وفي هذا السياق، يقول وزير الخارجية التونسي الأسبق أحمد ونيس إن الجرندي يعرض بعض مشاريع القرارات قبل تنفيذها على رئاسة الجمهورية، ولكنه لا ينفذ إلا ما يوافق عليه الرئيس.

وأضاف ونيس -في حديثه للجزيرة نت- أن قرار استضافة زعيم جبهة تحرير وادي الذهب والساقية حمراء (بوليساريو) إبراهيم غالي لحضور القمة اليابانية الأفريقية (تيكاد) التي احتضنتها تونس مؤخرا "هو بكل تأكيد قرار رئيس الجمهورية قيس سعيد، ولا دخل للجرندي فيه".

وأثار استدعاء غالي للقمة واستقباله من قبل الرئيس التونسي أزمة دبلوماسية بين الرباط وتونس، تبادل بعدها البلدان سحب السفراء في سابقة وصفت بالخطيرة للسياسة الخارجية التونسية التي لم تحد يوما عن "الحياد الإيجابي" زمن الرئيسين الراحلين الحبيب بورقيبة وبن علي وحتى بعد الثورة.

وبشأن استمرارية الجرندي في أكثر من حكومة منذ ثورة 2011، اعتبر ونيس أن ذلك لا يعني بالضرورة أنه نجح في مهامه، مؤكدا أن وزارة الخارجية حقيبة ثقيلة جدا ومرموقة، وهي من وزارات السيادة.

وفي تقييمه لأداء الجرندي، قال ونيس إن الحصيلة مقبولة على اعتبار أن الرجل لم يقم بإنجازات كبيرة، لكنه أيضا لم يرتكب أخطاء دبلوماسية ولم يدخل في نزاعات، من حيث المحاور الدبلوماسية الكبرى.

نجاح نسبي

من جهته، يرى المحلل والخبير في الشأن السياسي هشام الحاجي أن الجرندي يأتمر بما يمليه عليه الرئيس وهذا واضح من خلال مسار الأحداث ونشاط الدبلوماسية التونسية ومواقف تونس بمحيطها المغاربي والعربي والأفريقي والمتوسطي، حسب تعبيره.

وأكد الحاجي -في حديثه للجزيرة نت- أن الدستور الجديد الذي وضعه قيس سعيد يضع وزارة الخارجية تحت مشمولاته الحصرية.

ويضيف المتحدث "إحقاقا للحق، فإن بقاء الجرندي في أكثر من حكومة تعاقبت على البلاد منذ 2011 مؤشر على نجاحه في بعض الملفات والقضايا الدبلوماسية لتونس".

لكن مقابل هذا النجاح الذي اعتبره الحاجي نسبيا، يرى المحلل السياسي أن "هناك إخفاقا تاما للجرندي في إدارة ملف التونسيين المقيمين في الخارج ووضعية التمثيليات الدبلوماسية والسفارات والقنصليات"، الأمر الذي انعكس سلبيا على جذب الاستثمارات الاقتصادية والسياحة، حسب قوله.

المصدر : الجزيرة